الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
114
- وبعد أن عظم الله كتابه، أردفه بتعظيم نفسه فقال:{فَتَعَالَى اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: ارتفع بذاته، وتنزه عن مماثلة المخلوقين، في ذاته وصفاته وأفعاله وأحواله {الْمَلِكُ}؛ أي: السلطان النافذ أمره ونهيه، الحقيق بأن يرجى وعده، ويخشى وعيده {الْحَقُّ} في ملكوته وألوهيته، الحقيق بالملك لذاته.
الحاصل: أنه سبحانه، لما بيَّن (1) للعباد عظيم نعمته عليهم، بإنزال القرآن .. نزه نفسه عن مماثلة مخلوقاته في شيء من الأشياء؛ أي: جل الله عن إلحاد الملحدين، وعما يقول المشركون في صفاته، فإنه الملك الذي بيده الثواب والعقاب، وإنه الحق؛ أي: ذو الحق، ولا يخفى (2) ما في هذا من طلب الإقبال على دراسة القرآن، وبيان أن قواعده وزواجره سياسات إلهية، فيها صلاح الدارين، لا يحيد عنها إلا من خذله الله، وأن ما تضمنه من الوعد والوعيد حق كله، لا يحوم الباطل حول حماه، وأن المحق من أقبل عليه بشراشره، والمبطل من أعرض عن تدبر زواجره {وَلَا تَعْجَلْ} يا محمد {بِالْقُرْآنِ}؛ أي: بقراءته في نفسك {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى} ويؤدي {إِلَيْكَ وَحْيُهُ} ؛ أي: إلقاؤه وقراءته، ويفرغ منه ويتم جبريل تبليغه لك، وكان (3) محمد صلى الله عليه وسلم إذا ألقى إليه جبريل الوحي .. يتبعه عند تلفظ كل حرف وكل كلمة، لكمال اعتنائه بالتلقي والحفظ، فنهي عن ذلك، إذ ربما يشغله التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها.
المعنى: لا تعجل بقراءة القرآن خوف النسيان والانفلات قبل أن يستتم جبريل قراءته، ويفرغ من الإبلاغ والتلقين، فإذا بلَّغ فاقرأه، وقال أبو مسلم: ولا تعجل بقراءته في نفسك، أو في تأديته إلى غيرك، أو في اعتقاد ظاهره، أو في تعريف غيرك ما يقتضيه ظاهره، وفي هذا أنزل قوله تعالى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} .
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.
(3)
روح البيان.
وخلاصة ذلك: أنصت حين نزول الوحي بالقرآن عليك، حتى إذا فرغ الملك من قراءته .. فاقرأه من بعده.
وقرأ الجمهور (1): {يُقْضَى إِلَيْكَ} مبنيًا للمفعول {وَحْيُهُ} : مرفوع به، وقرأ عبد الله، والجحدري والحسن، وأبو حيوة، ويعقوب، وسلام، والزعفراني، وابن مقسم:{نقضي} بنون العظمة، مفتوح الياء {وحيه}: بالنصب، وقرأ الأعمش؛ كذلك إلا أنه سكن الياء من {نقضي} قال صاحب، اللوامح لا وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء، بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفًا. انتهى.
وفي "التأويلات النجمية" وفي قوله: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} إشارة إلى سكوته عند قراءة القرآن، واستماعه والتدبر في معانيه وأسراره، للتنور بأنواره، وكشف حقائقه، ولهذا قال:{وَقُلْ} يا محمد في نفسك {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} ؛ أي: فهمًا (2) لإدراك حقائقه، فإنها غير متناهية، وتنورًا بأنواره، وتخلقًا بخلقه، وقال بعضهم:{عِلْمًا} بالقرآن، فكان كل ما نزل عليه شيء من القرآن .. ازداد به علمًا.
والمعنى: أي سل الله زيادةً في العلم، دون استعجال بتلاوة الوحي، فإن ما أوحي إليك يبقى لا محالة، روى الترمذي، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علمًا والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار".
وكان ابن مسعود: إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم زدني إيمانًا وفقهًا ويقينًا وعلمًا.
وفي الآية: بيان لشرف العلم، وقيل: ما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء إلا في طلب العلم، والمعتبر هو العلم النافع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" والعلم بالله لا يتيسر إلا بتصفية الباطن، فتصفية القلب عما سوى الله تعالى من أعظم القربات، وأفضل الطاعات، ولذلك
(1) البحر المحيط.
(2)
روح البيان.
كان مطمع نظر الأكابر في إصلاح القلوب والسرائر.
الإعراب
{وَلَقَدْ} الواو: استئنافية و {اللام} :موطئة للقسم {قد} : حرف تحقيق {قَالَ} : فعل ماض {لَهُمْ} : متعلق به {هَارُونُ} : فاعل {مِنْ قَبْلُ} : جار ومجرور متعلق بـ {قَالَ} أيضًا، أو حال من {هَارُونُ} والجملة الفعلية: جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: مستأنفة {يَا قَوْمِ} إلى قوله: {قَالُوا} : مقول محكي لـ {قَالَ} وإن شئت قلت: {يَا قَوْمِ} : منادى مضاف، وجملة النداء: في محل النصب مقول {قَالَ} . {إِنَّمَا} : كافة ومكفوفة {فُتِنْتُمْ} : فعل مغير الصيغة ونائب فاعل {به} متعلق به، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قال} على كونه جواب النداء {وَإِنَّ رَبَّكُمُ} (الواو): عاطفة {إِنَّ} : حرف نصب {رَبَّكُمُ} اسمها {الرَّحْمَنُ} : خبرها، والجملة الاسمية: في محل النصب معطوفة على الجملة الفعلية قبلها، على كونها مقول {قَالَ} {فَاتَّبِعُونِي} (الفاء): فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أن ربكم الرحمن، وأردتم إظهار النصيحة لكم .. فأقول لكم {فَاتَّبِعُونِي} {اتبعوني}: فعل وفاعل ونون وقاية ومفعول به، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: في محل النصب مقول {قَالَ} . {وَأَطِيعُوا أَمْرِي} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل النصب معطوفة على جملة {فَاتَّبِعُونِي} . {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة استئنافًا بيانيًا {لَنْ نَبْرَحَ} إلى آخر الآية: مقول محكي لـ {قَالُوا} وإن شئت قلت. {لَنْ} : حرف نفي ونصب {نَبْرَحَ} : فعل مضارع ناقص منصوب بـ {لَنْ} واسمها: ضمير مستتر عائد على عابدي العجل {عَلَيْهِ} : متعلق بـ {عَاكِفِينَ} {عَاكِفِينَ} : خبر {نَبْرَحَ} منصوب بالياء، وجملة {نَبْرَحَ}: في محل النصب مقول {قَالُوا} . {حَتَّى} حرف جر وغاية، بمعنى إلى {يَرْجِعَ}: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة
وجوبًا بعد {حَتَّى} بمعنى إلى {إِلَيْنَا} : متعلق به {مُوسَى} : فاعل والجملة الفعلية، مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى إلى، تقديره، إلى رجوع {مُوسَى} . {إِلَيْنَا} الجار والمجرور متعلق بـ {نَبْرَحَ} أو بـ {عَاكِفِينَ} .
{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ} .
{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله: ضمير يعود على {مُوسَى} والجملة: معطوفة بعاطف مقدر على جملة محذوفة، تقديرها: فرجع موسى إليهم و {قَالَ يَا هَارُونُ
…
} إلخ. {يَا هَارُونُ} إلى قوله: {قَالَ} مقول محكي لـ {قَالَ} وإن شئت .. قلت {يَا هَارُونُ} منادى مفرد العلم، وجملة النداء، في محل النصب مقول {قَالَ}. {مَا}: اسم استفهام للاستفهام التوبيخ، في محل الرفع مبتدأ {مَنَعَكَ}: فعل ومفعول وفاعل مستتر يعود على {مَا} والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها جواب النداء {إِذْ} : ظرف متعلق بـ {مَنَعَكَ} . {رَأَيْتَهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول أول، وجملة:{ضَلُّوا} في محل النصب مفول ثان لـ {رأيت} إن قلنا إنها قلبية، أو في محل النصب حال من ضمير المفعول إن قلنا إنها بصرية، وجملة {رأيت}: في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} . {أَلَّا تَتَّبِعَنِ} {أن} : حرف نصب ومصدر {لا} زائدة {تتبع} : فعل مضارع منصوب بأن، وفاعله: ضمير يعود على {هَارُونُ} و {النون} نون الوقاية وياء المتكلم المحذوفة اجتزاءً عنها بكسرة نون الوقاية: في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية، مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور بحرف محذوف، تقديره:{مَا مَنَعَكَ} من اتباعك إياي في الجبل، أو في الغضب لله الجار والمجرور متعلق بـ {مَنَعَكَ} .
{أَفَعَصَيْتَ} الهمزة: فيه للاستفهام التوبيخي، المضمن للإنكار، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف تقديره: أأقمت بين هؤلاء الذين عبدوا العجل {فَعَصَيْتَ أَمْرِي} . {عَصَيْتَ أَمْرِي} : فعل وفاعل ومفعول،
والجملة، معطوفة على تلك الجملة المحذوفة، والجملة المحذوفة: في محل النصب مقول {قَالَ} . {قَالَ} : فعل ماض وفاعله: ضمير يعود على {هَارُونُ} والجملة: مستأنفة {يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ} إلى قوله: {قَالَ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{يا} حرف نداء {ابن} : منادى مضاف منصوب بفتحة ظاهرة {ابن} : مضاف {أمَّ} بالفتح: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، المنقلبة ألفًا للتخفيف، بعد قلب الكسرة فتحة لمناسبة الألف المحذوفة اجتزاءً عنها بالفتحة {أمَّ} مضاف وياء المتكلم المنقلبة ألفًا محذوفةً: في محل الجر مضاف إليه، وبالكسر مضاف إليه مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اجتزاءً عنها بالكسرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة {أم}: مضاف وياء المتكلم في محل الجر مضاف إليه، وقد بسطنا إعراب المنادى المضاف إلى ياء المتكلم في رسالتنا "هدية أولى العلم والإنصاف في إعراب المنادى المضاف" فراجعها إن أردت بسط المقام، وجملة المنادى: في محل النصب مقول {قَالَ} . {لَا} : ناهية جازمة {تَأْخُذْ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لَا} : ناهية، وفاعله: ضمير يعود على {مُوسَى} . {بِلِحْيَتِي} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {تَأْخُذْ}. {وَلَا بِرَأْسِي}: معطوف على {بِلِحْيَتِي} والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها جواب النداء {إِنِّي} : ناصب واسمه {خَشِيتُ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر {أَنَّ} وجملة {أَنّ} : في محل النصب مقول {قَالَ} . {أَن} : حرف نصب ومصدر {تَقُولَ} : فعل مضارع منصوب بـ {أَن} وفاعله: ضمير يعود على {مُوسَى} والجملة الفعلية، مع أن المصدرية: في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره {إِنِّي خَشِيتُ} قولك {فَرَّقْتَ}: فعل وفاعل، والجملة: في محل النصب مقول {تَقُولَ} . {بَيْنَ} : ظرف مكان متعلق بـ {فَرَّقْتَ} {بَيْنَ} مضاف {بَنِي إِسْرَائِيلَ} : مضاف إليه {وَلَمْ تَرْقُبْ} (الواو): عاطفة {لم ترقب} : جازم ومجزوم، وفاعله: ضمير يعود على {هارون} . {قَوْلِي} : مفعول به ومضاف إليه وياء المتكلم: واقعة على {مُوسَى} والجملة الفعلية: في محل النصب معطوفة على جملة {فَرَّقْتَ} : على كونها مقولًا لتقول؛ أي: {و}
خشيت أن تقول {لم ترقب قولي} : أي: {قَوْلِي} لك {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} وعلى هذا الاحتمال جمهور المفسرين، ويجوز عطف قوله:{وَلَمْ تَرْقُبْ} على {أَنْ تَقُولَ} : فيكون الضمير في {قَوْلِي} واقعًا على {هَارُونُ} ؛ أي: وخشيت عدم ترقبك لـ {قَوْلِي} ؛ أي: {خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ} وخشيت عدم تأملك في {قَوْلِي} حتى تفهم عذري.
{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله: ضمير يعود على {مُوسَى} والجملة: مستأنفة {فَمَا خَطْبُكَ} : مقول محكي لـ {قَالَ} وإن شئت قلت: {فَمَا} الفاء: عاطفة على محذوف تقديره: اتخذت العجل إلهًا {فَمَا خَطْبُكَ} والجملة المحذوفة: في محل النصب مقول {قَالَ} . {ما} : اسم استفهام للاستفهام التوبيخي في محل الرفع مبتدأ {خَطْبُكَ} : خبر المبتدأ، ومضاف إليه، والجملة في محل النصب معطوفة على الجملة المحذوفة {يَا سَامِرِيُّ}: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ}. {قَالَ}: فعل ماض، وفاعله: ضمير يعود على {السَامِرِيُّ} والجملة: مستأنفة {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا} إلى قوله: {قَالَ فَاذْهَبْ} : مقول محكي لـ {قَالَ} وإن شئت قلت: {بَصُرْتُ} : فعل وفاعل {بِمَا} : جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قَالَ} {لَمْ يَبْصُرُوا} : جازم وفعل وفاعل {بِهِ} : متعلق به، والجملة: صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد: ضمير {بِهِ} . {فَقَبَضْتُ} (الفاء): عاطفة {قبضت} : فعل وفاعل معطوف على {بَصُرْتُ} . {قَبْضَةً} : مفعول به وهو مصدر مرة من قبض، وإطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر {مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ {قَبْضَةً} وهو على تقدير مضافين؛ أي: {مِنْ أَثَرِ} حافر فرس {الرَّسُولِ} والمعنى: من تربة موطئه {فَنَبَذْتُهَا} (الفاء) عاطفة {نبذتها} فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {قبضت} . {وَكَذَلِكَ} (الواو): عاطفة {كَذَلِكَ} : جار ومجرور صف لمصدر محذوف {سَوَّلَتْ} . {نَفْسِي} فعل
وفاعل {لِي} : جار ومجرور متعلق بـ {سَوَّلَتْ} والتقدير وسولت لي نفسي عبادة العجل تسويلًا كائنًا كتسويل الذي فعلته من القبض والنبذ، ويصح كون (الكاف) زائدة واسم الإشارة مفعولًا مقدمًا لـ {سَوَّلَتْ} والجملة: في محل النصب معطوفة على الجمل التي قبلها، على كونها مقولًا لـ {قَالَ} .
{قَالَ} فعل ماض، وفاعله: ضمير يعود على {مُوسَى} والجملة: مستأنفة {فَاذْهَبْ} (الفاء): فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا قلت: إن فعلك هذا من تسويل النفس، وأردت بيان جزائك .. فأقول لك {اذهب} {اذهب}: فعل أمر، وفاعله: ضمير يعود على {السَّامِرِيُّ} والجملة: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة: في محل النصب مقول {قَالَ} . {فَإِنَّ} (الفاء): عاطفة {إِنّ} حرف نصب {لَكَ} : جار ومجرور خبر مقدم لأن {فِي الْحَيَاةِ} : متعلق بالاستقرار الذي تعلق به خبر {أن} {أَنْ تَقُولَ} : ناصب وفعل منصوب، وفاعله: ضمير يعود على {السَّامِرِيُّ} والجملة الفعلية: في تأويل مصدر منصوب على كونه اسم {أَنّ} تقديره: فإن قولك {لَا مِسَاسَ} كائن لك {فِي الْحَيَاةِ} وجملة {إنّ} : معطوفة على جملة {اذهب} على كونها مقول {قَالَ} {لَا} نافية تعمل عمل إن {مِسَاسَ} : في محل النصب اسمها، وخبر {لَا}: محذوف تقديره: {لَا مِسَاسَ} كائن لي، وجملة {لَا}: في محل النصب مقول {تَقُولَ} . {وَإِنَّ} الواو: عاطفة {إنّ} : حرف نصب {لَكَ} خبرها مقدم {مَوْعِدًا} : اسمها مؤخر {لَنْ} حرف نصب {تُخْلَفَهُ} : فعل مضارع مغير الصيغة، منصوب بـ {لَن} ونائب فاعله: ضمير يعود على {السَّامِرِيُّ} وهو المفعول الأول، و (الهاء): ضمير متصل في محل النصب مفعول ثان له، والجملة الفعلية: في محل النصب صفة لـ {مَوْعِدًا} ولكنها سببية، والتقدير: وإن موعدا لن تخلفه كائن لك، وجملة {إِنَّ}: معطوفة على جملة {إن} المذكورة قبلها.
{وَانْظُرْ} : فعل أمر وفاعل مستتر يعود على {السَّامِرِيُّ} والجملة: في محل النصب معطوفة على جملة قوله: {فَاذْهَبْ} . {إِلَى إِلَهِكَ} : جار ومجرور متعلق بـ {انظر} {الَّذِي} : في محل جر صفة لـ {إِلَهِكَ} . {ظَلْتَ} : فعل ناقص واسمه وأصله: ظللت بلامين أولاهما مكسورة حذفت تخفيفًا كما سيأتي في مبحث التصريف {عَلَيْهِ} متعلق بـ {عَاكِفًا} . {عَاكِفًا} خبر {ظَلْتَ} والجملة: صلة الموصول، والعائد: ضمير عليه {لَنُحَرِّقَنَّهُ} (اللام): موطئة للقسم {نحرقن} : فعل مضارع في محل الرفع، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله: ضمير يعود على {مُوسَى} ومن معه و (الهاء): ضمير متصل في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية: جواب القسم، وجملة القسم: في محل النصب مقول {قَالَ} . {ثُمَّ} : حرف عطف وترتيب {لَنَنْسِفَنَّهُ} (اللام): موطئة للقسم {ننسفن} فعل مضارع في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله: ضمير يعود على {مُوسَى} ومن معه و (الهاء): ضمير متصل في محل النصب مفعول به، وجملة القسم: معطوفة على جملة القسم المذكورة قبلها {فِي الْيَمِّ} : متعلق بـ {ننسفن} . {نَسْفًا} منصوب على المفعولية المطلقة.
{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)} .
{إِنَّمَا} : كافة ومكفوفة {إِلَهُكُمُ} : مبتدأ {اللَّهُ} خبره والجملة: مستأنفة أو في محل النصب مقول {قَالَ} . {الَّذِي} : اسم موصول في محل الرفع صفة للجلالة {لَا} : نافية {إِلَهَ} في محل النصب اسم {لَا} وخبر {لَا} : محذوف تقديره: موجود {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ هُو ضمير للمفرد المنزه في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر {لَا} وجملة {لَا} من اسمها وخبرها صلة الموصول {وَسِعَ} : فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الموصول {كُلَّ شَيْءٍ} : مفعول به ومضاف إليه {عِلْمًا} : تمييز محول عن الفاعل، والجملة
الفعلية: بدل من جملة {لَا} على كونها صلة الموصول.
{كَذَلِكَ} جار ومجرور صفة لمصدر محذوف {نَقُصُّ} : فعل ماض، وفاعله: ضمير يعود على {اللَّهُ} . {عَلَيْكَ} : متعلق به، والتقدير:{نَقُصُّ عَلَيْكَ} قصًا كائنًا كقص قصة موسى عليه السلام والجملة: مستأنفة {مِنْ أَنْبَاءِ} : جار ومجرور صفة لموصوف محذوف هو مفعول به {نَقُصُّ عَلَيْكَ} نبأً كائنًا {مِنْ أَنْبَاءِ} {مَا قَدْ سَبَقَ} {أَنْبَاءِ} مضاف {مَا} اسم موصول في محل الجر مضاف إليه {قَدْ} : حرف تحقيق {سَبَقَ} : فعل ماض، وفاعله: ضمير يعود على {مَا} والجملة: صلة لـ {مَا} الموصولة {وَقَدْ آتَيْنَاكَ} (الواو): عاطفة {قَدْ} حرف تحقيق {آتَيْنَاكَ} : فعل وفاعل ومفعول أول {مِنْ لَدُنَّا} جار ومجرور ومضاف إليه حال من {ذِكْرًا} . {ذِكْرًا} : مفعول ثان لـ {أتيناك} والجملة الفعلية: في محل النصب حال من فاعل {نَقُصُّ} أو مستأنفة.
{مَنْ} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط، أو الجواب، أو هما {أَعْرَضَ}: فعل ماض في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها، وفاعله: ضمير يعود على {مَنْ} . {فَإِنَّهُ} (الفاء): رابطة لجواب {مَنْ} : الشرطية لكون الجواب جملة اسمية {إن} : حرف نصب و (الهاء): اسمها {يَحْمِلُ} : فعل مضارع، وفاعله: ضمير يعود على {مَنْ} . {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} : ظرف متعلق به {وِزْرًا} : مفعول به، وجملة {يَحْمِلُ}: في محل الرفع خبر {إن} وجملة {إن} في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية: في محل النصب صفة لـ {ذِكْرًا} ؛ أي: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} منطوياً مشتملاً على هذه القصص {يَحْمِلُ} المعرض عنه {وِزْرًا} كاملًا {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . {خَالِدِينَ} : حال من فاعل {يَحْمِلُ} العائد على {مَنْ} الشرطية مراعاة لمعناها بعد مراعاة لفظها {فِيهِ} : جار ومجرور متعلق بـ {خَالِدِينَ}
والضمير: يعود للوزر {وَسَاءَ} (الواو): استئنافية {ساء} فعل ماض من أفعال الذم، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: هو يعود على المبهم الذي يفسره التمييز المتأخر عنه لفظًا ورتبة {لَهُمْ} : جار ومجرور متعلق بالقول المقدر؛ أي: يقال: هذا الكلام لهم في حقهم لا متعلقة بـ {ساء} وقيل: هي كاللام في {هَيْتَ لَكَ} ؛ أي: لمجرد البيان، فراجع سورة يوسف {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ظرف متعلق بـ {ساء} . {حِمْلًا} تمييز لفاعل {ساء} وجملة {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا} جملة إنشائية مستأنفة، والمخصوص بالذم، محذوف تقديره: وزرهم، والمعنى: بئس ما حملوا على أنفسهم من الإثم كفرًا بالقرآن. اهـ "كرخي".
{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)} .
{يَوْمَ} : بدل من {يَوْمَ الْقِيَامَة} . {يُنْفَخُ} : فعل مضارع مغير الصيغة {فِي الصُّورِ} : جار ومجرور نائب فاعل، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} . {وَنَحْشُرُ} : فعل مضارع معطوف على {يُنْفَخُ} وفاعله: ضمير يعود على الله {الْمُجْرِمِينَ} : مفعول به {يَوْمَئِذٍ} : ظرف أضيف إلى ظرف متعلق بـ {نحشر} والتنوين عوض عن الجملة المحذوفة {زُرْقًا} : حال من {الْمُجْرِمِينَ} وجملة.
{يَتَخَافَتُونَ} : حال من المجرمين أو مستأنفة مسوقة لبيان حالهم في ذلك اليوم {بَيْنَهُمْ} ظرف ومضاف إليه متعلق {يَتَخَافَتُونَ} . {إِن} : نافية {لَبِثْتُمْ} : فعل وفاعل إلا أداة حصر استثناء مفرغ {عَشْرًا} منصوب على الظرفية، متعلق بـ {لَبِثْتُمْ} والجملة الفعلية: في محل النصب مقول لقول محذوف، واقع حالًا من فاعل {يَتَخَافَتُونَ}؛ أي: يتسارون بينهم، حال كونهم قائلين:{إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا} . {نَحْنُ أَعْلَمُ} : مبتدأ وخبر، والجملة: مستأنفة {بِمَا} متعلق بـ {أَعْلَمُ} وجملة {يَقُولُونَ} : صلة لـ {ما} {إِذْ} ظرف متعلق بـ {أَعْلَمُ} {يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ} فعل وفاعل {طَرِيقَةً} تمييز ذات، والجملة: مضاف إليه لـ {إِذْ} {إِنْ} نافية {لَبِثْتُمْ} فعل وفاعل {إِلَّا} أداة حصر {يَوْمًا} ظرف متعلق بـ {لَبِثْتُمْ} والجملة الفعلية: في
محل النصب مقول {يقول} .
{وَيَسْأَلُونَكَ} الواو: استئنافية {يسألونك} : فعل وفاعل ومفعول أول {عَنِ الْجِبَالِ} في محل المفعول الثاني، والجملة: مستأنفة مسوقة لتقرير تعنتهم وإصرارهم على الجدل والمكابرة والاستهزاء {فَقُلْ} (الفاء): عاطفة {قل} : فعل أمر، وفاعله: ضمير يعود على محمد، والجملة: معطوفة على جملة {يسألونك} . {يَنْسِفُهَا رَبِّي} : فعل ومفعول به وفاعل {نَسْفًا} : مفعول مطلق، والجملة: في محل النصب مقول {قل} . {فَيَذَرُهَا} (الفاء): عاطفة {يذرها} فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة: في محل النصب معطوفة على جملة {يَنْسِفُهَا} . {قَاعًا} : حال من الضمير المنصوب، أو مفعول ثان لتضمين {يذر} معنى التصيير {صَفْصَفًا}: حال ثانية، أو بدل من المفعول الثاني، وأعربه بعضهم صفةً له {لَا}: نافية {تَرَى} : فعل مضارع، وفاعله: ضمير يعود على محمد، أو على أي مخاطب {فِيهَا} ، متعلق بـ {تَرَى}. {عِوَجًا}: مفعول به لأن {تَرَى} : بصرية {وَلَا أَمْتًا} : معطوف على {عِوَجًا} والجملة الفعلية: في محل النصب حال ثالثة أو حال أولى.
{يَوْمَئِذٍ} {يومَ} : منصوب على الظرفية وهو مضاف {إذٍ} ظرف لما مضى من الزمان، في محل الجر مضاف إليه، مبني بسكون مقدر، والتنوين: عوض عن الجملة المحذوف، والظرف: متعلق بـ {يَتَّبِعُونَ} أو بدل من {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} المتقدم {يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: مستأنفة {لا} نافية {عِوَجَ} في محل النصب اسم {لا} . {لَهُ} : جار ومجرور خبر {لا} وجملة {لا} : في محل النصب حال من {الدَّاعِيَ} أو صفة لمصدر محذوف؛ أي: يتبعونه اتباعًا {لَا عِوَجَ لَهُ} ويجوز أن تكون مستأنفة، والأول: أظهر؛ لأن
الضمير في {لَهُ} يعود عليه؛ أي: {لَا عِوَجَ} لدعائه بل يسمع جميعهم، فلا يميل إلى أناس دون أناس {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ}: فعل وفاعل معطوف على {يَتَّبِعُونَ} . {لِلرَّحْمَنِ} : متعلق بـ {خشعت} . {فَلَا} (الفاء): عاطفة {لا} نافية {تَسْمَعُ} : فعل مضارع، وفاعله: ضمير مستتر فيه يعود على أي مخاطب، أو على محمد {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {هَمْسًا}: مفعول به، والجملة: معطوفة على جملة {خشعت} .
{يَوْمَئِذٍ} : ظرف مضاف إلى ظرف متعلق بـ {لَا تَنْفَعُ} . {لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {مَن} اسم موصول واقع على المشفوع، في محل النصب مفعول به لـ {تَنْفَعُ} ويجوز أن تكون بدلًا من {الشَّفَاعَةُ} على قاعدة المستثنى المنفي، أو النصب على الاستثناء المتصل من {الشَّفَاعَةُ} ولا بد في هذين الوجهين من تقدير مضاف، تقديره: إلا شفاعة من أذن له، وإذا اعتبر المستثنى منقطعًا .. وجب نصبه، فتلخص فيه أربعة أوجه متقاربة الرجحان، ورجح الزمخشري الرفع على البدلية، وتبعه القاضي البيضاوي {أَذِنَ} فعل ماض {لَهُ} متعلق به {الرَّحْمَنُ} فاعل والجملة: صلة الموصول {ورضي} : فعل ماض، وفاعله: ضمير يعود على الله {لَهُ} متعلق بـ {رضي} {قَوْلًا} مفعول به، والجملة: معطوفة على جملة {أَذِنَ} .
{يَعْلَمُ} : فعل مضارع، وفاعله: ضمير يعود على {الرَّحْمَنُ} والجملة: مستأنفة مسوقة لتقرير علمه تعالى {مَا} اسم موصول في محل النصب مفعول به {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} : ظرف ومضاف إليه صلة الموصول {وَمَا خَلْفَهُمْ} : معطوف على {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} . {وَلَا} (الواو): عاطفة {لَا} : نافية {يُحِيطُونَ} : فعل وفاعل معطوف على {يَعْلَمُ} . {بِهِ} متعلق به {عِلْمًا} تمييز محول عن الفاعل منصوب بـ {يُحِيطُونَ} . {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} : فعل وفاعل معطوف على {يَعْلَمُ} . {لِلْحَيِّ} :
جار ومجرور متعلق بـ {عنت} . {الْقَيُّومِ} : صفة {لِلْحَيِّ} . {وَقَدْ} (الواو): حالية {قَدْ} : حرف تحقيق {خَابَ} : فعل ماض {مَنْ} : اسم موصول في محل الرفع فاعل، والجملة: في محل النصب حال من {الْوُجُوهُ} والرابط محذوف، تقديره:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} والحال أنه قد خاب من حمل ظلما من أصحابها {حَمَلَ} : فعل ماض، وفاعله: ضمير يعود على {مَنْ} . {ظُلْمًا} مفعول به والجملة: صلة {مَنْ} الموصولة.
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)} .
{وَمَنْ} {الواو} : عاطفة {مَنْ} : اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط، أو الجواب، أو هما {يَعْمَلْ}: فعل مضارع مجزوم بـ {من} وفاعله: ضمير يعود على محمد {مِنَ الصَّالِحَاتِ} : جار ومجرور صفة لمفعول محذوف تقديره: أعمالًا {مِنَ الصَّالِحَاتِ} . {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} : مبتدأ وخبر، والجملة: في محل النصب حال من فاعل {يَعْمَلْ} {فَلَا} (الفاء): رابطة لجواب {مِنَ} الشرطية {لا} نافية {يَخَافُ} : فعل مضارع، وفاعله: ضمير يعود على {مِنَ} . {ظُلْمًا} : مفعول به {وَلَا هَضْمًا} معطوف عليه، وجملة {يَخَافُ}: في محل الجزم بـ {من} على كونها جوابًا لها، وجملة {مَن} الشرطية: في محل النصب معطوفة على جملة قوله: {وَقَدْ خَابَ} .
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ} الواو: عاطفة {كَذَلِكَ} : صفة لمصدر محذوف {أَنْزَلْنَاهُ} : فعل وفاعل ومفعول به، والتقدير: وأنزلنا القرآن كله إنزالًا مثل إنزال هذه الآيات، المتضمنة لأحوال يوم القيامة، والجملة: معطوفة على جملة قوله: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} أو مستأنفة {قُرْآنًا} حال من ضمير المفعول في {أَنْزَلْنَاهُ} . {عَرَبِيًّا} : صفة له {وَصَرَّفْنَا} : فعل وفاعل معطوف على {أَنْزَلْنَاهُ} . {فِيهِ} : متعلقة بـ {صرفنا} . {مِنَ الْوَعِيدِ} : صفة لمفعول محذوف؛ أي: صرفنا فيه وعيدًا من الوعيد أو {مِنَ} زائدة {لَعَلَّهُمْ} : ناصب واسمه،
وجملة {يَتَّقُونَ} : في محل الرفع خبر {لعل} وجملة {لعل} : في محل الجر بلام التعليل المقدرة؛ لأن {لعل} هنا للتعليل؛ أي: لكي {يَتَّقُونَ} . {أَوْ} : حرف عطف {يُحْدِثُ} : فعل مضارع، وفاعله: ضمير يعود على القرآن {لَهُمْ} : متعلق بـ {يُحْدِثُ} . {ذِكْرًا} : مفعول به، والجيملة الفعلية: في محل الرفع معطوفة على جملة {يَتَّقُونَ} .
{فَتَعَالَى} الفاء: استئنافية {تَعَالَى اللَّهُ} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة {الْمَلِكُ} : صفة أولى للجلالة {الْحَقُّ} : صفة ثانية له {وَلَا تَعْجَلْ} (الواو): عاطفة {لَا} ناهية {تَعْجَلْ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لا} ناهية، وفاعله: ضمير يعود على محمد {بِالْقُرْآنِ} : متعلق به، والجملة: معطوفة على جملة {تعالى} {مِنْ قَبْلِ} : جار ومجرور متعلق بـ {تَعْجَلْ {أَنْ} : حرف نصب ومصدر {يُقْضَى} : فعل مضارع مغير الصغة منصوب بـ {أَنْ} {إِلَيْكَ} متعلق به {وَحْيُهُ} : نائب فاعل، والجملة الفعلية مع {أن} المصدرية: في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه، تقديره:{مِنْ قَبْلِ} قضاء وحيه إليك وقيل: فعل أمر، وفاعله: ضمير يعود على محمد، والجملة: معطوفة على جملة قوله: {وَلَا تَعْجَلْ} . {رَبِّ} : منادى مضاف، وجملة النداء: في محل النصب مقول {قُلْ} . {زِدْنِي عِلْمًا} : فعل وفاعل مسشتر، ومفعولان ونون وقاية، والجملة: في محل النصب مقول {قُلْ} على كونها جواب النداء.
التصريف ومفردات اللغة
{عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} ؛ أي: مقيمين على عبادته، قال الراغب: العكوف: الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم {فَمَا خَطْبُكَ} ؛ أي: شأنك، وما الأمر العظيم الذي صدر منك، والخطب لغةً: الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب، وهو من تقاليب الخبط، ففيه إشارة إلى عظيم خبطه كما مر {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} بضم الصاد فيهما؛ أي: علمت بما لم يعلمه القوم، وفطنت لما لم يفطنوا
له، يقال: بصر بالشيء بضم الصاد: إذا علمه وأبصره إذا نظر إليه، وهو من باب ظرف، ويقال: بصر بالكسر من باب علم، قال في "القاموس": بصر به ككرم وفرح بصرًا وبصارةً، ويكسر صار مبصراً، وفي "المفردات": قلما يقال: بصرت في الحاسة إذا لم تضامه رؤية القلب {فَقَبَضْتُ} يقال: قبض الشيء بيده يقبض: من باب جلس، وعلى الشيء: إذا أمسكه بيده، وضم إليه أصابعه، وقبض يده عن الشيء: امتنع عن إمساكه، وقبضه عن الأمر: أنحاه وقبضه الله أمانته، وقبض الشيء خلاف بسطه ووسعه، وقبض الطائر جناحه جمعه وقبض الدار ونحوها تسلمها، وقبض منه المال: أخذه لنفسه، وقبض قبضة: أخذها.
والقبضة: المرة من القبض، وهو الأخذ بجميع الكف، أطلقت على المقبوض مرةً، ويقال: قبص بالصاد المهملة؛ لأنهما تتعاقبان في كثير من الكلمات، قال يعقوب بن السكيت: وقبضت قبضة وقبصت قبصة، ويقال: إن القبضة أقل من القبصة، وقال غيره: القبص: بأطراف الأصابع، والقبض: بالكف كلها {فَنَبَذْتُهَا} النبذ: إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به؛ أي: طرحتها في الحلي المذابة، أو في فم العجل، فكان ما كان كما مر.
{لَا مِسَاسَ} بكسر الميم مصدر قياس من باب فاعل، قال في "المفردات" المس: كاللمس، لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء، وإن لم يوجد، والمس يقال: فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس، وفي "القاموس": قوله تعالى: {لَا مِسَاسَ} بالكسر، أي: لا أَمُسُّ ولا أُمَسُّ، وكذلك التماس ومنه {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. انتهى؛ أي: لا مسني أحد، ولا أمس أحدًا خوفًا من أن تأخذ كما الحمى؛ أي: لا مخالطة فلا يخالطه أحد، ولا يخالط أحدًا، فعاش وحيدًا طريدًا {لَنْ تُخْلَفَهُ} والخلف والإخلاف: المخالفة في الوعد، يقال: وعدني فأخلفني؛ أي: خالف في الميعاد {الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} أصله: ظللت بلامين، أولاهما مكسورة، فحذفت الأولى تخفيفًا قال في "المفردات": ظلت بحذف إحدى اللامين يعبر به عما يُفعل بالنهار، ويجري مجرى صوت، والمعنى: صوت مقيمًا على عبادته {لَنَنْسِفَنَّهُ} من نسفت الريح التراب: إذا أقلعته وأزالته وذرته،
والنسف: التفرقة والتذرية، وقيل: قلع الشيء من أصله، يقال: نسفه ينسفه بكسر السين وضمها في المضارع {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ} والقص: تتبع الأثر، والقصص: الأخبار المتتبعة {مِنْ أَنْبَاءِ} جمع نبأ، والنبأ: خبر ذو فائدة عظيمة، يحصل به علم أو غلبة ظن {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} والصور: قرن ونحوه، ينفخ فيه حين يدعى الناس إلى المحشر، كما ينفخ فيه في الدنيا حين الأسفار، وفي المعسكرات {زُرْقًا}؛ أي: زرق الأبدان، سود الوجوه، لما هم فيه من الشدائد والأهوال، جمع أزرق، وهو: صفة مشبهة فيها ضمير مستتر هو فاعلها {يَتَخَافَتُونَ} ؛ أي: يخفضون أصواتهم ويخفونها لما لحقهم من الرعب والهول. اهـ "أبو السعود" وفي، "المختار": خفت الصوت: سكن وبابه جلس، والمخافتة والتخافت والخفت، بوزن السبت: إسرار المنطق. اهـ.
{إِنْ لَبِثْتُمْ} يقال: لبث بالمكان: أقام به ملازمًا له {أَمْثَلُهُمْ} ؛ أي: أفضلهم وأعدلهم رأيًا أو عملًا في الحياة الدنيا، وجمعه: أماثل ومثل، ومؤنثه: مثلى قال في "المفردات": الأمثل يعبر به عن الأشبه بالأفاضل والأقرب إلى الخير، وأماثل القوم: كناية عن خيارهم وعلى هذا قوله: {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} انتهى والطريقة المثلى: الشبهى بالحق، ويقال: المريض اليوم أمثل؛ أي: أحسن حالة {فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} في "المصباح": نسفت الريح التراب نسفًا، من باب ضرب: اقتلعته وفرقته، ونسفت البناء نسفًا: قلعته من أصله، ونسفت الحبَّ نسفًا، واسم الآلة منسف بكسر الميم. انتهى {قَاعًا} القاع: أرض سهلة مطمئنة، انفرجت عنها الجبال والآكام، والجمع: أقواع وأقوع وقيع وقيعان وقيعه، وقيل: هو المنكشف من الأرض، وقيل: المستوي الصلب منها، وقيل: ما لا نبات فيه ولا بناء.
{صَفْصَفًا} والصفصف: الأرض المستوية الملساء، كأن أجزاءها صف واحد من كل جهة، وفي "القاموس": الصفصف: المستوى من الأرض، وقاع صفصف: مستو مطمئن، فهو بمثابة التأكيد للقاع لأنه بمعناه {عِوَجًا} العوج بفتح العين في المحسوسات، وبكسرها في المعاني، وما هنا من قبيل الأول، لكنه عبر
فيه بمكسور العين لكونه لشدة خفائه، كأنه صار من قبيل المعاني؛ أي: لا تدركه فيها لو تأملته بالمقاييس الهندسية اهـ "أبو السعود". {أَمْتًا} الأمت: هو النتو اليسير، يقال: مد حبله حتى ما فيه أمت، وقيل: الأمت: هو التل، وهو قريب من الأول، وقيل: هو الشقوق في الأرض، وقيل: الآكام. اهـ "سمين" وفي "القاموس": أَمَتْهُ يَأْمَتُهُ، قدره وحزره، كأَمَّتَهُ وقَصَدَهُ، وأجل مأموت مؤقت، والأمت: المكان المرتفع، والتلال الصغار، والانخفاض، والارتفاع، والاختلاف في الشيء، والجمع: آمات وأموت، والضعف والوهن، والطريقة والعوج والعيب في الفم، وفي الثوب والحجر، وأن يغلظ مكان ويرق مكان، والمؤمَّت: المملوء والمتهم بالشر ونحوه، والخمر حرمت لا أمت فيها، أي: لا شك في حرمتها. اهـ {إِلَّا هَمْسًا} الهمس: الصوت الخفي، وهو مصدر همست الكلام من باب ضرب، إذا أخفيته، ومنه الحروف المهموسة، وقيل: ما يسمع من وقع الأقدام على الأرض، ومنه همست الإبل: إذا سمع ذلك من وقع أخفافها على الأرض. اهـ "سمين".
{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} في "المختار": عنا يعنو من باب سما يسموا، فالألف محذوفة قبل تاء التأنيث لالتقاء الساكنين: إذا ذل وخضع، ومنه العناة: جمع عان وهو الأسير، فأصله الأول: عنوت الوجوه، تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا، فصار عنات ثم حذفت لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث، وكأن هذا ليس بلازم، بل يصح أن يقال حذفت الواو ابتداءً وفي "السمين" يقال: عنا يعنو عناءً: إذا ذل وخضع، وأعناه غيره؛ أي: أذله، ومنه العناة جمع عان وهو الأسير. اهـ. وأما عني كرضي، يعني عناءً: فهو بمعنى تعب. اهـ شيخنا.
{الْقَيُّومِ} القائم بتدبير أمور عباده، ومجازات كل نفس بما كسبت {وَلَا هَضْمًا} والضم: النقص، تقول العرب: هضمت لزيد من حقه؛ أي: نقصت منه، ومنه: هضم الكشحين؛ أي: ضامرهما، ورجل هضيم ومهتضم؛ أي: مظلوم، وهضمته واهتضمته وتهضمته كله بمعنى {فَتَعَالَى اللَّهُ} تعالى تفعل من العلو، وليست مرتبة شريفة إلا والحق تعالى في أعلى درجاتٍ منها وأرفعها، وذلك لأنه
مؤثر وواجب لذاته، وكل ما سواه أثر وممكن، ولا مناسبة بين الواجب والممكن، قال في "الإرشاد" وهو استعظام له تعالى ولشؤونه، التي يُصَرِّف عليها عباده، من الأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، وغير ذلك.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التأكيد بزيادة حرف في قوله: {أَلَّا تَتَّبِعَنِ} لأن لا حرف زائد للتأكيد.
ومنها: إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول في قوله: {قَبْضَةً} لأن القبضة المرة من القبض، فأطلق على المقبوض، كضرب الأمير.
ومنها: المجاز بالحذف في قوله: {مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} لأن الأصل من أثر حافر فرس الرسول.
ومنها: التشبيه في قوله: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ} وهو: تشبيه مرسل مجمل.
ومنها: الاستعارة في قوله: {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا} شبه الوزر بالحمل الثقيل، بطريق الاستعارة التصريحية الأصلية.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {خَالِدِينَ فِيهِ} ؛ أي: في الوزر، والوزر: لا يقام فيه، ولكن أراد العقاب المتسبب عن الوزر، فالعلاقة فيه السببية.
ومنها: الكناية في قوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} لأنه كناية عن أمر الدنيا وأمر الآخرة.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} وجناس الاشتقاق في قوله: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً} وفي قوله: {ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} وفي قوله: {فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} .
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} .
ومنها: الكناية في قوله: {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} لأن الإعراض حقيقة في المحسوس، وهذا كناية عن عدم اتباعه، وترك العمل به، وفي قوله: {يحمل
…
وزرا} فإنه كناية عن مباشرة العقوبة.
ومنها: إنشاء الذم في قوله: {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا} .
ومنها: إبهام الفاعل في قوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} إفادةً للتهويل.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} لما فيه من إطلاق العام وإرادة الخاص؛ لأن المراد به كلمة لا إله إلا الله، وفي قوله:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} لما فيه من إطلاق الجزء وإرادة الكل؛ لأن المراد: أصحابها، وخُصت بالذكر؛ لأن الذل أول ما يظهر فيها.
منها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
كان من ذلك ذكر قصة آدم، وذكر شيء من أحواله فيها لم يتقدم ذكرها، فكان في ذلك مزيد علم له عليه الصلاة والسلام.
وعبارة المراغي هنا: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه صرَّف الوعيد في القرآن، وكرره لعلهم يتقون، أو يحدث لهم ذكرًا .. أردف (1) ذلك ببيان أنهم لم يلتفتوا إلى ذلك، ونسوه كما لم يلتفت أبوهم آدم إلى الوعيد، ونسي العهد، فمخالفتهم قديمة، وعرقهم فيها راسخ، ثم فصَّل عهده لآدم، وبيَّن كيف نسيه، وفقد العزم، ثم ذكر عصيان إبليس للسجود لآدم، وتحذيره من الخروج من الجنة إذا اتبع نصائحه، وهو بعد كل هذا قد أطاع وساوسه، وقبل إرشاده، فأكل من الشجرة التي نهي عن الأكل منها، فأخرج من الجنة مع إعلامه بأن الشيطان عدو له ولذريته.
ثم بيَّن أن من جاءه الهدى من ربه، واتبعه .. عاش في الدنيا قرير العين، هادىء البال، ويؤتى في الآخرة ما شاء الله أن يؤتى، من ألوان النعيم والسعادة، ومن أعرض عن ذلك .. عاش في الدنيا عيشةً ضنكًا، إذ هو لشدة حرصه عليها يخاف انتقاصها، ومن ثم يغلب عليه الشح والبخل، ويفعل كل منكر في سبيل جمع المال من أي وجه كان، ولا يبالي أمن حلال كان أم من حرام، أما المؤمن الذي لا يعنيه جمع حطام الدنيا، فإنه في سرور وراحةٍ، قل ماله أو كثر، ثم أردف هذا ببيان سبب ذلك، وهو إعراضه في الدنيا عن الآيات البينات التي تهديه إلى سبيل الرشاد، ومن ثم يسير في جهالته إلى يوم القيامة، وهذا مما يوجب له أشد الآلام الروحية، من حين مماته إلى حين الحشر، وهكذا يجازي الله المسرفين المكذبين بآياته في الدنيا والآخرة، جزاءً وفاقًا لما اجترحوا من السيئات، وارتكبوا من الذنوب والآثام، كما قال سبحانه:{لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)} .
قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ
…
} الآيات، مناسبة
(1) المراغي.
هذه الآيات لما قبلها، أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حال من أعرض عن ذكر الله في الآخرة بقوله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
…
} أتبعه بما يكون عبرةً للمشركين لو تفكروا فيه، وهو ما نزل بالمكذبين للرسل ممن قبلهم من الأمم، الذين يمرون بديارهم بكرةً وعشيًا، كقوم عاد وثمود، وكيف أصبحت ديارهم خرابًا بلقعًا، ليس فيها ديَّار ولا نافخ نار، ثم بيَّن أنه لولا سبق الكلمة بتأخير عذابهم إلى أجل مسمى .. لحاق بهم مثل ما حاق ممن قبلهم، ثم أمر رسوله بالصبر على ما يسمونه به، من نحو قولهم: إنه ساحر، وإنه مجنون، وعدم المبالاة بمقالتهم، وعليه أن يكثر من التسبيح، وعبادة ربه آناء الليل وأطراف النهار، ولا يلتفت إلى شيء مما متع به الكفار من زهرة الدنيا، التي أوتيت لهم لتكون ابتلاءً واختبارًا، وما عند الله خير منها وأبقى، ثم طلب إليه أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، وهو لا يكلفه رزقًا لنفسه ولا لغيره، فالله يرزقه من واسح فضله، وعظيبم عطائه، والعاقبة لمن اتقى {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} .
قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه (1)، لما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على أقاويلهم، التي أرادوا بها تكذيبه والكيد له، وشديد أذاه .. حكى بعض تلك الأقاويل الباطلة، ومنها ادعاؤهم أن القرآن ليس بحجة ولا معجزة تدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أبان لهم أنهم يوم القيامة سيعترفون بأنه آية بينة {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} ومن ثم لم نهلكهم قبله حتى تنقطِع معذرتهم، كما حكى الله عنهم من قوله:{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} ثم ختم السورة بضرب من الوعيد، وكأنه قال: قل لهم: كل منا ومنكم منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم، وحينئذٍ يتميز المحق من المبطل بما يظهر على الأول من أنواع الكرامة والتعظيم، وعلى الثاني من ضروب الخزي والإهانة، ويظهر مَنْ منا صار على الطريق السوي ومن المهتدي.
(1) المراغي.