الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير النفسي:
قال: "لأن ما استقر من تقدير صلة البلاغ بعلم النفس قد مهد السبيل إلى القول بالإعجاز النفسي للقرآن، كما كشف عن وجه الحاجة إلى تفسير نفساني للقرآن يقوم على الإحاطة المستطاعة بما عرف العلم من أسرار حركات النفس البشرية في الميادين التي تناولتها دعاوة القرآن الدينية، وجلده الاعتقادي، ورياضته للوجدانات والقلوب واستلالها لقديم ما اطمأنت إليه، وتوارثته عن الأسلاف والأجيال وتزيينها بما دعا إليه من إيمان، ينقض مبرم هذا القديم ويهدم أصوله وكيف تلطف القرآن لذلك كله، وماذا استخدم من حقائق نفسية في هذه المطالب الوجدانية والمرامي القلبية، وماذا أجدت رعاية ذلك كله في إنجاح الدعوة وإعلاء الكلمة. فالتفسير النفسي يقوم على أساس وطيد من صلة الفن القولي بالنفس الإنسانية، وأن الفنون على اختلافها ومن بينها الأدب ليست إلا ترجمة لما تجده النفس"1.
وأكد الأستاذ الخولي على أهمية التفسير النفسي حين قال: إن اللمحة النفسية في المعنى القرآني ربما تكون أحسم لخلاف بعيد الغور كثير الشعب بين المفسرين"1.
إلى أن قال: "فالملاحظة النفسية حين تعلل نسج الآية وصياغتها وتعرف بجو الآية وعالمها، ترفع المعنى الذي يفهم منها إلى أفق باهر السناء، وبدون هذه الملاحظة يرتدُّ المعنى ضئيلا ساذجا لا تكاد النفس تطمئن إليه، ولا هو خليق بأن يكون من مقاصد القرآن"1.
تلكم هي الخطوط الرئيسية التي رسمها الأستاذ أمين الخولي للتفسير الأدبي للقرآن الكريم وإن أردنا أن نذكرها إجمالا فهي:
أولا: جمع الآيات ذات الموضوع الواحد بعضا إلى بعض وتدبرها جميعا وتفسيرها كذلك.
1 التفسير معالم حياته منهجه اليوم أمين الخولي، ص45.
ثانيا: ترتيب آيات الموضوع الواحد ترتيبا زمنيا حسب تاريخ نزولها.
ثالثا: دراسة خاصة حول النص تقوم على تاريخه ونزوله وجمعه وكتابته وقراءته ونحو ذلك من علوم القرآن.
رابعا: دراسة عامة للبيئة التي نزل بها هذا النص، البيئة المادية في الأرض والسماء والجبال والسهول والأودية وبيئة معنوية في تاريخ هذه الأمة ونظمها وأعرافها وعاداتها وتقاليدها.
خامسا: دراسة النص القرآني في مفرداته وذلك بدراسة: استعمالات هذه المفردة لغويا. ودراسة استعمالها في القرآن الكريم في مواضع مختلفة ومدلولها في كل موضع.
سادسا: دراسة النص القرآني في معانيه المركبة وذلك بالاستعانة بالعلوم الأدبية من نحو وبلاغة على أن النحو أداة من أدوات بيان المعنى وتحديده، وعلى أن البلاغة هي النظرة الأدبية الفنية التي تتمثل الجمال القولي في الأسلوب القرآني، مع التأملات العميقة في التراكيب والأساليب القرآنية لمعرفة مزايا كل منها ولمعرفة فنون القول القرآني وموضوعاته.
تلكم هي أبرز الخطوط التي رسمها الأستاذ أمين الخولي لمنهجه في التفسير حرصت كل الحرص على أن أسوقها بنصوصها التي خطها صاحبها ودونها به، حتى ولو أطلت الحديث وحتى لو أكثرت النقل حتى أحاذر وأتحاشى اختصارا مخلا أو فهما خاطئا أقع فيه أو فيهما، وأعرف سلفا أن خير من يتحدث عن منهج الخولي هو الخولي نفسه وكيف أعبر عنه وأتحدث عن منهجه وقلمه لما يجف بعد؟.
فمعذرة إن كان فيما سقت من نصوصه إطالة فما اردت إلى الوفاء وما أردت إلى الإصابة.
على أنا وقد وصلنا إلى هذه المرحلة يجب أن نذكر أن الأستاذ الخولي نفسه وهو الذي وضع هذه الخطوط لم يخرج لنا دراسة تطبيقية كاملة لهذا المنهج وإن كان قد حاول ذلك مرارًا ويعلن في خاتمة بيانه لمنهجه هذا أنه لن يكون من
العاجزين مع اعترافه سلفا بالقصور عن الكفاية الكاملة والقدرة الموفورة حيث يقول: "مهما يكن لهذه المطالب من أثر يثقل خطانا ويؤخر أثمار دراستنا ويشعرنا بالنقص ويعود علينا باللائمة فإن هذه هي الحقيقة، وهذا هو الواجب، وأولى لنا أن نؤثر تقرير هذه الحقيقة على أن نكذب على أنفسنا وعلى الأجيال، فنزعم الكفاية الكاملة والقدرة الموفورة، ولئن لم يكن لنا من الكمال إلا الشعور بالنقص فذلك أجمل بنا من التزيد الزائف وليس الذي نبغيه من هذا المنهج مستحيلا ولا بعيد التحقق، فقد شعر أسلافنا بجملته، وفاموا ببعضه للقرآن، ثم قام المحدثون به كله لكتبهم الأدبية والدينية، ولن نكون نحن بين هؤلاء وأولئك الضائعين العاجزين!! "1.
ولئن كان الأستاذ الخولي قد صرح مرارا أن الدافع له لتأصيل هذا المنهج والدعوة إليه هو إشارة القدماء حين قسموا العلوم الإسلامية إلى ثلاثة أقسام عدُّوا منها علما لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير -إن كان الخولي عد هذا منطلقا لقيامه بخدمة علم البيان وعلم التفسير في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول2، فلقد انتهى به الأمر بالتفسير في نهاية نظريته إلى أن أصبح علما لم يبدأ بعد كما يقول د/ محمد شريف، ولكن من الممكن له أن يبدأ بل أن ينمو وينضج إذا ما سار على ذلك الدرب الشاق3 الذي شقه الأستاذ أمين وسار فيه خطوات.
1 التفسير معالم حياته منهجه اليوم، ص46-47.
2 المرجع السابق، ص33.
3 اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم في مصر: د/ محمد إبراهيم شريف، ص510.