المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الباب الخامس: الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم ‌ ‌تمهيد: أعاذنا الله وإياكم - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر - جـ ٣

[فهد الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌الباب الرابع: الإتجاه الأدبي في التفسير

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: المنهج البياني في التفسير

- ‌مدخل

- ‌تطور التفسير البياني:

- ‌قصة تأصيل هذا المنهج:

- ‌مراحله ومعالمه:

- ‌تقسيم الأستاذ أمين الخولي:

- ‌دراسة القرآن نفسه:

- ‌التفسير النفسي:

- ‌الدراسات التطبيقية

- ‌أمين الخولي

- ‌عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ

- ‌الدكتور محمد أحمد خلف الله

- ‌رأيي في هذا المنهج:

- ‌الفصل الثاني: منهج التذوق الأدبي في التفسير

- ‌المراد به:

- ‌في ظلال القرآن:

- ‌منهجه في التفسير

- ‌مدخل

- ‌الأساس الأول: الأسلوب الأدبي

- ‌الأساس الثاني: تذوق النص القرآني

- ‌الأساس الثالث: الحركية

- ‌الأساس الرابع: التفسير الجمالي الفني

- ‌الأساس الخامس: استيحاء النص دون مقررات سابقة

- ‌الأساس السادس: الوحدة الموضوعية

- ‌الأساس السابع: ترك الأطناب عما أبهم في القرآن الكريم

- ‌الأساس الثامن: التحذير من الإسرائيليات

- ‌الأساس التاسع: ترك الاختلافات الفقهية

- ‌الأساس العاشر: اجتناب الإغراق في المسائل اللغوية

- ‌الأساس الحادي عشر: رفض التفسير العلمي

- ‌ملاحظات على هذا التفسير:

- ‌الباب الخامس: الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: المنهج الإلحادي في تفسير القرآن الكريم

- ‌مدخل

- ‌الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌الفصل الثاني: منهج القاصرين في تفسير القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌نماذج من هذا اللون في التفسير:

- ‌القرآن محاولة لفهم عصري:

- ‌أولا: المؤلف

- ‌ثانيا: الكتاب "القرآن محاولة لفهم عصري

- ‌الفصل الثالث: اللون اللامنهجي في التفسير

- ‌تمهيد:

- ‌رسالة الفتح:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهارس

- ‌دليل الآيات القرآنية

- ‌دليل الأحاديث النبوية:

- ‌دليل الأعلام:

- ‌دليل المصادر والمراجع

- ‌دليل المحتويات:

الفصل: ‌ ‌الباب الخامس: الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم ‌ ‌تمهيد: أعاذنا الله وإياكم

‌الباب الخامس: الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم

‌تمهيد:

أعاذنا الله وإياكم منه. الإلحاد في اللغة: الميل عن القصد، وألحد في الدين أي حاد عنه1. ويخطئ بعض الناس فلا يكاد يذكر عنده الإلحاد إلا ويتبادر إلى ذهنه الكفر، والحق فيما يظهر لي أن بين الكفر والإلحاد خصوص وعموم؛ فالإلحاد أعم من الكفر؛ إذ كل كفر إلحاد وليس كل إلحاد كفرًا.

فالتفسير المخطئ لآية من آيات القرآنالكريم بحيث لا يخالف معلوما من الدين بالضرورة، ولا يهدم جانبا من جوانبه ينطبق عليه وصف الميل والانحراف فيسمى لغةً إلحادا؛ لإلحاده وميله وانحرافه عن الصواب والحق في التفسير.

أما التفسير الذي يؤدي إلى إنكار أصل من أصول الدين وصرفه إلى معانٍ لا تدل عليها لغة ولا دين بل الدين ينكرها ويرفضها، فإن هذا يسمى مع الإلحاد كفرًا؛ لأنه ليس إلحادا عن الصواب فحسب بل هو انحراف عن الدين أيضا.

ومن هنا فإنه يجب التفريق بين التفسير الملحد والتفسير الكافر.

وتاريخ الإلحاد والملحدين -أعاذنا الله وإياكم منه ومنهم- تاريخ طويل

1 انظر لسان العرب مادة لحد ج3 ص388-389.

ص: 1057

ليس من شأني تتبعه ولا الحديث عنه إلا بقدر ما له من علاقة بموضع حديثنا هنا.

وقد اطلعت على مقال كتبه الأستاذ محمد فريد وجدي عن الإلحاد في العصر الحديث وقد جاء هذا في مقال عنونه بـ "مذهب القرآن في المتشابهات" أوجز فيه تاريخ الإلحاد المعاصر، وحديثه هذا حديث العارف المطلع. ولذا أقتصر عليه هنا، قال وهو يتحدث عن النهضة العلمية الحديثة: "في تلك الأثناء ولد العلم الحديث وما زال يجاهد القوى التي كانت تساوره حتى تغلب عليها، فدالت الدولة إليه في الأرض فنظر نظرة في الأديان وسرى عليها أسلوبه1.

فقذف بها جملة إلى عالم الميثولوجيا2 ثم أخذ يبحث في اشتقاق أصولها بعضها من بعض واتصال أساطيرها بعضها ببعض، فجعل من ذلك مجموعة تقرأ لا لتقدس تقديسا، ولكن ليعرف الباحثون منها الصور الذهنية التي كان يستعبد الإنسان لها نفسه ويقف على صيانتها جهوده غير مدخر في سبيلها روحه وماله.

وقد اتصل الشرق الإسلامي بالغرب منذ أكثر من مائة سنة، فأخذ يرتشف من مناهله العلمية ويقتبس من مدينته المادية، وقف فيما وقف عليه على هذه الميثولوجيا ووجد دينه ماثلا فيها، فلم ينبس بكلمة؛ لأنه يرى الأمر أكبر من أن يحاوله، ولكنه استبطن الإلحاد وتمسك به متيقنا أنه مصير إخوانه كافة متى وصلوا إلى درجته العلمية.

وقد نبغ في البلاد الإسلامية كتاب وشعراء وقفوا على هذه البحوث العلمية فسحرتهم، فأخذوا يهيئون الأذهان لقبولها دسا في مقالاتهم وقصائدهم غير مصارحين بها غير أمثالهم تفاديا من أن يقاطعوا أو ينفوا من الأرض"3.

ذلكم ما صرح به الأستاذ محمد فريد وجدي وهو اعتراف خطير يلقي على

1 أي التجربة.

2 أي علم الأساطير.

3 جريدة الأهرام المصرية 30/ 8/ 1933م، ص3 مقال "مذهب القرآن في المتشابهات" للأستاذ محمد فريد وجدي.

ص: 1058

عاتق العلماء المسلمين خاصة والمثقفين عامة وجوب تمحيص مقالات وقصائد كتاب وشعراء تلك الفترة، والحذر كل الحذر من الانخداع ببريق شهرة أو انتشار صيت أو كثرة أتباع.

ولا يخفى أن كل كلمة -كدت أقول كل حرف- من كلمات الأستاذ وجدي المنقولة آنفا بحاجة إلى تعليق وتعليق واستجلاء لمدلولاتها وكشف لمعانيها ولكن هذا ليس من شأني هنا وحسبي منه أنه يعطي صورة صادقة لنشأة الإلحاد في العصر الحديث، خاصة أنه من شخص مجرب خبير.

وقد عانى العالم الإسلامي في تلك الفترة وما زال يعاني من مستبطني الإلحاد الذين ينشرون إلحادهم على الملأ باسم البحث العلمي والحرية العلمية.

وظاهرة هي التي تحز في نفس المسلم أكثر من سابقها تلكم أنه ما اعتدى أحد من المنتسبين إلى الإسلام على الإسلام إلا وتبوأ بعد فترة قصيرة منصبا كبيرا في الدولة، وكأنه مكافأة له على إلحاده مهما علت الصيحات ضده والانتقادات والاعتراضات ضد أفكاره وآرائه، لكن هذه الصيحات لا تلبث أن تهدأ وتسكن، يعقبها تولي هذا الملحد ذلكم المنصب، وكأني ألمح هناك يدًا تدفعه إلى الإلحاد ويدًا أخرى تدفع له الثمن وأيد أخرى تدافع عنه وتقاتل.

لست أزعم أني الوحيد الذي أدرك هذه الظاهرة ولكني الأخير فقد صرح بها كثير وتعدد مدركوها، فقد كتب توفيق الحكيم مرة عن حادثة لأحد هؤلاء الملحدين فقال: "وليست هذه الحركة هي الأولى من نوعها في مصر فقد سبق أن ألف الأستاذ علي عبد الرازق وزير الأوقاف الحالي كتابا عن الإسلام وأصول الحكم، فقامت قيامة الأزهر واحتجت هيئة كبار العلماء وفصلته واستقال الوزراء الأحرار الدستوريون من وزارة زيور باشا؛ احتجاجا على الفصل وأقيل وزير العدل عن منصبه وكان عبد العزيز فهمي باشا بهذا السبب.

وحدث مرة أخرى أن ألف الدكتور طه حسين كتابا عن الشعر الجاهلي شك في بعض المعتقدات فقامت قيامة البرلمان وأراد مجلس النواب إخراجه

ص: 1059

من منصبه، فهدد عدلي باشا رئيس مجلس الوزراء بالاستقالة حماية للبحث العلمي"1.

وصرح الشيخ مصطفى صبري بعبارة أوضح فقال:

"يقوم الفينة بعد الفينة من سولت له نفسه بالخروج عن الإسلام في ناحية من نواحيه الاعتقادية، فيثور احتجاجا عليه فئة من الغيورين على دينهم ويحميه منهم رجال من الوزراء المستبطنين ما أظهره الخارج، وإن لم يحمه حامٍ عاجلًا ففي المستقبل القريب أو البعيد ينال الرجل مكافأة خروجه بأضعاف ما كان له من المراكز والمناصب يوم خرج وثار عليه المستنكرون.

ويكون هذا المصير غبطة لآخرين، فتتكرر المهزلة في أيام أخرى على مسائل أخرى مماثلة"2.

بل إن الأستاذ أمين الخولي يدعو أصحاب تلك الأفكار بالخروج بها ونشرها بين الناس ويعدهم ويمنيهم بأن لهم النصر المؤكد حيث يقول: "وأحسبني لا أجد في هذا المقام أصوب وأجدى من الحديث في هذه المقدمة عن ذلك الناموس الاجتماعي المطرد على الأجيال منذ قديم عهد الدنيا بالحياة ليربط صدق هذا القانون على قلوب الذين يكتب الله عليهم اليوم وفي الغد القريب، أو البعيد، والأبعد أن يكونوا حملة فكرة تطورية ودعوة تجديدية في أي ميدان من ميادين النشاط الإنساني فلا يَهِنُون حين تجتمع الدنيا بكثرتها على محاربتهم ولا يشكون لحظة في النصر مهما تتربص قوى الجهل بهم وليعلموا أن هذا النصر المؤكد لا ينال إلا بثمنه الباهظ الفادح من الصدق والصبر اللذين يلذ معهما الألم ويهون الصعب ويتراءى النور من القلوب في أشد حلكة الظلام!!

1 عن موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين: مصطفى صبري ج1 ص307-308 عن جريدة أخبار اليوم العدد 155.

2 موقف العقل والعلم من رب العالمين وعباده المرسلين: مصطفى صبري ج1 ص318.

ص: 1060

ويقوى الإيمان حين يستيئس الناس!! "1.

وعلى كل حال فقد كثر ولا حول ولا قوة إلا بالله الإلحاد والملحدون في جوانب عديدة بدءا من العقيدة في الله ومرورا بالعقيدة في الأنبياء واليوم الآخر والقدر وفي أخبار القرآن وقصصه وتأويل آياته وفي السنة وحجيتها وفي الأحكام الشرعية الثابتة وفي السياسة والاجتماع وشتى النواحي وإلى ما لا نهاية.

ويقف المتأمل حائرا متسائلا عن الدوافع التي جرفتهم إلى تيار الإلحاد، وتتنازعه الأسباب كلٌّ يجره إليه فيستقر قراره على أن أهمها ولا شك:

1-

أولئك القوم الذين يدفعونه إلى الجهر بالفكرة وتبنيها ويَعِدُونه بالدفاع عنه ويمنونه بالمناصب الكبيرة أو غيرها ونحن وإن كنا لا نستطيع أن نعدد أسماءهم في كل حركة، فإن معرفة أهم عناصرهم تحملها تلك الدراسات عن كل حركة. فمثلا عندما فصل علي عبد الرازق من وظيفته استقال الوزراء "الأحرار" من وزارة زيور باشا وأقيل وزير العدل وعين بدلا منه عبد العزيز فهمي باشا، ثم ما لبث بعد فترة من هذا إلا ويعين علي عبد الرازق هذا وزيرا للأوقاف؟!

وكذا طه حسين لما أصدر كتابه في الشعر الجاهلي وأراد مجلس النواب فصله من منصبه هدد عدلي باشا رئيس مجلس الوزراء بالاستقالة "حماية للبحث العلمي" وما لبث طه حسين إلا وقد تم تعيينه وزيرا للتعليم؟!

وغيرهما كثير مما لا يدع مجالا للشك أن الأمر لم يأتِ صدفة من غير أن يقف أحد خلفه يخطط له ويرسم الأهداف.

2-

ومن هذه الأسباب أيضا حب الشهرة وضعف الإيمان الذي يجعل الأول يطغى على الثاني فيجرفه فإذا ما تحققت هذه الشهرة له عاد إلى الإيمان

1 مقدمة أمين الخولي لكتاب "الفن القصصي في القرآن الكريم" لمحمد أحمد خلف الله، ص "ل".

ص: 1061

وأعلن توبته، فتكون عودته هذه أيضا زيادة في شهرته فيبقى مشهورا في خروجه وفي عودته.

معاذ الله أن أتَّهِم أولئك الذين عادوا إلى الإيمان بسوء فالله أعلم بالسرائر. لكني أذكر واقعا وأحكي حقيقة نراها بأم أعيننا ولله وحده ما تكن القلوب وما تخفي الصدور.

ومن هؤلاء الذين أعلنوا عودتهم محمد أبو زيد، وخالد محمد خالد، وكامل كيلاني، وإسماعيل مظهر، ومصطفى محمود، وغيرهم. لكن اللافت للنظر أن بعض هؤلاء وإن أعلن عودته بالكتابة الإسلامية المستقيمة لكنه لم يتبرأ من إلحاده السابق ولم يكتب ما ينقضه به.

3-

ومن الأسباب أن يكون الكاتب نفسه غير مسلم أصلا ولكنه يكتب لتشكيك المسلمين وزعزعة عقيدتهم بوحي من عقيدته الباطلة أو اتجاهه الإلحادي الذي ينكر كل دين.

وبعض هؤلاء وهو يعيش في دولة مسلمة غالب شعبها مسلم وهو في أقلية يرى من صالحه وقد صعب عليه الدخول في الإسلام وشق، أن خير وسيلة لتحقيق مآربه أن تنقلب الدولة إلى دولة علمانية وهؤلاء ينظرون إلى دولة تركيا مثالا لدولتهم وإلى أتاتورك قدوة لهم، وهم كثير.

4-

ومنهم من يكون عن اقتناع في الفكرة وضعف في البصيرة ابتلاه الله به. وقليل ما هم.

وهناك أسباب أخرى أقل من هذه شأنا. وما علينا أن نستقصي الأسباب أو أن نذكر لها عددا وشأننا معها هنا التماس حقيقة أولئك الذين يلحدون في آيات القرآن الكريم هل عرفوا التفسير الصحيح فأبوا إلا التعامي عنه وألقوه وراء ظهورهم لأمر في نفوسهم أم غاب عنهم، فقالوا ما يحسبونه حقا من غير معرفة بأصول التفسير وشروطه واستنادا إلى أدلة حسبوها مقبولة أم خبطوا خبط عشواء من غير علم شرعي ولا غيره، فكان تفسيرهم هذيان مخرف لا نستطيع

ص: 1062

الحكم على أحد بأحد النوعين الأولين لكنا نستطيع أن نفرق بين هذه الأمور الثلاثة في ذاتها.

أما أصحاب المنهج الأول فهم طائفة درسوا علوم الشريعة وتخرجوا من كلياتها فهم على علم ومعرفة -ولا شك- بشروط التفسير والمفسرين وعلى معرفة بعلوم الشريعة، وحين عمدوا إلى التفسير جاءت مخالفتهم للحق مجردة من التماس العذر لهم بالجهل.

وكان منهجهم هذا المنهج الإلحادي في التفسير.

أما أصحاب المنهج الثاني فطائفة لم يطلبوا العلوم الشرعية ولم يدرسوها في مدارسها بل تقاذفتهم المدارس في نواحٍ أخرى ليس منها علوم الشريعة ولما اشتد عودهم عز عليهم أن يطلبوا علوم الشريعة وهم الأساتذة وحسبوا -جهلا- أن علومها في متناول أيديهم، وأنها لا تحتاج إلى أكثر من تقليب الفكر في نصوص الكتاب والسنة والتعبير عنها من زواياها الضيقة من غير أن يكون في محيط علمهم لزوم توسيع دائرة النظر في النص الشرعي ليشمل كافة آيات القرآن والأحاديث الصحيحة وأنه لا يصح أن نأخذ ببعضه ونترك بعضه وبوحي هذا الاعتقاد الخاطئ انطلقوا يفسرون آيات القرآن الكريم، فوقعوا في الإلحاد من حيث لا يشعرون والمؤمن منهم من نبه إلى الحق فرجع إليه واستغفر من ذنبه، وأحسب أن هؤلاء لا يصح أن يقرنوا مع النوع الأول وقد رأيت أن خير وصف لمثل هؤلاء أن يسمى "منهج القاصرين"؛ لأنهم قصروا في تحصيل شروط المفسر وعجزوا عنها وتناولوا التفسير من غير بابه، فكانوا في قصورهم عن هذه الشروط كالقاصر في عدم اكتمال رشده ولست بهذا أُبرئهم من الخطأ أو ألتمس لهم عذرا أو أبرر لهم معصية. وإنما أمرهم إلى الله وهو أعلم بنا وبهم.

أما الصنف الثالث فلا منهج، وأنى يكون لهم ذلك وهم يخبطون خبط عشواء، وأنى يكون لمجنون منهج يسلكه وهو الذي يسير بوحي ساعته بل دقيقته التي يعيشها لا صلة لها بماضٍ ولا مستقبل وإن كان لها من صلة فعلى غير وجه الحق.

ص: 1063

وكأني بطائفة من القراء تقرأ ما أقول أو تسمعه، فيرتسم السؤال عما أقصده بكلامي هذا وما أرمي إليه. هو لا شك أمر محير وقفت عنده حينا من الزمن أقلب النظر فيه والبصر.

طائفة من الناس ليست من علماء الشريعة وليست من المنتسبين إلى العلم كافة في شتى صنوفه، اتجهت إلى تفسير القرآن لم تسلك سبيل هؤلاء ولم تسر في درب هؤلاء ولا التزمت ما التزمه العقلاء الذين ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء، فزجوا بأنفسهم في تفسير القرآن الكريم، فجاءوا بتفاسير لا تقوم على أسس شرعية ولا علمية وليس لها سند لا في القديم ولا في الحديث

ولا صلة بين معاني ألفاظها ومعاني ألفاظ القرآن ولا مطابقة لغوية ولا معنوية ولا شكلية، فجاءوا بهذيان كهذيان المحموم تسأله عن حاله فيجيبك بذكر اسم صديق له أو قريب أو بكلام غير مفهوم.

ولهذا فإني لن أصف طريقة هؤلاء بالمنهجية إذ لا منهج، فأطلقت عليهم طريق اللامنهجية وقد هممت أن أسميه تفسير المجانين!!

وعلى هذا فسأتناول المنهجين الأول والثاني والصنف الثالث كُلًّا على حدة.

ص: 1064