المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الأول: المنهج الإلحادي في تفسير القرآن الكريم ‌ ‌مدخل … الفصل الأول: المنهج - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر - جـ ٣

[فهد الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌الباب الرابع: الإتجاه الأدبي في التفسير

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: المنهج البياني في التفسير

- ‌مدخل

- ‌تطور التفسير البياني:

- ‌قصة تأصيل هذا المنهج:

- ‌مراحله ومعالمه:

- ‌تقسيم الأستاذ أمين الخولي:

- ‌دراسة القرآن نفسه:

- ‌التفسير النفسي:

- ‌الدراسات التطبيقية

- ‌أمين الخولي

- ‌عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ

- ‌الدكتور محمد أحمد خلف الله

- ‌رأيي في هذا المنهج:

- ‌الفصل الثاني: منهج التذوق الأدبي في التفسير

- ‌المراد به:

- ‌في ظلال القرآن:

- ‌منهجه في التفسير

- ‌مدخل

- ‌الأساس الأول: الأسلوب الأدبي

- ‌الأساس الثاني: تذوق النص القرآني

- ‌الأساس الثالث: الحركية

- ‌الأساس الرابع: التفسير الجمالي الفني

- ‌الأساس الخامس: استيحاء النص دون مقررات سابقة

- ‌الأساس السادس: الوحدة الموضوعية

- ‌الأساس السابع: ترك الأطناب عما أبهم في القرآن الكريم

- ‌الأساس الثامن: التحذير من الإسرائيليات

- ‌الأساس التاسع: ترك الاختلافات الفقهية

- ‌الأساس العاشر: اجتناب الإغراق في المسائل اللغوية

- ‌الأساس الحادي عشر: رفض التفسير العلمي

- ‌ملاحظات على هذا التفسير:

- ‌الباب الخامس: الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: المنهج الإلحادي في تفسير القرآن الكريم

- ‌مدخل

- ‌الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌الفصل الثاني: منهج القاصرين في تفسير القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌نماذج من هذا اللون في التفسير:

- ‌القرآن محاولة لفهم عصري:

- ‌أولا: المؤلف

- ‌ثانيا: الكتاب "القرآن محاولة لفهم عصري

- ‌الفصل الثالث: اللون اللامنهجي في التفسير

- ‌تمهيد:

- ‌رسالة الفتح:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهارس

- ‌دليل الآيات القرآنية

- ‌دليل الأحاديث النبوية:

- ‌دليل الأعلام:

- ‌دليل المصادر والمراجع

- ‌دليل المحتويات:

الفصل: ‌ ‌الفصل الأول: المنهج الإلحادي في تفسير القرآن الكريم ‌ ‌مدخل … الفصل الأول: المنهج

‌الفصل الأول: المنهج الإلحادي في تفسير القرآن الكريم

‌مدخل

الفصل الأول: المنهج الإلحادي في تفسير القرآن الكريم

ويتميز هذا اللون من التفسير -والحمد لله- بقلة بل ندرة المؤلفات الكاملة فيه إذا اقتصر أصحابه على تفسير آيات من هنا وهناك حسب الموضوع الذي يتطرقون إليه فيستشهدون بآيات من القرآن -ملحدين- بتأويلها.

ولئن كان بوسعنا الكتابة عن كل التأويلات الباطلة لآيات منفردة من آيات القرآن الكريم على هذا النحو، فإنه لا بد من ذكر أمثلة متنوعة لهذه التأويلات المنحرفة. صدرت عن طائفة من المنتسبين للعلم والعلماء.

ومن أكثر أصحاب التأويلات الباطلة والآراء الجديدة العجيبة التي يقف المسلم فيها حائرا يعض بنان الأسف والندم وهو يعلم علما يكاد يتيقنه أن صاحب هذه الآراء غير مقتنع، ولكنه لأمر في نفسه امتطى صهوة هذه التأويلات، وهي كثيرة متعددة يهمنا أن نذكر له تأويلا واحدا.

ذلكم الشيخ أحمد حسن الباقوري قد أوَّل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 1 بأن الآية لا تتناول إلا من أنكر بقلبه وجحد بلسانه أما من عرف بقلبه أن هذا الحكم حكم الله وأقر بلسانه أنه حكم الله ثم أتى بما يضاده فإنه على ذلك حاكم بما أنزل الله، وإن كان تاركا له فلا يلزمه دخوله تحت هذه الآية واعتباره كافرا، ثم وصف هذا التفسير للآية بأنه ينفي عن الأمة حرجا لا قبل لها به ولا خيرة لها فيه؛ إذ يستطيع القائلون به أن يتعلقوا بقضية العموم في الآية، فيرموا بالكفر حكام أمتنا الذين يستمدون

1 سورة المائدة: من الآية 44.

ص: 1065

القوانين واللوائح والاشتراعات من قوانين عالمية لا صلة لها بالإسلام1.

وقال أيضا: "إن حكام البلاد الإسلامية اليوم هم في حالة الضرورة التي تبيح بعض المحظور، على أن يرتقبوا الوقت المناسب حين تكون للأمة قوة تحمي بها تقاليدها وشرائعها ومدنيتها، والإسلام نفسه سلك هذا المسلك فعمل أولا على تكوين العقيدة في الأمة ثم على تكوين شريعتها، والقرآن مكيه ومدنيه يؤيد ذلك"2!!

وبالمناسبة فإنه قال هذا الباطل وهو يتولى منصب وزير الأوقاف ولعله أراد به أن يدق مسمارا يثبت به في منصبه. ولذلك فإن مجلة الدعوة المصرية ردت عليه حينذاك سنة 1373هـ بقولها: "كان الشيخ الباقوري في إجابته سياسيا ودبلوماسيا. أكثر منه عالما وفقيها" وقد رد عليه أيضا ردًّا مفحما الأستاذ أحمد محمد جمال في كتابه على مائدة القرآن3 فاقرأه إن شئت.

تعدد الزوجات:

وهي من أشهر القضايا والأحكام الشرعية التي كانت ولا تزال ميدان حوار طويل ونقاش وجدل لا ينتهي، ولم يزل المسلمون منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنون بتعدد الزوجات، ويجعلون من أنفسهم مثالا لتطبيقه؛

1-

إعفافا للنفس.

2-

زيادة في النسل.

3-

عدلا بين الزوجات والأولاد.

4-

إعفافا لنساء المؤمنين.

لم يزل هذا معتقد المسلمين حتى نبتت فيهم طائفة تأثرت بطريق مباشر

1 مجلة العربي: العدد 169 ص92 مقال: لن يشاد الدين أحد إلا غلبه: للشيخ أحمد حسن الباقوري.

2 على مائدة القرآن: أحمد محمد جمال، ص183.

3 انظر على مائدة القرآن: أحمد محمد جمال، ص181-198.

ص: 1066

أو غير مباشر بالغرب، ووجدوا من بين ما وجدوا من فروق مسألة تعدد الزوجات، فطأطأ بعضهم رأسه خجلا كأن في الأمر عيبا خارقا ثم انعطف على النصوص يلتمس فيها مخرجا، ولم تبلغ به درجة الخجل أن ينكر ما هو معلوم من دلالة النص الصريحة ولكنه ذهب يلتمس تأويلا يقيد به تعدد الزوجات فوجدوا في الآية نفسها قيد العدل في إباحة تعدد الزوجات فرأوه سلما سهل المرتقى للتشدد في تطبيقه ومن ثم الدعوة إلى تقييد تعدد الزوجات بشروط ما أنزل الله بها من سلطان.

وعلى هذا فقد شكلت في مصر سنة 1926م لجنة اقترحت تقييد تعدد الزوجات وقدمت المقترحات لمجلس النواب وبعد مناقشات أعيدت لوزارة العدل لدراستها ثم صدر القانون رقم 25 لسنة 1929م منظما لبعض شئون الأسرة خاليا من مقترحات تقييد تعدد الزوجات.

إلى أن أصدرت وزارة الشئون الاجتماعية في مصر سنة 1945م مشروعا بقانون لعرضه على البرلمان يقضي بتقييد تعدد الزوجات باشتراط إذن القاضي الشرعي الذي في دائرة اختصاصه مكان الزواج، واشتراط أن لا يأذن القاضي إلا بعد الفحص والتحقق من أن سلوكه وأحوال معيشته يؤمن معها القيام بحسن العشرة والإنفاق على أكثر من في عصمته ومن تجب نفقته عليهم من أصوله وفروعه ولم يكتب -والحمد لله- لهذا المشروع النجاح.

والذي يهمنا هنا أن مجلة "المجتمع الجديد" طرحت المشروع هذا على شيخ القضاة "عبد العزيز فهمي باشا" وسألته رأيه والذي يهمنا منه أيضا، أنه جاء بتفسير جديد فهو لم يلتمس مخرجا ينفذ منه إلى تبرير هذا المشروع ولكنه جاء بالعجب العجاب وزعم أن الآية:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 1 تدل على تحريم تعدد الزوجات واقرأ إن شئت قوله: "إن من يتأمل نصوص القرآن الكريم من قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} 1 ثم من قوله في

1 سورة النساء: من الآية 3.

ص: 1067

موطن آخر: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} 1. يجد أن القرآن الكريم يحرم تعدد الزوجات، وكل ما في الأمر أن صيغة هذا التحريم وردت على عادة القرآن في عبارات هي أقصى ما يمكن من الاستدراج والتلطيف. فإن الآية الأولى، واضح لكل متذوق أنها هزء وسخرية ممن يريد تعدد الزوجات وأن فيها إيكال الأمر لمن يعلم الله أنه لا يستطيع القيام بالأمر، فمخاطبة غير المستطيع بما هو من شأن المستطيع تلك كلها سخرية بالمخاطب:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} .

إلى أن زعم: "ثم في ذلك الموطن الآخر عبر هذه الفكرة تعبيرا هو من أشد ما يكون بيانا للواقع الذي يعلمه هو فقال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} و"لن" كما يقرر النحاة هي أشد أدوات النفي للمستقبل إذ تنفيه نفيا باتا.

فالقرآن يسجل بصريح العبارة أن الاستطاعة مستحيلة، أي أن العلة المتوهمة للتصريح بالتعدد لن تتحقق أبدا والمقرر عند الفقهاء من عقليين وحرفيين أنه متى زالت العلة زال المعلول".

ثم صرح برأيه فقال: "إذن فرأيي الذي ألي الله عليه هو أني مأمور ديانة بأن أكون من معتنقي مذهب الاقتصار على زوجة واحدة".

وصرح بموقفه من المشروع ذاك وذهب إلى أبعد مما ذهب إليه المشروع فقال: "ومن أجل هذا لا أوافق البتة على طريقة المشروع تلك الطريقة التي يراد بها عدم تعدد الزوجات ولكن بسبل ملتوية يراد لها قطع أسباب الاعتراض ممن يظنون أن لهم على خلاف نصوص القرآن الصريحة حق الاعتراض. ومن أجل هذا أرجو ألا تسير الحكومة في مثل هذا المشروع بل تأتي للأمر فتعالجه من

1 سورة النساء: من الآية 129.

ص: 1068

جذوره بأن تستصدر قانونا ينص دفعة واحدة على تحريم تعدد الزوجات"1.

وإني لمتيقن أن انحراف هذا التفسير وإلحاده لا يخفى على ذي أدنى معرفة وأدنى لبٍّ، وأن صاحبه لن ينال من قراءه إلا الهزء والسخرية حتى أولئك الذين يؤيدون فكرته لا أظنهم إلا ويقطعون بفساد تأويله.

وأمر تعدد الزوجات وإباحته أمر معلوم من الشريعة كدت أقول بالضرورة فلا حاجة بنا إلى تقرير ذلك وإن كان لنا من حاجة فهي أن نكشف مغالطة الرجل في استدلاله بالآية فهو كاستدلال من يستدل بقوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاة} ويدع {وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ولو أحسن الاستدلال وأحسن القصد وطلب الحقيقة لأكمل عبد العزيز فهمي -هذا- الآية التي استدل بها فأوردها كاملة هكذا: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} 2. فقوله سبحانه: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} وقوله: {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا} وقوله: {غَفُورًا رَحِيمًا} كلها تبين المراد بالعدل والواجب منه بيانا لا يريده أو لا يريد أن يفهمه كذلك الأستاذ عبد العزيز فهمي باشا، ولهذا بتر الآية.

أما زعمه أن النحاة قد قرروا أن النفي بلن يفيد التأبيد فهو افتراء على النحاة وليس بمستغرب ممن يفترى على القرآن أن يفتري على النحاة، فلم يقل النحاة أن النفي بـ "لن" نفيٌ باتٌّ إلا الزمخشري قال ذلك ليؤبد النفي في قوله تعالى:{لَنْ تَرَانِي} 3 حتى يستدل بها على إنكار رؤية الله تعالى التي لا يؤمن بها المعتزلة، وأما النحاة سواه فهم على ضد ذلك فقد قال ابن مالك:

ومن رأى النفي بلن مؤبدا

فقوله أرددْ وسواه فاعضدا4

1 عن: على مائدة القرآن: أحمد محمد جمال، ص208 ومجلة الكويت العدد 8 رجب 1401هـ، ص110 عن مجلة المجتمع الجديد.

2 سورة النساء: الآية 129.

3 سورة الأعراف: من الآية 143.

4 الكافية الشافية: لابن مالك ج3 ص1515.

ص: 1069

هذا ما نرى لزوم ذكره ردا على التأويل الباطل للشيخ عبد العزيز فهمي باشا، وفيما ذكرته الكفاية إن شاء الله أو بعضها.

وهذا الشيخ عبد العزيز بن خلف آل خلف، فسر سورة الزلزلة بتفسير لم يقل به أحد من قبله فقال مثلا في تفسير قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} 1: "اتفق المفسرون على أن الأرض تتحدث بما عمل عليها يوم القيامة، فتشهد على كل أحد بعمله الذي عمله على ظهرها من خير وشر؛ أما في الدنيا فقد تحدثت أيضا بما يعمله أهلها على ظهرها من خير أو شر في كل بقعة على وجه الأرض، ونحن نسمع هذا في كل ساعة ولحظة، فهذه أخبار أمريكا، لندن، مكة، كذا كذا. فتلك حالة مصغرة من تحدثها يوم القيامة إنها لمعجزة من المعجزات الباهرة وقعت ملموسة مطابقة لمحسوس لفظا ومعنى وهو الراديو ومحطاته البرقية وما في معنى ذلك من التليفون وأمثاله كما قال تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِه} 2 فذلك يصدق على واقع ملموس من إذاعات العالم وهذه الجملة تعتبر معجزة مستقلة. فالآية الكريمة -يقصد آية الزلزلة- والخبر الكريم يصدقان على حدوث هذا في الدنيا كما يصدقان على حدوثه في الآخرة؛ لأن الآية والخبر لم يحددا بلفظ صريح أنه في الدنيا فقط ولا أنه في الآخرة فقط، والجملة الأخيرة من كلام الله يعني:{وَإِذَا جَاءَهُمْ} الآية تنص على أن ذلك في الدنيا فقط فنحن الآن قد ظهرت لنا معجزة في الدنيا لا تتنافى مع وقوع ذلك في الآخرة وحدثت لأرضنا التي لم تتبدل ليوم القيامة كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} 3.

فأرض الدنيا قد تحدثت فكيف بأرض الآخرة ونعلم علم اليقين بتحدثها في الآخرة ونلمس عين اليقين بتحدثها في الدنيا، فلا منافاة ولا تناقض أنطقها في الدنيا الذي أنطق كل شيء، وأذاع القوم إذاعة صحيحة صريحة مع أن الراديو

1 سورة الزلزلة: الآيتين 4، 5.

2 سورة النساء: من الآية 83.

3 سورة إبراهيم: من الآية 48.

ص: 1070

يدخل تحت عموم قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 1؛ لأنها فتنة معنوية بلا إشكال وقد حصلت به البلوى للسواد الأعظم ولم يكن خاصا بل كان عاما ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه".

إلى أن قال في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} التي تتحدث عن عرض الأعمال يوم القيامة فقال المؤلف عنها:

"فقوله تعالى: {يَصْدُرُ النَّاسُ} يعني يذهب الناس أشتاتا إلى أعمالهم بجد واجتهاد ونشاط يطلبون فيه مقاصد ومشارب متباينة من الأعمال الدنيوية التي لا حد لها، وهذا يعتبر في أرض العرب بلا إشكال أنه من حوادث آخر الزمان حيث كانت أرض العرب مسرحا للبادية الرحل والمواشي من جميع الأصناف حياتهم بحياة البهائم غالبا وموتهم جوعا بموت البهائم وأن هذا الانقلاب الذي وعد الله به لكبير وعظيم وقعه ونتائجه، فبعد ما ذكر الله الزلزلة، وإخراج الأرض كنوزها، وتحدث الأرض من أطرافها، فإن الناس في ذلك الوقت يصدرون أشتاتا في كل صباح ومساء لأعمالهم وأرزاقهم كما تصدر المواشي لأرزاقها فيما ترون في وقت نزول القرآن، ليُرَوْا "بالضم" يريهم أهل الأعمال أعمالهم "وبالفتح" ليَرَوه بأعينهم أي ليروا عملهم ونتائجه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عن الله شر. انتهى، فهذا من التأويل الديني ولكنه أيضا هو في الدنيا ولا منافاة بين الجميع ولا مانع والحالة هذه من الاستنباط من كنوز القرآن والسنة وعدم التقيد بتفسير واحد أو تأويل واحد أو تقيده بأمور الدنيا أو أمور الآخرة ما لم يقيده نص صادق ثابت.

وهنا استنباط يمكن أن يقال له حق في ذلك وهو قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ

1 سورة الأنفال: الآية 25.

ص: 1071

يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} هو ما حدث من التلفزيون فإن عمل العامل فيه يرى في كل بقعة توصل إليها التلفزيون وكذلك السينما؛ فإنها تعرض على الإنسان عمله، وهذه معجزة من معجزات القرآن واستنباط واقعي ملموس؛ فإن السينما تعرض المرء بعمله على الناس وعلى نفسه بحركاته وسكناته ونطقه وغير ذلك، فأي عمل عمله الإنسان ولو مثقال ذرة من خير أو شر يراه ويراه غيره كاملا غير منقوص. والله تعالى أعلم وأحكم"1.

ويظهر لي أن الذي دفع الشيخ عبد العزيز إلى هذا التأويل حرصه على جذب الناس إلى الإيمان وتقريب الأخبار إلى الأذهان ولكن أخطأ السبيل وضل في التأويل غفر الله لنا وله.

ومن ذلك أيضا سلسلة من التفسير نشرها حسين صالح مسيبلي في جريدة المدينة المنورة بعنوان: "القرآن والعلم" حشاها حشوا بالتفاسير المنحرفة فمن ذلك تفسيره لقوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَب} 2. حيث قال: "الغاسق: إنه حبل المطاط الذي في أحشائه السلك الكهربائي الذي يحمل موجات من النار كالبحر المرتطم بالصخور نيرانا حمراء تشبه شفق الغسق المدلج الذي خلَّفته الشمس وراءها والمتستر بالليل المكسورة أسلاكه والتي هي أشعة الشمس بسواد الليل، وهذا الحبل المطاط المسمى "غاسق" في باطنه تلك القوى الكهربائية ذات التيارات النارية والنورية العظمى"3.

أما العاديات في قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} ش4 ففسرها مسيبلي بقوله: "قسم غيبي يدعو الناس لينظروا تلك العاديات في الطرق الشاسعة وهم على ظهورها المريحة الهادئة مطمئني النفوس رغم سرعة سيرها في طريقها النقعي

1 دليل المستفيد على كل مستحدث جديد ج1 ص168-172.

2 سورة الفلق: الآية 3.

3 مقال: القرآن والعلم للأستاذ حسين صالح مسيبلي جريدة المدينة المنورة، العدد 4491 يوم الثلاثاء 18 صفر 1399هـ.

4 سورة العاديات: الآية الأولى.

ص: 1072

وقد ملأت الجو ضجيجا ضابحا بأصوات محركاتها الصاخبة المصمة للآذان والمرجفة للأفئدة، فالعاديات هي السيارات المنطلقة بعامل الوقود المشتعل في أحشائها، والتي توري به قدحا مضيئا في طريقها:{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} .

أما: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} 1 فزعم: "ذلك القدح المضيء إشراقا جعلن به الصبح مغيرا، فطلع كئيبًا كسيفًا؛ لأن العاديات الموريات القدح قد استغنين عنه وعن إشراقه نوره فهن مواصلات سيرهن سواء ظهر أم لم يظهر ولهذا داخلته الغيرة لوجود منافس أرضي خطير2.

وفي تفسيره كثير من نحو هذا التفسير، نسأل الله لنا وله الهداية.

ومن هذا ما كتبه رجل دفعه حب التجديد المزيف إلى أن يساير روح الإلحاد كما قال الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله تعالى3، فراح يتأول آيات الحدود بما يوافق هواه وهوى أصحابه، فاتجه أول ما اتجه إلى حدي السرقة والزنا معرضا بوجهه عن إجماع المسلمين عليهما فقال: "فهل لنا أن نجتهد في الأمر الوارد في حد السرقة وهو قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا} والأمر الوارد في حد الزنا وهو قوله تعالى: {فَاجْلِدُوا} فنجعل كلا منهما للإباحة لا للوجوب ويكون الأمر فيهما مثل الأمر في قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} 4 فلا يكن قطع يد السارق حدا مفروضا لا يجوز العدول عنه في جميع حالات السرقة بل يكون القطع في السرقة هو أقصى عقوبة فيها، ويجوز العدول عنه في بعض الحالات إلى عقوبة أخرى رادعة ويكون شأنه في ذلك شأن كل المباحات التي تخضع لتصرفات ولي الأمر وتقبل التأثر بظروف كل زمان ومكان، وهكذا الأمر في حد الزنى سواء

1 سورة العاديات: الآية الثالثة.

2 مقال القرآن والعلم: حسين مسيبلي جريدة المدينة المنورة، العدد 4501 يوم الجمعة 28 صفر1399هت.

3 التفسير والمفسرون: محمد حسين الذهبي ج3 ص193-194.

4 سورة الأعراف: الآية 31.

ص: 1073

أكان رجما أم جلدا"1، 2.

ولا أحسب أن مثل هذا الزعم بحاجة إلى الرد عند من أوتي مسحة من علم، فكيف عند أهل العلم ومع هذا فقد كفانا مؤنة الرد عليه شيخان فاضلان أولهما الشيخ محمد الخضر حسين1، وثانيهما الشيخ محمد حسين الذهبي2 فجزاهما الله خيرا، ولا نرى موجبا لنقل ردودهما الطويلة فالحق أحسبه هنا بين واضح.

ومن أصحاب هذا اللون المنحرف في التفسير المدعو الطاهر الحداد في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" الذي نشره في تونس وأحدث ضجة كالضجة التي أحدثها كتاب قاسم أمين "المرأة الجديدة" وكتابه "تحرير المرأة" في مصر.

والكتاب مليء بالتحريفات والتأويلات الباطلة وأنكر فيه ما هو معلوم من الدين بالضرورة وكاد الكتاب هذا أن يزهق لولا أن أخرجه للناس من جديد طائفة يسعون لنشر أفكاره وسيزهق إن شاء الله ويزهقون.

ومن تأويلاته الباطلة تأويله لقوله تعالى أمرا للمؤمنات: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الآية3 فقال: "ولله هذا القرآن العظيم في إبهامه ما ظهر من الزينة دون أن يعين مواقعه من ذات المرأة اعتبارا منه لأعراف الناس في ذلك بتطور الحياة. من هذا يظهر أن الحجاب الذي نقرره على المرأة كركن من أركان الإسلام؛ سواء في مكثها بالمنزل أو وضع النقاب على وجهها ليس من المسائل التي يسهل إثباتها في الإسلام بل ظاهر الآية يرشد إلى نفيه لما في ذلك من الحرج المضني"4.

1 انظر بلاغة القرآن: الإمام محمد الخضر حسين، ص106-110.

2 التفسير والمفسرون: الشيخ محمد حسين الذهبي ج3 ص193-197.

3 سورة النور: من الآية 31.

4 امرأتنا في الشريعة والمجتمع: الطاهر الحداد، ص34.

ص: 1074

وتحدث عن آيات الميراث وميراث المرأة على الخصوص ثم عقب قائلا: "وقد علل الفقهاء نقص ميراثها عن الرجل بكفالته لها، ولا شيء يجعلنا نعتقد خلود هذه الحالة دون تغيير"1 وقال: "وفيما أرى أن الإسلام في جوهره لا يمانع في تقرير هذه المساواة من كامل وجوهها متى انتهت أسباب التفوق وتوفرت الوسائل الموجبة"2.

أما تعدد الزوجات فقال عنه: "ليس لي أن أقول بتعدد الزوجات في الإسلام؛ لأنني لم أر للإسلام أثرا فيه وإنما هو سيئة من سيئات الجاهلية الأولى"3.

وقد كفانا مؤنة الرد على هذه التأويلات الباطلة فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله تعالى الذي رد على هذا الكتاب ردا مفحما جعل عنوانه: "كتاب يلحد في آيات الله"4.

وهناك آخرون وآخرون باعوا دينهم بدنياهم فألحدوا في آياتٍ ابتغاء عرض يصيبونه أو منصب يتولونه، فخسروا الدنيا والآخرة. ولا ننكر أن منهم من دفعه الحرص على التجديد فانجرف وانحرف وأخطأ الطريق وضل السبيل، وأمرهم لله الذي يعاملهم بنياتهم ولكل امرئ ما نوى.

ولعلي بعد هذا أذكر نموذجا موسعا لأحد التفاسير الكاملة للقرآن الكريم والتي امتلأت بالإلحاد والضلال.

1 المرجع السابق، ص41.

2 المرجع السابق: ص42.

3 المرجع السابق: ص65.

4 بلاغة القرآن: محمد الخضر حسين ص132-141.

ص: 1075