الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ظلال القرآن:
أولا- المؤلف:
ما زالت يدي تمسك بالقلم حينا وتتركه حينا ذلكم أني ترددت كثيرا ووقفت طويلا.
ووقفت حائرا بين داعٍ يدعوني لكتابة ترجمة لسيد قطب رحمه الله تعالى كما ترجمت لغيره عند تناول تفاسيرهم.
وبين داعٍ يدعوني أن لا أكتب شيئا عنه، وكيف أكتب في صفحة أو صفحتين عن رجل كتب عنه العلماء في أكثر من عشرة كتب بعضها في مجلدات ضخمة، دع عنك التراجم والدراسات التي لا يكاد يخلو منها مؤلف في العصر الحديث عن الدراسات الإسلامية والقرآنية.
هل من اللائق لمثلي أن يكتب هذه الترجمة أمام هذه المؤلفات والدراسات الأصيلة عنه. وما الجديد فيما يقول شخص لم ولن يخرج عما قيل في هذه المؤلفات عنه رحمه الله تعالى.
ما زلت بين هذا وذاك حتى قر قراري على وجوب الترجمة ولو كانت موجزة وحتى لو لم تأتِ بجديد وحتى لو كانت أقل درجة؛ لأن ما سأذكره يكاد أن يكون القاسم المشترك بين هذه المؤلفات كلها وما يضير أن أشترك معهم في مقام كهذا ولذا فقد اخترت أن أكتب هذه الترجمة الموجزة التي أحسبها سهما -مجرد سهم- يشير إلى المؤلفات الضخمة عنه وحتى هذه المؤلفات لا أحسبها إلا سهما -أيضا- لكنها سهم ضخم يرشد إلى رجل لا كالرجال.
اسمه ونشأته:
سيد بن الحاج قطب بن إبراهيم: ولد في قرية من قرى الصعيد تتبع محافظة أسيوط اسمها "موشة" التي قدم إليها جده الخامس من الهند.
وكانت ولادته سنة 1906م حيث نشأ في أسرة ليست عظيمة الثراء وإن
كانت أقرب إليه، وكان والده مضيافا ولذا كان له مكانة مرموقة بين أهل القرية.
انتهى سيد قطب من الدراسة في مدرسة القرية عام 1918م حيث انتقل للدراسة إلى القاهرة عام 1921 وإنما تأخر إلى هذا العام بسبب ثورة 1919م ضد الاحتلال البريطاني.
فاستقر سيد قطب في بيت خاله في القاهرة وفي عام 1925م التحق بمدرسة المعلمين الأولية ثم التحق عام 1928م في "تجهيزية دار العلوم" وهي مدرسة خاصة بكلية دار العلوم وتؤهل الطالب فيها للدخول في الكلية، ثم التحق بكلية دار العلوم عام 1930م وتخرج منها عام 1933م وله من العمر 27 سنة وحصل على شهادة الليسانس في الآداب. مع دبلوم في التربية.
بعد تخرجه زاول مهنة التدريس مدة ست سنوات انتقل بعدها إلى وزارة المعارف موظفا من سنة 1940 إلى 1948م حيث أوفدته الوزارة إلى أميركا.
وكانت رحلته تلك إلى أميركا نقطة تحول لحياته الفكرية حيث لم يكن إرساله إليها للدراسة للحصول على شهادة عالية كما يحسب بعض من كتب عنه وإنما كانت رحلة عملية ميدانية يقوم فيها بزيارة الجامعات والمعاهد العلمية في أميركا ويطلع على مناهجها التعليمية؛ ليعود فيطبقها على مناهج التعليم في بلاده.
ولذا كانت رحلته تلك ذات مدة مفتوحة وكان أمر إنهائها بيده وتنتهي بانتهاء دراساته الميدانية.
والأهم من هذا كله أن رحلته تلك ليست -حقا- للاطلاع على تلك المناهج وإنما للتخلص من سيد قطب وآرائه التي كان يطالب بها ويلح عليها، ولهذا فإن سيدا لم يوفق على الرحلة إلا بعد أن منع من الكتابة في الصحف، وأغلقت مجلة "الفكر الجديد" فلم يجد بدًّا من السفر.
وعاد وقد وجد ذاته هناك ووجد الإجابة على استفساراته وعن غاية الحياة وهدفها السامي النبيل: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ
لَهَا} 1، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} 2.
عاد وقد خبر الحياة الأميركية بل قل الحياة المادية وسجل ملاحظاته تلك في "أميركا التي رأيت" إلا أن مسودات هذا البحث كانت من ضحايا محنة الإخوان المسلمين عام 1954م حيث أحرقت ولم ينج منها إلا حلقات ثلاث مختصرة نشرت في أعداد مجلة الرسالة "957، 959، 961".
كانت طريقته في أميركا تختلف عن طريقة الآخرين عكسها تماما
كانوا يتخذون موقف الدفاع والتبرير عن الإسلام أما هو فكان يتخذ موقف المهاجم للجاهلية الغربية لا يدع لهم مجالا للاستعلاء ولا يترك لهم فرصة لإشغاله عن الانطلاق كان يهاجم فيشغلهم بالرد ويتفرغ للدعوة ولا ينتظر منهم شبهة تشغله بالرد عنها.
حتى هذه اللحظة لم يكن له كبير اتصال مع جماعة الإخوان المسلمين إلى أن تم اغتيال حسن البنا رحمه الله تعالى سنة 1949م، وكان سيد وقتها في إحدى مستشفيات أمريكا حيث شاهد مظاهر الفرح والابتهاج بل والشماتة في كل شيء من حوله في الصحافة وفي جميع أجهزة الإعلام وفي كافة المنتديات كلها تهلل وتهنئ بعضها بعضا بالتخلص من أخطر رجل في الشرق، ولم يبق له عذر عند الله -كما يقول- إن لم أتبعها؛ فهذه أمريكا ترقص على جمجمة حسن البنا وهذه بريطانيا أيضا تسخر أجهزة مخابراتها حتى داخل أميركا لمحاربة الإخوان، فصمم في قرارة نفسه أن ينضم إلى الإخوان المسلمين.
وعاد سيد قطب وهو يعتقد أن تاريخ ميلاده هو تاريخ انضمامه إلى الإخوان المسلمين وكان يردد دائما: "لقد ولدت عام 1951م وهو تاريخ انضمامه إليهم".
1 سورة فاطر: الآية 2.
2 سورة الأنفال: الآية 30.
عاد وهو أخطر على من أرسلوه من قبلُ، فصار يكتب المقالات التي أقضَّت مضاجعهم، وجرت عليه الكثير من المضايقات، ولم يحسب لها حسابا، فراح يعدُّ البحوث ويلقي المحاضرات ويعقد الندوات ويدير الجلسات وصار بيته موئلا للشباب ومهوى للقلوب.
وقرن القول بالعمل، فدعا إلى قيام الكتلة الإسلامية كتلة ثالثة لا شرقية ولا غربية، وكان لسيد أثر كبير في قيام ثورة 23 يوليو، وكان موضع احترام رجالها وهو المدني الوحيد الذي كان يحضر أحيانا جلسات مجلس قيادة الثورة".
وحين طلبوا منه أن يلقي محاضرة في نادي الضباط في القاهرة غص النادي بالحضور من مختلف الفئات، وحرص على حضورها رئيس مجلس الثورة اللواء محمد نجيب بنفسه إلا أن عذرا طارئا منعه من ذلك، فحضرها نيابة عنه جمال عبد الناصر ولم يكتفِ بهذا بل أرسل رسالة مع أنور السادات يعتذر فيها عن الحضور، وقد تليت هذه الرسالة على الحضور وقد وصف سيد قطب فيها بأنه رائد الثورة ومعلمها وراعيها وقائد قادتها ورئيس رؤسائها1.
وليس بغريب أن يقول هذا محمد نجيب وهو الذي يعترف في مذكراته التي أصدرها مؤخرًا بعنوان "كنت رئيسا لمصر": "إنني أعرف أن الإخوان كانوا أول من ساعدوا عبد الناصر في تنظيم الضباط الأحرار" في فترة لم أكن فيها قد عرفت عبد الناصر ولا التنظيم"2.
ولم يكن سيد رحمه الله تعالى في محاضرته تلك متملقا ولا متشدقا للثورة. ولكنه أعلنها أن الثورة قد بدأت حقا وليس لنا أن نثني عليها؛ لأنها لم تعمل بعدُ شيئا يستحق أن يذكر، فخروج الملك ليس غاية الثورة، بل الغاية منها العودة بالبلاد إلى الإسلام، وأعلن أنه يخشى من الثورة أكثر من
1 سيد قطب الشهيد الحي: د/ صلاح عبد الفتاح الخالدي، ص141 عن مجلة "كلمة الحق" السنة الأولى، العدد الثاني 1387، ص37.
2 كنت رئيسا لمصر: محمد نجيب، ص167.
ذي قبل: "لقد كنت في عهد الملكية مهيئا نفسي للسجن في كل لحظة وما آمن على نفسي في هذا العهد أيضا، فأنا في هذا العهد مهيئ نفسي للسجن ولغير السجن أكثر من ذي قبل"1!!
وكان جمال عبد الناصر -كما قلنا- حاضرا فوقف وقال بصوته الجهوري: "أخي الكبير سيد؛ والله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا جثثا هامدة ونعاهدك باسم الله بل نجدد عهدنا لك أن نكون فداءك حتى الموت"، وكان من بين الحاضرين الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار الذي كتب وصفا كاملا لهذا الحفل1.
وعرضت عليه الثورة مناصب عديدة رفضها كلها إلا منصب السكرتير العام لهيئة التحرير وما رضي به إلا ليسعى للتخطيط للسياسة العليا وكان يستحثهم الإسراع بتطبيق الشريعة الإسلامية وكانوا يراوغون ويماطلون فاستقال بعد شهور وخلفه في منصبه جمال عبد الناصر نفسه1.
وعندما وقع الصدام بين الإخوان مع قادة الثورة سنة 1954م كان سيد قطب رحمه الله تعالى في مقدمة المعتقلين وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما وتفرغ سيد رحمه الله تعالى في سجنه للدعوة؛ دعا بلسانه بين السجناء والجنود فكان يخطب فيهم العيدين والجمعة رغم مخالفة ذلك للتعليمات ودعا بقلمه فسطر أروع كتبه وأفضلها وأشهرها: في ظلال القرآن.
ويشاء الله أن يكون هذا التفسير من أسباب خروجه من السجن فقد كتب له القبول بين المسلمين وحين زار الرئيس العراقي عبد السلام عارف مصر؛ وكان قد قرأ الظلال توسط عند الرئيس جمال عبد الناصر؛ لإخراجه من السجن بطلب من علماء العراق وصدر الأمر بالإفراج عنه أواخر عام 1964م، وعرض عليه عبد السلام عارف أن يسافر معه إلى العراق ووعده بمنصب كبير لكنه رحمه الله آثر البقاء في مصر.
1 سيد قطب الشهيد الحي: ص42 عن مجلة كلمة الحق التي نشر فيها الأستاذ العطار هذا الوصف "السنة الأولى العدد الثاني 1387 ص37-39".
وخرج؛ ليواصل الدعوة ولكنهم في هذه المرة لم يمهلوه، فأعلنها جمال من عاصمة من عواصم الإلحاد، ونحمد الله أنها لم تعلن من عاصمة من عواصم الإسلام؛ أعلنها من موسكو. إن الإخوان المسلمين قد دبروا مؤامرة للاستيلاء على الحكم بالقوة؟! كان ذلك عام 1965م، فنشطت أجهزته في إلقاء القبض على الإخوان المسلمين وأصدقائهم ومعارفهم وأقاربهم ونسائهم وأطفالهم.
وأقيمت المذابح ونصبت المشانق ولم يترددوا في الإعدام والحرق والتعذيب في أبشع ألوانه وأشكاله تحت آلات أعدت له دونها محاكم التفيش في أوربا.
وشرف الله آل قطب، فسجن سيد وأخوه محمد، وأخواتهما الثلاث نفيسة -ولم يمنعهم سنها من ذلك فهي الشقيقة الكبرى لسيد- وأمينة، وحميدة وسجنوا أبناء أخته نفيسة حيث لقي أحدهما حتفه تحت التعذيب وسجنوا أيضا أولاد أخواله ولاقى هؤلاء جميعا من الأهوال ما لا يوصف ولا أدري لم ترد على خاطري كلما قرأت عن هذه الأسرة كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل ياسر:"صبرا آل ياسر؛ موعدكم الجنة"1.
كان سيد رحمه الله تعالى يحس هذه المرة إحساسا آخر كان يقول: "لقد عرفت أن الحكومة تريد رأسي هذه المرة"2، وصدق رحمه الله تعالى، فقد صدر الحكم بإعدامه مع اثنين من الإخوان المسلمين هما محمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل.
وقامت الاحتجاجات والمظاهرات في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وتوسطت كثير من الشخصيات، لكن الأمر في هذه المرة لا يقبل مثل هذا؛ ولذا فلم يقبل وساطة عبد الرحمن عارف كما قبل وساطة أخيه من قبل3.
ولو لم يترك لنا التاريخ إلا تلك الكلمات التي قالها سيد باستعلاء المؤمن
1 السيرة النبوية: ابن هشام ج1 ص342.
2 الشهيد سيد قطب: جماعة أصدقاء الشهيد سيد قطب عن مجلة الأخبار الإسلامية الدولية. الباكستان عدد شهر اكتوبر 1966 ص56.
3 الشهيد سيد قطب: جماعة أصداء الشهيد سيد قطب ص104.
وعزة المؤمن لكفى بها، كلمات تخط ليس بالذ هب كما يقولون وإنما بالنور نور الإيمان الذي لا ينطفئ ولا يحجب.
قال حين طلب منه أن يقدم التماسا إلى جمال عبد الناصر بالعفو عنه ووعد بالإجابة سلفا إن فعل: "لماذا أسترحم؟ إن سجنت بحق، فأنا أرضى حكم الحق، وإن سجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل"1.
وقال: "
…
إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا يقر به حكم طاغية".
وقال حين طلب منه الاعتذار، فيصدر العفو عنه: لن أعتذر عن العمل مع الله1؟!!
وحين سئل عن صراحته في الإجابة على أسئلة المحكمة قال:
"لأن التورية لا تجوز في العقيدة، وأنه ليس للقائد أن يأخذ بالرخص"1.
وأمام هذا كله صدر الحكم بإعدامه؛ أتدرون ما قال عند سماعه للحكم قال: الحمد لله لقد عملت خمسة عشر عاما من أجل الحصول على هذه الشهادة.
أتدرون ماذا يعني بالخمسة عشر عاما؟! تلكم فترة انضمامه إلى جماعة الإخوان المسلمين فهو منذ أن انضم إليهم وهو يجعل الشهادة نصب عينيه وأحسبه إن شاء الله قد نالها، فهنيئا له.
فقد نفذ فيه حكمهم قبل بزوغ فجر يوم الاثنين 29/ 8/ 1966م الموافق 13 جمادى الأولى 1386هـ.
1 سيد قطب الشهيد الحي: صلاح الخالدي ص154. والحق أن التورية تجوز بل التصريح لمن أكره وقلبه مطئن، ولعل سيد قطب رحمه الله فسر في آخر كلمته ما أراد في أولها.
مؤلفاته:
مؤلفاته كثيرة بارك الله فيها ونفع بها الإسلام والمسلمين وهي أيضا مشهورة ومعروفة ولا أظن ذكري لها هنا يزيد القارئ معلومة أو معرفة توازي قيمة الإطالة في الحديث، لكني مع هذا أذكر ما يتعلق منها بالقرآن الكريم، وهي ثلاثة:
1-
التصوير الفني في القرآن.
2-
مشاهد القيام في القرآن.
3-
في ظلال القرآن.
وأخيرا:
أعتذر عن الإطالة في الترجمة، فما علمت أني قد أطلت إلا بعد أن رفعت القلم، ولو يعلم القارئ من نفسي ما أعلم لعرف أن كابدت في اختصارها إلى درجة لا تقبل بعدها اختصارًا، ولو علم أيضا تلك المؤلفات المطولة التي سطرها أصحابها عن حياة سيد قطب رحمه الله تعالى لعلم أني قد قصرت1 غفر
1 صدر عن سيد قطب رحمه الله تعالى عدد من المؤلفات منها:
1-
العالم الرباني الشهيد سيد قطب: للأستاذ العشماوي أحمد سليمان.
2-
سيد قطب: للأستاذ محمد توفيق بركات.
3-
مع سيد قطب فكره السياسي والديني: للدكتور مهدي فضل الله.
4-
سيد قطب وتراثه الأدبي الفكري: للأستاذ إبراهيم بن عبد الرحمن البليهي.
5-
سيد قطب أو ثورة الفكر الإسلامي: للأستاذ محمد علي قطب.
6-
الشهيد سيد قطب: مجموعة مقالات نشرت في الصحف جمعها بعض أصدقاء الشهيد سيد قطب.
7-
سيد قطب الشهيد الحي: للأستاذ صلاح عبد الفتاح الخالدي وعلى هذا الكتاب اعتمدت في هذه الترجمة إلا ما أشرت إلى مرجعه.
8-
رائد الفكر الإسلامي المعاصر الشهيد سيد قطب: للأستاذ يوسف العظم، وهناك رسائل عليا منها ما هو للدكتوراه مثل: في ظلال القرآن دراسة وتقويم للاستاذ صلاح عبد الفتاح جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ومثل: سيد قطب ناقدا للأستاذ أحمد البدوي جامعة الخرطوم، وسيد قطب والتصوير الفني في القرآن: صلاح عبد الفتاح "ماجيستير"، وسيد قطب الأديب الناقد: للأستاذ عبد الله الخباص "ماجيستير" الجامعة الأردنية.
الله لي ولكم ولسيد قطب وآله وإخوانه المسلمين وجمعنا في مستقر رحمته. إنه سميع مجيب.
ثانيا- في ظلال القرآن:
لهذا التفسير مزايا داخلية ومزايا خارجية؟ تسألون عن الخارجية فأقول: إنها مزايا شيقة أيضا وأعني بها تلك الأطوار التي مر بها هذا التفسير منذ أن سطرته أصابع صاحبه إلى أن طبع طبعاته الشرعية الأخيرة.
وليس هذا مقام الكتابة عنه مفصلا حتى أتناول تلك المزايا، وقد كفانا مؤنة ذلك الأستاذ صلاح الخالدي في كتابه سيد قطب الشهيد الحي، ويكفي أن أقول هنا: إن هذا التفسير أول ما أشرقت شمسه وبرقت جواهره كان في كتاب آخر سماه "التصوير الفني في القرآن"، ثم بدا لصاحبه أن يعرض القرآن كله على ضوء ذلك.
ثم ترجم هذه الأمنية ليس في كتاب بل في مجلة كان يصدرها سعيد رمضان واسمها "المسلمون" فكتب مقالات شهرية تحت عنوان "في ظلال القرآن" ونشر في المجلة سبع حلقات تولدت عنده بعدها عزيمة أخرى أن يقوم بتأليف تفسير كامل على هذا النهج ويصدره في كتاب مستقل في ثلاثين جزءا يظهر كل جزء خلال شهرين، ووفى رحمه الله بوعده بل كان أحيانا يصدر الجزء في أقل من شهرين وكفى أنه صدر ما بين أكتوبر 1952م وبين يناير 1954م "أي في سنة وأربعة أشهر" ستة عشر جزءا بمعدل جزء في كل شهر واحد.
ودخل السجن وأصدر منه جزءين: السابع عشر والثامن عشر ثم خرج من السجن وعاد إليه أخرى فأصدر بقية الأجزاء ولم يكتفِ بذلك بل عاد ينقح الأجزاء الأولى ويطبعها منقحة فتضاعف حجمها إذ كان حجم الجزء منها يزيد على ضعف حجمه في الطبعة الأولى ووصل في التنقيح إلى الجزء العاشر.
وأخرج من السجن، فواصل العمل وقام بتنقيح الأجزاء 11، 12، 13، ودخل السجن ثالثة، ولكن الطغاة هذه المرة لم يمهلوه بل أعدموه رحمه الله رحمةً