الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنه بهذا مثال العالم المسلم الذي لا يقول فيما لا يعلم، ويسأل إذا جهل، ويحمد الله إذا علم.
وإذا عجز عن بيان ذلك في موضع حتى ولو لم يكن في الظلال غيره فإنه يصرح بقوله: "وأنا؛ اللحظة لا أجد في هذا القول ما يريح أيضا ولكنه لم يفتح علي بشيء آخر" ولا ينسى وهو المؤمن الاستعانة بالله في مثل هذا الموضع فيقول: "والله المستعان"1.
نعم يصرح بـ: لم يفتح علي بشيء، وقد صرح بها من قبله مالك رحمه الله تعالى فقال: لا أدري، فما زادته إلا سُمُوًّا في القلوب وما نقصته إلا عُلُوًّا في العلم!! وذهبت تلك الكلمة مشعل نور في دياجير الزمن تحكي الورع الصادق عند علماء المسلمين.
وإذا كانت تلكم هي المرة الوحيدة التي لم يستطع فيها سيد قطب رحمه الله تعالى بيان الماسبة بينها وبين الآيات التي قبلها فإن هذا يدل على توفيق الله تعالى له ببيان المناسبة في كل المواضع الأخحرى ويدل أيضا على عنايته رحمه الله تعالى بالوحدة الموضوعية في القرآن الكريم.
1 في ظلال القرآن: ج2 ص979.
الأساس السابع: ترك الأطناب عما أبهم في القرآن الكريم
وما الذي يتصوره غير ذلك من رجل يدخل التفسير دون مقررات سابقة إلا ما قرره الكتاب والسنة.
فإذا كان القرآن نفسه أوجز الحديث عن أمره فمن أين يؤتى بدقائق تفصيله من غير سنة الرسول صلى الله وسلم. لهذا فقد أعرض سيد رحمه الله تعالى عن الخوض فيما أبهمه القرآن الكريم، ولم يرد بيانه في السنة، وكان هذا من منهجه.
فقال في تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} 1: "وقد جرينا في هذه الظلال على قاعدة ألا نتزيد بشيء في أمر الغيبيات التي يقص الله علينا طرف من خبرها، وأن نقف عند حدود النص القرآني لا نتعداه.. هو كافٍ بذاته لإثبات ما يعرض له من أمور فنحن نؤمن أن هناك خلقا اسمهم الشياطين، وردت بعض صفاتهم في القرآن، وسبقت الإشارة إليها في هذه الظلال، ولا نزيد عليها شيئا ونحن نؤمن أن الله جعل من هذه المصابيح التي تزين السماء الدنيا رجوما للشياطين في صورة شهب كما جاء في سور أخرى {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} 2، {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} 3 كيف؟ من أي حجم؟ في أي صورة؟ كل ذلك لم يقل لنا الله عنه شيئا، وليس لنا مصدر آخر يجوز استفتاؤه في مثل هذا الشأن فلنعلم هذا وحده ولنؤمن بوقوعه، وهذا هو المقصود ولو علم الله أن هناك خير في الزيادة أو الإيضاح أو التفصيل لفَصَّل سبحانه فما لنا نحن نحاول ما لم يعلم الله فيه خيرا؟ في مثل هذا الأمر أمر رجم الشياطين؟! "4.
وفي قوله تعالى؛ حكاية لقول الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} 5 قال: "أما أين يقف ذلك الحرس؟ ومن هو؟ وكيف يرجم الشياطين بالشهب؟ فهذا كله مما لم يقل لنا عنه القرآن ولا الأثر شيئا، وليس لنا مصدر سواهما نستقي منه عن هذا الغيب شيئا، ولو علم الله أن في تفصيله خيرا لنا لفعل، وإذ لم يفعل فمحاولتنا نحن في هذا الاتجاه عبث ولا يضيف إلى حياتنا ولا إلى معرفتنا المثمرة شيئا! "6.
1 سورة تبارك: 5.
2 سورة الصافات: 7.
3 سورة الصافات: 10.
4 في ظلال القرآن: ج6 ص3634.
5 سورةالجن: 8.
6 في ظلال القرآن: ج6 ص3730.