الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: المنهج البياني في التفسير
مدخل
…
الفصل الأول: المنهج البياني في التفسير
في أمة كانت تقيم للشعر أسواقا وللخطابة ندوات وتعد الشعر ديوانا وسجلًّا للمفاخر نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين.
كانت أمة تمسك بزمام البلاغة والفصاحة لا تجاري عرفت بحسن الأداء وجمال المنطق وسلاسة التعبير وما يزال الناس بعد أربعة عشر قرنا من الزمان يرددون قصائدهم ويحفظون خطبهم وهم يعدونها مثالا للبلاغة والفصاحة، فقد نزل عليهم القرآن الكريم وهم في ذروة من البلاغة وقمة من الفصاحة فكانوا ملوكها وأساطينها.
وأشد ما تكون المعجزة إعجازا إذا نزلت في قوم برعوا في موضوعها وقد كانت معجزة القرآن الكريم كذلك.
وعلى قدر قوة هذه المعجزة كانت الصدمة للقوم بعد عجزهم قوية، فمنهم من بادر من فوره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعنا مسلما، ومنهم من عاند واستكبر ولم يعِ ما يقول، قال وقالوا شعرا، وقال وقالوا سحرا، وقال وقالوا كهانة وهو وهم يعرفون أنه ليس بهذا ولا بذاك ولا بذلك.
وكما طوعت لهم أنفسهم أن يقولون بهذا يخدعون أنفسهم طوعت لهم أن يقولوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَر} 1 ولم يكونوا صادقين وإنما كانوا يلتمسون
1 سورة النحل: الآية 103.
لأنفسهم عذرا بعجزهم عن مجاراته ويدرؤون عن أنفسهم معرة الإفحام فأخطأوا السبيل وهم لا يعُونَ لهول الصدمة لم يجعلوا هذا البشر المزعوم منهم فهم يعرفون قصورهم عن درك هذا القول، فنسبوه إلى رجل هل تدرون من هو؟! إذًا ستسخرون!! لرجل كان حدادًا منهمكًا في مطرقته وسندانه عامي الفؤاد لا يعلم الكتاب إلا أماني أعجمي اللسان لا تعدو قراءته أن تكون رطانة لا يعرفها محمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد من قومه. ولكن ذلك كله لم يكن ليحول بينه وبين لقب "الأستاذية" الذي منحوه إياه على رغم أنف الحاسدين!
هكذا ضاقت بهم دائرة الجدر فما وسعهم إلا فضاء الهزل وهكذا مضوا في هزلهم حتى خرجوا عن وقار العقل، فكان مثلهم كمثل من يقول: إن العلم يستقي من الجهل وإن الإنسان يتعلم كلامه من الببغاء! وكفى بهذا هزيمة وفضيحة لقائله: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} 1، 2.
ومع هذا فإنا نسمع حينا في دياجير الظلام أصواتا لم تستطع أن تخرق طبقات الحق إلى ظلمة الباطل فلا تجد إلا الاعتراف والإذعان فتقول: "والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وما يقول هذا بشر" لكنها لا تلبث وقد طغى عليها العناد إلا أن تعود إلا ضلالها، فتزعم الباطل كره أخرى.
والاعترافات عديدة والعناد كثير لذا فلم يكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن "يهدي من أحب" ومن لم يحب أيضا إلى الإيمان، وإنما كلف بأن يسمع المشركين كلام الله:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} 3 لم يكلف بما بعد الإسماع؛ لأن المانع بعده ليس "الإقناع"، فقد حملته الآيات وإنما هو العناد، والعناد لا تنفع معه الحجة والبرهان، وإذا لم يكن ثم عناد فقد حدثنا القرآن عن قوم:
1 سورة النحل: الآية 103.
2 النبأ العظيم: د. محمد عبد الله دراز ص64.
3 سورة التوبة: الآية 6.
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا} 1.
وهذا عمر رضي الله عنه وهو من هو يقع في أسر البيان القرآني في وقت كان الشرر يتطاير من عينيه حين علم بإسلام أخته فذهب ليفتك بها، فإذا به يقع في أسر بيان آيات من سورة طه لا يملك معها إلا الإذعان والإيمان، حيث لا عناد.
وهذا جبير بن مطعم رضي الله عنه يقع في أسر البيان القرآني حين سمع من في الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} 2 حتى اعترف "كاد قلبي أن يطير" وآمن: "وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي"3؛ لأنه لم يكن ثم عناد.
ومما يؤكد تأصل العناد في قلوب المشركين ضربهم الحصار حول القرآن الكريم حتى لا يسمعه سماعًا القادمون في موسم الحج ومع هذا فقد فتح مصعب بن عمير رضي الله عنه يثرب بآيات من القرآن مكث فيها يقرأ القرآن على أهلها، فآمنوا ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة إليهم حتى قيل:"فتحت الأمصار بالسيوف وفتحت المدينة بالقرآن"4، وهل هناك من سلاح أقوى من سلاح البيان القرآن؟!.
ليس الجديد في القرآن لغته لكن من الجديد فيه أنه أمة وحده في البلاغة العربية: "وأنه في كل شأن يتناوله يختار له أشرف المواد وأمسَّها رحمًا بالمعنى المراد وأجمعها للشوارد وأقبلها للامتزاج ويضع كل مثقال ذرة في موضعها الذي هو أحق بها وهي أحق به بحيث لا يجد المعنى في لفظة إلا مرآته الناصعة وصورته الكاملة ولا يجد اللفظ في معناه إلا وطنه الأمين وقراره المكين. لا يوما أو بعض يوم، بل على أن تذهب العصور وتجيء العصور فلا المكان يريد بساكنه
1 سورة مريم: الآية 58.
2 سورة الطور: الآية 35.
3 الإتقان في علوم القرآن: السيوطي ج2 ص123.
4 بيان إعجاز القرآن: لأبي سليمان الخطابي ص65.
بدلا. ولا الساكن يبغي عن منزله حولا وعلى الجملة يجيئك من هذا الأسلوب بما هو المثل الأعلى في صناعة البيان"1.
خلاصة الأمر أن هذا البيان القرآني يجمع أمورا جملتها النظم الفريد العجيب الحسن المخالف لأساليب العرب، والصور البيانية التي تؤلف أبدع تأليف بين أفصح الألفاظ الجزلة وأصح المعاني الحسنة"2.
هذه الأمور هي التي اتجهت إليها همة طائفة من المفسرين وأولوها اهتماما واتسعت الدراسات حولها وكثرت، ولئن كان للعصر الحديث منها نصيب كبير فإن جذورها تمتد إلى عصر نزول القرآن الكريم.
وقد حسب بعض المؤرخين للمنهج البياني في التفسير خلو صدر الإسلام منه وتجاوزه إلى ما بعده حين ظهرت المصطلحات البلاغية في صدر العصر العباسي هم يحسبون أن معرفة البيان القرآني فرع عن معرفة "المصطلحات البلاغية" وفاتهم أن قوم الفطرة قد درسوا القرآن دراسة من يعرف مناحي البيان وإن فاتهم معرفة مصطلحاته التي ظهرت من بعدهم فهم يعرفون مناحي الإيجاز والإطناب ومواضع الحقيقة والمجاز وقد كفانا الجاحظ مؤنة الرد على من أنكر ذلك فقال: "فإذا زعم زاعم أنه لم يكن في كلامهم تفاضل ولا بينهم في ذلك تفاوت فلم ذكروا العي والبكئ والحصر والمفحم، والخطل، المسهب والمتشدق والمتفقه والهماز والثرثار والمكثار والمهماز؟ ولم ذكروا الهجر والهذر والهذيان والتخليط؟ وقالوا: رجل تلفاعة وتلهاعة وفلان يتلهيع في خطبته. وقالوا: فلان يخطئ في جوابه، ويحيل في كلامه، ويناقض في خبره ولولا أن هذه الأمور قد كانت تكون في بعضهم دون بعض لما سمي ذلك البعض والبعض الآخر بهذه الأسماء"3.
ولا شك أن هذه الأوصاف والمسميات التي ذكرها الجاحظ ترسم الجو
1 النبأ العظيم: الدكتور محمد عبد الله دراز ص92.
2 بيان إعجاز القرآن: لأبي سليمان الخطابي ص65.
3 البيان والتبيين: الجاحظ ج1 ص90-91.
البلاغي الذي تنفست فيه المعاني البيانية قبل أن ترسمها المصطلحات البلاغية المحدثة وفي ذلك ما يدفعنا إلى تلمس الأصول الأولى للتفسير البياني للقرآن الكريم لدى الأوائل من سامعيه1.
وإذا ما فعلنا ذلك فإنا سنجد في تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم جملة من ذلك نذكر لها مثالا: بيانه عليه الصلاة والسلام للخيط الأبيض والخيط الأسود في قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، ببياض النهار وسواد الليل2 منتقلا بالمعنى من الحقيقة إلى المجاز.
وفي تفسير الصحابة رضوان الله عليهم نجد جذور وبذور التفسير البياني للقرآن الكريم وأشهر من عرف عنه هذا اللون من التفسير حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما. ولذا فقد جرى بعض المؤرخين للتفسير على اعتبار ابن عباس رضي الله عنهما صاحب الرأي الخاص بتفسير القرآن تفسيرًا لغويا يرجع فيه إلى شعر العرب لمعرفة ما قد يغمض من الألفاظ والتراكيب3.
وتاريخ التفسير يحدثنا مرارا عن لقاء نافع بن الأزرق بابن عباس رضي الله عنهما فيقول: "بينا عبد الله بن عباس جالس بفناء الكعبة قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن، فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر: قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به، فقاما إليه فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا وتأتينا بمصادقة من كلام العرب فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما"4، فسأله نافع عن أكثر من مئة وثمانٍ وثمانين مسألة أوردها السيوطي
1 انظر خطوات التفسير البياني للقرآن الكريم: د/ محمد رجب البيومي ص12.
2 صحيح البخاري: كتاب التفسير ج5 ص156.
3 خطوات التفسير البياني: محمد رجب البيومي ص14.
4 الإتقان في علوم القرآن: السيوطي ج1 ص120.
رحمه الله تعالى في الإتقان"1.
وليس ابن عباس رضي الله عنه بالوحيد2 بينهم رضي الله عنهم، فقد شاركه في هذا جملة من الصحابة رضي الله عنهم لكنه من أولهم وأشهرهم فذكرناه واقتصرنا عليه.
وقد ورث عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسيره طائفة من تلاميذه بما فيه من جذور التفسير البياني، فجاء تفسير مجاهد متأثِّرًا بهذا اللون من التفسير وقد ذكر الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله تعالى جملة من هذا وذاك في كتابه "معجم غريب القرآن".
كل هذا كان قبل عصر التدوين. ولعل هذه الخاصة فيه هي التي جعلت كثيرا من المؤرخين يتجاوزون هذه المرحلة ويعرضون عنها مبتدئين تاريخهم للتفسير البياني ببداية عصر التدوين.
1 انظر الإتقان: ص120 إلى 133 ج1.
2 هذا لا يعني صحة نسبة هذه الأسئلة من نافع لابن عباس رضي الله عنهم كلها؛ فلا شك أنه يصعب الاقتناع بأن مثل نافع يسأل مثل هذه الأسئلة فلو جاز له أن يسأل مثلاً عن "رئيا""تتبيب""حميم آن" وغيرها؛ فإنه لا يصح أن يسأل وهو من هو في معرفة اللغة عن "عذاب أليم""أطعموا البائس""اضربوا كل بنان" وغيرها، فإن هذا ونحوه لا يعوص فهمه على مثل نافع، زد على هذا أن الرواية تحكي استشهاد ابن عباس بشعر ابن أبي ربيعة، والحارث والمخزومي وغيرهما ممن جاء بعد انتشار ألفاظ القرآن فلا يعقل أن يقتنع نافع بشعرهم ونحو هذا استدلاله بشعر حسان رضي الله عنه، وأمية بن أبي الصلت، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وهم لا شك درسوا القرآن وتأثروا بأسلوبه وعباراته فاقتبسوا منه في أشعارهم فلا يستدل بنحو ذلك، وإنما الحجة في نحو هذا لشعراء العربية قبل انتشار آيات القرآن وتداولها بين الناس لكن هذا كله احتياط لا يمنعنا من التسليم بجوهر المسألة أعني رجوع ابن عباس إلى الشعر العربي في التفسير ولا يمنع أن يكون نافع سأل عن بعض هذه الأسئلة وزاد عليها من بعده الرواة ما زادوا ويبقى ما بقي وهو كثير حجة على ما أردنا إثباته من ثبوت جذور التفسير البياني لدى ابن عباس رضي الله عنهما، وقد اقتبست هذا الاحتياط العلمي من الدكتور محمد رجب البيومي في كتابه خطوات التفسير البياني، ص18-19.
وأول ما يصادفنا في هذا العصر -عصر التدوين- كتاب "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى رحمه الله تعالى المتوفى سنة 210، وينبغي أن أذكر هنا ما ذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى عن المراد بالمجاز هنا حيث قال:"أول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه ولكن لم يُعنَ بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية"1، وذلك أنه حين يتعرض للنصوص القرآنية يشير إلى ما تدل عليه من حقيقة أو مثل أو تشبيه أو كناية وما يتضمن من ذكر أو حذف أو تقديم أو تأخير فوضع بذلك اللبنة الأولى في صرح الدراسات البلاغية للقرآن الكريم، وقد يكون في ذلك بعض التجوز في التحديد ولكنه منهج مبدئي وله بذلك موضعه من التقدير2.
وجاء من بعده سيل من المؤلفين في هذا المضمار فألف الفراء كتابه "معاني القرآن" ومع أن الفراء هذا يقول: "لو حمل إلي أبو عبيدة لضربته عشرين في كتاب المجاز"3 فإن كتابه المعاني جاء على نفس طريقة أبي عبيدة وإن غلب النحو على نهجه ودراسة الكتابين توحي باتحاد المنحى لدى الرجلين في البدء بتفسير الآيات حسب ترتيبها في المصحف واتَّبعه في إيراد المسائل البيانية من كناية وتشبيه ومثل واستعارة ومجاز4، واتبعه كظله في تذييل تفسيره بذكر الحديث والأمثلة الشعرية والنثرية لبيان المعنى وتوضيحه ولا يفوته أحيانا أن يورد بعض المأثور عن الصحابة والتابعين5.
وجاء من بعدهم الجاحظ "ت225" فألف كتابه "نظم القرآن" وهو كتاب مفقود لكن كتب الجاحظ نفسه والدارسين من بعده لا تخلو من الإشارة إليه وبيان غرضه.
1 مجموع الفتاوى: ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم ج7 ص88؛ وانظر ج12 ص277.
2 خطوات النهج البياني: د/ محمد رجب البيومي، ص46.
3 معجم الأدباء: ياقوت الحموي ج19 ص159.
4 خطوات التفسير البياني: د/ محمد رجب البيومي، ص59.
5 إعجاز القرآن البياني بين النظرية والتطبيق: د. حفني شرف، ص20.
وابن قتيبة "276" ألف كتابه تأويل مشكل القرآن رد فيه على الطاعنين في بلاغته، والجاحظ خطيب المعتزلة وابن قتيبة خطيب أهل السنة كما يقولون1.
ودخل القرن الرابع الهجري الذي اختار أصحابه لهذا اللون من التفسير عنوان "إعجاز القرآن"
2 فألف فيه من أهله أبو الحسن علي بن عيسى الرماني "ت386" كتابه "النكت في إعجاز القرآن" وألف أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي "ت388": "بيان إعجاز القرآن".
وفي هذا القرن أيضا ألف قاضي المعتزلة أبو الحسن عبد الجبار الهمداني "ت315" كتابه "المغني في أبواب التوحيد والعدل" خص إعجاز القرآن بجزء منه مستقل.
ومن أهل هذا القرن أيضا أبو بكر الباقلاني "403" وقد ألف كتاب "إعجاز القرآن".
وجاء القرن الخامس وأظهر ما فيه وأشهر كتاب عبد القاهر الجرجاني "ت471": "دلائل الإعجاز" ورسالته التي سماها "الرسالة الشافية في إعجاز القرآن الكريم".
وجاء القرن السادس وما أدراك ما القرن السادس؛ ألف فيه أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري "ت538" كتابه "تفسير الكشاف" وحسبك به في هذا اللون من التفسير.
وفي أواخر هذا القرن ألف فخر الدين الرازي "ت606" رسالته "نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز".
وفي القرن السابع وضع أبو الأصبع المصري "ت654" كتابه "بديع القرآن" وكتابه "الخواطر السوانح في أسرار الفواتح".
1 خطوات التفسير البياني: د/ محمد رجب البيومي، ص92.
2 الإعجاز البياني للقرآن: د/ عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ"، ص18.
وفي القرن الثامن وضع الإمام يحيى بن حمزة العلوي "ت749" كتابه "الطراز" أملاه على أصحابه بعد أن قرأوا تفسير الكشاف فطلبوا منه أن يملي عليهم في إعجاز القرآن كتابًا، فأملاه عليهم.
وفي القرن التاسع ألف برهان الدين بن عمر البقاعي "ت885" كتابه "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور".
وفي أواخر هذا القرن وأوائل القرن العاشر جاء الإمام جلال الدين السيوطي "ت911" صاحب المؤلفات والمصنفات في هذا الموضوع وغيره ومنها كتابه "تناسق الدرر في تناسب السور" وغيره كثير.
ولا أعرف كتابا أو تفسيرا من هذا اللون في القرنين الحادي عشر والثاني عشر أما القرن الثالث عشر فقد ألف فيه شهاب الدين السيد محمود الألوسي "ت1217" تفسيره "روح المعاني" حتى عده بعض المعاصرين "امتداد لتفسير الكشاف للزمخشري في الاهتمام بالمسائل البلاغية والنحوية"1.
هذه إشارة سريعة لم أقصد بها استيفاءً ولا شمولًا ولا استقصاءً وإنما قصدت الإشارة إلى وجود الدراسات البيانية للقرآن الكريم عند الأقدمين وتسلسلها عبر القرون واتصالها بعضها ببعض من عصر نزول القرآن الكريم إلى القرن الرابع عشر الهجري.
ولم أضرب الأمثلة؛ إذ أن ضرب المثال في مثل هذا المقام يوجب استيفاء جوانبه الفكرية ولو فعلت هذا وذاك لكان في كتاب ضخم وقد كفاني مؤونة ذلك أستاذان فاضلان تتبعا خطوات التفسير البياني حتى العصر الحديث هما الدكتور محمد رجب البيومي في خطوات التفسير البياني للقرآن الكريم، والدكتور حفني محمد شرف في كتابه "إعجاز القرآن البياني بين النظرية والتطبيق".
ولعلِّي بعد هذا أجد مبررا للولوج إلى ميدان القرن الرابع عشر الهجري حيث أسمع جلبة، لعلي آتيكم منها بخبر.
1 إعجاز القرآن البياني: د/ حفني محمد شرف، ص303.