الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكل ذي غرض أو صاحب مقصد بعد الوفاء بهذا الدرس الأدبي أن يعمد إلى ذلك الكتاب، فيأخذ منه ما يشاء ويقتبس منه ما يريد ويرجع إليه فيما أحب من تشريع أو اعتقاد أو أخلاق أو إصلاح اجتماعي أو غير ذلك. وليس شيء من هذه الأغراض الثانية يتحقق على وجهه إلا حين يعتمد على تلك الدراسة الأدبية لكِتاب العربية الأوحد دراسة صحيحة كاملة مفهمة له، وهذه الدراسة هي ما نسميه اليوم تفسيرا؛ لأنه لا يمكن بيان غرض القرآن ولا فهم معناه إلا بها.
فجملة القول: أن التفسير فيما أفهمه هو الدراسة الأدبية الصحيحة المنهج، الكاملة المناحي، المتسقة التوزيع، والمقصد الأول للتفسير اليوم أدبي محض صرف، غير متأثر بأي اعتبار، وراء ذلك.. وعليه يتوقف تحقق كل غرض آخر يقصد إليه هذه هي نظرتنا إلى التفسير اليوم وهذا غرضنا منه"1.
وإنما نقلت هذا النص بطوله لما فيه من بيان نظرة الأستاذ أمين الخولي إلى التفسير ولما فيه من بيان غرضه، وكفى بهما من مطلب بسطه لنا صاحب المنهج ومؤصله.
وسأرجئ إبداء رأيي في نظرته إلى التفسير وغرضه منه إلى آخر هذا الفصل حيث سأبين رأيي الخاص في المنهج كله أجمعه هناك حتى لا يتفرق.
1 التفسير معالم حياته منهجه اليوم: أمين الخولي ص33-35
مراحله ومعالمه:
وحين نتحدث عن مراحله ومعالمه تلك، فإنا لا نقصد بها المراحل التي مر بها التفسير البياني عبر تاريخ التفسير فهذا قد سبقت الإشارة إليه. ولكني أقصد ذكر المراحل التي يمر بها المفسر الواحد في العصر الحديث لتطبيق المنهج البياني في التفسير كما بسطها صاحبه.
ولئن كان الأستاذ أمين الخولي لم يوردها مسلسلة مرتبة فإني بعد نظر تأمل قد حصرتها بأربع أو خمس مراحل هذا بيانها:
المرحلة الأولى: التفسير الموضوعي
وهي المرحلة التي أشار إليها أمين على أنها النظر بين يدي الخطة حيث قال: "والقرآن كما هو المعروف لم يرتب على الموضوعات والمسائل فيفرد كل شيء منها بباب أو فصل، يجمع ما ورد فيه عن هذا الموضوع أو تلك المسألة فليس على ترتيب كتب العقائد مع ما فيه من أصول العقيدة وليس على ترتيب كتب التشريع مع ما فيه من أصول التشريع. ولا هو كذلك على نسق كتب الأخلاق أو التاريخ ولا القصص ولا غير ذلك، بل ليس على ترتيب بعض كتب الدين حين أفردت أحداث الحياة بأسفار عنونت كل سفر منها بحادث، أو حين جرت على تسلسل حياة فرد خصت كل حين منها بقسم. كما لم يرتب على شيء من تاريخ ظهور آياته إنما جرى القرآن على غير هذا كله. فعرض لكثير من الموضوعات ولم يجمع منها واحدا بعينه، فيلتقي أوله بآخره ويعثر به في مكان معين وإنما نثر ذلك كله نثرا وفرقه تفريقا؛ فالحكم التشريعي في أكثر من موضع والأصل الاعتقادي قد عرض له غير مرة والقصة قد وزعت مناظرها ومشاهدها في جملة أماكن، وهكذا تقرأ في السورة الواحدة فنونا من القول وتمر بألوان من الأغراض المختلفة تعرض لها سورة أخرى فيتكامل العرضان، وتتم الفكرة بتتبعها في مواطن متعددة وذلك لحكمة ومرمى"1.
ويؤكد الأستاذ أمين أن لهذا الواقع في موضوعات القرآن الكريم أثره في طريقة تناول القرآن بالتفسير وأن طريقة السلف في تفسيره مرتَّبًا لا تمكن من الفهم الدقيق والإدراك الصحيح لمعانيه وأغراضه ولا أظن الأستاذ أمين الخولي إلا مخطئا في نظته تلك إلى تفسير السلف ذلك أنهم حين يتناولون بالتفسير حكما تشريعيًّا لا ينظرون إلى آياته التي حملته نظرة منفصلة عن الآيات الأخرى بل ولا عن ما هو خارج عن الآيات أعني السنة وغيرها فلا تعد نظرتهم تلك نظرة قاصرة وخذ القصة مثلا حين يتناولها السلفي يستكمل مناظرها ومشاهدها من نصوص آيات أخرى في مواضع متفرقة وكذا آيات العقائد لا ينظر إلى آحادها
1 التفسير معالم حياته منهجه اليوم: أمين الخولي ص35-36.
نظرة مستقلة، عن سواها كل هذا يدل على كمال النظرة السلفية في تفسير الآية القرآنية وأن لا أثر لسلوكهم التفسير المرتب على الفهم الدقيق أو الإدراك الصحيح كما فهم الأستاذ أمين.
عودة إلى الأستاذ أمين الخولي لنجمل رأيه في المرحلة الأولى في التفسير البياني أن التفسير لا يكون إلا بأسلوب التفسير الموضوعي الذي يجمع الآيات ذات الموضوع الواحد من أماكنها المتفرقة وينظر إليها نظرة واحدة وبهذا يكون الفهم الصحيح: "فالناظر في سورة البقرة مثلا يجد من الحديث عن المؤمنين وحالهم ما أحسب أنه يفهم الفهم الصحيح إذا ما قورن بما في سورة "المؤمنون" من الجزء الثامن عشر ثم هو واجد في سورة البقرة عن المنافقين وحالهم ما لا يفهم وجهه إلا مع سورة "المنافقون" في الجزء الثامن والعشرين وقصة آدم في البقرة إنما تفسر مع ما ورد عنها في سورة الأعراف والحجر والكهف وغيرها"1.
هذه هي الخطوة الأولى التي يجب أن يخطوها المفسر تفسيرا بيانيا كما يراها الأستاذ أمين الخولي.
المرحلة الثانية: الترتيب الزمني للآيا ذات الموضوع الواحد:
وهي ذات صلة وعلاقة قوية بالمرحلة السابقة حتى وكأنها خطوة أو مرحلة واحدة.
تلكم المرحلة هي مراعاة الترتيب الزمني للآيات ذات الموضوع الواحد ويقصد بها أن المفسر بعد أن يجمع آيات موضوع بعينه يجب أن يخطو الخطوة الثانية فيرتب هذه الآية حسب ترتيب نزولها وأكد هذا الأستاذ أمين الخولي حين قال: "وترتيب القرآن لم يرع شيئا من تقدم الزمن وتأخره فمكيه يتخلل مدنيه ويحيط به ومدنيه يتخلل مكيه ويحيط به. وهكذا ترى من النظر في ترتيب القرآن على سوره -أي ترتيب كان في المصاحف المختلفة- ما لا يساير حاجات مفسره المتفهم لهن بل يقضي ما كان من أمر الترتيب: بالنظر الجديد والترتيب الخاص لآي الموضوع بحيث يكشف هذا الترتيب لنا عن تلك النواحي التي عرفت أن
1 التفسير معالم حياته منهجه اليوم: أمين الخولي ص36
المفسر المتفهم مضطر إلى مراعاتها وتقديرها توصلا إلى الفهم الصحيح والمعنى الدقيق"1.
إذًا فهو يرى وجوب ترتيب آي الموضوع الواحد ترتيبا خاصا بحيث يكشف هذا الترتيب عن النواحي التي يحتاجها المفسر للوصول إلى الفهم الصحيح. ثم أجمل الأستاذ أمين القول في المرحلتين السابقتين بقوله:
"فجملة القول أن ترتيب القرآن في المصحف قد ترك وحدة الموضوع لم يلتزمها مطلقا، وقد ترك الترتيب الزمني لظهور الآيات لم يحتفظ به أبدا، وقد فرق الحديث عن الشيء الواحد والموضوع الواحد في سياقات متعددة، ومقامات مختلفة ظهرت في ظروف مختلفة وذلك كله يقضي في وضوح: بأن يفسر القرآن موضوعا موضوعا وأن تجمع آيه الخاصة بالموضوع الواحد جمعا إحصائيا مستقصى.
ويعرف ترتيبها الزمني ومناسباتها وملابساتها الحافة بها ثم ينظر فيها بعد ذلك لتفسر وتفهم فيكون ذلك التفسير أهدى إلى المعنى وأوثق في تحديده"2.
بقي أن أقول: إن هذه الدعوة من الأستاذ أمين إلى الترتيب التاريخي لآيات الموضوع الواحد كانت دعوة مثالية بعيدة عن التطبيق الكامل بل إن الأستاذ أمين نفسه وتلاميذه من بعده لم يضع أحد منهم خطة لهذا الترتيب ولم يحل أحد منهم إلى ترتيب بعينه يراه الأفضل بالرغم من أنهم يعتبرون هذه الخطوة لا بد منها قبل القيام بالتفسير3.
المرحلة الثالثة: الدراسة
وتعتبر المرحلتان السابقتان تمهيدا وتوطئة للمرحلة الثالثة؛ إذ إن هذه الأخيرة هي جسد التفسير البياني وإن المرحلتين السابقتين هما القاعدة لهذا الجسد.
1 التفسير معالم حياته منهجه اليوم: أمين الخولي ص36-37.
2 التفسير معالم حياته منهجه اليوم: أمين الخولي ص37.
3 اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم في مصر: دكتور محمد إبراهيم شريف ص503.