المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فتوىفي الغوث والقطب والأبدال والأوتاد - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌فتوىفي الغوث والقطب والأبدال والأوتاد

- ‌ب.• أحاديث الأبدال

- ‌الشخص الذي يدور عليه أمر من الأمورِ هو قطبُ ذلك الأمرِ

-

- ‌ قول القائل: "الغوث الذي تنتهي إليه حوائج الخلق

- ‌مازال الناسِ يُجْدِبون ويستولي عليهم العدو، وهذا الغوثُ لا ينفع ولا يَدفع

- ‌فصل

- ‌ هذه الأمصار كانت في أول الإسلام ديارَ كفر، لم يكن بها أحد من أولياء الله

- ‌إذا كان الأبدالُ الأربعون أفضلَ الأمة فمن الممتنع أن يكونوا في زمن علي بالشام

- ‌فصل

- ‌إذا كان العبد يناجي ربَّه ويخاطبه، والله يَسمعُ كلامَه ويجيب دعاءَه، فأين حاجتُه إلى الوسائط

- ‌قاعدة في الاستحسان

- ‌ نفقةَ الصغيرِ وأجرةَ مُرضِعِه على أبيه دونَ أمِّه

- ‌ جواز إجارة الظئْر

- ‌جواز الإجارة

- ‌جواز القرض والقراض

- ‌القول بالاستحسان المخالفِ للقياسِ لا يمكنُ إلاّ مع القولبتخصيصِ العلَّةِ

- ‌ القرعةَ منسوخة بآية الميسر

- ‌ العقوبةَ الماليةَ منسوخةً بالنهي عن إضاعةِ المال

- ‌تحقيق هذا الباب أنه إما أن يُعلَم استواءُ الصورتين في الصفات المؤثرة في الشرع، وإما أن يُعلَم افتراقُهما، وإما أن لا يُعلم واحدٌ منهما

- ‌ متى ثبتَ الحكم في بعض الصوَر دون بعضٍ عُلِم أن العلَّة باطلة

- ‌لا يكون الاستحسان الصحيح عدولاً عن قياس صحيح، والقياس الصحيح لايجوز العدول عنه بحالٍ

- ‌تارةً ينكرون صحةَ الاثنين

- ‌هذا استحسان بفرقٍ رآه مؤثراً

- ‌قاعدة في شمول النصوص للأحكام

- ‌ عنوان الكتاب وتوثيق نسبته إلى المؤلف

- ‌ وصف النسخ الخطية

- ‌نماذج من النسخ الخطية

- ‌فصلفي شمول النصوص للأحكام وموافقة ذلك للقياس الصحيح

- ‌ ضَمَانُ النفوس والأموال مبناهُ(4)على العدل

- ‌ النصوصُ محيطةٌ بجميع أحكام العبادِ

- ‌ قد يَقْصُر فَهْمُ كثيرٍ من الناس عن فَهْمِ ما دلَّت عليه النصوصُ

- ‌لا للإسلام نَصَرُوا ولا للأعداء كَسَرُوا

- ‌ا: ردّ القياس الصحيح

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌فتوىفي الغوث والقطب والأبدال والأوتاد

‌فتوى

في الغوث والقطب والأبدال والأوتاد

ص: 7

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد

وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، فهذا أثر من آثار شيخ الإسلام ابن تيمية بخطه، ينشر لأول مرة بعد سبعة قرون من كتابته، يتناول فكرة القطب والأبدال والأوتاد، التي شاعت لدى الصوفية وعامة الناس منذ القرن الرابع تحت تأثير بعض الثقافات الوافدة إلى المجتمع الإسلامي، واستنادًا إلى بعض الأحاديث الباطلة الموضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جاء كبير الصوفية وفيلسوفهم في عصره ابن عربي المتوفى سنة 638، فوضع نظامًا للأولياء ورجال الغيب، وجعلهم في مراتب ودرجات، وحدَّد لكل مرتبةٍ عددًا معينًا منهم، وخصَّهم ببعض العلوم والصفات والوظائف. وتبعه من جاء بعده من الصوفية، بل زادوا عليه أشياء من خيالاتهم وأوهامهم، فتحدثوا عن مملكة وهمية يجتمع فيها رجال الغيب ويصدرون قراراتهم، ويقررون كل ما يجري في العالم!!

لقد كان لهذه الفكرة آثار سيئة في المجتمع الإسلامي، حيث تعلق كثير من الناس بالغوث والقطب والأبدال والأوتاد، وظنّوا أن الشدّة إذا نزلت بأهل الأرض رفعها الأدنى إلى الأعلى حتى ينتهي الأمر إلى الغوث، فلا يرفع بصره حتى تنفرج تلك النازلة، وادعى

ص: 9

بعضهم أن مدد أهل الأرض بل الملائكة والطير والحيتان يكون من جهته، وبواسطته يفيض الخير إلى سائر الخلق، وأنه يعطي الملك وولاية الله لمن يشاء ويَصرِفهما عمن يشاء، إلى غير ذلك من الدعاوي الباطلة التي تجعل للقطب والغوث نوعًا من الألوهية والربوبية، وهي من أعظم الكذب والمحال والشرك والضلال والإلحاد.

ومن الغريب أن كثيرًا من العلماء المتأخرين تأثروا بمقولات الصوفية في هذا الباب، ووافقوهم في الغالب، ونقلوا هذه الخرافات إلى مؤلفاتهم في التفسير والحديث والعقيدة والسيرة والأخلاق والفتاوى والأدب واللغة والتاريخ والتراجم بدون النكير عليها، بل ألّف بعضهم رسائل مستقلة لتأييدها.

ونظراً لخطورة هذه الفكرة وما في شيوعها وانتشارها من ضرر على العامة والخاصة في عقيدتهم، قام بعض العلماء لمناقشتها والردّ عليها، وبيان ما فيها من مخالفة للعقل والشرع، ونقد الأحاديث التي يحتج بها الصوفية. وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية أقواهم كلامًا في الباب، وأوسعهم ردًّا على هذه الفكرة، وقد كتب كتاباتٍ عديدة في هذا الموضوع يأتي بيانها (ص 39 - 49)، أطولُها هذه الفتوى التي أنشرها اليوم.

وأقدم لهذه الفتوى ببعض الفصول التي تعتبر شرحًا لهذه الفكرة عند الصوفية، وبيانًا لمصدرها، وأثرها في المجتمع الإسلامي، ودرجة الأحاديث التي يستندون إليها، واستعراضًا لمن نقد هذه الفكرة، وإبرازاً لموقف شيخ الإسلام منها في ضوء كتاباته،

ص: 10

وتحليلاً لمحتويات هذه الفتوى، ووصفًا لنسختها الخطية. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.

• فكرة القطب والأبدال عند الصوفية

لم تكن فكرة القطب والأبدال (كما ذكرها الصوفية) موجودة في القرون الثلاثة الأولى، فلا أساس لها في الكتاب والسنة، ولم يذكرها السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ولم يعتقدوها كما تعتقد الصوفية. وبعد استعراض مجموعة من المصادر توصلتُ إلى أن أقدم مَن يُنقل عنه عدد الأولياء ورجال الغيب وذكر مساكنهم هو أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكتّاني (ت 322) أحد مشايخ الصوفية، فقد قال -كما نُقِل عنه-:"النقباء ثلاث مائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعُمدُ أربعة، والغوث واحد. فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعُمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة. فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العُمدُ، ثمّ أجيبوا، وإلاّ ابتهل الغوث، فَلَا يُتِمُّ مسألته حتى تُجاب دعوته"

(1)

.

(1)

رواه الخطيب في "تاريخ بغداد"(3/ 75 - 76) بإسناده إليه. وفيه علي بن عبد الله بن جهضم، متهم بالكذب، كما في (الميزان)(3/ 143) و (اللسان)(4/ 238). ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1/ 300) من طريق الخطيب، وكذا نقلت عنه المصادر المتأخرة، مثل "المقاصد الحسنة" ص 10 و"الخبر الدال"(2/ 255) وغيرهما.

ص: 11

أما أبو طالب المكي (ت 386) فيعبّر عنها بقوله: "القطب اليوم الذي هو إمام الأثافي الثلاثة والأوتاد السبعة والأبدال الأربعين والسبعين إلى ثلاث مائة كلهم في ميزانه وإيمان جميعهم كإيمانه، إنما هو بدلٌ من أبي بكر رضي الله تعالى عنه، والأثافي الثلاثة بعده إنما هم أبدال الثلاثة الخلفاء بعده، والسبعة هم أبدال السبعة إلى العشرة، ثم الأبدال الثلاث مائة وثلاثة عشر إنما هم أبدال البدريين من الأنصار والمهاجرين"

(1)

.

نلاحظ هنا أن أبا طالب ذكر "الأثافي الثلاثة" مكان "العمد الأربعة"، و"الأوتاد" مكان "الأخيار"، والأربعين والسبعين وثلاث مائة جعلهم كلهم "أبدالاً"، ولم يقسمهم إلى "بدلاء" و"نجباء" و"نقباء".

ويأتي الهجويرى (ت 465) بعدهما، فيقول:"أهل الحل والعقد وقادة حضرة الحق جل جلاله، فثلاث مائة يُدْعَون الأخيار، وأربعون آخرون يُسَمَّون الأبدال، وسبعة آخرون يقال لهم الأبرار، وأربعة يسمون الأوتاد، وثلاثة آخرون يقال لهم النقباء، وواحد يسمى القطب والغوث. وهؤلاء جميعًا يعرفون أحدهم الآخر، ويحتاجون في الأمور لإذن بعضهم البعض"

(2)

.

وذكر ابن عربي أن المجمع عليه من أهل الطريق أنهم على

(1)

"قوت القلوب"(2/ 78).

(2)

"كشف المحجوب "(الترجمة العربية) ص 447، 448.

ص: 12

ستّ طبقات أمهات: أقطاب وأئمة وأوتاد وأبدال ونقباء ونجباء

(1)

.

وجعلهم لسان الدين ابن الخطيب سبع طبقات

(2)

. وأوصلهم داود القيصري

(3)

وحسن العِدْوى الحمزاوي

(4)

إلى عشر. وهكذا نجد أن الصوفية في مختلف العصور زادوا ونقصوا في هذه الألقاب والمراتب، وأسهم كلّ واحد منهم في وضع هذا النظام وإقامة أسسه بما لديه من تصورات وخيالات، وبينهم خلاف كبير في تعداد الملقبين بلقب معين.

• معاني هذه الألقاب

نأتي الآن إلى معاني هذه الألقاب ووظائف أصحابها وصفاتهم عند الصوفية، وأول من تحدث عنها بتفصيل هو ابن عربي، وتبعه من جاء بعده من المؤلفين في التصوف والمصطلحات الصوفية، وقد جمع عبد الوهاب الشعراني في "اليواقيت والجواهر"(2/ 79 - 83) أقوال ابن عربي من "الفتوحات المكية"، وأقوال غيره من مصادر مختلفة في هذا الموضوع. وسنعرِض هنا باختصار بعض ما قالوه بالاعتماد على المصادر القديمة المعتمدة لديهم.

(1)

أما القطب فهو -عند الصوفية- عبارة عن الواحد الذي هو

(1)

"الفتوحات المكية"(2/ 40). وفي موضع آخر منه (3/ 244) جعلهم ثماني طبقات، بزيادة "الرجبيين" و"الأفراد".

(2)

"روضة التعريف بالحب الشريف"(ص 432). وكذا جعلهم عمر الفوتي سبعاً في "الرماح"(1/ 21) مع اختلاف في الأسماء.

(3)

"شرح مقدمة التائية الكبرى"(ق 104 ب).

(4)

"النفحات الشاذلية"(2/ 99). وانظر "جامع الأصول في الأولياء" ص 4.

ص: 13

موضع نظر الله من العالم في كل زمان، ويقال له "الغوث "

(1)

باعتبار التجاء الملهوف إليه. أعطاه الله الطلسم الأعظم من لدنه، وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة سريان الروح في الجسد، بيده قسطاس الفيض الأعم، فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل، وهو على قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس، لا من حيث إنسانيته

(2)

.

واسم القطب في كل زمان عبد الله وعبد الجامع المنعوت بالتخلق والتحقق بمعاني جميع الأسماء الإلهية بحكم الخلافة، وهو مرآة الحق تعالى ومجلى النعوت المقدسة ومحل المظاهر الإلهية وصاحب الوقت وعين الزمان وصاحب علم سر القدر، وله علم دهر الدهور، ومن شأنه أن يكون الغالب عليه الخفاء

(3)

. ولم يخل زمان من الأقطاب، وقد عدَّ ابن عربي خمسة وعشرين قطباً من عهد آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم وسمَّاهم

(4)

.

والقطب عند الصوفية نوعان، أحدهما: هو المتمكن في

(1)

"الفتوحات المكية"(3/ 244). وانظر "اصطلاحات الصوفية" لعبد الرزاق القاشاني ص 141 (ط. كلكتا 1854 م).

(2)

"التعريفات" للشريف الجرجاني ص 185 - 186 (ط. فلوجل). وانظر "التوقيف على مهمات التعاريف" للمناوي ص 273، و"كشاف اصطلاحات الفنون " للتهانوي ص 1091، 1167. وفيه نصوص من مصادر فارسية

أيضًا.

(3)

"اليواقيت والجواهر"(2/ 79).

(4)

"الفتوحات المكية"(2/ 362).

ص: 14

القطبية الصغرى أو الحسية، والآخر: هو المتمكن في القطبية الكبرى أو المعنوية، وهو المعبر عنه بباطن نبوة محمد أو الحقيقة المحمدية

(1)

.

يقول ابن عربي: القطب الواحد الممد لجميع الأنبياء والرسل والأقطاب من حيث النشء الإنساني إلى يوم القيامة هو روح محمد صلى الله عليه وسلم

(2)

. وهذه القطبية الثانية هي التي عرَّفها الجرجاني فقال: "القطبية الكبرى هي مرتبة قطب الأقطاب، وهو باطن نبوة محمد، فلا يكون خاتم الولاية وقطب الأقطاب إلاّ على باطن خاتم النبوة"

(3)

.

ولمزيد من الشرح ننقل هنا كلام التيجاني حيث قال: "أعلم أن حقيقة القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق مطلقًا في جميع الوجود جملة وتفصيلاً، حيثما كان الربّ إلهاً كان هو خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من عليه ألوهية الله تعالى، ثمّ قيامه بالبرزخية العظمى بين الحق والخلق، فلا يصل إلى الخلق شئ كائناً ما كان من الحق إلاّ بحكم القطب وتوليه ونيابته عن الحق في ذلك وتوصيله كل قسمة إلى محلّها، ثمّ قيامه في الوجود بروحانيته في كل ذرة من ذرات الوجود جملةً وتفصيلا، فترى الكون كلّه أشباحاً لا حركة لها، ْ وإنما هو الروح القائم فيها جملةً

(1)

"كشف الوجوه الغر"(2/ 103).

(2)

"الفتوحات المكية"(2/ 363).

(3)

"التعريفات" ص 186.

ص: 15

وتفصيلا"

(1)

.

كل من يقرأ هذه التصريحات يقتنع بأن الصوفية يخرجون بالقطب عن نطاق البشرية، ويحلقون به في عالم الربوبية، وقد ذكروا له خمس عشرة علامة

(2)

، منها أنه يُكشَف له عن حقيقة الذات الإلهية، ويحيط علماً بصفات الله تعالى، وأن علم القطب لا حدود له، فلا يخفى عليه شيء من الدنيا والآخرة. ويحيط بمعرفة أحكام الشريعة ولو كان أميّاً

(3)

، وهو أكمل الخلق وأفضل جماعة المسلمين في كل عصر

(4)

، ولا حدود لمرتبته فهو محيط بجميع المراتب

(5)

، ويُبصِر بجميع أجزاء بدنه ما عدا العين

(6)

، ولا يطيق رؤيته إلاّ الخواص

(7)

. واشترط بعضهم أن يكون قطب الأقطاب من أهل البيت

(8)

، وذكروا أنه يستقر بمكة، وقال آخرون: إنه يدور في الآفاق الأربعة من أركان الدنيا كدوران الفلك في أفق السماء، وهو بجسده حيث شاء من الأرض

(9)

. ومن وظائفه: التصرف في الكون

(1)

"جواهر المعاني (لعلي حرازم برادة (2/ 89 - 90).

(2)

"اليواقيت والجواهر"(2/ 78).

(3)

"جواهر المعاني"(2/ 85).

(4)

المصدر نفسه (2/ 266)، و"الطبقات الكبرى" للشعراني (2/ 139).

(5)

"جواهر المعاني"(2/ 106، 107).

(6)

"الإبريز"(ص 349).

(7)

"الطبقات الكبرى"(2/ 94).

(8)

"روح المعاني"(19/ 22، 20).

(9)

"نشر المحاسن الغالية"(أو "كفاية المعتقد") لليافعي ص 394، و"الفتاوى=

ص: 16

والتأثير في حوادثه والحكم الشامل التام في جميع المملكة الإلهية

(1)

، ووقاية المريدين من السؤال والحساب في الآخرة

(2)

، ولا يجري في عالم المخلوقات شئ إلاّ بإذنه حتى ولو كان جريانه في القلوب

(3)

.

نكتفي بهذا القدر في بيان القطب وصفاته ووظائفه عند الصوفية، وننتقل إلى المراتب والألقاب الأخرى.

(2)

الإمامان: هما اللذان أحدهما عن يمين القطب، ونظره في عالم الملكوت، وهو مرآة ما يتوجه من المركز القطبي إلى العالم الروحاني من الإمدادات التي هي مادة الوجود والبقاء؛ والآخر عن يساره، ونظره في الملك، وهو مرآة ما يتوجه منه إلى المحسوسات من المادة الحيوانية، وهو أعلى من صاحبه، وهو الذي يخلف القطب إذا مات

(4)

.

(3)

الأوتاد: هم أربعة في كل وقت لا يزيدون ولا ينقصون، منازلهم على منازل الأربعة الأركان من العالم: شرق وغرب

=الحديثية" للهيتمي ص 322، و"الطبقات الكبرى" للشعراني (2/ 139) وغيرها. وراجع "منازل القطب" لابن عربي، ص 4.

(1)

"الفتوحات المكية"(3/ 257) و"جواهر المعانى"(2/ 88).

(2)

"الإبريز"(ص 338).

(3)

"جواهر المعاني"(2/ 89).

(4)

"الفتوحات المكية"(3/ 244) و"التعريفات " ص 36، و"التوقيف على مهمات التعاريف " ص 60 وغيرها.

ص: 17

وشمال وجنوب، مع كل واحدٍ منهم مقام تلك الجهة، يحفظ الله بهم العالم، لهم روحانية إلهية وروحانية إلِّية، يحوون على علومٍ جمة كثيرة. ومنهم من هو على قلب آدم، والآخر على قلب إبراهيم، والآخر على قلب عيسى، والآخر على قلب محمد

(1)

.

(4)

الأبدال أو البُدَلاء: هم سبعة يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، لكلِّ بدلٍ إقليم، وإليهم تنظر روحانيات السماوات والأرض

(2)

.

وجعل بعض الصوفية السبعة الأبدال خارجين عن الأوتاد، ومنهم من قال: إن الأوتاد الأربعة من الأبدال، وقالوا: سُمُّوا أبدالاً لكونهم إذا مات واحدٌ منهم كان الآخر بدله، وقيل: سُمُّوا أبدالاً لأنهم أعطُوا من القوة أن يتركوا بدلهم حيث يريدون، لأمر يقوم في نفوسهم على علمٍ منهم، فيرتحلون إلى بلد، ويقيمون فيَّ مَكانهم الأول شبحاً آخر شبيهاً بشبحهم الأصلي بدلاً منه، بحيث إن كلّ من رآه لا يشك أنه هو

(3)

.

(5)

النجباء: هم أربعون، مشغولون بحمل أثقال الخلق (وهي من حيث الجملة كل حادث لا تفيء القوة البشرية بحمله)، وذلك لاختصاصهم بوفور الشفقة والرحمة الفطرية، فلا يتصرفون إلاّ في

(1)

"الفتوحات المكية"(2/ 400، 401)، و"التعريفات" ص 41، و"التوقيف" ص 66؛ و"كشاف اصطلاحات الفنون" ص 1453، 1454.

(2)

"الفتوحات المكية"(2/ 376) و"حلية الأبدال" ص 11.

(3)

انظر المصدر السابق (2/ 400)، و"التعريفات" ص 44، و"التوقيف" ص 36؛ "مشتهى الخارف الجاني" ص 510، وغيرها.

ص: 18

حق الغير، إذ لا مزيد لهم في ترقياتهم إلا من هذا الباب

(1)

. وذكر بعضهم أنهم ثمانية في كل زمن لا يزيدون ولا ينقصون، عليهم أعلام القبول في أحوالهم، ويغلب عليهم الحال بغير اختيارهم، أهل علم الصفات الثمانية، ومقامهم الكرسي، لا يتعدونه ما داموا نجباء، ولهم القدم في علم تسيير الكواكب كشفاً واطلاعاً، لا من جهة طريقة علماء هذا الشأن

(2)

.

(6)

النقباء: هم ثلاث مائة، وهم الذين تحققوا بالاسم الباطن، فأشرفوا على بواطن الناس، فاستخرجوا خفايا الضمائر، لانكشاف الستائر لهم عن وجوه السرائر. وهم ثلاثة أقسام: نفوس علوية، وهي الحقائق الأمرية، ونفوس سفلية، وهي الخلقية، ونفوس وسطية، وهي الحقائق الإنسانية، وللحق تعالى في كل نفس منها أمانة منطوية على أسرار إلهية وكونية

(3)

.

عرضنا فيما سبق- باختصار- بعض ما عثرنا عليه من النصوص التي تبين تعداد رجال الغيب ومراتبهم وألقابهم وصفاتهم ووظائفهم.

وكل من يطلع عليها يستغرب وجودها في المصادر، ولكن هذا هو الأمر الواقع عند الصوفية، وهذه معتقداتهم التي أعلنوا عنها في

(1)

انظر: "الفتوحات المكية"(3/ 244)، و"التعريفات" ص 259، و"اصطلاحات الشيخ محي الدين ابن عربي" ص 286.

(2)

"التوقيف " ص 322.

(3)

"التعريفات" ص 266، "اصطلاحات الصوفية" للقاشاني ص 96، "التوقيف" ص 329.

ص: 19