الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد هو معروف عند السلف، كانوا يسمون أهل الشام وما يغرب عنها أهل الغرب
(1)
، ويسمون أهل نجد والعراق وما يشرق عن ذلك أهل الشرق. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة النبوية، فما يغرب عنها فهو غرب، وما يشرق عنها فهو شرق.
وقد جاء في بعض الآثار أنَّ أكثر الأبدال بالشام
(2)
.
فأما الحديث المأثور "لا تسبُّوا أهل الشام فإن فيهم الأبدالَ، أربعين رجلاً، كلّما مات رجلٌ أبدل الله مكانه رجلا"، فهذا يُروى عن علي بن أبي طالب بإسنادٍ منقطع، وهو في "المسند"
(3)
وغيره، وهو من رواية بعض الشيوخ الشاميين عن علي، وهو لم يسمعه منهم، وإنما بلغه عن علي بلاغًا، فلم يضبط له لفظه.
و
إذا كان الأبدالُ الأربعون أفضلَ الأمة فمن الممتنع أن يكونوا في زمن علي بالشام
، فإن الأمة في زمن علي كانوا ثلاثة أصناف:
صنفٌ قاتلوا معه، كعمار وسهل بن حُنَيف وأمثالهم، فهؤلاء مع
(1)
انظر كلام المؤلف في "مجموع الفتاوى"(7/ 446، 27/ 41، 507، 28/ 552،531).
(2)
أخرج الربعي في "فضائل الشام ودمشق"(ص 44) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(2/ 286) من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعًا: "ستكون دمشق في آخر الزمان أكثر المدن أهلَا، وهي تكون لأهلها معقلاً، وأكثر أبدالاً .... ". قال الألباني في "تخريج أحاديث فضائل الشام"(ص 40): حديث منكر، تفرد بروايته محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الغساني.
(3)
1/ 112.
علي بن أبي طالب لم يكن بالشام مثلُهم، بل علي ومن معه أولى بالحق من معاوية ومن معه من الشاميين، كما في الصحيحين
(1)
عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تمرق مارقة على حينِ فرقةٍ من المسلمين يَقتلهم أولى الطائفتين بالحق"، وفي لفظ:"أدناهما إلى الحق".
فهذا حديث صحيح صريح بأن عليًّا وطائفته أولى بالحق من الطائفة الأخرى معاوية وطائفته.
/والصنف الثاني من المؤمنين من لم يقاتل، لا مع علي ولا معاوية، كسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مَسْلَمة وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وأمثالهم، فهؤلاء أيضًا أفضل من أهل الشام، وقد كان في لفيف أهل الشام من هو أفضل من كثير من أهل العراق والحجاز.
أما من لم يشهد القتال مع معاوية فإن في الشاميين من لم يقاتل معه كأبي أمامة الباهلي وغيره. وأما من كان في عسكره فقد كان في عسكره أيضًا قوم صالحون لهم اجتهاد وحسن مقصد، وبكل حال فلا يَعتقد مسلم أن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وسهل بن حنيف ومحمد بن مسلمة وأمثالهم من السابقين الأولين الذين يشهدُ الكتاب والسنة بفضلهم على من بعدهم، كان
(1)
أخرجه مسلم (1065) فقط. ورواه أيضًا أحمد (3/ 25، 32، 45، 48، 64، 79، 97) وأبو داود (4667).
الأبدال الأربعون الذين هم أفضل الأمة خارجين عنهم في حياتهم.
فهذا الأصل المعلوم بالكتاب والسنة والإجماع لا يعارضه خبر واحد رواه الثقات، بل يُنسبون في ذلك إلى الغلط، فكيف بحديث منقطع فيه من الريبة ما لا يخفَى.
/ومما يبين ذلك أن الذين نطقوا بلفظ "الأبدال" من السلف كانوا يجعلون من الأبدال من ليس بالشام، كما في حكاية أن مالك ابن دينار ومحمد بن واسع وغيرهما من الأبدال
(1)
، وفي حديث مَعْدان الذي سأل الثوري عن قوله:(مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ)
(2)
فقال: بعلمِه
(3)
، قالوا: وكان معدان من الأبدال. ومثل هذا كثير في كلامهم.
وأما لفظ "النقباء" و"النجباء" في أولياء الله، فقد تقدم أنه ليس لذلك أصل في كلام السلف.
(1)
رواها أبو نعيم في "الحلية لما (3/ 114) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/ 301).
(2)
سورة المجادلة: 7.
(3)
أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة"(ص 72) والآجري في "الشريعة"(ص 289) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(3/ 401)، وأورده ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص 127) والذهبي في "العلو" (كما في "مختصره" ص 139). وكلهم ذكروا قول الثوري في تفسير قوله تعالى:(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(سورة الحديد:4).