المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ا: رد القياس الصحيح - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌فتوىفي الغوث والقطب والأبدال والأوتاد

- ‌ب.• أحاديث الأبدال

- ‌الشخص الذي يدور عليه أمر من الأمورِ هو قطبُ ذلك الأمرِ

-

- ‌ قول القائل: "الغوث الذي تنتهي إليه حوائج الخلق

- ‌مازال الناسِ يُجْدِبون ويستولي عليهم العدو، وهذا الغوثُ لا ينفع ولا يَدفع

- ‌فصل

- ‌ هذه الأمصار كانت في أول الإسلام ديارَ كفر، لم يكن بها أحد من أولياء الله

- ‌إذا كان الأبدالُ الأربعون أفضلَ الأمة فمن الممتنع أن يكونوا في زمن علي بالشام

- ‌فصل

- ‌إذا كان العبد يناجي ربَّه ويخاطبه، والله يَسمعُ كلامَه ويجيب دعاءَه، فأين حاجتُه إلى الوسائط

- ‌قاعدة في الاستحسان

- ‌ نفقةَ الصغيرِ وأجرةَ مُرضِعِه على أبيه دونَ أمِّه

- ‌ جواز إجارة الظئْر

- ‌جواز الإجارة

- ‌جواز القرض والقراض

- ‌القول بالاستحسان المخالفِ للقياسِ لا يمكنُ إلاّ مع القولبتخصيصِ العلَّةِ

- ‌ القرعةَ منسوخة بآية الميسر

- ‌ العقوبةَ الماليةَ منسوخةً بالنهي عن إضاعةِ المال

- ‌تحقيق هذا الباب أنه إما أن يُعلَم استواءُ الصورتين في الصفات المؤثرة في الشرع، وإما أن يُعلَم افتراقُهما، وإما أن لا يُعلم واحدٌ منهما

- ‌ متى ثبتَ الحكم في بعض الصوَر دون بعضٍ عُلِم أن العلَّة باطلة

- ‌لا يكون الاستحسان الصحيح عدولاً عن قياس صحيح، والقياس الصحيح لايجوز العدول عنه بحالٍ

- ‌تارةً ينكرون صحةَ الاثنين

- ‌هذا استحسان بفرقٍ رآه مؤثراً

- ‌قاعدة في شمول النصوص للأحكام

- ‌ عنوان الكتاب وتوثيق نسبته إلى المؤلف

- ‌ وصف النسخ الخطية

- ‌نماذج من النسخ الخطية

- ‌فصلفي شمول النصوص للأحكام وموافقة ذلك للقياس الصحيح

- ‌ ضَمَانُ النفوس والأموال مبناهُ(4)على العدل

- ‌ النصوصُ محيطةٌ بجميع أحكام العبادِ

- ‌ قد يَقْصُر فَهْمُ كثيرٍ من الناس عن فَهْمِ ما دلَّت عليه النصوصُ

- ‌لا للإسلام نَصَرُوا ولا للأعداء كَسَرُوا

- ‌ا: ردّ القياس الصحيح

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ا: رد القياس الصحيح

رَدُّوْهُ

(1)

من الأقيسة الفاسدة- فأخطأوا من ثلاثة أوجُهٍ

(2)

:

أحده‌

‌ا: ردّ القياس الصحيح

.

والثاني: تقصيرهم في فهم النصوص، فكم من حكمٍ دلَّ عليه النصُّ، فلم يفهموا دلالتَه عليه، فكانوا مقصِّرين في فهم الكتاب لما قصَّروا في معرفة الميزان.

والثالث: جَزْمُهمْ بموجب الاستصحاب، لعدم علمهم بالناقل، وعدمُ العلمِ ليس علمًا بالعَدَم.

وكذا تنازعَ الناسُ في استصحاب حال البراءة الأصلية

(3)

، فقالت طائفة من أصحاب أبي حنيفة: يَصلُح للدفع لا للإبقاء، أي يَصِحُّ أن يُدفَع به مَن/ [164 أ]، ادّعَى تغييرَ الحال، لإبقاءِ الأمر على ما كان، فإذا لم نَجِدْ دليلاً ناقلاً أمسكنا، لا نُثبت الحكم ولا ننفيه، بل

(4)

ندفع من يثبِته

(5)

. فيكون حالَُ المتمسكِ بالاستصحاب حالَ المعترضِ مع المستدل

(1)

س: "ردوهم".

(2)

انظر "إعلام الموقعين"(1/ 338 وما بعدها)، وفيه زيادة وجه رابع.

(3)

انظر "مجموع الفتاوى، (23/ 25)، و"المسودة" ص 488، و"إعلام الموقعين" (1/ 339)، و"المستصفى" (1/ 222)، و"المحصول" (2: 3/ 225 وما بعدها)، و"الإحكام" للآمدي (4/ 129) وغيرها من كتب الأصول.

(4)

"ولا ننفيه بل" مطموسة في س.

(5)

ع: "يدفعه".

ص: 282

يمنعُه

(1)

الدلالةَ حتى يثبِتَها، لا [أنه]

(2)

يُقيم

(3)

دليلًا مناقضًا له.

وذهب الأكثرون من أصحاب الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم إلى أنه يَصْلُح لإبقاءِ الأمرِ على ما كان عليه، فإنه إذا غَلَبَ على الظن انتفاءُ الناقل غَلَبَ على الظنّ بقاءُ الأمرِ على ما كان عليه. وهنا لنفي الحكم ثلاثُ

(4)

مسالك:

أحدها: التمسك بالاستصحاب المحض، مثل أن يقال في مسألة وجوب الوتر أو الأضحية أو غير ذلك: الأصلُ عدمُ الوجوب، والذمةُ كانتْ بريئةً من الإيجاب، وليس في الشرع ما يُزِيل ذلك، فالأصل بقاءُ الذمةِ بريئةَ من الوجوب.

وهذا مستقيم فيما لا يَجبُ ولا يَحْرُم إلاّ بالشرع، كوجوب الوتر والأضحية وسجود التلاوة، وكذلك تحريم ما لا يحرم إلاّ بالشرع، كالضب واليربوع وسِنَّورِ البر، ونحو ذلك مما اختُلِفَ في تحريمه، وكالعقودِ المتنازعَ في تحريمها، كالمساقاة والمزارعةِ وغيرِ ذلك.

المسلك الثاني: أن نُبين من أدلة الشرع العامة ما ينفي الوجوبَ والحرمةَ فيما لم يُوجِبْه الشارعُ ولم يُحرً مْه، كقوله تعالى:

(1)

س: "لمنعه".

(2)

زيادة على النسختين من إعلام الموقعين (1/ 339).

(3)

س، ع:"نقيم" تصحيف.

(4)

كذا في النسختين بدون الهاء.

ص: 283

(َقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)

(1)

، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:

"ذرُوني ما تَركْتكم، فإنما هلكَ من كان قبلكم بكثرةِ سؤالهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا نَهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم"

(2)

. وقوله لما قال: "إن الله كتبَ عليكم الحج"، قالوا: أَفِي كل عام؟ قال: "لا، ولو قلتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ"

(3)

.

والمسلك الثالث أن يقال: الحكم الشرعي لا يثبت إلاّ بدليله، والدليلُ مُنتفٍ، فلا يثبت. وهذا يُسَمَى حَصْرَ المداركِ ونفيها، وهذا مضمونُه أنَ ثبوتَ الحكمِ في حَقَّنا بدون دليلٍ منتفٍ، والدليلُ منتفٍ، فيَنْتَفي الحكمُ، وإذا انتفى أحدُ النقيضين ثبتَ الآخر. والدليل وإن كان لا ينعكس، بل قد يَثبتُ الشيءُ بدون دليله، فهذا مما

(4)

ليس علينا معرفته. وأما الأحكام التي هي الأمر والنهي، التي علينا أن نَعرِفَها، فلا تَثبتُ بدون دليلها.

وأيضًا فإنّ قولَ اللهِ ورسوله هو المثبتُ لهذه الأحكام، فإذا انتفى الموجبُ انتفى مُوجَبُه، فانتفتْ لانتفاء

(5)

مُوْجبها، وهو دليلُه، فإن خَطابَ الشارعِ ليس دليلاً مختصًّا، بل هو الَدليل، وهو

(1)

سورة الأنعام: 119.

(2)

أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337 وبعد رقم 2357) عن أبي هريرة.

(3)

في الحديث السابق عند مسلم فقط.

(4)

ع: "باب".

(5)

ع: "بانتفاء".

ص: 284

المُثْبِتُ لها في نفس الأمر، ولا واجبَ إلاّ ما أوجبَه الله تعالى ورسولُه، ولا حرامَ إلاّ ما حرَّمه الله ورسولُه.

هذا إذا

(1)

أثبتنا بموجب الخطاب، مثل أن نقول: أوجبَ اللهُ ذلك فوجبَ، وحَرَّمَه فحَرُم، فهُنا شيئان: إيجاب ووجوب، وتحريم وحرمة، فالايجاب والتحريم يعود إلى خطاب الشارع وكلامه، والوجوب والحرمة فهو صفة الفعل. والفقهاء يثبتون هذين النوعين من الأحكام

(2)

، وأما المعتزلةُ فلا تُثبِت إلاّ الثاني، والجهميةُ ومن وافقَهم من الأشعرية وغيرهم لا يثبتون إلاّ الأولَ، إذ ليس عندهم للأحكام سببٌ

(3)

ولا حكمةٌ.

والمقصود أن كل واحدٍ من النوعين لا يثبُت إلاّ بالدليل الشرعي، فإذا انتفى الدليل الشرعي، لَزِمَ انتفاءُ هذا الحكم، لكون ثبوته مستلزمًا للدليل الشرعي، وثبوت الملزوم بدون اللازم محالٌ، بخلاف المدلول الذي لا يستلزم الدليلَ. وهذا لأن الدليل لابُدَّ أن يستلزمَ مدلولَه، فيلزم من ثبوت الدليلِ ثبوتُ المدلولِ، ولولا ذلك لم يكن دليلاً عليه، إذ لو اقترنَ به المدلولُ تارةً، وتَخَلَّفَ

(4)

عنه أخرى

(5)

، لم يكن- إذا تحقَّقَ الدليل- وجودُ المدلولِ معه بأولَى

(1)

ع: "هو الذي".

(2)

ع: "الاجتهاد".

(3)

ع: "الأحكام لعله".

(4)

س: "تختلف" تصحيف.

(5)

ع: "تارة أخرى".

ص: 285

من عَدَمه، فلهذا كان الدليل مستلزمًا للمدلول، إمّا قطعًا

(1)

إن كان يقينيًّا

(2)

، وإما ظنًّا

(3)

إن كان ظنيًّا، ولا ينعكس، فلا يلزم من عدم الدليل عدمُ المدلولِ، كما لا يلزم من عدمِ الملزوم عدمُ اللازم، لأنّ الدليل هو الملزوم، إلاّ أن تكون الملازمة من الجانبين، بحيث يكون كلّ من الأمرين لازمَا للآخر ملزومًا له، كالحكم الشرعي والدليل الشرعي، فإنه إذا ثبت الدليل الشرعي [ثبت الحكم الشرعي]

(4)

، وإذا ثبت الحكم/ [164 ب] الشرعي فلابدَّ له من دليلٍ شرعي. فلما كان التلازم

(5)

من الجانبين جاز الاستدلال بثبوت كل

(6)

منها على ثبوت الآخر، وبانتفائه على انتفائه، كالأبوة والبنوةِ لما تلازما جاز أن يُستَدَلَ بثبوتِ كل منهما على ثبوت الآخر، وبانتفائه على انتفائه.

وكذلك إرادةُ الرب ومرادُه، فإنه ما شاء كان وما لم يشأْ لم يكنْ، فإرادتُه تَستلزم

(7)

المرادَ وتدل عليه، فوقوعُ الكائناتِ تَستلزم إرادتَه وتدلُّ عليها، ولهذا كان الاستثناءُ في الأيمانِ مانعًا من الحِنْثِ، كما إذا قال: واللهِ لا أفعل كذا إن شاء الله، فإن

(1)

ع: "يقينا".

(2)

س: "يقينا" خطأ.

(3)

س: "ظنيا".

(4)

ما بين المعكوفتين ساقط من النسختين، والزيادة ليستقيم السياق.

(5)

ع: "كانت الملازمة".

(6)

ع: "بكل، بدل" بثبوت كل".

(7)

كذا في النسختين بتأنيث الفعل.

ص: 286

فَعَلَه

(1)

عُلِمَ وجودُ المشيْئة، وإن [لم]

(2)

يفعلْه عُلِمَ انتفاؤُها.

وكذلك كل حكمٍ له سببٌ واحدٌ، كالقتل العمد العدوان المحض

(3)

، فإنه مستلزم لثبوت القَوَد، وثبوتُ القود مستلزمٌ له.

وكذلك القصر والسفر، فإن القصر ليس له سببٌ إلاّ السفر، فحيث كان سفرٌ كان قصرٌ، وحيث كان قصر

(4)

كان سفرٌ، إما سفر مقدَّرٌ عند من يقول به، وإما مطلقُ السفر عند من لا يَخُص القصرَ بسفرٍ مقدر.

فنفْيُ الحكم الشرعي تارة يكون بالاستصحاب، وتارة بدليلٍ شرعي يدكُ على نفسه، وتارةً بانتفاء دليلِه وسببِه اللازمِ له، فإنه إذا انتفى اللازمُ انتفى ملزومُه.

والمقصود هنا أن نُفاةَ القياس لفا سَدُوا بابَ التعليل ونَفَوا

(5)

التمثيل، وقَصَروا في معرفة النصوص وفهمها، ظهر من خَطَئِهم في الأحكام ما شَنَّعَ به عليهم الناسُ، وإلاّ فلو أَعْطَوا النصوصَ حقَّها من المعرفة والفهم لدلتْ على جميع الأحكام، واستغنَوا بذلك عن القياس، وإن كان القياس أيضًا دليلاً صحيحًا يوافقُ دلالةَ الظاهر.

(1)

ع: "فعل ذلك".

(2)

ساقطة من س، ولابد فيها. وفي ع:"عدل" مكان "لم يفعله"، وهما بمعنى واحد.

(3)

"المحض" لا توجد في ع.

(4)

"وحديث كان قصر" ساقطة من س.

(5)

ساقطة من ع. وفي س: "قصروا" تحريف.

ص: 287

والتعليلُ صحيحٌ

(1)

، وهم مخطئون في نفي التمثيل والتعليل.

كما أن مُثبتةَ القياسِ لو لم يقيسوا إلاّ قياسًا صحيحًا لَمَا خالفوا نصًا قَط، لكنَ حيث خالفوا النصوص بالقياس فلابدّ أن يكون القياسُ فاسدًا، ولكن قد يَخفَى فسادُه، كما قد تخفى صحتُه إذا دَق. فكما تَخْفَى دلالةُ النص تارةً وتظهر أخرى، وخفاءُ الدلالة وظهورُها أمرٌ نِسْبِى، فقد يَخْفى على هذا ما يَظْهر لهذا. وإلّا

(2)

فالذين خالفوا أحاديثَ القُرعَة

(3)

والقيافة

(4)

، وحديثَ ذي اليدين

(5)

، وحديثَ أكلِ الناسي في رمضان

(6)

، وحديث الصَيد الذي يوجد ميتًا بعد المغيب ولا أثَرَ فيه إلاّ للسهْم

(7)

، حديث إيجاب التسمية على الذبيحة والصيد

(8)

، وحديث الشاهد

(1)

ع: "الصحيح".

(2)

"وإلا" ساقطة من ع.

(3)

منها حديث عائشة الطويل الذي أخرجه البخاري (4750 ومواضع أخرى) ومسلم (2770) وحديث عمران بن حصين الذي أخرجه مسلم (1668).

(4)

منها ما أخرجه البخاري (6770، 6771 ومواضع أخرى) ومسلم (1459) عن عائشة.

(5)

أخرجه البخاري (482، 714 ومواضع أخرى) ومسلم (573) عن أبي هريرة.

(6)

أخرجه البخاري (1933، 6669) ومسلم (1155) عن أبي هريرة.

(7)

أخرجه البخاري (5484) ومسلم (1929) عن عدي بن حاتم.

(8)

قرن بينهما في الرواية السابقة، وقد أخرجها أيضًا أحمد (4/ 256، 258، 377) وأبو داود (2824) والنسائي (7/ 194، 225) وابن ماجه (3177)، وفي الباب أحاديث أخرى.

ص: 288

واليمين

(1)

، وأحاديث الجمع بين الصلاتين

(2)

، وحديث قَطْعِ الصلاة بالكلب الأسود والمرأة والحمار

(3)

، وحديث جَعْلِ الطلاقِ الثلاثِ واحد

(4)

، وحديث يُعذب الميّتُ ببكاء أهلِه عليه

(5)

، وأمثال ذلك من الأحاديث الصحيحة، التي ليس مع مخالفيها إلاّ ما يُظَنُّ أنه ظاهر، أو ظاهر نمن آخر، أو مُقتضَى قياس

(6)

، متى تدبَّرتَ المعارضَ لذلك لم تَجدْه -ولله الحمد

(7)

- معارضًا صحيحًا، بل تجدُ

(8)

ما عارضَ بهَ الظاهرَ إما حديثٌ ضعيف، وإما

(1)

أخرجه مسلم (1712) عن ابن عباس.

(2)

وردت عدة أحاديث في هذا الباب، انظر "صحيح البخاري"(باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، وأبواب أخرى من كتاب التقصير) و"صحيح مسلم"(باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، من كتاب صلاة المسافرين). وأشهرها حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري (543، 562، 1174) ومسلم (755).

(3)

أخرجه مسلم (510) عن أبي ذر، و (511) عن أبي هريرة. وروى البخاري (508، 514) ومسلم (512) استنكار عائشة له.

(4)

أخرجه مسلم (1472) عن ابن عباس.

(5)

وردت عدة أحاديث في هذا الباب، انظر "صحيح البخاري"(باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه، من كتاب الجنائز) و"صحيح مسلم"(باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، من كتاب الجنائز). منها حديث عمر الذي أخرجه البخاري (1304) ومسلم (924).

(6)

ع: "أنه جامع لظاهر نص آخر ويقتضي قيامه"، س:"يقتضي قياس". وكله تصحيف.

(7)

ع: "في واقع الأمر".

(8)

س: "يجد" تصحيف.

ص: 289

حديث ظاهر لا دلالة فيه، وإمّا قياسٌ فاسد، وإمّا دعوى إجماع قد عُلِمَ انتفاؤه ووجودُ النزاعِ في تلك المسألة.

وكذلك نُفاةُ القياس مع قصورهم في فهم النصوص تجدهم قد اضْطُرُّوا إلى مقالات في غاية الفساد، كأقوال في الفرائض، فإنّ المسائل التي تنازعَ فيها الصحابةُ- كالعُمَريتَيْنِ

(1)

والحِمَارِية التي تُسمَّى المشتركة

(2)

، وأمثال ذلك- لمّا لم يدخلوا في المعاني، ولا فهموا دلالةَ النصوص على ذلك، صاروا يعملون بما يَظنونه استصحابًا للإجماع، فيقولون في مسألة الحمارية -وهي زوجٌ وأمٌّ وابنان من ولد الأم وبعض ولد الأبوين- يقولون: قد اتفقوا على توريث ولد الأمّ، وتنازعوا في توريث ولد الأبوين، ولم يَقُمْ دليلٌ على توريثهم، فيَنْتَفِي توريثُهم لانتفاءِ دليلِه.

وهذا خطأ، فإن الإجماع إنما انعقد على أنهم يَرِثون بعضَ

(1)

هما مسألتان: زوج وأبوان، وزوجة وأبوان. تسميان العمريتين لأن عمر بن الخطاب قضى فيهما، فأعطى الزوج النصف، والأم ثلث ما بقي، والباقي للأب. وأعطى الزوجة الربع، والأم ثلث ما بقي، والباقي للأب. انظر:"المغني"(9/ 23).

(2)

هي كل مسألة اجتمع فيها زوج، وأم أو جدَّة، واثنان فصاعدَا من ولد الأم، وعصبة من ولد الأبوين. سميت المشتركة أو المشركة لأن بعض أهل العلم شرًك فيها بين ولد الأبوين وولد الأم في فرض ولد الأم، فقَسَمه بينهم بالسوية. وتسمى الحمارية لأنه يُروى أن عمر رضي الله عنه أسقط ولد الأبوين، فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين، هَبْ أن أبانا كان حماراً أليست أمُّنا واحدةً؟ فشرَّك بينهم. انظر "المغني"(9/ 24).

ص: 290

الثلث الباقي، وتنازعوا في بعضه الآخر، هل هو لهؤلاء أو

(1)

هؤلاء، فإذا جعلناه لأحدهما لم يكن ذلك مجمعًا عليه، فإن كان معنا دليلٌ غيرُ الإجماع، وإلاّ فهذا قولٌ بلا دليلٍ أصلاً.

وهذا بخلاف تنازُعِهم في ديّةِ الذمّي، إذا قال قائل: هي دون الثلث، لأنّ الإجماعَ انعقدَ/ [165 أ] على وجوب ذلك، والذمةُ بريئةٌ مما زاد عليه، ولا بيّنةَ إلاّ بدليل، فإن هذا نَفَى الزيادة

(2)

باستصحاب براءة الذمة. والتمسكُ بالاستصحاب في مثل هذا وإن كان أَضْعَفَ من غيرِه -لأنه قد وُجد جناية تُوجِبُ شَغْلَ الذمةِ قطعًا، فعلمنا أن الذمة مشتغلة قطعًا

(3)

، وقد وجب لهذا على هذا حق، لكن لم يُعْلَم مقدارُه- فليس هذا كالميراثِ المتنازعَ فيه، لأنه لأحد المتنازعين قطعًا، ولم يُجمِعُوا على وجوبِه لأحدِهما، ولا يُورَثُ أحدُهما دون الآخر

(4)

الجميع.

وأما استصحابُ حال الإجماع بعد زوال المحلّ المجمع عليه، كقولهم في المصلي إذا رأى الماء: كانت صلاتُه صحيحةً بالإجماع قبل وجود الماء، والأصلُ بقاءُ ما كان على ما كان، ولم يَقُمْ دليلٌ على الفساد.

وكذلك قولهم: أمُ الولدِ كان بيعُها صحيحًا قبل الاستيلاد،

(1)

س: "و" خطأ.

(2)

ع: "نفي للزيادة".

(3)

في س بعدها: "ولم يجمعوا على وجوبه". ومكانها بعد سطرين كما تأتى.

(4)

"دون الآخر" ساقطة من س.

ص: 291

فمن ادعى التحريم فعليه الدليل.

فهذا فيه نزاع مشهور

(1)

، يحتج به طائفة من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، كالمزني والصيرفي وأبي إسحاق بن شاقلا وأبي عبد الله بن حامد وأبي عبد الله بن الخطيب الرازي وغيرهم. وينكره آخرون، كابي حامد والطبري والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي الخطاب والحلواني وابن الزاغوني وغيرهم.

والذين أنكروه قالوا: إن الإجماع إنما كان على الصفة التي كانت قبل محل النزاع، كالإجماع على صحة الصلاة قبل رؤية الماء في الصلاة، فأما بعد الرؤية فلا إجماع، فيمتنع دعوى الإجماع في محل النزاع.

وهذا الذي قالوه نقيضُ الإجماع في محل النزاع، وهذا صحيح، والذين استدلوا به لم يَدعُوا الإجماع في محل النزاع، بل استصحبوا حالَ المجمع عليه.

قال المنكرون: فالحكم إذا كان إنما يثبت بالإجماع، يزول الحكم لزوالِ دليله، ويبقى إثباتُ الحكمِ بعد ذلك إثباتا بغير دليل.

وأما المستدِلُون فيقولون: الحكم لمّا كان ثابتًا، وعلمنا بالإجماع ثبوتَه، فالإجماعُ ليس هو علةَ ثبوته ولا سببَ ثبوته في

(1)

انظر "العدّة"(1/ 73)، و"التبصرة" ص 526، و"المستصفى"(1/ 223 وما بعدها (و) الإحكام للَامدي (4/ 127 وما بعدها)، و"إعلام الموقعين"(1/ 341 - 344)، و"التمهيد" للكلوذاني (4/ 254 وما بعدها).

ص: 292

نفس الأمر، حتى يلزمَ من زوالِ العلَّة زوالُ المعلول، ومن زوالِ السبب زوالُ حكمه، وإنما الإجماع دليل عليه، وهو في نفس الأمر يَستند إلى نص أو معنى نص. فنحن نعلم أن الحكم المجمعَ عليه ثابتٌ في نفس الأمر، والدليل لا ينعكس، فلا يَلزمُ

(1)

من انتفاء الإجماع انتفاءُ الحكم، بل يجوز أن يكون نافيًا، ويجوز أن يكون منتفيًا

(2)

، لكن الأصلَ بقاؤه، فإن البقاءَ لا يفتقر إلى حادث، ولكن يَفتقِرُ

(3)

إلى بقاءِ سببِ ثبوته. وأما الحكم المخالف فيفتقر إلى ما يُزِيْلُ الأولَ، وإلى ما يُحْدِثُ الثاني، وإلى ما يُبْقي

(4)

الثاني، فكان ما يَفتقِرُ إليه الحادثُ أكثر مما يفتقر الباقي، فيكون البقاءُ أولى من التغيير.

وهذا مثل استصحاب حال براءةِ الذمَّةِ، فإنها كانت بريئةً قبلَ وجودِ ما يُظَن أنه شاغل

(5)

، ومع هذا فالأصل البراءة.

والتحقيقُ أن هذا دليل من جنس استصحاب البراءة، لكن لا يجوز الاستدلالُ به إلاّ بعدَ الاجتهادِ في معرفةِ المُزِيْلِ، ولا يجوز الاستدلالُ به لمن لا

(6)

يَعرِفُ الأدلة الناقلة، كما لا يجوز

(1)

س: "ينعكس".

(2)

ع: "منفيا".

(3)

س: "مفتقر".

(4)

س: "يبقا"، ع:"ينفى".

(5)

ع: "شاغلها".

(6)

"لا" ساقطة من س.

ص: 293

الاستدلال بالاستصحاب لمن لا يعرف الأدلة الناقلة.

وبالجملة الاستصحابُ لا يجوز الاستدلالُ به إلاّ إذا اعتقد انتفاء الناقلِ، فإن قَطَعَ المستدلُّ بانتفاء الناقل قَطَعَ ببقاء الحكم، كما يَقْطَعُ ببقاءِ شرع محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه غير منسوخ، وإن ظنّ انتفاءَ الناقلِ ظنَّ بقاءَ الحكم، فإن كان الناقلُ دليلاً تَبَيَّنَ

(1)

له انتفاءُ دلالتِه ظنَّ انتفاءَ النقلِ

(2)

، وإن كان معنى مؤثرًا وتبينَ له عدمُ اقتضائِه، تبيَّن له بقاءُ النقل، مثل رؤية الماء في الصلاة، فلا يطمئن قلبه إلى بقاء الصلاة إن لم يتبين له أن رؤيةَ الماء في الصلاة لا تُبطِل الطهارةَ، وإلّا فمعَ تجويزِه لكونِ هذا ناقضًا للوضوء لا يَطمئن ببقاء الوضوء.

وهكذا في كل من يَتَورع في انتقاضِ وضوئه ووجوب الغسل عليه، فإن الأصلَ بقاءُ طهارته، كالنزاع في بطلان الوضوء بخروج النجاساتِ من غير السبيلين، وبالخارج النادر منهما، وبمسّ النساء لشهوةٍ ولغير شهوةٍ غيرِ الجماع، ومسنَ الذكر، وأكلِ ما مسَّتْه النار، وغسل الميت، وغيرِ ذلك، لا يمكن اعتقادُ/ [165 ب] استصحاب الحالِ حتى يَتبينَ له بطلانُ ما يُوجبُ الانتقالَ، وإلاّ بقي شاكًا، وإن لم يَتبينْ له صحةُ الناقل، كما لَو أخبره فاسق بخبير، فإنه مأمور بالتبين والتثبُّت، لم يُؤْثرْ

(3)

تصديقَه ولا تكذيبَه، فإن كلاهما ممكن

(1)

في النسختين: "يبين".

(2)

ع: "بقاء النقل" وهو تحريف، انظر"إعلام الموقعين"(1/ 342).

(3)

أي لم يُرجح أحدهما على الآخر.

ص: 294

منه، وهو مع خبره لا يستدل باستصحاب الحال، كما كان يستدل به بدون خبره. ولهذا جُعِلَ ذلك لوثًا وشُبهة في أظهر قولي العلماء. وإذا شَهِدَ مجهولُ الحال فإنه هناك شاك في حال الشاهد، ويلزم منه الشك في حال المشهود به، فإذا تَبيَّنَ عدلُه تَمَّ الدليلُ، وعند شهادة المجهولين تَضعُف البراءةُ أعظمَ مما تَضْعُفُ عند شهادةِ الفاسق، فإن الشهادة قد يكون دليلاً، ولكن لم تُعْرَفْ دلالتُه، وأما هناك فقد علمنا أنه ليس بذلك، لكن يمكن وجودُ المدلولِ في هذه الصورة، فإنَّ صدقَه ممكن.

ص: 295

[فصل]

(1)

والمقصود هنا أن النصوص شاملة لجميع الأحكام، ونحن نبين ذلك فيما هو أشكل الأشياء ليُستدل به على ما سواه، والفرائض من أشكلها، إذ نُفاة القياس عَدَلوا في كثير منها عن دلالة النصّ إلى أن أثبتوا ما ظنوه مُجْمَعًا عليه، ونفوا ما ظنوه غيرَ مُجْمَعٍ عليه، وكلاهما غلط:

أما الأول: فقد بيناه.

وأما الثاني: فتقديرُه عدمِ الإجماعِ إذا انتفَى دليلٌ بمعيَّن

(2)

، فلابدّ من نفي سائر الأدلة الشرعية، كما ذكروه في مسألة المشرّكة

(3)

، فإنه لو قُدِّرَ ثبوتُ ميراثِ أحدهما بالإجماع، فعدم الإجماع عن الآخر لا يَنفِيْ ميراثَه، إذ لم تنتفي

(4)

سائرُ الأدلة.

(1)

زيادة من سائر النسخ.

(2)

س: "إنما ينتفي دليل بمضمن"، والمثبت من ع.

(3)

ع: "المشتركة"، وكلاهما صواب. وانظر هذه المسألة في:"الأم"(4/ 91 - 92) و"المبسوط"(29/ 154) و"بداية المجتهد"(2/ 259) و"تفسير القرطبي"(5/ 79) و"المغني"(9/ 24 - 26) و"تفسير ابن كثير"(1/ 471).

(4)

كذا في النسختين بإثبات الياء.

ص: 296

فنقول: النص والقياس- وهما الكتاب والميزان- دَلا على أن الثلثَ يختص به ولدُ الأم، كما هو قول علي

(1)

رضي الله عنه ومن وافقه

(2)

، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه، وروى عنه حربٌ التشريكَ، وهو قول زيد

(3)

ومن وافقه

(4)

، وقول مالك والشافعي.

واختُلِف في ذلك عن عمر وعثمان

(5)

وغيرهما [من الصحابة]

(6)

، حتى قيل: إنه اختُلِفَ فيها عن جميع الصحابة إلاّ علي وزيد رضي الله عنهما؟ فإن عليًّا رضي الله عنه لم يُختَلفْ عنه أنه لم يُشرِّكْ، وزيد رضي الله عنه لم يختلف [عنه]

(7)

أنه شرَّك

(8)

.

(1)

أخرجه عنه عبد الرزاق في "مصنفه"(10/ 251) وسعيد بن منصور في "سننه"(3: 1/ 58) وابن أبي شيبة في "مصنفه"(11/ 258) والدارمي في "سننه"(2886، 2887) والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 257).

(2)

انظر: "المغني"(9/ 24) والمصادر السابقة.

(3)

أخرجه عنه عبد الرزاق في "مصنفه"(10/ 251) وسعيد بن منصور في "سننه"(3: 1/ 59) وابن أبي شيبة في "مصنفه"(11/ 255) والدارمي في "سننه"(2885، 2888) والحاكم في "المستدرك! (4/ 337) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 256).

(4)

انظر المصادر السابقة و"المغني"(9/ 24).

(5)

انظر المصادر السابقة.

(6)

زيادة من سائر النسخ.

(7)

زيادة من سائر النسخ.

(8)

بل رُوِي عن زيد أيضًا أنه لم يشرك، كما أخرجه عنه سعيد بن منصور (3: 1/ 58) والبيهقي (6/ 256)؛ ورُوي عن علي أنه شرَّك، كما في "مستدرك"=

ص: 297

قال العنبري

(1)

: القياس ما قال علي رضي الله عنه، [والاستحسان ما قال زيد. قال الخَبْري

(2)

: هذه وساطة مليحة، وعبارة صحيحة

(3)

.

فيقال: النص والقياس دلا على ما قال علي]

(4)

. أما النص فقول الله تعالى: (فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ).

(5)

والمراد به: ولد الأم، فإذا أدخلنا فيهم ولدَ الأبوين لم يشتركوا في الثلث؛ بل زاحمهم غيرهم.

وإن قيل: ولد الأبوين منهم لكونه من ولد الأمِ، فهذا غلط، لأن الله تعالى قال:(وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) الآية

(6)

.

= الحاكم (4/ 337).

(1)

هو عبد الله بن سوّار العنبري قاضي البصرة، توفى سنة 228. ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (10/ 434 - 435).

(2)

هو عبد الله بن إبراهيم الخَبْري الشافعي، انتهت إليه الإمامة في الفرائض. توفي سنة 476. انظر "سير أعلام النبلاء" (18/ 558 - 559).

(3)

نقل ابن قدامة في "المغني"(9/ 26) قول العنبري والخبري، وعقب عليه بقوله: وهو كما قال، إلاّ أن الاستحسان المجرد ليس بحجة في الشرع، فإنه وَضْعٌ للشرع بالرأي من غير دليل، ولا يجوز الحكم به لو انفرد عن المعارض، فكيف وهو في مسألتنا يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس!

(4)

ما بين المعكوفتين ساقط من س.

(5)

سورة النساء: 12.

(6)

من الآية المذكورة.

ص: 298

وفي قراءة ابن مسعود

(1)

وسعد

(2)

: "من أمّ". والمراد ولد الأم بالإجماع، ودل على ذلك قوله:() فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)

(3)

، وولدُ الأبوين لم يُفْرَضْ لواحدٍ منهما السدسُ. وأيضًا فإنه قد ذُكِرَ حكمُ ولدِ الأبوين والأب في آية الصيف

(4)

في قوله: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا)

(5)

. فجعل لها النصف، وله جميع المال، وهذا حكم ولد الأبوين. ثم قال:(وَإن كاَنوُا أخوَةً رجَالًا وَنسَاء فلِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ اَلأُنثَيَين)

(6)

. وهذا حكم ولد الأبوين لا الأمَ، باتفاق المسلمين.

ودلّ ذكرُه تعالى لهذا الحكم في هذه الآية، ولذلك الحكم في تلك الآية، على أن أحد الصنفين غيرُ الآخر. فلا يجوز أن يكون

(1)

ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"(4/ 12).

(2)

ذكر ذلك الدارمي (2979) والطبري (8/ 62) والقرطبي (5/ 78) وابن كثير (1/ 471) وأبو حيان في "البحر المحيط "(3/ 190) وغيرهم.

(3)

سورة النساء: 12.

(4)

في النسختين: "النصف". والمثبت من إعلام الموقعين (1/ 355)، وهو الصواب كما ورد في حديث عمر بن الخطاب الذي رواه مسلم (1617)، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:"يا عمر! إلاّ تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟ ". وسميت بآية الصيف لأنها نزلتَ في الصيف، وفيها من البيان ما ليس في آية الشتاء التي في أول سورة النساء، فلذلك أحاله النبي صلى الله عليه وسلم عليها. وانظر "شرح مسلم" للنووي (11/ 57) و"تفسير" ابن كثير (1/ 606).

(5)

سورة النساء: 176.

(6)

من الآية المذكورة.

ص: 299

ذلك الصنف هو هذا الصنف، وهذا الثاني هو ولد الأبوين والأب بالإجماع. فالأول ولد الأم كما في القراءة الأخرى التي تصلح أن تكون مفسِّرةً لقراءتنا

(1)

، ولهذا ذكر ولد الأم في آية الزوجين، والزوجان

(2)

أصحاب فرض مقدر لا يخرجون عنه، وكذلك ولد الأم أصحاب فرض مقدر لا يخرجون عنه. وكلاهما لا حظَّ له في التعصيب بحالٍ

(3)

. بخلاف مَن ذُكِرَ في آية العمود

(4)

وفي آية الصَّيْف

(5)

، فإن لجنسهم حطًا في التعصيب. ولهذا قال سبحانه في آية الشتاء:

(6)

(غَيْرَ مُضَارٍّ)، ولم يذكر في آية العمود، لأن الإنسان كثيرًا ما يَقصِد ضَررَ الزوج وولدِ الأم، لأنهم ليسوا من عصبتهم، بخلافِ أولادِه وآبائِه، فإنه

(7)

لا يضارهم في العادة.

وإذا كان النص قد أعطى ولدَ الأم الثلثَ، فمن نَقَصَهم منه فقد ظلمهم. وولد الأبوين جنسٌ آخر، هم عصبة،/ [166 أ]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلحِقُوا الفرائضَ بأهلِها، فما بَقِيَ فَلأَوْلَى

(1)

س: "لقراءتها".

(2)

في النسختين: "الزوجات"، والتصويب من سائر النسخ.

(3)

"بحال" ساقطة من ع.

(4)

هي الآية 11 من سورة النساء، سميت بذلك لأن فيها ذكر والد الميت وولده، وهما عمودا النسب بالنسبة إليه.

(5)

في النسختين: "النصف"، وقد سبق التعليق عليه.

(6)

ع: "النساء"، وهو تصحيف، وآية الشتاء هي الآية 12 من سورة النساء، سُميت بذلك لأنها نزلت في الشتاء.

(7)

س: "فإنهم".

ص: 300

رجل

(1)

ذكر"

(2)

. وهذا يقتضي أنه إذا لم تُبقِ الفرائضُ لم يكن للعصبة شيء، وهنا لم تُبقِ الفرائضُ شيئًا.

وأما قول القائل

(3)

: "هَبْ أن أباهم

(4)

كان حمارًا، فقد اشتركوا

(5)

في الأم "، فقول فاسد

(6)

حسًّا وشرعًا. أما الحسّ فلأن الأب لو كان حمارًا لكانت

(7)

الأم أتانًا، ولم يكونوا من بني آدم.

وإذا قيل: قُدَرَ وجودُه كعدمِه.

فيقال: هذا باطل، فإن الموجود لا يكون معدومًا.

وأما الشرع فلأن الله حكمَ في ولد الأبوين بخلاف حكمه في ولد الأم.

وإذا قيل: فالأب إن لم ينفعهم لم يضرهم.

(1)

س: "عصبة". والمثبت من ع ومصادر التخريج.

(2)

أخرجه البخاري (6732، 6735، 6737، 6746) ومسلم (1615) عن ابن عباس.

(3)

هو زيد بن ثابت، كما أخرجه عنه الحاكم (4/ 337) والبيهقي (6/ 256). ويُروى أنه قال ذلك بعض أولاد الأبوين لعمر بن الخطاب. انظر "المغني"(9/ 24، 25) و"تفسير ابن كثير"(1/ 471).

(4)

س: "أبانا".

(5)

س، ع:"اشتركا"، والمثبت من سائر النسخ.

(6)

س، ع:"فساد".

(7)

س، ع:"لكان".

ص: 301

قيل: بل قد يضرهم ولا ينفعهم، بدليل ما لو كان ولد الأم واحدًا وولد الأبوين كثيرين

(1)

، فإن ولد الأم وحده يأخذ السدس، والباقي

(2)

يكون لهم كلهم، ولولا الأب لشاركوا هم وذلك الواحد في الثلث، وإذا جاز أن يكون وجود الأب ينفعهم جاز أن يَحرِمَهم، فعُلِم أنه قد يضرهم.

وأيضًا فأصول الفرائض مبنية على أن القرابة المتصلة ذكر وأنثى لا تفرق أحكامها، فالأخ من الأبوين لا يكون كالأخ من أب، ولا

(3)

كالأخ من الأم، ولا يُعطَى بقرابة الأم وحدها، كما لا يُعطًى بقرابة الأب وحده؛ بل بالقرابة المشتركة من الأبوين. وإنما يُفْرَد بحكم إذا كان قرابةُ الأم منفردة، مثل ابنَيْ عمًّ أحدهما أخ لأم

(4)

، فهنا ذهب الجمهور إلى أن للأخ من الأم السدسَ، ويشتركان في الباقي. وهو مأثور عن علي

(5)

رضي الله عنه. وروي عن شُرَيح

(6)

أنه جعل الجميعَ للأخ من الأم، كما لو كان ابن عمّ لأبوين.

(1)

س، ع:"كثيرون".

(2)

س، ع:"والثاني"، تحريف.

(3)

ع: "أو".

(4)

انظر لهذه المسألة: "المغني"(9/ 30 - 31) و"الفتح"(12/ 27 - 28).

(5)

أخرجه عنه عبد الرزاق (10/ 287) وسعيد بن منصور (3: 1/ 82، 83) وابن أبي شيبة (11/ 250 - 251) والدارمي (2891، 2892) والدارقطني (4/ 87) والبيهقي (6/ 240).

(6)

أخرجه عنه عبد الرزاق (10/ 287) وسعيد بن منصور (3: 1/ 83) والبيهقي (6/ 239).

ص: 302

والجمهور يقولون: كلاهما في بنوة العم

(1)

سواء، هما ابنا عم من أبوين أو من أب. والأخوةُ من الأم مستقلةٌ ليست مقترنةً بأبوةٍ حتى يُجعل كابن عم لأبوينِ.

ومما يُبيِّن الحكم في مسألة المشتركة: أنه لو كان فيها أخواتٌ لأب لفُرِضَ لهنَّ الثلثان، وعالت الفريضةُ، فلو كان معهن أخوهن سقطن، ويسمى "الأخ المشؤم"، فلما كنّ يصرن

(2)

بوجوده عصبةً صار تارةً ينفعهن، وتارةً يَضُرُّهن، ولم يُجعَلْ وجودُه كعدمِه في حال الضرار.

كذلك قرابةُ الأب لما صارَ الإخوةُ بها عصبةً صار ينفعهم تارةً ويضرهم أخرى. وعَلى هذا مَجرَى العُصوبة، فإن العصبة تارةً تَحُوز المالَ، وتارةً أكثرَه، وتارةً تحوز أقلَّه، وتارةً لا يبقى لها

(3)

شيء، وهو إذا استغرقتِ الفرائضُ المالَ. فمن جعلَ العصبةَ تأخذ مع استغراق الفرائض المالَ فقد خرج عن الأصولِ المنصوصة في الفرائض.

وقول القائل "هذا استحسان" مخالفٌ للكتاب والميزان؛ فإنه ظلم للإخوة من الأم؛ حيث يؤخذ حفُهم، فيُعطاه غيرهم. وإذا كانوا يَعقِلون عن الميّت ويُنفِقون عليه، فعاقلةُ المرأة يعقلون عنها،

(1)

ع: "الأعم".

(2)

س: "كان يصرن".

(3)

س: "له".

ص: 303

وميراثُها لزوجِها وولدِها، كما قضى بذلك

(1)

رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمنازعون في هذه المسألة ليس معهم حجة إلاّ أنها

(2)

قول زيد، وقد رُوِيَ عن عمر رضي الله عنه أنه حكم بها، فعَمِلَ بذلك من عَمِلَ من أهل المدينة وغيرهم، كما عملوا بمثل ذلك في ميراث الجد والإخوة، وعملوا بقول زيد رضي الله عنه في غير ذلك من الفرائض، لاتصال العمل عندهم به تقليدًا له، وإن كان قد خالفَه من هو أفضل منه من الصحابة، وإن كان النص والقياس مع من خالفه.

وبعضهم يحتجُّ لذلك بما رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفرضُكم زيد"

(3)

. وهو حديث ضعيف

(4)

لا أصل له. ولم يكن

(1)

"بذلك" ساقطة من س.

(2)

"أنها" ليست في ع.

(3)

أخرجه أحمد (3/ 184، 281) والترمذي (3791) والنسائي في "السنن الكبرى"(5/ 67، 78) وابن ماجه (154) وابن حبان (2218، 2219 - موارد) والحاكم في "المستدرك"(3/ 422) من طرقٍ عن خالد الحذاء عن أبي قلابة من أنس. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال الحافظ في "تلخيص الحبير"(3/ 79): "وقد أعِل بالإرسال، وسماع أبي قلابة من أنس صحيح، إلاّ أنه قيل: لم يسمع منه هذا، وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي قلابة في العلل، ورجح هو وغيره كالبيهقي والخطيب في المدرج أن الموصول منه ذِكرُ أبي عبيدة، والباقي مرسل". وصححه الألباني في "الصحيحة"(1224)، وذكر له شواهد، وتكلم عليها.

(4)

س: "حديث حديث ".

ص: 304

زيد رضي الله عنه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم معروفًا بالفرائض. والحديث الذي رُوِي فيه ذلك قد رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه، وهو ضعيف، لم يصح فيه إلا قولُه:"لكل أمةٍ أمينٌ، وأمينُ هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراِح"

(1)

. ورُوِي بإسناد أضعف من هذا، وفيه: "وأقضاكم علي، وحبْر

(2)

هذه الأمة ابن عباس"

(3)

من حديث كوثر بن حكيم، وكوثر هذا يأتي عن نافع بما يُعلَم أنه باطل، ولا يحتج به باتفاق أهل العلم

(4)

.

وكذلك اتباعُهم في "الجد" لقول زيد رضي الله عنه، مع أن جمهور الصحابة رضي الله عنهم على خلافه

(5)

. فجمهور الصحابة موافقون للصديق في أن الجد كالأب، يحجُب الإخوة

(6)

وهذا مروي عن بضعة عشر/ [166 ب] من الصحابة رضي الله

(1)

أخرجه البخاري (4382، 7255) ومسلم (2419) عن أنس.

(2)

في النسختين: "خير"، تصحيف.

(3)

أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(1/ 56) من طريق عبد الأعلى السامي، وابن حزم في "المحلى"(9/ 296) من طريق كوثر كلاهما عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا. وانظر "السلسلة الصحيحة" للألباني (3/ 225).

(4)

انظر "الميزان"(3/ 416) و"اللسان"(4/ 490).

(5)

انظر المسألة واختلاف العلماء فيها في: "الأم"(4/ 85 - 86) و"المحلى"(9/ 282 - 299) و"المبسوط"(29/ 180 - 183) و"بداية المجتهد"(2/ 259 - 260) و"المغني"(9/ 66 - 69) و"تفسير القرطبي"(5/ 68) و"الفتح"(12/ 19 - 23).

(6)

أخرجه عن أبي بكر: سعيد بن منصور (3: 1/ 63، 64) وابن أبي شيبة (11/ 288 - 290) والدارقطني (4/ 93) والبيهقي (6/ 246).

ص: 305

عنهم

(1)

، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وأحمد، واختاره أبو حفص البرمكي من الصحابة، وحكاه بعضهم روايةً عن أحمد.

وأما المورثون الجدَّ مع الإخوة فهم عليّ وابن مسعود وزيد

(2)

رضي الله عنهم، ولكل [واحد]

(3)

قولٌ انفرد به. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان متوقفًا في أمره

(4)

. والصواب بلا ريبٍ قول الصديق، لأدلَّةٍ متعددةٍ ذكرناها في غير هذا الموضع

(5)

.

منها: أن الذين وَرثوا الإخوةَ عمدتُهم أنهم يُدْلُون ببنوة الأب، والجدُّ يُدلي بأُبوّته، والبُنوّةُ أقوى.

وهذه الحجة فاسدة، مناقضةٌ للكتاب والسنة والإجماع، فإنّ الجدَّ مقدَّم على بني الإخوة عند عامة المخالفين في هذا، وابن الابن يقوم مقامَ الابن ويُقدَّم على الجدّ، فلو كان بنوة الأب مقدَّمةً لقدِّمتْ بنوةُ الأب.

(1)

انظر: "المغني"(9/ 66) والمصادر السابقة.

(2)

أخرجه عنهم: عبد الرزاق (10/ 269) وسعيد بن منصور (3: 1/ 69، 70) وابن أبي شيبة (11/ 293 - 295) والدارمي (2920 - 2932) والبيهقي (6/ 249 - 252).

(3)

من ع.

(4)

انظر "المحلى"(9/ 282).

(5)

وانظر "إعلام الموقعين"(1/ 374 - 382)، ففيه عشرون وجهًا لتصحيح هذا القول.

ص: 306

ومنها: أن الجد الأعلى مقدم على العم، والعمّ ابن الجدِّ الأدنى، والجدُّ الأعلى أبوه، فالعمُّ يُدلي ببنوته، والجد الأعلى بأبوته، والجد الأعلى مقدم بالإجماع، ونسبة الجد الأعلى إلى العمّ كنسبة الأدنى إلى الأخ.

ومنها: أن ما ذكروه لو كان صحيحًا لوجب تقدم

(1)

الإخوة، وهذا خلاف إجماع الصحابة. وقد طرد هذا القياسَ الفاسد من قال في الولاء: إنّ إخوةَ المعتق أولى من جدّه. وهذا من أضعف الأقوال، بل الصواب أن الولاء لجدّ المعتق فقط دون إخوته، كالميراث.

وأيضًا فالبنوة وبنوة البنوة مقدّمةٌ على الأبوة وأبوة الأبوة، لأن هذا الجنسَ مقدم على هذا الجنس.

وأما بنوة الأبوة فليست من هذا البنوة، بل الأبوة وأبوة الأبوة مقدم على بنوة الأبوة في جميع أحكام الشرع، ولم يقدَّم الأخ على الجدّ في شيء من الأحكام الشرعية، بل ولا عُدِلَ به. فمن جعلَ مقتضى القياس تقديمَه أو مساواته

(2)

فقد خالف الأصول الشرعية كلها.

وأما العمريتان

(3)

فليس في القرآن ما يدل على أن للأم الثلث

(1)

كذا في س، ع: وفي سائر النسخ: "تقديم".

(2)

س، ع:"مساويه". والتصويب من سائر النسخ.

(3)

راجع لهاتين المسألتين: "المحلى"(9/ 260 - 262) و" بداية المجتهد" (2/ =

ص: 307

مع الأب والزوج، بل إنما أعطاها

(1)

الله الثلث إذا ورثتِ المالَ هي والأب، فكان القرآن قد دل على أن ما وَرِثتْه هي والأب تأخذ ثلثَه، والأب ثلثيه. واستدل بهذا أكابر الصحابة: كعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد

(2)

رضي الله عنهم وجمهور العلماء، على أن ما يبقى بعد فرض الزوجين، يكونان فيه أثلاثًا، قياسا على جميع المال إذا اشتركا فيه، وكما يشتركان فيما يبقى بعد الدَّين والوصية.

ومفهومُ القرآن ينفي أن تأخذ الأمُّ الثلثَ مطلقا، [فمن أعطاها الثلث مطلقًا]

(3)

حتى مع الزوجين

(4)

، فقد خالفَ مفهوم القرآن. وأما الجمهور فقد عملوا بالمفهوم، فلم يجعلوا ميراثَها إذا ورثه أبوه كميراثها إذا لم يرثه، بل إن ورثه أبواه فلأمه الثلث مطلقًا، وأما إذا لم يرثه أبواه، بل ورثه مع من دون الأب: كالجد والعم والأخ، فهي بالثلث أولى، فإنها إذا أخذت الثلث مع الأب

= 257) و"المغني"(9/ 23 - 24) و"تفسير القرطبي"(5/ 56، 57) و"تفسير ابن كثير"(1/ 469).

(1)

س، ع:"أعطى". والمثبت من سائر النسخ.

(2)

كما أخرج عنهم عبد الرزاق (10/ 252 - 254) وسعيد بن منصور (3: 1/ 54 - 56) والدارمي (2868 - 2876) والحاكم في "المستدرك"(4/ 335 - 336).

(3)

ساقطة من النسختين، والزيادة من سائر النسخ.

(4)

قاله ابن عباس وشريح، ويُروى عن علي أيضًا. أخرج هذه الآثار: سعيد بن منصور (3: 1/ 56) والدارمي (2879 - 2881) والبيهقي (6/ 228).

ص: 308

فمع غيرِه من العصبة أولى.

فدل القرآن على أنه إذا لم يرثه إلاّ الأم والأب، أو عصبة غير الأب سوى الابن، فللأم الثلث؛ وهذا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وأما الابن فإنه أقوى من الأب، فلها معه السدس.

بقي إذا كان مع العصبة ذو فرضٍ، فالبنات والأخوات قد أُعطِيَ للأم معهن السدسُ. والأخت الواحدة إذا كانت هي والأم، فالأم تأخذ الثلث مع الذكر من الإخوة، فمع الأنثى أولى.

وإنما تُحْجَب عن الثلث إلى السدس بالإخوة؛ والواحد ليس إخوةً. وإذا كانت تأخذ مع الأخ الواحد الثلثَ، فمع العم وغيره بطريق الأولى.

وإذا كان مع أحد الزوجين عصبة غير الأب والابن، كالجد والعم وابن العم، فهؤلاء لا ينقصها دون الأب، وإنما جعل الباقي بعد نصيب الزوجة أثلاثًا، لأنها والأب في طبقة واحدة، فجعل ذلك بينهما كأصل المال، وهؤلاء ليسوا في طبقتها، فلا يُجعَلون معها، كالأب، فإنه لا واسطة بينه

(1)

وبين الميت، بخلاف هؤلاء، فإن بينهم وسائط، وهي لا تسقط بحالٍ، بخلاف هؤلاء، فلم يمكن أن يُعطى ثلث الباقي هنا، لما فيه من تسوية هؤلاء بالأب.

ولا نزاع في ذلك إلاّ في الجد، نزاعٌ يُروَى عن ابن مسعود

(1)

س، ع:"بينها". والتصويب من سائر النسخ.

ص: 309

رضي الله عنه، كأنه ألحقه بالأب، فأعطاها معه ثلث الباقي. والجمهور/ [167 أ]، على أنها معه تأخذ ثلثَ المال، وهو الصواب؛ لأن الجد أبعد منها؛ وهو محجوب بالأب، فلا يحجبها عن شيء من حقها.

وإذا لم يمكن أن تُعطَى ثلثَ الباقي، وامتنع أن تُعطَى السدسَ لأنه دون ذلك، تعيَّن أن تُعطَى الثلث. وكان إعطاؤها الثلثَ مع عدم الأب، سواء كان هناك أحد الزوجين أو لم يكن، وإعطاؤها ثلثَ الباقي مع أحد الزوجين، مما فهمه جماهير الصحابة والعلماء والأئمة، تارةً بالاعتبار الذي هو في معنى الأصل، وتارةً بالاعتبار الذي هو أولى وأحرى، وتارةً بالاعتبار الذي فيه إلحاق الفرع بأشبه الأصلين به.

فإن قلت: فهذه دلالة نصّ أو قياس؟

قلتُ لك: القياس المحض أن الأب مع الأم، كالبنت مع الابن، والأخت مع الأخ؛ لأنهما ذكر وأنثى، من جنس واحد، وهما عصبة. وقد أُعطِيت

(1)

الزوجةُ نصفَ ما يُعطاه الزوجُ؛ لأنهما

(2)

ذكر وأنثى من جنس واحدٍ.

وإنما عُدِلَ عن هذا في ولد الأم لأنهم يُدْلُون بالأم، فلا عُصوبةَ لهم بحالٍ، بخلاف الزوجين والأبوين والأولاد، فإنهم

(1)

س، ع:"أعطت". والتصويب من سائر النسخ.

(2)

س: "لأنه"، خطأ.

ص: 310

يُدلون بأنفسهم، وسائر العصبة يُدلون بذكر، كولد البنين والإخوة للأبوين أو الأب. فإعطاء الذكر مثلَ حظّ الأنثيين هو معتبر فيمن يُدلي بنفسه أو بعصبة، فإنه أهل للتعصيب. فأما من يُدلي بغير عصبةٍ فإنه ليس من أهل التعصيب، فالذكورة فيه ليست

(1)

كالأنوثة، وليس الذكر كالأنثى، لا في باب الزوجية، ولا في الأبوين، ولا في الأولاد والإخوة

(2)

للأب. فهذا اعتبار.

وأما

(3)

دلالة الكتاب على

(4)

ميراث الأم؛ فإن الله تعالى يقول: (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)

(5)

. فالله تعالى فرض لها الثلثَ بشرطين: أن لا يكون له ولد، وأن يرثه أبواه؛ فكان في هذا دلالة على أنها لا تُعطى

(6)

الثلثَ مطلقًا، مع عدم الولد، إذ لو كانت تُعطى الثلثَ مع عدم الولد مطلقًا لكان قوله:(وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ) زيادة في اللفظ ونقصٌ

(7)

في المعنى، وكان عديم الفائدة، وجودُه كعدمه، فإنه حينئذٍ سواء ورثه أبواه أو لم يرثه أبواه، لأمه الثلث. وهذا خلاف دلالة القرآن، وهذا مما يدل على صحة أكابر الصحابة والجمهور

(1)

"ليست" ساقطة من س.

(2)

ع: "ولا الإخوة".

(3)

س، ع:"إنما". والتصويب من سائر النسخ.

(4)

س: "عن"، ع:"من".

(5)

سورة النساء: 11.

(6)

س، ع:"أنه لا يعطي"، خطأ.

(7)

كذا في النسختين بالرفع.

ص: 311

الذين يقولون: لا تُعطَى

(1)

في العمريتين -زوج وأبوين؛ وزوجة وأبوين- ثلثَ جميع المال، كما قال ابن عباس رضي الله عنه وموافقوه، فإنها لو أُعطِيَتِ الثلثَ لكانت تُعطاه مع عدم الولد مطلقًا. وهو خلاف ما دل عليه القرآن.

وقد روى عنه أنه قال لزيد رضي الله عنه: أين في كتاب الله ثلثُ ما بقي

(2)

؛ أي ليس فيه إلاّ ثلث وسدس.

فيقال: وليس في كتاب الله إعطاؤها الثلثَ مطلقًا، فكيف تعطيها مع أحد الزوجين الثلث؟! بل في كتاب الله ما يَمنعُ إعطاءَها الثلثَ مع الأب وأحد الزوجين، فإنه لو كان كذلك لكان يقول:"فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث ". فإنها على هذا التقدير تستحق الثلث مطلقًا؛ فلما خص الثلث ببعض الحال

(3)

عُلِمَ أنّه لا يُسْتَحَق مطلقًا.

فهذا مفهوم المخالفة

(4)

الذي يُسمى دليل الخطاب، يدلّ على بطلان قول من أعطاها الثلث في العمريتين، ولا وجه لإعطائها السدس مع مخالفته للإجماع

(5)

، لأن الله تعالى إنما أعطاها ذلك

(1)

س، ع:"لايعطى".

(2)

أخرجه عبد الرزاق (10/ 254) وابن أبي شيبة (11/ 242 - 243) والدارمي (2878) والبيهقي (6/ 228) من طرق عن ابن عباس.

(3)

س، ع:(المال)، تحريف.

(4)

س، ع:"المخالف".

(5)

انظر: "المغني"(9/ 23).

ص: 312

مع الولد والإخوة، وقيده بذلك، ودل ذلك على أنها لا تُعطَاه

(1)

مع الأخ الواحد، فعُلِم أن الثلث قد تستحقه مع الأخ الواحد، ويدل على ذلك أنها إذا أُعطِيتْه

(2)

مع الأب، فمع غيره من العصبات أولى وأحرى.

وهذه دلائلُ بتنبيه الخطاب ومفهومِه، إما مفهوم الموافقة أو مفهوم المخالفة، فلما دل القرَآن على أنها لا تُعطَى الثلث ولا تُعطَى السدسَ، وكان قسمة ما يبقى بعد فرض الزوجة أثلاثًا، مثل قسمة أصل المال من الأبوين أثلاثا

(3)

ليس بينهما فرق

(4)

أصلاً- عُلِم بدلالة التقسيم أن الله أراد أن تُعطَى في هذه الحال هذا، وكانت هذه الدلالةُ خطابية من جهة دلالة القرآن على إبطال ما سواه، فتعينت بالضرورة، ومن جهة أنها قياسٌ في معنى الأصل، وإذا جُعِل ما في معنى الأصل

(5)

دلالة لفظيةً كانت خطابيةً أيضًا، كما في قوله:"من أعتق شِركًا له في عبدٍ"

(6)

، وقوله:"أيما رجلٍ وجد متاعه بعينه عند رجلٍ قد أفلسَ فهو أحق به"

(7)

، فإن لفظ

(1)

س، ع:"أنه لا يعطاه". والتصويب من سائر النسخ.

(2)

س، ع:"أعطته".

(3)

س، ع:"إلاّ ما"، تحريف.

(4)

س، ع:"فرض"، تحريف.

(5)

"إذا جعل ما في معنى الأصل" ساقطة من س.

(6)

سبق تخريجه.

(7)

أخرجه بهذا اللفظ أحمد (2/ 249) والحميدي في "مسنده "(1035) من طريق هشام بن يحيى المخزومي عن أبي هريرة. وللحديث طرق أخرى=

ص: 313

"عبد" و"رجل" يتناول في هذا الذكرَ/ [167 بٍ] والأنثى في عرف الخطاب، من باب التعبير باللفظ الخاصّ عن المعنى

(1)

العام.

وهذا بابٌ غير باب القياس، وذلك تارةً لكون اللفظ الخاصّ صارَ في العرف العامّ عامًّا، كقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)

(2)

، وقوله:(مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13))

(3)

، وقوله:(وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124))

(4)

، وقول القائل:"والله ما أخذتُ له حبّهً، ولا شربتُ له قَطرةً، ولا أكلتُ له لقمةً"، ونحو ذلك مما صار في عرف الخطاب يدل على العام، لا يُقصَد بهَ النفي

(5)

الخاص.

وتارةً يُعبَّر باللفظ الخاص عن المعنى العام، لكونه صار [في]

(6)

العرف الخاص عامًّا، ومن هذا الباب خطاب [المُطاع]

(7)

الواحدَ في أهلِ طاعته الذين قد استقر عندهم تماثلُهم في الحكم، فإن هذا خطاب لجمعهم، كخطاب السيِّدِ الواحدَ من عبيده بأمور يَشترِكُ فيها العبيد، وكذلك الملكِ الواحدَ من رعيته. ومن هذا

= وألفاظ مختلفة، وهو حديث متفق على صحته، أخرجه البخاري (2402) ومسلم (1559).

(1)

"المعنى" ساقطة من ع.

(2)

سورة النساء: 40.

(3)

سورة فاطر: 13.

(4)

سورة النساء: 124.

(5)

ع: "المعنى".

(6)

زيادة من سائر النسخ.

(7)

زيادة من سائر النسخ.

ص: 314

خطابُ النبي صلى الله عليه وسلم للواحدِ من أمته، فإن عُرِفَ بعادتِه من خطابه أن هذا حكم لمن هو مثل ذلك الشخص إلى يوم القيامة، وكذلك خطابه لمن حضره، قد عُلِم بعادته أن من غاب عنه إذا كان بمنزلتهم فإنهم يخاطَبون بمثل ذلك، لمعرفة المستمع أن حكم الشيء حكم مثله، وأن التعيين

(1)

هنا لا يُراد به التخصيص، بل التمثيل.

وأما إذا كان أحد الزوجين مع سائر العصبة، فهنا

(2)

لو أُعطِيتْ ثلثَ الباقي لكان جعلاً

(3)

لذلك العاصب معها بمنزلة الأب، وليس الأمر كذلك، فإن الأب

(4)

في طبقتها، وكان حكمها معه كحكم الذكر مع طبقته من الإناث، وأما غير الأب فبعيد عنها.

والقراَن لما أعطاها الثلث مع الأب دلّ على أنه مع غيره من العصبة أولى، وليس إذا أُعطِيتْ ثلث الباقي مع الأب يكون غيره من العصبة مثله، ولا أولى

(5)

من نقصانها، والسدس لا سبيل له لما تقدم.

وقد دلّ القرآن أنها مع الواحد من الإخوة لا تُعطَى السدس، فلما بطل إعطاؤها السدسَ مع العصبة غير الأبِ وأحد الزوجين،

(1)

س، ع:"التعبير"، تحريف.

(2)

ع: "فهذه".

(3)

ع: "جعله".

(4)

س: "الأم"، تحريف.

(5)

ع:"والأولى".

ص: 315

وثلثَ الباقي، تعيَّن الثلثُ، وكان أُعطِيَتِ الثلثَ مع سائر العصبة وأحد الزوجين بمنزلة أن تُعطَاهُ مع الأب وحده، فإن الأب وحدَه يَحْجُبُ سائر العصبةِ ويأخذُ الثلثين.

ومع أحد الزوجين أعطيناها ثلثَ الباقي ليأخذ الأبُ الثلثين الآخرين، إذ ليس هناك عصبة غيره، إذ هو يحجبهم، ومع غيره لو أعطيناها ثلث الباقي لكان ذلك ليأخذ ذلك العصبة الثلثين، وليس ذلك له، بل قد يكون مع الأمّ محجوبًا لا يأخذ شيئًا بحال، إذا كان معها أب أو ابن، إذا كان قد يكون محجوبا حَجْبَ حِرمانٍ، فحجبُ النقصان أولى

(1)

. بخلاف الأب، فإنه لا يُحجَبُ معها لا حَجْبَ حِرمانٍ ولا حَجْبَ نقصان، فكان إعطاؤها مع الأب الثلثَ إعطاءً

(2)

مع غير الأب في سائر الأحوال بطريق الأولى، إذ لا حالَ

(3)

هناك يستحق أحد معها أن يأخذَ مِثلَيْ ما تأخذ

(4)

، كما يستحقُّ الأبُ ذلك. فإن قوله:(وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)

(5)

(دلّ على أن لها الثلث، والباقي للأب بقوله (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ)،فإنه لما جعل الميراث ميراثًا بينهما، ثم أخرج

(6)

نصيبها، دل على أن الباقي نصيبه. وإذا أُعطي

(1)

ع: "أقل".

(2)

ع: "إعطاؤها".

(3)

ع: "لا رجل".

(4)

س، ع:"تأخذ مثلي ما يأخذ"، والتصويب من سائر النسخ.

(5)

سورة النساء: 11.

(6)

س:"إن خرج".

ص: 316

[الأب]

(1)

الباقي معها لم يلزم أن يُعطَى غيرُه مثل ما أُعطِي.

وإنما أعطينا سائر العصبة بقوله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)

(2)

، وبقوله:(وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)

(3)

، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما

أَبْقتِ الفرائضُ فلأولَى رجلِ ذكرِ".

(4)

.

(1)

زيادة من سائر النسخ.

(2)

سورة الأنفال: 75.

(3)

سورة النساء: 33.

(4)

سبق تخريجه.

ص: 317

فصل

وأما ميراث الأخوات مع البنات

(1)

، وأنهن عصبة كما قال جمهورُ الصحابة

(2)

والعلماء- فقد دل عليه القرآن والسنة أيضًا، فإن قوله تعالى:(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ)

(3)

يدل على أن الأخت ترثُ النصفَ مع عدم الولد، وأنه هو يرث المال

(4)

كله مع عدم ولدها. وذلك يقتضي أن الأخت مع الولد لا يكون لها النصف مما ترك؛ إذ لو كان كذلك لكان لها النصف، سواء كان له ولد أو لم يكن، فكان ذكر الولد تدليسًا وعبثاً مُضِرّا، وكلام الله منزه عن ذلك.

وليس هذا من المفهوم الذي هو تخصيص أحد النوعين

(1)

انظر هذه المسألة في: (المحلى)(9/ 256 - 258) و"بداية المجتهد"(2/ 258) و"المغني"(9/ 9 - 10) و"تفسير" القرطبي (5/ 64، 6/ 28 - 29) و"شرح مسلم" للنووي (11/ 54، 58 - 59) و"تفسير" ابن كثير (1/ 607) و"فتح الباري"(12/ 24 - 25).

(2)

كما أخرج عنهم عبد الرزاق (10/ 254 - 255) والدارمي (2884) والطحاوي (4/ 393) والحاكم (4/ 339) والبيهقي (6/ 233).

(3)

سورة النساء: 176.

(4)

ع: "جميع المال ".

ص: 318

بالذكر، بل هو من باب تخصيص اللفظ العام وتقييده مع أن الحكم يتناول جميع الصور،/ [168 أ]، والتخصيص بعد التعميم ليس بمنزلة التخصيص المبتدأ، فإن ذلك قد يُقصَد به ذكر ذلك النوع دون الآخر. وأما ذكر الجنس الذي يعمهما والحاجة داعية إلى بيان الحكم العام، وليس في هذا التقييدِ مقصودٌ، فهنا يمتنع أن يُذكَر التخصيص إلاّ لاختصاصه بالحكم.

ومن ذلك قوله تعالى: (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ)

(1)

وقوله: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)

(2)

، وإذا عُلِم أنها مع الولد لا ترث النصفَ، فالولد إما ذكر وإما أنثى. أما الذكر فإنه يسقِطها كما يسقط الأخ بطريق الأولى، بدليل قوله:(وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ)،

(3)

[فلم يثبت له الإرث المطلق إلا إذا لم يكن لها ولد]. والإرث المطلق هو حَوْزُ جميع المال، فدل ذلك على أنه إذا كان لها ولد لم يَحُز المال؛ بل إما أن يسقط وإما أن يأخذ

(4)

بعضَه. فيبقى

(5)

إذا كان لها ولد: فإما ابنٌ، وإما بنت. فالقراَن قد بيَّن أن البنتَ إنما تأخذ النصف، فدل على أن البنت لا تمنعه النصف الآخر

(6)

، إذا

(1)

سورة النساء: 176.

(2)

سورة النساء: 11.

(3)

ساقطة من س، ع. والاستدراك من بقية النسخ.

(4)

س، ع:(تسقط) و (تأخذ).

(5)

س: (فبقي).

(6)

س:"الآخر النصف". ع: "لآخرين النصف". والمثبت من سائر النسخ.

ص: 319

لم يكن إلاّ بنتٌ وأخٌ.

ولما كان فتيا الله إنما هي في الكلالة، والكلالة من لا والد له ولا ولد

(1)

، عُلِمَ أن من له ولد ووالد، ليس هذا حكمه.

ولما

(2)

كان قد بين تعالى أن الأخ يحوز مالَ الأخت فيكون لها عصبة، كان الأب أن يكون عصبةً بطرق الأولى، وإذا كان الأب والأخ عصبة، فالابن بطريق الأولى.

وقد قال تعالى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ)

(3)

، فإذا كان قد جعل مواليهم واحدهم مولى، وهو الذي يتولى المرء، فيكون مولىً ويرث مالَه، ويكون من أولى الأرحام الذين بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، إذ كان لكل أحد قد جعل الله عصبتَه ترث مالَه مما ترك، وهم: الوالدان والأقربون.

قال طائفة من المفسرين

(4)

: أي: من المال الذي ترك.

والموالي: هم الوالدان والأقربون. والموالي يتضمن معنى ورثة، والمعنى: لكل جعلنا ورثة يرثن

(5)

مما ترك، هم: الوالدان

(1)

انظر تفسير (الكلالة) في: "تفسير" الطبري (8/ 53 - 54) و"تفسير" القرطبي (5/ 76 - 78) و"تفسير" ابن كثير (1/ 470 - 471) و"المغني"(9/ 8) و"شرح مسلم" للنووي (11/ 58) و"فتح الباري"(12/ 26).

(2)

س، ع:"فلما".

(3)

سورة النساء: 33.

(4)

انظر: "تفسير" الطبري (8/ 269 - 272) و"تفسير" ابن كثير (1/ 501).

(5)

كذا في النسخ بدلاً من "يرثون".

ص: 320

والأقربون.

وإذا كان قد جعل الوالدين والأقربين موالي، فالبنون أولى أن يكونوا موالي. ولهذا لما كانوا في أول الأمر إنما يرث الرجل ولده، فرض الله الوصية للوالدين والأقربين بقوله:(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)

(1)

. فلما فرض الوصية لهما دل ذلك على أن الميراث للولد دونهما، وكان ذلك هو الحكم قبل نزول آية الفرائض، فعلم أن الولد أولى من الأبوين والأقربين، وأن

(2)

الابن أولى أن يكون عصبة من الأب.

وأيضا فإن الله سبحانه قال: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)، فأوجب الوصية للوالدين والأقربين لما كان لا يرث أحدهم إلاّ ولده، وكان ميراثُ الولد وأخذُ الأب مالَ ابنه كلَّه معروفًا عندهم في الجاهلية، ففرض الله الفرائضَ لمن سَمَّاه. وأما إرث الابن مالَ أبيه إذا لم يكن غيره، فكان من الأحكام الظاهرة

(3)

الواضحة التي كانوا عليها في الجاهلية، وأقرهم عليها في الإسلام، وَوَكَّد ميراث الابن، حتى وَرَّث الابنَ سواء كان صغيرا أو كبيرًا.

وكذلك سائر الورثة سوى بين

(4)

الصغير والكبير، وكانوا في

(1)

سورة البقرة: 180.

(2)

"الابن" ساقطة من س.

(3)

ع: "العامة".

(4)

س، ع:"سواء من"، تحريف. والتصويب من سائر النسخ.

ص: 321

الجاهلية- أو من كان منهم- لا يورثون إلاّ الكبير

(1)

.

ودلَّ أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" أن ما بقي بعد الفرائض فلا يرثه إلاّ العصبة، وقد عُلِمَ أن الابن أقرب، ثم الأب، ثم الجد، ثم الإخوة.

وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ولد ابن الأم يتوارثون دون بني العلات

(2)

. فالأخ للأبوين أولى من الأخ للأب، وابن الابن يقوم مقام الابن

(3)

، وكذلك كل بني أب هم أقرب من بني الأب الذي هو أعلى منه، وأقربُهم إلى الأب الأعلى، فهو أقرب إلى الميت. وإذا استووا في الدرجة فمن كان لأبوين أولى ممن كان لأب.

فلما دل القرآن على أن للأخت النصف مع عدم الولد، وأنه مع ذكور الولد يكون الابن عاصبًا، يَحجُبُ الأختَ ما يحجب أخاها، بقي حالُ الأخت مع إناث الولد، ليمس في القرآن ما يَنفي

(1)

كما روي ذلك عن سعيد بن جبير وقتادة وابن عباس، انظر "تفسير ابن كثير"(1/ 465، 468).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (10/ 249) وأحمد (1/ 79، 131، 144) والدارمي (2988) والترمذي (2094، 2095، 2122) وابن ماجه (2715، 2739) والدارقطني (4/ 86 - 87) والحاكم (4/ 336، 342) من طريق الحارث الأعور عن علي. قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلاّ من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث، والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم. وانظر:"تلخيص الحبير"(3/ 83).

(3)

س: "الأب"، تحريف.

ص: 322

ميراثَ الأختِ في هذه الحال. وإنما ينفي أن يكون لها النصف مع الولد، كما يكون مع [عدم]

(1)

الولد.

بقي كذا مع البنت: إما أن تسقط، وإما/ [168 ب] أن يكون لها النصفُ، وإما أن تكون عصبةً:

ولا وجه لسقوطها؛ فإنها لا تُزاحِمُ البنتَ، وأخوها لا يسقط، فلا تسقط هي، ولو سقطت هي لسقطت بمن هو أبعد منها من الأقارب، والبعيد لا يُسقِط القريب.

ولا يكون لها النصفُ فرضًا كما يكون لها مع الزوج، لأن الله عز وجل إنما جعل لها النصف معه إذا لم يكن له ولد، ولأنها كانت تساوي البنتَ مع اجتماعها، والبنت

(2)

أولى منها، فلا تُساوِيها. وأيضًا فإنه لو فُرِضَ لها النصفُ لنقَصَتِ البنتُ عن النصف إذا عالت الفرائض، مثل: زوجة وبنت وأخت، فكان يكون للزوجة الثمن، ولكل منهما النصف، فتعول فتنقص البنت عن النصف.

وكذلك لو كان الزوج لكان له الربع، فلو فُرِضَ للأخت النصفُ مع البنت لعالتْ، فنَقَصَت البنت عن النصف، والإخوة لا يزاحمون الأولاد لا بفرضٍ ولا تعصيبٍ؛ فإن الأولاد أولى منهم.

والله تعالى إنما أعطاها النصف، إذا كان الميت كلالة لا ولد له

(1)

زيادة من سائر النسخ.

(2)

س: "الثلث"، تحريف.

ص: 323

ولا والد، فمن له ولد لا يُفرض لها معه النصف.

فلما بطل سقوطُها وفرضُها

(1)

لم يبقَ إلاّ أن تكون

(2)

عصبة أولى من عصبة البعيد

(3)

، كالعم وابن العم. [وهذا قول الجمهور]

(4)

، وقد دل عليه حديث البخاري

(5)

عن ابن مسعود [لما ذكر له]

(6)

أن أبا موسى وسلمان بن ربيعة قالا في بنتٍ وبنتِ ابن وأختٍ: للبنت النصف، وللأخت النصف، وائتِ ابنَ مسعودٍ فسيتابعني

(7)

0 [فقال]

(8)

: لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي للأخت.

(1)

من هنا إلى قوله "رجل ذكر، فقد تناولها الحديث

" ص (329) اضطرب ترتيب الكلام في س، ع. وقد سبقت الإشارة إليه في المقدمة.

(2)

س، ع:"يكون".

(3)

ع:"العصبة البعيدة".

(4)

من ع.

(5)

أخرجه البخاري (6736، 6242)، وليس عنده ذكر سلمان بن ربيعة، وقد جاء ذكره في طرق أخرى لهذا الحديث عند عبد الرزاق (10/ 257) وسعيد بن منصور (3: 1/ 59) وأحمد (1/ 389، 428، 440، 463) والدارمي (2893) وأبي داود (2890) والترمذي (2093) والنسائي في " الكبرى"(4/ 75 - 71) وابن ماجه (2721) والطحاوي (4/ 392) والدارقطني (4/ 79 - 80) والحاكم (4/ 334) والبيهقي (2/ 256).

(6)

من ع.

(7)

ع: "فإنه سيتابعنا".

(8)

زيادة من سائر النسخ.

ص: 324

فأخبر ابن مسعود رضي الله عنه أن هذا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن الأخوات مع البنات عصبة، والأخت تكون عصبة بغيرها، وهو أخوها. فلا يمتنع أن تكون عصبة مع البنت. فإن البنت/ [169 أ] أقوى من أخ الميت

(1)

، ولهذا لم يعصبها، بخلاف البنت مع الابن، فإنها ليست أقوى من أخيها، فلهذا عصبها. وفي السنن

(2)

: أن معاذًا أَفتى في بنتٍ وأختٍ، فأعطى الأختَ النصفَ، والبنتَ النصفَ.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجلى ذكر"، فهذا عام خص منه المعتقة والملاعنة والملتقطة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"تَحُوز المرأة ثلاثَ مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه"

(3)

. وإذا كان عامّا مخصوصا خُصَّتْ منه هذه الصورة بما ذكر من الدلالة.

(1)

ع: "ميت".

(2)

أخرجه عبد الرزاق (10/ 255، 256، 261) وسعيد بن منصور (3: 1/ 60) والدارمي (2882، 2883) وأبو داود (2893) والطحاوي (4/ 393، 394) وا لدارقطني (4/ 82 - 83) والحاكم (4/ 337 - 338، 346). وهو عند البخاري (6734، 6741) من طريقين عن الأسود به. وانظر "فتح الباري"(12/ 25).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 490، 4/ 106) وأبو داود (2906) والترمذي (2115) والنسائي في الكبرى (4/ 78، 91) وابن ماجه (2742) والدارقطني (4/ 89 - 90) والحاكم (4/ 341) والبيهقي (6/ 240، 241) عن واثلة بن الأسقع. وهو حديث ضعيف، انظر الكلام عليه في "إرواء الغليل"(6/ 24).

ص: 325

وإن قيل: قوله: "فلأولى رجل ذكر" إنما هو في الأقارب الوارثين بالنسب. قيل: فالمنازع يقدم المعتقَ على الأخت مع البنت، وليس من الأقارب، وهو صلى الله عليه وسلم قال:"فلأولى رجل ذكر"، ووكّد بالذكر ليبين أن العاصب المذكور هو الذكر دون الأنثى، وأنه لم يرد بلفظة الرجل ما يتناول

(1)

الأنثى، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"أيما رجل وجد متاعه" ونحو ذلك مما

(2)

يذكر فيه لفظ الرجل، والحكم يعم النوعين: الذكور والإناث. وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم في فرائض صدقة الإبل: "فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر"

(3)

، فذكر لفظ "الذكر" ليبين أن

(4)

مراده بابن اللبون: الذكر دون الأنثى، وأن الذكر يجزئ

(5)

في هذه الحال دون ما إذا كان فيها بنت مخاض، فإن الفرض بنت مخاض.

ومما يبين صحةَ قول الجمهور أن قوله: (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) إنما يدل منطوقه على أنها ترث النصف مع عدم الولد، والمفهوم إنما يقتضي أن الحكم في المسكوت ليس مماثلاً

(1)

س، ع:"ما لا يتناول". وهو يعكس المعنى.

(2)

س، ع:"فيما".

(3)

أخرجه البخاري (1448 ومواضع أخرى) وأحمد (1/ 11) وأبو داود (1567) والنسائي (5/ 18) وابن ماجه (1800) عن أبي بكر الصديق ضمن كتاب الصدقة التي كتبها لأنس.

(4)

"أن" ساقطة من س، ع.

(5)

س: "يجري".

ص: 326

للحكم في المنطوق، فإذا كان فيه تفصيل حصل بذلك مقصود المخالفة. فلا يجب أن تكون كل صورة من صور المسكوت عنه مخالفةً لكل صورة من صور المنطوق، ومن توهم ذلك في دلالة المفهوم فإنه في غاية الجهل.

فإن المفهوم إنما يدل بطريق التعليل أو بطريق التخصيص.

والحكم إذا ثبت بعلة وانتفت؛ جاز أن يَخْلُفها- في بعض الصور أو كلها- علة أخرى. وقصد

(1)

التخصيص يَحصُل بالتفصيل، وحينئذ فإذا نُفِي إرثها مع

(2)

ذكور الولد حصل المقصود بدليل الخطاب، ولم يكن في الآية نفي ميراثها مع الأنثى، فيجب أن تكون من أهل الفرائض، أو من العصبة، وهي مع كونها من أهل الفرائض، فقد تكون عصبةً، وحينئذٍ فلا تخرج

(3)

من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها"، بل هي من أهل الفرائض، لكن لها التعصيب في بعض الأحوال، كما تكون عصبة مع إخوتها.

وعلى هذا التقدير فلا يكون الحديث مخصوصًا، بل عمومه محفوظ، وصار هذا كما لو كان معها إخوتها أو كان مع البنين والبنات أو الإخوة والأخوات أحد الزوجين أو الأم، فإما أن تُلحَق

(4)

الفرائضُ بأهلها، وما بقي لا يختص به ذكور الولد

(1)

س، ع:"فصل"، تحريف. والمثبت من سائر النسخ.

(2)

س، ع:"فإذا بقي إرثها من". والتصويب من سائر النسخ.

(3)

س، ع:"يخرج".

(4)

ع: "يلحقوا".

ص: 327

والإخوة بالنص والإجماع أفإن الله تعالى يقول،

(1)

(وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن)

(2)

[بعد قوله: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ). وقال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ]

(3)

وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُث)

(4)

.

فقد جعلَ لكلٍ من الأبوين السدسَ مع الولد، والباقي للولد.

وإن كانوا ذكورًا وإناثًا فللذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا متفق عليه بين المسلمين، فدلَّ ذلك على أن قوله:"فلأولى رجل ذكر" إنما يراد به إذا لم يكن هناك من يكون عصبة بغيره، وهو من أهل الفرائض في بعض الأحوال.

ولو أخذ بما يُظَنُّ أنه ظاهر الحديث

(5)

، لكان الباقي بعد الفرض لذكور الإخوة دون الأخوات، والبنين دون البنات، وهذا باطل بالنص وإجماع المسلمين. فعُلِم أنها إذا كانت عصبةً بغيرها لم يكن الباقي لأولى رجل ذكر، وهي في هذه الحال عصبة

(1)

من ع.

(2)

سورة النساء: 176.

(3)

من ع. ولا توجد في س.

(4)

سورة النساء: 11

(5)

انظر الكلام على سبب التأكيد بذَكَر في "الفتح "(12/ 12 - 13).

ص: 328

بغيرها

(1)

، فليس الباقي لأولى رجل ذكر. ومعلوم أن أخاها أقرب من العم وابن العم، فإذا كان لا يسقطها، بل تكون عصبة معه، فَلأنْ لا يُسقِطها العمُ وابنُه بطريق الأولى والأحرى، وإذا لم يُسْقِطها ورثت دونه، لأنه أبعد منها بخلاف أختها.

وحينئذٍ قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها" إن أريد به من له فرضٌ في تلك المسألة، فقوله:"فما بقي فلأولى رجل ذكر" خص منه من الأقارب من يكون عصبة بغيرها، والبنت في هذه الصورة عصبة بغيرها، فتُخَصُ منه.

ولو أريد بالفرائض من هو من أهل الفرائض في الجملة، سواء كان لا يرث إلاّ بفرض، كالزوجين والأم وولد الأم؛ أو كان يرث بفرضٍ تارةً وبتعصيبٍ أخرى، كالأب والبنات والأخوات، فيراد بتقديم هذا الضرب، وما بقي بعدُ فلأولى رجلٍ ذكر، فقد تناولها الحديث.

فإن الورثة أقسام:

ذوو فرضٍ محض: كالزوجين، وولد الأم، والأم.

وذوو تعصيبٍ محض: كالبنين، والإخوة.

ومن يكون ذا فرضٍ بنفسه، وتعصيب بنفسه: كالأب والجد.

ومن يكون ذا فرضٍ وعصبة بغيره: كالبنات والأخوات.

(1)

س، ع:"لغيرها".

ص: 329

[ومعلوم أن قوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" لم يرد به سقوط البنات والأخوات]

(1)

إذا كنّ عصبة بغيرهن، بل يرثن في هذه الحال بالإجماع.

والأخوات مع البنات كالأخوات مع إخوتهن

(2)

، فإذا لم ينفرد الرجل الذكر، وهو أخوهنّ ويسقطهن؛ فأَنْ لا ينفرد من هو أبعد منه ويسقطهن بطريق الأولى.

ولهذا لم تُوجَدْ قطُّ أختا تَسقُط مع عم، وابن عم، ومن هو أبعد منها. بل لابد أن ترث إما بفرض، وإما بتعصيبٍ حصل بغيرهاِ.

وحينئذٍ فإذا كنّ مع البنات وجب أن يرثن بأحد هذين، وقد تعذر به الفرضُ فتعيَّنَ التعصيبُ، كما لو كان معها أخوها. يبين ذلك أن جنس أهل الفرائض يُقدَّمون على العصبات، سواء كانوا

(3)

أهلَ فرض محض، أو كانوا مع ذلك لهم تعصيبٌ بأنفسهم أو بغيرهم.

والأخوات من جنس أهل الفرائض، ممن يرثن في حالٍ بفرض، وفي حالي يكنّ

(4)

عصبة، وهم مقدَّمون على من لا

(1)

من ع.

(2)

س: "أختهن"، تحريف.

(3)

س: "كان".

(4)

س: "يكون".

ص: 330

يرث

(1)

إلاّ بالتعصيب المحض كالعم وابن العم، فدل ذلك على أن الأخوات أولى من هؤلاء.

ولا يجوز أن يستدل بهذا الحديث على حرمانهن مع البنات، كما لا يجوز أن يُستدلَّ به على حرمانهن مع إخوتهن، [بل]

(2)

ولا على حرمان بنات الابن مع أخيهن ومع ابن أخيهن إذا استكمل البنات الثلثين، بل أتعصب من،

(3)

في درجته ومن هو أعلى منه عند الجمهور

(4)

، ولكن ابن مسعود

(5)

ومن وافقه [كأبي ثور]

(6)

يقولون: إنه لا يعصب إلاّ من يرث دونه، لا يعصب

(7)

من يسقط بدونه، ودلالة الحديث في هذه المواضع من جنس واحد.

فإما أن يقال: هؤلاء كلهم من جنس أهل الفرائض فإنهن

(8)

ممن يفرض لهن، ليست بمنزلة العمة والخالة ونحوهما ممن ليس له فرض مقدر.

/ [169 أ]، وإما أن يقال: هو مخصوص. وهذا الحديث قد

(1)

س، ع:"لا يرثن".

(2)

من ع.

(3)

من ع.

(4)

انظر: "المغني"(9/ 12).

(5)

س، ع:"ولكن ليس ابن مسعود"، والتصويب من سائر النسخ.

(6)

من ع.

(7)

س، ع:"لا يرث".

(8)

س، ع:"فإنهم".

ص: 331

رُوِي بألفاظ، فمن جُمَل ألفاظه

(1)

: "اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما بقي فلأولى رجل ذكر". وهذا لفظ يتناول كل من كان من أهل الفرائض في الجملة، وإن عرض له حال يكون فيها عصبة بغيره، إذا لم يكن محجوباتٍ بغيرهن، كما يحجب بنات الابن بالابن، وما بقي من بعده فلأولى رجل ذكر، ليس المراد به أنه ما بقي بعد الفرائض المقدرة لا يعطاه إلاّ رجل، ولو قدر أن اللفظ يتناول هذا فقد خص منه صور كثيرة بالنص والإجماع، فهذه الصورة أولى.

(1)

أخرجه بهذا اللفظ مسلم (1615) وأحمد (1/ 313) وأبو داود (2898) والترمذي (2098) وابن ماجه (2740) والدارقطني (4/ 71) من طريق معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس.

ص: 332

وأما ميراث البنتين

(1)

، فقد قال تعالى:() يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)

(2)

.

فدل القرآن على أن البنت لها مع أخيها الذكر الثلث، ولها وحدها النصف، ولما فوق اثنتين

(3)

الثلثان. بقيتِ البنتان، فكان إذا كان لها مع الذكر الثلث لا الربع، فأن يكون لها مع الأنثى الثلث لا الربع أولى وأحرى؛ ولأنه قال:(وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)، فقيّد النصف بكونها واحدةً، فدل بمفهومه على أنه لا يكون لها إلاّ مع هذا الوصف؛ بخلاف قوله:(فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ)، فإنه لما ذكر ضمير "كن" و"نساء" وذلك جمع، لم يمكن أن يقال: اثنتين؛ لأن ضمير الجمع لا يختص باثنتين؛ ولأن الحكم

(1)

س، ع:"البنات"، والمثبت من سائر النسخ. والكلام هنا على ميراث البنتين، ففيه الخلاف بين العلماء، لا إذا كانت واحدة أو فوق اثنتين. وانظر لهذه المسألة:"المحلى"(9/ 255) و"بداية المجتهد"(2/ 255) و"تفسير القرطبي"(5/ 63) و"تفسير ابن كثير"(1/ 469، 607) و"فتح الباري"(12/ 15 - 16) و"المغني"(9/ 11 - 12).

(2)

سورة النساء: 11.

(3)

س، ع:"اثنتان"، خطأ.

ص: 333

لا يختص باثنتين، فلزم أن يقال:(فَوْقَ اثْنَتَيْنِ)، لأنه قد عرف حكم اثنتين، وعرف حكم الواحدة. وإذا كانت واحدة فلها النصف، ولما فوق اثنتين الثلثان، امتنع أن يكون للاثنتين أكثر من الثلثين، فلا يكون لهما جميع المال لكل واحدة النصف، فإن الثلاث ليس لهن إلاّ الثلثان، فكيف بما دون الثلاثة؟ ولا يكفيهما النصف، لأنه لها بشرط أن تكون واحدة، [فلا يكون لها إذا لم تكن واحدة]

(1)

.

وهذه الدلالة تظهر بقراءة النصب

(2)

: "وإن كانت واحدةً"، فإن هذا خبر كانت، تقديره: فإن كانت بنتا واحدة، أي مفردة ليس معها غيرها فلها النصف، فلا يكون لها ذلك إذا كان معها غيرها، فانتفى النصف، وانتفى الجميع، فلم يبق إلاّ الثلثان. وهذه دلالة من الآية.

وأيضًا فإن الله تعالى لما قال: في الأخوات (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)

(3)

، كان دليلاً على أن البنتين أولى بالثلثين من الأختين.

وأيضًا فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أعطى ابنتيْ سعدِ بن الربيع الثلثين، وأمَّهما الثمن، والعمَ ما بقي

(4)

. وهذا إجماع لا يصح فيه

(1)

زيادة من سائر النسخ.

(2)

وهي قراءة أكثر القراء، انظر "النشر"(2/ 247).

(3)

سورة النساء: 176.

(4)

أخرجه أحمد (3/ 352) وأبو داود (2892) والترمذي (2092) وابن ماجه=

ص: 334

خلاف عن ابن عباس

(1)

.

وقال في الأخوات: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)، لأنه لم يذكر قبل ذلك ما يدل على أن للواحدة مع أخيها

(2)

الثلث، وإنما ذكرِه بعد ذلك بقوله:(وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، بخلاف تلك الآية، فإنه ذكر أولاً أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فتضمن حكمها مع أخيها، ثم ذكر حكم العدد من النساء بعد ذلك.

ودلت آية "الولد"

(3)

على أن حكم ما فوق الاثنتين حكم الاثنتين؟ فلذلك قال في الأخوات: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)

(4)

، ولم يذكر ما فوقهما؛ فإنه إذا كانت الثنتان

(5)

تستحقان الثلثين، فما فوقهما بطريق الأولى والأحرى. بخلاف آية

= (2720) والطحاوي (4/ 395) والدارقطني (4/ 78 - 79) والحاكم (4/ 333 - 334، 342) من طرقِ عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر. قال الترمذي: هذا حديث صحيح. وعند أبي داود (2891): "بنتا ثابت بن قيس"، قال أبو داود: أخطأ بشر فيه، إنما هما ابنتا سعد بن الربيع، وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة.

(1)

قال ابن قدامة في "المغني"(9/ 11): أجمع أهل العلم على أن فرض الابنتين الثلثان، إلاّ رواية شذت عن ابن عباس أن فرضها النصف، والصحيح قول الجماعة.

(2)

س، ع:"أختها".

(3)

هي الآية 11 من سورة النساء.

(4)

سورة النساء: 176.

(5)

س، ع:"البنتان".

ص: 335

"البنات "

(1)

فإنه لم يدل قوله: (لَلذَكَرِ مِثْلُ حَظِ اَلأُنثَيَين) إلاّ على أن لها الثلث مع أخيها، وإذا كن فوق اثنتين لم تستحق الثلث، فصار بيانه في كل من الآيتين من أحسن البيان.

هناك لما دل الكلام الأول على ميراث البنتين دون ما زاد على ذلك، بين بعد ذلك ميراث ما زاد على الثنتين.

وفي آية الصيف

(2)

لما دل الكلام الأول على ميراث الأختين

(3)

، وكان ذلك دالاّ بطريق الأولى على ميراث الثلاثة والأربعة وما زاد، لم يُحتَجْ أن يذكر ما زاد على الأختين.

فهناك

(4)

ذكر ما فوق البنتين دون البنتين، وفي الأخرى

(5)

ذكر الثنتين دون ما فوقهما، لما يقتضيه حسن البيان في كل موضع، حيث كان هناك قد بين ميراث البنتين دون ما فوقهما، وكان هنا بيان حكمهما بيانًا لما فوقهما بطريق الأولى، ولم يكن فيما تقدم بيان حكمهما، فلا يجوز

(6)

أن يكون للأخوات أكثر من الثلثين، لأن البنات إذا لم يكن لهن أكثر من الثلثين، فالأخوات بطريق الأولى.

(1)

هي الآية 11 من سورة النساء.

(2)

هي الآية 176 من سورة النساء. وفي س، ع:"النصف"، وهو تحريف، وقد سبق الكلام عليه فيما مضى.

(3)

س: "البنتين"، خطا.

(4)

أي في الآية 11 من سورة النساء.

(5)

أي في الآية 176 منها.

(6)

ع: "ولا بيان".

ص: 336

ثم قال تعالى: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). وأراد بذلك وإن كانوا عددًا من الإخوة من جنس / [170 أ] الرجال وجنس النساء، لم يُرِد أن يكون جمع رجال وجمع نساء، فإنه لو كان رجل وامرأتان، أو امرأة ورجل، أو رجلان وامرأتان، لكان ذلك كما لو كانوا ثلاثة رجال وثلاث نساء

(1)

، وهذا باتفاق الناس.

ولو قيل: الإخوة ثلاثة فصاعدًا.

لقيل: وكذلك الرجال والنساء، فلزم أن يكون المعنى إن كانوا ستة إخوة فصاعدًا. ولأنه لما بين حكم الأخت الواحدةِ والأخ الواحدِ وحكم الأختين فصاعدًا، بقي بيان الاثنتين فصاعدًا من الصنفين، ليكون البيان مستوعبًا للأقسام.

ولفظ "الإخوة" وسائر ألفاظ الجمع قد يُعنَى به الجنس من غير قصد العدد، لقوله تعالى:(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُم)

(2)

، وقد يُعنَى به العددُ من غير قصدٍ لقدرٍ منه، فيتناول الاثنين فصاعدًا، وقد يعنى به الثلاثة فصاعدًا. وفي هذه الآية إنما عُني به العدد مطلقًا؛ لأنه بيّن الواحدة قبل ذلك؛ ولأن ما ذكره من الأحكام في الفرائض فرَّق فيه بين الواحد والعدد، وسَوىَ فيه بين

(1)

س، ع:"ثلاثة نساء".

(2)

سورة آل عمران: 173.

ص: 337

مراتب العدد: الاثنين والثلاثة والأربعة، وهذا مما يبين [أن قوله:(فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) يتناول الاثنين والثلاثة.

وقد صرح بذلك في]

(1)

قوله تعالى: () وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ). فقوله "كانوا" ضمير جمع، وقوله "أكثر من ذلك" أي أكثر من أخ وأخت، ثم قال:"فهم شركاء في الثلث"، فذكرهم بصيغة الجمع المضمر، وهو قوله "فهم"، والمظهر

(2)

، وهو قوله "شركاء". ولم يذكر قبل ذلك إلاّ قوله:"وله أخ أو أخت "، فذكر حال انفراد الواحد لا حال اجتماعهما.

فدل على أن قوله "أكثر من ذلك" أي: أكثر من أخ وأخت، وأعاد الضمير إليهم بصيغة الجمع، فدل ذلك على أن صيغة الجمع في آيات الفرائض تناولت العدد مطلقًا: الاثنين فصاعدًا؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، وقوله:(فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)، وقوله تعالى:(وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً). ثم هذه الصيغة تصلح لذلك، وإن كان إنما يراد بها الثلاثة فصاعدًا في موضع آخر.

وإن قيل: إن ذلك هو الأصل، فصيغة الجمع قد تختص

(1)

زيادة من سائر النسخ.

(2)

س، ع:"المضمر"، خطأ.

ص: 338

بالتثنية، فيما

(1)

كان مضافًا إلى مثنى وليس فيه إلاّ واحد منه، كقوله تعالى (فَقَد صغَت قُلُوبُكُمَا)

(2)

، ولا يحتمل إلاّ قلبين

(3)

، فهذا يختص بالاثنين، وعُدِلَ فيه عن لفظ الاثنين إلى لفظ الجمع للخفة وعدم اللبس، فإنه قد عُلِمَ أن لكل واحدٍ قلبًا، فصار استعمال لفظ الجمع في الاثنين مع البيان هو لغة القوم. ومنه قوله تعالى:(وَاَلسَّارِقُ وَاَلسَارِقَةُ فَاَقْطَعُوَا أَيدِيَهُمَا)

(4)

، ولم يقل:"يديهما".

فإذا كانت الصيغة تختص بالاثنين في الموضع المبين، ولم يقل أحد إنها عند الإطلاق تختص بالاثنين، فكذلك تُستعمل في الاثنين فصاعدًا في الموضع المبين، وإن كانت عند الإطلاق إنما تتناول الثلاثة فصاعدًا، وليس شيء من ذلك مجازًا؛ بل كله من الموضوع في لغتهم.

وإنما غلط من ظن لفظ الجمع إنما وضع للثلاثة فصاعدًا

(5)

، أو لاثنين فصاعدًا. بل وُضِع لاثنين فصاعدًا في موضع، ولثلاثة فصاعدًا في موضع، ولاثنين فقط في موضع، كله من موضوع العرب. والقرينة هنا من وضع العرب.

(1)

س، ع:"فما".

(2)

سورة التحريم: 4.

(3)

س، ع:"الاثنتين".

(4)

سورة المائدة: 38.

(5)

"وليس شيء من ذلك

فصاعدا" ساقطة من ع.

ص: 339

وإذا كانت القرينة موضوعة كانت بمنزلة ما يقترن بالفعل من المفعول به، ومعه، وله، والظرفين، والحال، والتمييز، وما يقترن باللفظ من الصفة، وعطف البيان، وعطف النسق، والاستثناء، والشرط، والغاية، وغير ذلك مما يقيد مطلقه، ويكون مانعًا له من العموم، موجبًا لاختصاصه ببعض ما يدخل فيه عند عدم تلك القيود، فإن هذا كله مما وضعت العرب أجناسه، كما وضعت رفع الفاعل، ونصب المفعول به، وخفض المضاف إليه.

ص: 340

وأما الجدة

(1)

فكما قال الصديق: ليس لها في كتاب الله شيء

(2)

، فإن الأم المذكورة في كتاب الله مقيدة بقيود توجب اختصاص الحكم بالأم الدنيا، فالجدة وإن سُميَتْ أمًّا لم تدخل في لفظ الأم المذكورة في الفرائض، كما دخلت في لفظ "الأمهات" في قوله تعالى:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)

(3)

. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس

(4)

، فثبت ميراثها بسنته، ولم يُنقل عن النبي

(1)

انظر لاختلاف العلماء في ميراث الجدة: "المحلى"(9/ 272 - 274) و"المغني"(9/ 55).

(2)

أخرج مالك في "الموطأ"(2/ 513) وأبو داود (2894) والترمذي (2100، 2101) والنسائي في الكبرى (4/ 73 - 74) وابن ماجه (2724) والحاكم (4/ 338) عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر

إلى آخر الحديث. قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 82): إسناده صحيح لثقة رجاله، إلاّ أن صورته مرسل، فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن شهوده للقصة. وانظر "إرواء الغليل"(6/ 124 - 126).

(3)

سورة النساء: 23.

(4)

كما في حديث بريدة الذي أخرجه أبو داود (2895) والنسائي في "السنن الكبرى"(4/ 73)، قال الحافظ في "التلخيص" (3/ 83): في إسناده عبيد الله العتكي مختلف فيه، وصححه ابن السكن. وانظر "إرواء الغليل"(6/ 121).

ص: 341

- صلى الله عليه وسلم لفظ عام في الجدات، بل ورَّث الجدة التي أتته، فلما جاءت الثانية إلى أبي بكر رضي الله عنه جعلها شريكة الأولى في السدس

(1)

.

وقد تنازع الناس في الجدات

(2)

:

فقيل: لا يرث إلاّ اثنتان: أم الأم وأم الأب، كقول مالك وأبي ثور.

وقيل: لا يرث إلاّ ثلاث، هاتانِ وأم الجد؟ لما روى إبراهيم النخعي أن النبي صلى الله عليه وسلم ورَثَ ثلاث جدات: جدتيك من قبل أبيك، وجدة من قبل أمك

(3)

. وهذا مرسل حسن، فإن مراسيل إبراهيم من أحسن المراسيل. فأخذ به أحمد. ولم يرد في النص إلاّ توريث هؤلاء.

وقيل: بل يرث جنسُ الجداتِ المُدلياتِ بوارثٍ؛ وهو قول

(1)

أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 513) وعبد الرزاق (10/ 275) وسعيد بن منصور (3: 1/ 73) والدارقطني في (السنن)(4/ 90 - 91) والبيهقي في "لسنن الكبرى"(6/ 235) عن القاسم بن محمد. قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 85): هو منقطع. وانظر: "إرواء الغليل"(6/ 126).

(2)

انظر: (المغني)(9/ 55 - 56) و"المحلى"(9/ 274 - 277) و"بداية المجتهد"(2/ 262 - 263) و"تفسير القرطبي"(5/ 70 - 71).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (10/ 273) وسعيد بن منصور (3: 1/ 72) والدارمي (2938) والدارقطني (4/ 90) والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 236) من طريق منصور عن إبراهيم مرسلا. وانظر: "التلخيص"(3/ 83).

ص: 342

الأكثرين، كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما، وهو وجهٌ في مذهب أحمد. وهذا القول أرجح؟ لأن لفظ النص وإن لم يرد في كل جدة فالصديق لما جاءته الثانية قال لها: لم يكن السدس الذي أعطي إلاّ لغيرك؟ ولكن هو لكن، فأيتكن خَلَتْ به فهو لها. فورث الثانية،/ [170 ب]، والنص إنما كان في غيرها.

ولأنه لا نزاع أن من علت بالأمومة ورثت، فترث أم أم الأب، وأم أم الأم بالاتفاق، فيبقى أم أبي الجد، أي فرق بينها وبين أم الجد؟ وأي فرق بين أم الأب وأم الجد؟

ومعلوم أن أبا الجد يقوم مقام الجد؟ بل هو جلى أعلى.

وكذلك الجد كالأب؟ فأي وصف يفرق بين أم أم الجد وأمْ أبي الجد؟

فبيَّن ذلك أن أم أم الميت وأم أبيه بالنسبة إليه سواء؛ فكذلك أم أم أبيه وأم أبي أبيه بالنسبة إلى أبيه سواء

(1)

، وأم أبي جده وأم جد جذه بالنسبة إلى جده سواء، وإذا كانت هاتان تشتركان في الميراث، ونسبة تينك إليه كنسبة هاتين وَجَبَ اشتراكهما في الميراث.

وأيضًا فهؤلاء جعلوا أم أم الأم وإن زادت أمومتها ترث، وأم أبي الأب لا ترث، ورجحوا الجدة من جهة الأم على الجدة من جهة الأب. وهذا ضعيف فإن جدته أم أبيه إذا لم تكن مثل أم أمه،

(1)

"فكذلك

سواء" ساقطة من ع.

ص: 343

لم تكن أدنى منها، فإنها تُدلِي بعصبة، وبنت الابن أولى من بنت البنت، فلم تكن أم الأم أولى من أم الأب.

ونظير هذا في الحضانة، فإنهم متنازعون: هل أم الأم أولى من أم الأب؟ على قولين

(1)

، هما روايتان عن أحمد.

وأصل الحضانة أن النبي صلى الله عليه وسلم قدّم الأم على الأب

(2)

، لكن قدّمها لكونها أنثى، فهي أحق بالتربية من الذكر، أو لكون جهة الأمومة أحقّ من جهة الأبوة؟ فإن كان الأول لم تقدم أم الأم بل أم الأب، لأنهما تشتركان في الأمومة، وامتازت تلك بأنها من نساء العصبة، والحضانة لرجال العصبة دون رجال الأم، فان كانت لجهة الأم قدمت أم الأم، وهذا مخالف لأصول الشرع

(3)

، فإنّ أقارب الأم لم يُقذَفوا في شيء من الأحكام؛ بل أقارب الأب أولى من أقارب الأم في جميع الأحكام، فكذلك في الحضانة.

وكذلك في ميراث الجدة، أم الأب إن لم تكن أولى من أم الأم لم تكن دونها. والصحيح أنها لا تسقط بابنها

(4)

- أي الأب- كما هو أظهر

(1)

انظر "مجموع الفتاوى"(34/ 122، 123) و"المغني"(11/ 422).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 182، 203) وأبو داود (2276) والحاكم في

"المستدرك "(2/ 207) والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 4 - 5) من حديث

عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

(3)

س: "الشرائع".

(4)

انظر لهذه المسألة: "المحلى"(9/ 279 - 281) و"المبسوط"(29/ 169) =

ص: 344

الروايتين عن أحمد؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه

(1)

، ولأنها وإن أدلتْ به فهي لا ترث ميراثه؛ بل هي معه كولد الأم مع الأم، لما أدلوا بها ولم يرثوا ميراثها، لم يسقطوا بها.

وقول من قال: من أدلى بشخص سقط به، باطل طردًا وعكسا، باطل طردًا بولد الأم مع الأم؛ وعكسًا بولد الابن مع عمهم، وولد الأخ مع عمهم، وأمثال ذلك مما فيه سقوط شخص بمن

(2)

لم يُدلِ به. وإنما العلة أنه يرث ميراثه، فكل من ورث ميراث شخص سقط به إذا كان أقرب منه، والجدات يقمن مقامَ الأم، فيسقطن بها وإن لم يدلين بها.

= و"بداية المجتهد ((2/ 263) و"المغني" (9/ 60 - 61) و"تفسير القرطبي" (5/ 70).

(1)

أخرجه الترمذي (2102) وقال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلاّ من هذا الوجه.

(2)

س، ع:"من".

ص: 345

فصل

وأما كون "بنات الابن مع البنت " لهن السدس تكملة الثلثين

(1)

، وكذلك الأخت من الأب معِ أختٍ لأبوين

(2)

؛ فلأن الله تعالى قال: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)

(3)

.

وقد عُلِمَ أن الخطاب يتناول ولدَ البنين دون ولدِ البنات،. وأن قوله "أولادكم" يتناول من يُنسَب إلى الميت؛ وهم ولده وولد بنيه، فإنه يتناولهم على الترتيب: يدخل فيه ولد البنين عند عدم ولد الصلب؛ لما قد عرف من أن ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر، والابن أقرب من ابن الابن، فإذا لم يكن إلاّ بنتٌ فلها النصف.

وبقي من نصيب البنات السدس؛ فإذا كان هنا بنات ابن فهن استحققن الجميع لولا البنت؛ فإذا أخذت النصف فالباقي لهن.

وكذلك في الأخت من الأبوين وفي أخت من الأب، أخبر ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للبنت النصف، ولبنت

(1)

انظر لهذه المسألة: "المغني"(9/ 14 - 15) و"فتح الباري"(12/ 18).

(2)

انظر: "المحلي"(9/ 269) و"المغني"(9/ 16) و"تفسير القرطبي"(5/ 65).

(3)

سورة النساء: 11.

ص: 346

الابن السدس تكملة الثلثين

(1)

.

وأما إذا استكمل البناتُ الثلثين لم يبق فرض؛ فان كان هناك عصبة من ولد البنين فالباقي له؛ لأنه أولى رجل ذكر؛ وإن كان معه أو فوقَه بنتٌ عَصَبها عند جمهور الصحابة والعلماء كالأئمة الأربعة وغيرهم

(2)

. وأما ابن مسعود رضي الله عنه فإنه يسقطها

(3)

؛ لأنها لا ترث مفردة، فلا ترث مع أخيها كالمحجوبة برِق أو كفر.

والجمهور يقولون: هي وارثة في الجملة، وهي ممن تكون عصبة بأخيها، وهنا إنما سقط

(4)

ميراثها بالفرض لاستكمال الثلثين، وإذا سَقَطَ الفرضُ لم يلزم سقوط التعصيب مع قيام موجبه، وهو وجود أخيها، وإذا كان وجود الأخ يجعلها عصبة فيحرمها وإن ورثت بالفرض، كما في الأخ المشئوم،/ [171 أ]، فكذلك يجب أن يجعلها عصبة فيورثها

(5)

إذا لم ترث بالفرض. والنزاع في الأخت للأب مع أخيها

(6)

إذا استكملت الأخوات

(1)

سبق تخريجه.

(2)

انظر: "بداية المجتهد"(2/ 255 - 256) و"المغني"(9/ 11 - 13، 15) و"تفسير القرطبي"(5/ 62).

(3)

أخرجه عنه: عبد الرزاق (10/ 252) والدارمي (2896، 2898) والطحاوي (4/ 394) والبيهقي (6/ 230). ونصر ابن حزم مذهبه في المحلى (9/ 271). وراجع "المغني"(9/ 12، 13).

(4)

ع: "يسقط".

(5)

س، ع:"فيرثها".

(6)

انظر: "المحلى"(9/ 269 - 271) و"بداية المجتهد"(2/ 259) و"المغني"=

ص: 347

للأبوين الثلثين، كالنزاع في بنت الابن مع أخيها

(1)

إذا استكمل البنات الثلثين. فالجمهور يجعلون البنات عصبة مع إخوتهن، يقتسمون النصف الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، سواء زاد ميراثهن بالتعصيب أو نقص، وتوريثهن هنا أقوى، وقول ابن مسعود معروف في نقصانهن

(2)

.

= (9/ 16 - 17).

(1)

"أخيها" مطموسة في س، في ع:"مع البنتين".

(2)

أخرجه عنه: عبد الرزاق (10/ 252) وسعيد منصور (3: 1/ 56، 57) والدارمي (2894 - 2896) والطحاوي (4/ 394) والبيهقي (6/ 230).

ص: 348

فصل

فيمن عمي موتهم فلم يُعْرَفْ أيهم مات أولَا، فالنزاع مشهور فيهم

(1)

. والأشبه بأصول الشريعة أن لا يرث بعضُهم من بعض، بل يرث كل واحد ورثته الأحياء، وهو قول الجمهور، وقولٌ في مذهب أحمد؛ لكنه خلاف المشهور في مذهبه.

وذلك لأن المجهول كالمعدوم في الأصول، بدليل الملتقط، لما جهل حال المالك كان المجهول كالمعدوم، فصار مالكَا لما التقطه؛ لعدم العلم بالمالك.

وكذلك "المفقود"

(2)

، قد أخذ أحمد فيه بأقوال الصحابة الذين جعلوا المجهول كالمعدوم، فجعلوها

(3)

زوجة الثاني مادام الأول مجهولاً باطنًا وظاهرًا، كما في اللقطة، فإذا علم صار

(4)

النكاح

(1)

س، ع:"بينهم". وراجع للمسألة: "المدونة"(3/ 85) و"المبسوط"(30/ 27 وما بعدها) و"بداية المجتهد"(2/ 266) و"المغني"(9/ 170 - 173). وآثار الصحابة والتابعين أخرجها عبد الرزاق (10/ 295 - 298) وسعيد بن منصور (3: 1/ 105 - 108) والدارمي (3048 - 3052) والدارقطني (4/ 73، 74، 119) والبيهقي (6/ 222).

(2)

راجع: "المغني"(9/ 186 - 189).

(3)

س: "وجعلها".

(4)

س، ع:"جاز".

ص: 349

موقوفًا، لأنه فُرَق بينه وبين امرأته بغير إذنه، لكن تفريقًا جائزا، فصار

(1)

ذلك موقوفًا على إجازته ورده، فيخيّر بين امرأته والمهر. فإن اختار امرأته كانت زوجته، وبطل نكاح الثاني بنفس ظهور هذا واختياره امرأته، ولم يحتج إلى طلاقه. وإن لم يخترها بقيت زوجة الثاني، وكان للأول المطالبة بالمهر الذي هو عوض خروج بُضْعِها من ملكه بغير أمره، ولم يحتج ذلك إلى إنشاء نكاح الثاني.

فلها ثلاثة أحوال:

حال الجهل بالأول، فهي زوجة الثاني باطنًا وظاهرًا.

وحال انقضاء نكاحه واختياره المهر، فصارت أيضًا زوجة الثاني باطنًا وظاهرًا.

وحال اختيار الأول لها، فتعود زوجته باطنًا وظاهرًا.

وحال ظهوره قبل اختياره، فالأمر موقوف كالنكاح الموقوف.

والمقصود هنا أن أحمد اتبع الصحابة الذين جعلوا المجهول كالمعدوم، وهنا

(2)

إذا كان أحدهما قد مات قبل الآخر فذاك مجهول، والمجهول كالمعدوم، فيكون

(3)

تقدم أحدهما على الآخر معدومًا، فلا يرث أحدهما من صاحبه.

(1)

س، ع:"فجاز".

(2)

س، ع:"وهو".

(3)

س، ع:"ويلزم".

ص: 350

وأيضًا فالميراث جُعِلَ للحي ليكون خليفةً للميت ينتفع بماله، فإذا ماتا على هذه الحال لم يكن انتفاع أحدهما بمال الآخر أولى من العكس، وجَعْلُ كل منهما وارثًا موروثًا مناقضٌ لمقصود الإرث، فإن كونه وارثًا يوجب أن يكون حيا يخلف غيره، وكونه موروثًا يوجب أن يكون ميتًا مخلوفًا، فكيف يُحكَم بحكمين متناقضين في حال واحد؟

وكما أنهم لم يورثوه إلاّ من التلاد دون ما ورثه لئلا يلزم الدور؛ فيجب أن لا يورثوه مطلقًا لئلا يلزم الدور في نفس المورث

(1)

لا في عين الموروث.

وأما إذا عاش أحدهما بعد الآخر، ولو لحظة، فإنه بمنزلة الطفل إذا استهل ثم مات، فثبت له حكم الحياة المعلومة، فاستحق الإرث، بخلاف من لا تعلم حياته بعد الآخر، فإن شرطَ الإرث- وهو العلم بحياته بعده- منتفٍ، فلا يجوز توريثه منه.

وهذا يستفاد من جَعْلِ الله هذا وارثًا، والوارث لا يكون إلاّ من عاش بعد الموروث، وهذا غير معلوم، فلا يثبت الإرث، فإن الجهل بالشرط بمنزلة عدمه، كما قلنا [في]

(2)

الربويات: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، فالجهل بالتقدم كالعلم بعدم التقدم.

والله سبحانه أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

(1)

ع: "الموروث".

(2)

زيادة على س، ع من بقية النسخ.

ص: 351