الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وأما
قول القائل: "الغوث الذي تنتهي إليه حوائج الخلق
"، فحوائجُ الحلق لا تنتهي إلاّ إلى الله، كما قال سبحانه:(وَمَا بِكُم فِن نِعمَهِ فَمِنَ اَللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكمُ اَلضُّرُ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53))
(1)
، وقال تعالى:(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ)
(2)
، وقال تعالى:(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً (57))
(3)
. قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون الملائكة والمسيح والعُزَير، فأنزل الله هذه الآية
(4)
.
وقال تعالى: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً)(102)
(5)
. وأفضل الخلق: الرسل، والله سبحانه
(1)
سورة النحل: 53.
(2)
سورة فاطر: 2.
(3)
سورة الإسراء: 56 - 57.
(4)
أخرجه الطبري (15/ 104) وابن أبي حاتم في "تفسيره"(7/ 2335) عن ابن عباس.
(5)
سورة الكهف: 102.
بعثَهم مبشرين ومنذرين (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)
(1)
، وجعلهم سُفَراء بينه وبين خلقِه في تبليغ أمره ونهيِه، ووَعْدِه ووعيدِه، وسائرِ كلامِه سبحانه وتعالى.
ولم يَضْمَن الرسلُ للخلق لا رزقًا ولا نصرًا ولا هُدىً، بل قال أولُهم نوحٌ:(قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَك)
(2)
، وأَمَر خاتَمَهم وأفضلَهم- صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلَّم تسليمًا -أن يقول ذلك، فقال:(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء)
(3)
، وقال له:(إِنَّكَ لَا تهدِى مَن أَحببتَ)
(4)
، وقال له:(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ)
(5)
، وقال له:(فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40))
(6)
، وقال:(إنما أنت منذرٌ)
(7)
، (لست عليهم بمصيطرٍ)
(8)
.
(1)
سورة النساء: 165.
(2)
هذه الآية في سورة الأنعام: 50، وليس في سياق قصة نوح. والَاية التي أرادها المؤلف في سورة هود: 31 على لسان نوح: (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)، فاشتبهت على المؤلف، وجل من لا يسهو.
(3)
سورة الأعراف: 188.
(4)
سورة القصص: 56.
(5)
سورة آل عمران: 128.
(6)
سورة الرعد: 40.
(7)
سورة الرعد: 7.
(8)
سورة الغاشية: 22.
/فقول القائل: "إن حوائج الخلق تنتهي إليه"، إن أراد به ما يحتاج إليه الخلق من الرزق والهدى والرزق
(1)
يُحدِثُه الله بواسطته، فقد جعل بين الله [و]
(2)
بين خلقه ربًّا متوسطًا، كما يزعمه المتفلسفة في العقل الفعال، وهو كفر صريح بإجماع أهل الملل.
ثم إنه من أظهر الكذب، فإن أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وبعده أولو العزم كإبراهيم وموسى وعيسى، ونحن نعلم قطعًا أن عامة ما كان الله يُحدِثُه في زمانهم لم يكونوا متسببين فيه، ولا كانوا يعلمون به، وقد قال الخضر لموسى لمّا نَقَر العصْفورُ في البحر:"ما نَقَصَ علمي وعلمك من علم الله إلاّ كما نَقَصَ هذا العصفور من هذا البحر"
(3)
فإذا كان هذا في العلم الذي لا تأثير معه، فكيف بالتأثير في الملك.
ومن قال: إن طير الهواء وحيتان البحر ووحوش الفلا والكفّار الذين بأرض الهند والأجنَّة في بطون الأرحام تجري منافعهم ومصالحهم على يد رجلٍ من البشر، فقد قال نظيرَ ما يقوله النصارى في المسيح، وكان قوله من أعظم الكذب القبيح
(4)
.
(1)
كذا وردت "كلمة" الرزق مرة ثانية في الأصل.
(2)
زيادة لا توجد في الأصل.
(3)
أخرجه البخاري (122، 3401. 4725، 4727) ومسلم (2380) من حديث أبي بن كعب.
(4)
بعده في الأصل: "ثم إن"، ثم بياض في باقي الصفحة بقدر ستة أسطر، وكأن المؤلف أراد أن يكتب شيئًا، ثم عدل عنه.
/وإن قال: إن أهل الأرض إذا احتاجوا إلى شئ دَعَا اللهَ فيُعطِيه بدعائه، كان هذا من نمط الذي قبله، فإنه قد عُلِم أن الله يُجِيب دعوةَ المضطر إذا دعاه وإن كان كافرًا، فإذا كان المشركون يدعون الله بلا واسطة فيُجيب دعاءَهم، فالمسلمون الذين هم عبادُه أولى. وقد يَدعو اللهَ بدعاَءٍ لم يعلم به أحد من البشر.
فإن قيل: ذلك الغوثُ يطلع على أسرار قلوب العباد. كان هذا القول أظهرَ في الكفر والفساد، فسَيِّدُ ولدِ آدم يُظهِرُه على شئ ويُجيب عليه أشياءَ. وقد قال له:(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)
(1)
.
وقال: (قُل َلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ)
(2)
. وقد رُمِيَتْ أم المؤمنين بالإفك وأُخفِيَ عنه أمرُها مدَّةً، لِما كان في ذلك له من المحنة، تعظيمًا لأجرِه ورفعًا لدرجته.
وكذلك لما جاء قوم زكَوْا بني أبَيْرق الذين كانوا قد سرقوا طعامَ جارهم ودِرْعَه، ظَن صدْقَ المزكِّين ودفع عن المتَهمِين، حتى أنزل الله تَعالى:(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)
(3)
الآيات.
(1)
سورة التوبة: 101.
(2)
سورة الأنعام: 50.
(3)
سورة النساء: 105. وسبب نزولها الذي أشار إليه المؤلف، أخرجه الترمذي (3036) والحاكم في "المستدرك" (4/ 385 - 388) من حديث قتادة بن النعمان. وانظر تفسير الطبري (5/ 165 وما بعدها) وتفسير ابن أبي حاتم=
وفي الصحيح
(1)
عنه أنه قال: "إنكم تختصمون إليّ، ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحنَ بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو مما أسمع ". وفي لفظ: "فأحسبه صادقًا. فمن قضيت له من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطعُ له قطعةً من النار".
ولما رآهم يُلقحون النخل [قال]: "ما أظنُّه يُغني شيئًا"، فتركوه، فصار شِيْصًا، فقال:"إنما أخبرتكم عن ظنّي، فلا تؤاخذوني بالظنّ، ولكن إذا حدثتكم عن الله فلق أكذب على الله"
(2)
. وقال: (أنتم أعلم بأمر دنياكم، فما كان من أمر دينكم فإليَّ "
(3)
. ومثل هذا كثير، فإذا كان هذا أفضل الخلق وأعلمهم فكيف يجوز أن يقال في غيره إنه يعلم جميع أسرار من يحتاج إلى الله؟
/ثم قد عُلِم بالقرآن والتواتر والتجارب أن الخلق مازالوا يحتاجون إلى الله، ويضطرُّون إلى دعائه، إما في إعطائهم ما ينفعهم، كإنزال المطر، وإثبات النبات، وغفران الذنوب، والإعانة على الطاعات؛ وإما في دفع ما يكرهون، مثل دفع الأعداء وتفريج
= (4/ 1059 - 1060) و"الدر المنثور"(2/ 670).
(1)
أخرجه البخاري (2458، 2680، 6967، 7169، 7181، 7185) ومسلم (1713) من حديث أم سلمة.
(2)
أخرجه مسلم (2361) من حديث طلحة بن عبيد الله، ورواه أيضًا أحمد (1/ 162، 163) وابن ماجه (2470). والشيص: هو البُسر الرديء الذي إذا يبس صار حشفا.
(3)
أخرجه مسلم (2363) من حديث عائشة.