الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرائض". ونُشِر مختصر من هذا القسم بحذف كثيرٍ من كلام المؤلف
(1)
، وتدلُّ بدايتُه على أنه تكملة لكلام سابق، فقد بدأ بقوله: "والمقصود هنا أن النصوص شاملة لجميع الأحكام، ونحن نبين ذلك فيما هو من أشكل الأشياء، ليُستَدَلَّ به على ما سواه
…
".
وقد ظهرتْ نسختان كاملتان للكتاب تحتويان على القسمين، فاعتمدنا عليهما في نشرتنا له كما كتبه المؤلف دون اختصار، عسى الله أن ينفع به القراء والباحثين.
•
عنوان الكتاب وتوثيق نسبته إلى المؤلف
ذكر ابن رُشَيِّق
(2)
وابن عبد الهادي
(3)
والصفدي
(4)
وابن شاكر الكتبي
(5)
هذا الكتاب ضمن مؤلفات شيخ الإسلام بعنوان "قاعدة في شمول النصوص للأحكام"، ووصفه بعضهم بأنه "مجلد
(1)
في "مجموع الفتاوى"(31/ 338 - 356) و"تفسير آيات أشكلت"(2/ 491 - 573). والثاني أوفى، ومع ذلك فقد سقطت منه نصوص كثيرة في مواضع، كما يظهر ذلك بالمقارنة بينه وبين هذا الكتاب.
(2)
"أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية": 246 (ضمن "الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية"). وقد سقط ذكره من طبعة صلاح الدين المنجد للكتاب الذي نشره منسوبًا إلى ابن القيم، مع أنه موجود في الأصل الذي اعتمد عليه.
(3)
"العقود الدرية" ص 45. ونقل نصاًّ من هنا (ص 264) في "اختياراته" (نسخة الظاهرية).
(4)
"الوافي بالوفيات"(7/ 26) و"أعيان العصر"(1/ 35 أ).
(5)
"فوات الوفيات"(1/ 78).
لطيف". وقد تحرَّف هذا العنوان في بعض المصادر
(1)
إلى "شمول النفوس لأحكام الفقه المنصوص"! ولا يُستفاد منه معنى صحيح ولا سجعٌ مقبول، فلا يُلتَفت إليه. ويكون المعتمد ما ذكره تلاميذ شيخ الإسلام وأصحابه، لكونه موافقًا لبداية النسختين الكاملتين للكتاب.
وقد أشار شيخ الإسلام إلى هذا الكتاب في "قاعدته في الاستحسان"(ص 206 - 207) فقال: "وقد بَينَّا في غير هذا الموضع أن الأحكام كلُّها بلفظ الشارع ومعناه، فألفاظه تناولت جميع الأحكام، والأحكام كلُّها معلَّلة بالمعاني المؤثرة، فمعانيه أيضًا متناولة لجميع الأحكام". والكتاب الذي بين أيدينا فصَّل فيه الكلام على الموضوع الذي أشار إليه، وقرَّر أنّ الله تعالى بيَّن جميعَ ما أمر به ونهى عنه، وجميع ما أحلَّه وحرَّمه، وبهذا أكمل الدين، ولكن قد يقصر كثير من الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص، فيقولون: إنّ النصوص لا تحيط بأحكام الحوادث. وبمقابل هؤلاء قوم من نفاة القياس نفوا القياس الجليّ الظاهر حتى فرَّقوا بين المتماثلين، وزعموا أن الشارع لم يشرع شيئًا لحكمة أصلاً، ونفوا تعليل خلقه وأمره، واقتصروا في معرفة الأحكام على مجرد الظواهر، فحيثما فهموا من النصّ حكمًا أثبتوه، وحيث لم يفهموه نفوه وأثبتوا الأمر على موجب الاستصحاب. ثمَّ بيَّن خطأ الفريقين، وناقشهما مناقشة طويلة، وقرَّر أن السنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، وأن النصوص
(1)
"إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون"(2/ 58).
شاملة لجميع الأحكام، ولو أُعطِي حقُّها من المعرفة والفهم لدلَّت على جميع الأحكام. ويعتبر القياس دليلاً صحيحًا آخر يوافق دلالة الظاهر والتعليل الصحيح.
وقد تكلم شيخ الإسلام في هذا الموضوع في مواضع أخرى من كتاباته وفتاواه، فذكر في فتوى له
(1)
أن الناس تنازعوا في ذلك: فقوم زعموا أن أكثر أحكام أفعال العباد لا يتناولها خطاب الشارع، بل تحتاج إلى القياس، وقوم زعموا أن جميع أحكامها ثابتة بالنص، وأسرفوا في تعلقهم بالظاهر حتى أنكروا فحوى الخطاب وتنبيهه. وقوم يقدمون القياس تارةً، لكون دلالة النص غير تامة أو لكونه خبر الواحد، وقوم يعارضون بين النص والقياس، ويقدمون النص ويتناقضون. ونحن قد بينا في غير هذا الموضع أن الأدلة الصحيحة لا تتناقض، فلا تتناقض الأدلة الصحيحة العقلية والشرعية، ولا تتناقض دلالة القياس إذا كانت صحيحة، ودلالة الخطاب إذا كانت صحيحة. فان القياس الصحيح حقيقته التسوية بين المتماثلين، وهذا هو العدل الذي أنزل الله به الكتب وأرسل به الرسل.
وفي الكتاب الذي بين أيدينا قرر المؤلف أن قياس الجمع والفرق يكون بالأوصاف المعتبرة في الشرع، وهذا كله من الميزان الذي أنزله الله مع رسله كما أنزل الكتاب، وإذا ثبت أن الكتاب
(1)
"مجموع الفتاوى"(22/ 331 - 332). وذكر في "منهاج السنة"(6/ 411 - 412) مذاهب الناس في هذا الباب.
والميزان منزلان فلا يجوز أن يتناقض الكتاب والميزان، فلا تتناقض دلالة النصوص الصحيحة ولا دلالة الأقيسة الصحيحة، ولا دلالة النص الصحيح والقياس الصحيح. وإنما يكون التناقض بين الحق الصحيح والباطل الذي ليس بصحيح، فأما الصحيح الذي كله حق فلا يتناقض، بل يصدّق بعضه بعضًا
(1)
.
وقال في موضع آخر
(2)
: إن الأحكام الشرعية كلها بينتها النصوص أيضًا، وإن دلّ القياس الصحيح على مثل ما دلّ عليه النص دلالة خفية. فإذا علمنا بأن الرسول لم يُحَرِّم الشيء ولم يُوجِبْه علمنا أنه ليس بحرام ولا واجب، وأن القياس المثبت لوجوبه وتحريمه فاسد.
وذكر في فتوى أخرى
(3)
في هذا الموضوع أن الصواب الذي عليه جمهور أئمة المسلمين أن النصوص وافية بجمهور أحكام أفعال العباد، ومن أنكر ذلك لمِ يفهم معاني النصوص العامة التي هي أقوال الله ورسوله، وشمولها لأحكام أفعال العباد. ثم مثّل بلفظ "الخمر" و"الميسر" و"الربا" و"الأيمان" وغيرها، فقال عن الخمر إنها تناولت كل مسكر، فصار تحريم كل مسكر بالنصّ العام والكلمة الجامعة لا بالقياس وحده، وإن كان القياس دليلاً آخر
(1)
انظر ص 272.
(2)
"مجموع الفتاوى"(25/ 236).
(3)
نشرت في "مجموعة الفتاوى الكبرى"(1/ 410 - 415)، وعنها في "مجموع الفتاوى"(19/ 280 - 289).
يوافق النصّ. ومن كان متبحرًا في الأدلة الشرعية أمكنه أن يستدلّ على غالب الأحكام بالنصوص وبالأقيسة.
وردّ في موضع آخر
(1)
على من يقول إن "الحشيشة" لم يرد فيها آية ولا حديث، وقال: هذا من جهله، فان القرآن والحديث فيهما كلمات جامعة هي قواعد عامة وقضايا كلية تتناول كل ما دخل فيها، وكلُّ ما دخل فيها فهو مذكور في القرآن والحديث باسمه العام، وإلاّ فلا يمكن ذكر كل شيء باسمه الخاص. ثمَّ ذكر أمثلة لهذه الألفاظ وشرح معانيها، منها:"الناس" و"الميسر" و"الأيمان" و"الماء" و"المشركين" و"الذين أوتوا الكتاب"، وقال: هذا وأمثاله نظير عموم القرآن لكل ما دخل في لفظه ومعناه، وإن لم يكن باسمه الخاص. ولو قُدّر بأن اللفظ لم يتناوله، وكان في معنى ما في القرآن والسنة أُلحِقَ به بطريق الاعتبار والقياس. وقد بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، والكتاب: القرآن، والميزان: العدل، والقياس الصحيح هو من العدل، لأنه لا يفرق بين المتماثلين.
وقد أشار المؤلف إلى هذا المعنى في الكتاب الذي بين أيدينا فقال: "وإذا كان أهلُ المذاهب جعلوا لهم قواعد يضبطون بها ما يحل ويحرم، فالله ورسوله أقدر على ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بُعِثتُ بجوامع الكلم"، فهو يأتي بالكلمة الجامعة، وهي قاعدة
(1)
"مجموع الفتاوى"(34/ 206 - 210).