الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهي المستلزِمةُ لمعلولها، فهذه متى انتقضتْ بَطَلَتْ بالاتفاق. وتُقالُ على العلّة المقتضية أوّلاً، وتُسمَّى المؤثّرة ويُسمَّى السببُ دالاً ودليلَ العلَّة ونحو ذلك. فهذه إذا انتقضَتْ لفرقٍ مؤثرٍ يفرّق فيه بين صورةِ النَّقْضِ وغيرِها من الصُّوَرِ لم تَفْسُدْ. ثم إذا كانتْ صورةُ الفرعِ التي هي صورةُ النِّزاع في معنى صورةِ النَّقْضِ أُلحِقتْ بها، وإن كانتْ في معنى صورةِ الأصَلِ أُلحِقت بها.
فمن قال: إن العلَّة لا يجوزُ تخصيصُها مطلقاً لا لفواتِ شرطٍ ولا لوجودِ مانع فهذا مخطئ قطعاً، وقولُه مخالفٌ لإجماع السلفِ كلِّهم الأئمةِ الأربعةِ وغيرِهم، فإنهم كلّهم يقولون بتخصيص العلة لمعنًى يُوجبُ الفرقَ، وكلامُهم في ذلك أكثرُ من أن يُحْصَرَ. وهذا معنى قولَ من قال: تخصيصها مذهب الأئمة الأربعة.
و
القول بالاستحسان المخالفِ للقياسِ لا يمكنُ إلاّ مع القول
بتخصيصِ العلَّةِ
. وما ذكروه من اعتراضِ النصِّ على قياسِ الأصولِ فهو أحد أنواع تخصيصِ العلَّةِ، وهذا تسليم منهم لكونِ العلَّة تَقْبَلُ التخصيصَ فيَ الجملة. وأما من جَوز تخصيصَ العلة بمجرّدِ دليل لا يُبيِّنُ الفرقَ بين صورةِ التخصيص وغيرِها فهذا مَوْرِدُ النزاعِ في
= بالفرق. وإن كان التخلف عنها لا لفوات شرط ولاوجود مانع كان ذلك دليلاً على أنها ليست بعلة، إذ هي بهذا التقدير علة تامة إذا قدر أنها جميعها بشروطها وعدم موانعها موجودة حكما، والعلة التامة يمتنع تخلف الحكم عنها، فتخلفه يدل على أنها ليست علة تامة". ونحوه في مجموع الفتاوى 21/ 356 - 357.
الاستحسان المخالفِ للقياسِ وغيرِه.
ثمّ هذه العلَّة إن كانتْ مستنبَطةً وخُصتْ بنصٍّ، ولم يُبيَنِ الفرقُ المعنويُ بين صورةِ التخصيصِ وغيرِها فهذا أضعفُ ما يكونُ. وهذا هو الذي كان يُنكِرُه كثيراً الشافعيُّ وأحمدُ وغيرُهما على من يفعلُه من أصحاب أبي حنيفةَ وغيرهم. وكلامُ أحمدَ فيما تقدَّمَ أرادَ به هذا، فإنَّ العلّةَ المبيّنةَ لم تُعْلَمْ صِحَّتُها إلاّ بالرأي، فإذا عارضَها النصُّ كان مُبطِلاً لها. والنصُّ إذا عارض العلَّة دلَّ علَى فسادِها، كما أنه إذا عارضَ الحكمَ الثابتَ بالقياس دلَّ على فسادِه بالإجماع.
وأما إذا كانت العلَّة منصوصةً، وقد جاء نص بتخصيصِ بعض صُوَرِ العلَّة، فهذا ممّا لا يُنكِرُه أحمد، بل ولا الشافعي وغيرُهما، كما إذا جاء نصّ في صورةٍ ونصٌّ يُخالِفُه في صورةٍ أخرى، لكنْ بينَهما شَبَه لم يَقُمْ دليل على أنه مَنَاطُ الحكم فهؤلاء يُقِرُّوْنَ النصوصَ، ولا يَقِيْسُوْنَ منصوصاً على منصوصٍ يُخالِفُ حكْمَه، بل هذا من جنس الذين قالوا:(إنَمَا اَلْبَيع مِثلُ الرِّبَا)
(1)
. وهذا هو الذي قال أحمد فيه: "أنا أذهب إلى كل حديث كما جاء، ولا أَقِيسُ عليه "، أي لا أَقِيْسُ عليه صورةَ الحديث الآخر، فأجعلُ الأحاديثَ متناقضة، وأدفعَ بعضَها ببعضٍ، بل أستعملُها كلَّها./
والذين يدفعون بعضَ النصوصِ ببعضٍ يقولون: الصورتان سواء لا فرقَ بينهما، فيكون أحدُ النصَّينِ ناسخاً للآخر. ومثل هذا
(1)
سورة البقرة: 275.