الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولئن كانت بعض الشعوب الأخرى كذلك يحطون من شأن المجتمع الصناعي لأنه يقضي على القيم الإنسانية في رأيهم.
فإن الإسلام يشيد بالعمل في شتى ميادينه المشروعة، ويعتبر ضروب السعي للمعاش لونا من العبادة، ويرغب فيه، ويحث عليه، ويعتبره من أفضل الأعمال والقربات التي يُؤجَر المرء عليها، وهو فرض على الكفاية بالنسبة لجميع المسلمين، إذ لا بد أن يكون في المجتمع المزارع والتاجر والصانع والموظف، ومن يقوم على كل صغيرة وكبيرة من أحقر الأعمال أعظمها؛ وإلا أثموا جميعاً وتعطلت حياتهم.
ومع هذه الحوافز الإسلامية، فإننا نجد المسلمين في الركب المتأخر في ميدان الصناعة والحضارة المادية وأصبحوا عالة على غيرهم، وهم أصحاب الحضارة العريقة والتاريخ المجيد، وعلى كواهلهم قامت الحضارة الأوروبية المعاصرة.
رابعًا: التجارة:
وقد أشاد الإسلام بالتجارة ورغب فيها، وحث عليها، واعتبرها تسعة أعشار الرزق، ونوه بتجارة قريش في الجاهلية في قوله تعالى:{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ* إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش].
كما دعا الإسلام إلى سلوك جميع السبل الداخلية والخارجية، واستخدام وسائل النقل البرية والبحرية والجوية، بحشد الطاقات وحفز الهمم في مجال التنمية والتجارة العالمية.
فيقول تعالى: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 14].
ويقول: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الإسراء: 66].
وأمر سبحانه بالتجارة عقب آداب الفرائض، وذكرها بين العبادة والجهاد لبيان منزلتها، ولم يمنعها في موسم الحج.
وكانت التجارة سائدة في الجاهلية فأقرها الإسلام.
واحترفها كثير من أفاضل الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
وجاءت في سياق المدح القرآني لمن لم تشغلهم تجارتهم عن طاعة الله، كما جاءت في مقام الذم لمن شغلتهم تجارتهم وأموالهم عن طاعة الله وذكره. قال تعالى:{قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11].
ولذلك فإن التجارة قد ترفع صاحبها إلى أعلى الدرجات، وقد تهبط به إلى أسفلها، فإذا كان التاجر أميناً، صادقاً برّاً تقيّاً، سمحاً، فهو من الصنف الأول؛ وإن كان على العكس من ذلك فهو من الثاني.
وقد وردت أحاديث كثيرة تبين منزلة التاجر الصدوق الأمين، وأنه أول من يدخل الجنة، أو أنه شهيد، أو أنه بمنزلة الشهيد، أو أنه يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أو أنه تحت ظل العرش يوم القيامة، أو أنه لا يحجب عن أبواب الجنة (1).
(1) انظر في هذا المعنى: علي المتقي في كنز العمال، ج 4 أحاديث متفرقة من ص 7 إلى ص 49 ومن بينها هذه الأرقام: 9245، 9246، 9218، 9219، 9336، 9337، 9451.