الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
السعي على المعاش في حياة أفضل البشر
1 - مقدمة:
طلب الرزق الحلال، والسعي على أمر المعاش، وبذل الأسباب في ذلك ليس خاصاً بعامة الناس، بل يشمل أيضاً أفضل خلق الله على الإطلاق.
ولو كانت الأرزاق تأتي دون سعي عليها لكان أولى بها صفوة البشر، بل كانت حياتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين مثالاً فريداً في الجد والنشاط والشظف والتقشف وطلب الرزق من وجوهه المشروعة.
وسوف نرى ذلك جلياً فيما يأتي:
2 - العمل في حياة الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين:
وإذا تتبعنا حياة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، نجدها مليئة بالعبر العظيمة في مجال الأخذ بالأسباب، والسعي على المعاش، وهم المصطفون الأخيار، المبلغون عن الله رسالته، والأمناء على وحيه، والذين قال تعالى فيهم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأنعام: 89].
وقال عنهم أيضًا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90].
ومع ذلك فقد كانوا مثلًا أعلى على مر العصور وقدوة حسنة لأممهم في كل شيء، ومن ذلك التكسب من الطرق المشروعة.
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن زكريا عليه السلام كان نجارًا» (1).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «كان آدم عليه السلام حراثًا، ونوح نجارًا، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط زارعين، وصالح تاجرًا، وداود زرّادًا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله عليهم وسلم رعاة» (2).
ويستفاد من الحديث والأثر وغيرهما أن رسل الله جميعاً كانوا يزاولون الأعمال بأيديهم، ويسعون على معاشهم وتحصيل قوتهم وقوت من يعولون.
وإليك هذا المختصر فيما يتعلق ببعض رسل الله تعالى وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام:
آدم:
فقد كان آدم أبو البشر حراثًا وزراعًا، وكان صانعاً يصنع آلات الزراعة بيده وبمساعدة زوجته له، وكان بنَّاء، قيل: إنه أول من بنى الكعبة الشريفة بيده.
إدريس:
وكان إدريس أول من خاط الملابس بعد أن كانوا يلبسون الجلود
…
نوح:
وكان نوح يرعى الغنم لقومه، وكان نجارًا، صنع سفينة النجاة بيده من الخشب والمسامير، وكان هذا سببًا لسخرية بعض الجهلاء منه:{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود: 38].
(1) مسلم ج 4 ص 1847 رقم 2379.
(2)
ابن قدامة المقدسي، مختصر منهاج القاصدين ص 77 ومع اختلاف في اللفظ نسبه الحافظ ابن حجر إلى الحاكم في المستدرك، انظر: فتح الباري، ج 4 ص 306.
يوسف:
وكان يوسف وزيرًا على خزائن مصر {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]. وكان من قبل خادمًا في بيت عزيز مصر.
صالح وشعيب:
واشتغل صالح وشعيب بالتجارة.
موسى:
وكان موسى راعياً لغنم شيخ مدين ثماني أو عشر سنوات على أن يزوجه ابنته التي شهدت له بالقوة والأمانة والعفة التي شاهدتها منه {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26].
وقد حمد موسى ربه الذي ساق إليه هذا العمل {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].وكان موسى كاتباً يكتب التوراة بيده.
داود:
وكان داود زرّاداً يصنع الدروع، وقد ألان الله له الحديد، فاحترف مهنة الحدادة التي يمتهنها بعض الناس اليوم، {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَاسِكُمْ} [الأنبياء:80].
سليمان:
وكان سليمان يصنع المكاتل من الخوص، وقد طوع الله له النحاس ليصنع التماثيل الجائزة في شريعته، ويصنع المحاريب، وأحواض المياه، والقدور الروابي. قال تعالى:{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} [سبأ: 12].
وقال: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13].
زكريا وعيسى:
وكان زكريا وعيسى نجارين، وكان عيسى يأكل من غزل أمه الصدِّيقة (مريم).
محمد صلى الله عليه وسلم:
حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رعى الغنم في صباه على قراريط لأهل مكة (1) والقيراط نصف عشر الدينار.
واشتغل صلى الله عليه وسلم بالتجارة في شبابه مع ميسرة غلام خديجة رضي الله عنها (2).
وكان صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة ويشد الحجر الأسود بنفسه في بناء الكعبة الشريفة (3). وكان صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يتميز على أصحابه، ففي بناء المسجد النبوي كان ينقل الحجارة بنفسه، ويشجع أصحابه على العمل.
تقول أم سلمة رضي الله عنها: «فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض وفرته بيده» .
ورأى الصحابة المشاركة الفعلية والروح العالية فنشطوا في البناء وجدوا في العمل وهم ينشدون:
«لئن قعدنا والرسول يعمل
لذاك منا العمل المضلل» (4)
(1) راجع صحيح البخاري بشرح فتح الباري ج 1 ص 441 رقم 2262 وقد رواه ابن ماجه أيضاً عن أبي هريرة كما قال علي المتقي في الكنز ج 4 ص 11 رقم 9243.
(2)
راجع ابن هشام: أبي محمد عبد الملك، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم طبعة سنة 1396 هـ ج 1 ص 204.
(3)
راجع ابن هشام، المرجع السابق ج 1 ص 213 وما بعدها وانظر الشيخ محمد ناصر الألباني مختصر صحيح البخاري المكتب الإسلامي، دمشق- بيروت الطبعة الأولى سنة 1399 هـ آخر حديث في الاستدراك على الكتاب ص 106 رقم 205 وص376 رقم 782.
(4)
المرجع نفسه ج 2 ص 114 وانظر الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج 7 ص 246 وما بعدها حديث رقم 3908.