الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
وما رواه البيهقي في الشعب عن كليب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن» (1).
3 -
وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه» (2).
ومن هذا الإحسان الذي كتبه الله تعالى على كل شيء، والذي يحبه تعالى ويأمر به: الإحسان في أداء المهام الوظيفية، بأدائها على خير وجه، وعدم الإتجار بها أو التقصير فيها، أو استغلالها في الحصول على كسب غير مشروع من خلالها.
ب- خيانة الأمانة في المجال الوظيفي كسب حرام:
للأمانة في الإسلام مدلول واسع، فهي ترمز إلى معانٍ شتى، تهدف جميعها إلى شعور المرء بتبعته، وتحمله مسؤولية كل أمر يناط به، ليكون ذا ضمير يقظ، تصان به حقوق الله وحقوق الناس، وتحرس به الأعمال من دواعي التفريط والإهمال (3).
والذي يعنينا من موضوع الأمانة هو حفظ الحقوق والواجبات الوظيفية وإن استطاع الموظف أن يهضمها، أو تهيأت له ظروف العدوان عليها عن طريق الاختلاس أو الرشوة، ومن ذلك الائتمان على أداء المهام الوظيفية بحفظ ما اؤتمن عليه وأدائه كاملًا مقابل ما يتقاضاه من راتب دون التطلع إلى مقابل آخر أو مكافأة إضافية، وهذا هو مقتضى القيام بواجب الأمانة الوظيفية:
(1) حسنه المحدث الألباني في المرجع السابق ص 147 رقم 1887. وهو في الحاديث الصحيحة برقم 1113.
(2)
حسنه أيضا في المرجع نفسه عن البيهقي في شعب الإيمان ج 2 ص 144 رقم 1876.
(3)
انظر في عموم الأمانة وشمولها لجميع حقوق الله وحقوق العباد الحافظ ابن كثير تفسير القرآن العظيم، الآية رقم 58 من سورة النساء ج 1 ص 515.
عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» (1).
وقد مدح الله تعالى من يؤدي العمل المنوط به بقوة وأمانة، فقال:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26].
وأداء المهام الوظيفية على أكمل وجه يدخل ضمن حدود الأمانة التي حملها الإنسان- على ظلمه وجهله وعجزه وضعفه- بعد أن ناءت السماوات والأرض والجبال عن حملها وأشفقن منها (2).
والموظف مؤتمن من قبل الدولة على وظيفته، ومطلوب منه أن يؤدي واجباته في دقة وأمانة كما أمره ربه. قال تعالى:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283].
فإذا توافرت فيهم هذه الصفة فهم من أهل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8 والمعارج: 23].
(1) أخرجه أبو داود، انظر: ابن الأثير: مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجرزي، جامع الأصول في أحاديث الرسول، تخريج وتحقيق عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني وآخرين، بيروت، لبنان، طبعة 1389 هـ ج 10 ص 573، 574، رقم 8144، قال الأرناؤوط: وإسناده صحيح، انظر أيضاً الشوكاني: محمد بن علي، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، دار الجيل، بيروت، لبنان، بدون تاريخ، ج 10 ص 135.
(2)
انظر معاني الأمانة الواردة في الآية عند ابن كثير في التفسير ج 3 ص 522 - 524.
والقيام بواجب الأمانة في جميع المجالات، ومنها المجال الوظيفي، من أسباب دخول الجنة؛ عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم» (1).
فإذا خان المسلم الأمانة الموكولة إليه، فأخل بواجباته الوظيفية فقد ارتكب ما يقدح في أمانته، وما يباعده عن الجنة، ويتحقق بهذا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن مجيء الوقت الذي تقبض فيه الأمانة من القلب، ويبقى أثرها.
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت» (2).
أي النقطة في الشيء من غير لونه.
وكما أمرنا الله تعالى بأداء الأمانة فقد نهانا عن الخيانة في شتى صورها، ومنها خيانة المهام الوظيفية.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
(1) رواه أحمد، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، راجع الحافظ المنذري: أبو محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي، فقد نقل تصحيح الحاكم له في الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، بتحقيق الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1392 هـ ج 5 ص 226 رقم 4332، وص199 رقم 4233.
(2)
من حديث طويل أخرجه البخاري ومسلم والترمذي كما قال ابن الأثير في جامع الأصول ج 1 ص 320 رقم 102.
وأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يحب الخائنين، فقال:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال:58].
وإذا خان المسلم واجباته الوظيفية فهو غير أهل لأن يتولى أمرًا من أمور الدولة، لأنه قد ضيع الأمانة، وإضاعتها من علامات الساعة.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: «إذا وُسِد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (1).
على أن المهام الوظيفية- كثرت أم قلت- أمانة عظيمة، وعبء ثقيل، يسبب الخزي والندامة يوم القيامة لمن لم يحسن القيام بواجباتها، ويؤدي ما عليه فيها نحو الله والعباد.
عن أبي ذر صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال:«يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها» (2).
وخيانة المهام الوظيفية، فيه غدر، وغلول، وكسب حرام، والغادر ينصب له لواء يوم القيامة ضمن أهل الغدر والخيانة ليعرف به من الملأ.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل غادر لواء يوم القيامة، ينصب يوم القيامة يعرف به» (3).
وكلما عظمت المهام الوظيفية كلما عظم شأن الأمانة فيها.
(1) أخرجه البخاري، كما قال ابن الأثير في جامع الأصول ج 1 ص 321، 322 رقم 16.
(2)
مسلم ج 3 ص 1357 رقم 16.
(3)
متفق عليه، محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، المكتبة الإسلامية، بيروت، لبنان، بدون تاريخ ج 2 ص 201 رقم 1133.