الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلقهم
(1)
خارجًا عن ذاته، ثم بان عنهم باستوائه على عرشه، وهو يعلم ما هم عليه، ويراهم وينفذهم بصره، ويحيط بهم عِلْمًا وقدرة وإرادة وسمعًا وبصرًا، فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا.
وتأمَّل حُسن هذه المقابلة لفظًا ومعنًى بين قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103]. فإنه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصار وتحيط به، ولِلُطْفِه وخبرته يُدْرك الأبصار فلا تخفى عليه، فهو العظيم في لُطْفِه، اللطيف في عظمته، العالي في قربه، القريب في علوِّه، الَّذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [الأنعام: 103].
فصل
الدليل السابع: قوله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]، وأنت إذا أَجَرْتَ هذه الآية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراد منها = وجدتها منادية نداء صريحًا: أنَّ اللَّه سبحانه يُرى عيانًا بالأبصار يوم القيامة، وإن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المُحرِّفُون تأويلًا، فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها، وتأويل كل نصًّ تضمنه القرآن والسنة كذلك، ولا يشاء مُبْطِلٌ على وجه الأرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إلا وجَدَ إلى ذلك من السبيل
(1)
من "أ" فقط.
ما وجده متأول مثل هذه النصوص، وهذا الذي أفسد الدين والدنيا.
وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محلّه في هذه الآية، وتَعْدِيته بأداة "إلى" الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المُعَدَّى بـ "إلى" خلاف حقيقته، وموضوعه = صريح في أن اللَّه سبحانه أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى نفس الرب جل جلاله، فإن النظر له عِدَّة استعمالات بحسب صِلاته وتَعَدِّيه بنفسه:
فإن عُدِّيَ بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار، كقوله تعالى:{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13].
وإن عُدَّيَ بـ "في" فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 185].
وإن عُدِّيَ بـ "إلى" فمعناه: المعاينة بالأبصار كقوله تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99]، فكيف إذا أُضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر؟
قال يزيد بن هارون: أنبأنا مبارك، عن الحسن:"نظرت إلى ربها تبارك وتعالى فنَضِرت بنوره"
(1)
.
(1)
أخرجه عبد اللَّه بن أحمد في السنة رقم (479)، والطبري في تفسيره (29/ 192) والآجري في الشريعة رقم (585) والدارقطني في الرؤية رقم (217)، وغيرهم.
وسنده حسن.
فاسمع الآن أيها السُّنِّي تفسير النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وأئمة الإسلام لهذه الآية.
قال ابن مردويه في "تفسيره": حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا صالح بن أحمد، حدثنا يزيد بن الهيثم، حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا مصعب بن المقدام، حدثنا سفيان، عن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) } قال: "من البهاء والحسن {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) } [القيامة: 23]. قال: في وجه اللَّه عز وجل"
(1)
.
وقال أبو صالح: عن ابن عباس {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) } قال: "تنظر إلى وجه ربها"
(2)
.
وقال عكرمة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) } قال: "من النعيم"، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) }
(3)
قال: "تنظر إلى ربها نظرًا"، ثم حكى عن ابن عباس مثله"
(4)
.
(1)
سنده ضعيف. وعلته ضعف ثوير.
وتقدم أصل هذا الحديث في ص (323 - 324). وهو لا يثبت مرفوعًا.
(2)
لم أقف عليه من طريق أبي صالح.
وقد توبع أبو صالح، فرواه عبد الصمد عن أبيه، وعكرمة كلاهما عن ابن عباس نحوه.
أخرجه الآجري في الشريعة رقم (588)، واللالكائي رقم (799).
(3)
من قوله "قال عكرمة" إلى "ناظرة" سقط من "ج".
(4)
أخرجه الآجري في الشريعة رقم (588)، واللالكائي رقم (804): عن ابن =