المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل وهذا موضع اختلف فيه المتأخرون على ثلاثة أقوال: أحدها: أنَّ الجنَّة - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل: في المنقول عن الأئمة الأربعة، ونظرائهم وشيوخهم وأتباعهم على طريقتهم ومنهاجهم

- ‌ذكرُ قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس:

- ‌ذكر قول ابن الماجشون:

- ‌ذكر قول الأوزاعي:

- ‌ذكر قول الليث بن سعد:

- ‌قول سفيان بن عيينة:

- ‌قول جرير بن عبد الحميد:

- ‌قول عبد اللَّه بن المبارك:

- ‌قول وكيع بن الجراح:

- ‌قول قتيبة بن سعيد:

- ‌قول أبي عبيد القاسم بن سلَّام:

- ‌قول أسود بن سالم شيخ الإمام أحمد:

- ‌قول محمد بن إدريس الشافعي:

- ‌قول إمام السنَّة أحمد بن حنبل:

- ‌قول إسحاق بن راهويه:

- ‌قول جميع أهل الإيمان:

- ‌قول المزني:

- ‌قول جميع أهل اللغة:

- ‌فصل: في وعيد منكر(2)الرؤية

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في لسان أهل الجنَّة

- ‌فصل في احتجاج الجنَّة والنَّارِ

- ‌فصل: في أنَّ الجنَّة يبقى فيها فضل فينشئ اللَّه لها خلقًا دون النَّار

- ‌فصل: في امتناع النوم على أهل الجنَّة

- ‌فصل: في ارتقاء العبد وهو في الجنة من درجةٍ إلى درجةٍ أعلى منها

- ‌فصل: في إلحاق ذُرِّية المؤمن به في الدَّرجة وإنْ لم يعملوا عمله

- ‌فصل: في أن الجنة تتكلم

- ‌فصل: في أن الجنة تزداد حُسْنًا على الدوام

- ‌فصل: في أن الحور العين يطلبن أزواجَهن أكثر مما يطلبهنَّ أزواجُهنّ

- ‌فصل: في ذبح الموت بين الجنة والنار

- ‌فصل: في ارتفاع العبادات في الجنَّة إلا عبادة الذكر فهي دائمة

- ‌فصل: في تذاكر أهل الجنَّة ما كان بينهم في دار الدنيا

- ‌فصل: ونختم هذا الكتاب بما ابتدأناه به أوَّلا، وهو خاتمة دعوى أهل الجنَّة

- ‌فهرس المراجع والمصادر

الفصل: ‌ ‌فصل وهذا موضع اختلف فيه المتأخرون على ثلاثة أقوال: أحدها: أنَّ الجنَّة

‌فصل

وهذا موضع اختلف فيه المتأخرون على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنَّ الجنَّة والنَّار فانِيتَانِ غير أبديَّتين، بل كما هما حَادِثَتَان، فهما فانيتان.

والقول الثاني: إنَّهما باقيتان، دائمتان لا يفنيان أبدًا.

والقول الثالث: إنَّ الجنَّة باقية أبديَّة، والنار فانية.

ونحن نذكر هذه الأقوال، ومن قالها، وما احتجَّ به أرباب كلِّ قول، ونردُّ ما خالف كتاب اللَّه وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

* فأمَّا القولُ بفنائهما فهو قول قاله: جهم بن صفوان، إمام المعطلة الجهمية، وليس له فيه سلف قطُّ من الصحابة ولا من التابعين، ولا أحدٌ من أئمة الإسلام، ولا قال به أحدٌ من أهل السنَّة، وهذا القول ممَّا أنكرهُ عليه وعلى أتباعه أئمة الإسلام وكفَّروهم به، وصاحوا بهم من أقطار الأرضِ، كما ذكر عبد اللَّه بن الإمام أحمد في كتاب "السنة"

(1)

عن خارجة بن مصعب أنَّه قال: كفرت الجهمية بثلاث آيات من كتاب اللَّه عز وجل: يقول اللَّهُ سبحانه: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} [الرعد: 35] وهم يقولون: لا يدوم، ويقول اللَّه تعالى:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} [ص: 54] وهم يقولون: يَنْفَدُ، ويقول اللَّهُ عز وجل: {مَا

(1)

(1/ 131) رقم (77) وفيه بدل آية النحل آيتي هود (108)، والواقعة (33)، بأطول مما ساقه المؤلف.

ص: 723

عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96].

قال شيخ الإسلام: "وهذا قاله جهم لأصله الَّذي اعتقده: وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث، وهو عمدة أهل

(1)

الكلام التي استدلُّوا بها على حدوث الأجسام، وحدوث ما لم يحل من الحوادث، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم، فرأي الجهم: أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي يمنعه في المستقبل. فدوام الفعل ممتنع عنده على الرب تعالى في المستقبل، كما هو ممتنع عليه في الماضي.

وأبو الهُذَيل العلَّاف -شيخ المعتزلة- وافقه على هذا الأصل؛ لكن قال: إن هذا يقتضي فناء الحركات، لكونها متعاقبة شيئًا بعد شيء. فقال بفناء حركات أهل الجنة والنار، حتى يصيروا في سكون دائم لا يقدر أحد منهم على حركة.

وزعمت فرقة ممن وافقتهم على امتناع حوادث لا نهاية لها: أن هذا القول مقتضى العقل، لكن لما جاء السمع ببقاء الجنة والنار قلنا بذلك.

وكأنَّ هؤلاء لم يعلموا أن ما كان ممتنعًا في العقل لا يجيء الشرع بوقوعه، إذ يستحيل عليه أن يخبر بوجود ما هو ممتنعٌ في العقل،

(1)

في جميع النسخ "أصل"، والمثبت من نسخةٍ على حاشية "د"، وكتاب شيخ الإسلام في هذه المسألة ص (44).

ص: 724

وكأنهم لم يفرقوا بين مُحالات العقول ومَحاراتها

(1)

، فالسمع يجيء بالثاني لا بالأول، فالسمع يجيء بما تعجز العقول

(2)

عن إدراكه، ولا يستقل به، ولا يجيء بما يعلم العقل إحالته.

والأكثرون الَّذين وافقوا جهمًا وأبا الهذيل على هذا الأصل، فرَّقوا بين الماضي والمستقبل، وقالوا: الماضي قد دخلَ في الوجود بخلاف المستقبل، والممتنع إنَّما هو دخول ما لا يتناهى في الوجود، لا تقدير دخوله شيئًا بعد شيء.

قالوا: وهذا نظير أن يقول القائل: لا أعطيكَ درهمًا إلَّا وأعطيك بعده درهمًا آخر، فهذا ممكن، والأوَّل نظير أنْ يقول: لا أعطيك درهمًا إلَّا وأعطيك قبله درهمًا، فهذا محال، وهؤلاء عندهم وجود ما لا يتناهى في الماضي محال، ووجوده في المستقبل واجب.

ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا: بل الأمر في الماضي كهو في المستقبل، ولا فرق بينهما، بل الماضي والاستقبال أمرٌ نِسْبيٌّ، فكلُّ ما يكون مستقبلًا يصيرُ ماضيًا، وكلُّ ماضٍ فقد كان مستقبلًا، فلا يُعْقَل إمكان الدَّوام في أحد الطرفين، وإحالته في الطرف الآخر.

قالوا: هذه مسألة دوام فاعلية الرب تبارك وتعالى، وهو لم يزل ربًّا قادرًا فعَّالًا، فإنَّه لم يزل حيًّا عليمًا

(3)

قديرًا، ومن المحال أنْ يكون

(1)

في "ب، هـ": "ومجازاتها".

(2)

في "ب، ج، د، هـ": "يعجز العقل".

(3)

في "ج": "عالمًا".

ص: 725

الفعل ممتنعًا عليه لذاته، ثمَّ ينقلب فيصير مُمكنًا

(1)

لذَّاته من غير تجدُّد شيء، وليس للأوَّل حدٌّ محدود حتَّى يصير الفعل ممكنًا له عند ذلك الحدِّ، ويكون قبله ممتنعًا عليه.

فهذا القولُ تصوره كافٍ في الجزمِ بفساده، ويكفي في فساده أنَّ الوقتَ الَّذي انقلب فيه الفعل من الإحالة الذَّاتية إلى الإمكان الذَّاتي، إمَّا أنْ يصحَّ أنْ يُفْرَضَ قبلَهُ وقتٌ يمكن فيه الفعل أو لا يصح.

فإنْ قلتم: لا يصحُّ، كان هذا تحكُّمًا غير معقول، وهو من جنس الهَوَس.

وإن قلتم: يصح، قيل: وكذلك ما يفرض قبله لا إلى غاية، فما من زمن محقَّقٍ أو مقدَّرٍ إلا والفعل ممكن فيه، وهو صفة كمال وإحسان ومتعلَّق حمد الرب تعالى وربوبيته وملكه، وهو لم يزل ربًّا حميدًا

(2)

ملكًا قادرًا، لم تتجدد له هذه الأوصاف، كما أنه لم يزل حيًّا مريدًا عليمًا. والحياة والعلم والإرادة والقدرة تقتضي آثارها ومتعلقاتها، فكيف يعقل حي قدير عليم مريد ليس له مانع ولا قاهر يقهره يستحيل عليه أن يفعل شيئًا البتة؟

فكيف يجعل هذا أصل أصول

(3)

الدين، ويُجْعَل معيارًا على ما أخبر اللَّه سبحانه به ورسوله، ويفرَّق به بين جائزات العقول ومحالاتها؟

(1)

من هنا سقط من "ج" إلى ص (733).

(2)

في نسخةٍ على حاشية "أ": "جميلًا".

(3)

ليس في "ب".

ص: 726

فإذا كان هذا شأن الميزان، فكيف يستقيم الموزون به؟

وأما قول من فرَّق: بأنَّ الماضي قد دخل في الوجود دون المستقبل، فكلام لا تحقيق وراءه

(1)

، فإن الذي يحْضُره

(2)

الوجود من الحركات هو المتناهي، ثم يعدم فيصير ماضيًا، كما كان معدومًا لما كان مستقبلًا، فوجوده بين عدمين، وكلما انقضت جملة حدثت بعدها جملة أخرى، فالذي صار ماضيًا هو بعينه الذي كان مستقبلًا، فإنْ دلَّ الدليل على امتناع ما لا يتناهى شيئًا قبل شيء، فهو بعينه، دال على امتناعه شيئًا بعد شيء.

وأما تفريقكم بقولكم: المستقبل نظير قوله: ما أعطيك درهمًا إلا وأعطيك بعده درهمًا، فهذا ممكن. والماضي نظير قوله: ما أعطيك درهمًا إلا وأعطيك قبله درهمًا. فهذا الفرق فيه تلبيس لا يخفى، وليس بنظير ما نحن فيه، بل نظيره أن يقول: ما أعطيك درهمًا إلا وقد تقدم مني إعطاء درهم قبله. فهذا ممكن الدوام في الماضي على حدِّ إمكانه في المستقبل، ولا فرق في العقل الصحيح بينهما البتَّة، ولمَّا لم يجدِ الجهمُ

(3)

وأبو الهذيل وأتباعهما بين الأمرين فرقًا قالوا: بوجوب

(4)

تناهي الحركات في المستقبل كما يجبُ ابتداؤها عندهم في الماضي.

وقال أهل الحديث: بل هما سواء في الإمكان والوقوع، ولم يزل

(1)

في "د": "له" بدل "وراءه".

(2)

في "ج، د": "يحصره".

(3)

في "د": "جهم".

(4)

في "أ": "يوجب".

ص: 727

الرب سبحانه فعَّالًا لِمَا يُريد، ولم يزل ولا يزال موصوفًا بصفات الكمال منعوتًا بنعوت الجلال، وليس المتمكِّن من الفعل كلَّ وقتٍ كالَّذي لا يمكنه الفعل إلَّا في وقتٍ معينٍ، وليس من يَخْلُق كمن لا يَخْلُق، ومن يُحْسِن كمن لا يحسِن، ومن يدبر الأمر كمن لا يدبر، وأيُّ كمالٍ في أنْ يكون رب العالمين معطلًا عن الفعل مدَدٍ مقدرة، أو محقَّقةٍ لا تتناهى، يستحيل منه الفعل، وحقيقة ذلك أنَّه لا يقدر عليه.

وإنْ أبيتم هذا الإطلاق وقلتم: إنَّ المحال لا يوصف بكونه غير مقدور عليه، فجمعتم بين محالين: الحكم بإحالة الفعل من غير موجبٍ لإحالته، وانقلابه من الإحالة الذاتية إلى الإمكان الذَّاتي من غير تجدُّد سببٍ، وزعمتم أنَّ هذا هو الأصل الَّذي تثبتون به وجود الصانع، وحدوث العالم، وقيامة الأبدان، فجنيتم على العقل والشرعِ، والربُّ تعالى لم يزل قادرًا على الفعلِ والكلام بمشيئته، ولم يزل فعَّالًا لِمَا يُريد، ولم يزل ربًّا مُحْسنًا"

(1)

.

"والمقصودُ: أنَّ القولَ بفناء الجنَّة والنَّارِ قولٌ مبتدع ليقله أحدٌ من الصحابة ولا التابعين، ولا أحدٌ من أئمة المسلمين، والَّذين قالوه إنَّما تلقَّوهُ عن قياسٍ فاسدٍ اشتبه أصله على كثيرٍ من النَّاسِ فاعتقدوه

(1)

انظر: رسالة الرد على من قال: بفناء الجنَّة والنَّارِ لابن تيمية ص (44 - 49) بتصرف وزيادة من ابن القيم على ما جاء في هذه الرسالة.

وانظر درء تعارض العقل والنقل (8/ 345 - 347)، ومجموع الفتاوى (8/ 153 - 154)، ومنهاج السنة النبوية (1/ 432 - 446).

ص: 728

حقًّا، وبنوا عليه القول بخلق القرآن، ونفي الصفات، وقد دلَّ القرآن والسنَّة والعقل الصريح على أنَّ كلمات اللَّه وأفعاله لا تتناهى، ولا تنقطع بآخرٍ، ولا تُحدُّ بأوَّل، قال اللَّهُ تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] فأخبر عن عدم نفادٍ لكلماته لِعِزَّته وحكمته، وهذان وصفان ذاتيان له سبحانه وتعالى لا يكون إلا كذلك.

وذكر ابن أبي حاتم في "تفسيره"

(1)

عن سليمان بن عامر قال: سمعت الربيع بن أنس يقول: "إن مثل علم العباد كلهم في علم اللَّه عز وجل كقطرة من هذه البحور كلها، وقد أنزل سبحانه في ذلك {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} الآية".

وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} الآية؛ يقول سبحانه لو كان البحر مدادًا لكلمات اللَّه، والشجر كلها أقلام لانكسرت الأقلام، وفني ماء البحر، وكلمات اللَّه تعالى باقية لا يفنيها شيء؛ لأن أحدًا لا يستطيع أن يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي، بل هو كما أثنى على نفسه، إن ربنا كما يقول وفوق ما يقول، ثم إن مثل نعيم الدنيا أوَّله وآخره في نعيم الآخرة كحبة من

(2)

خردل في خلال الأرض كلها"

(3)

.

(1)

ليس في المطبوع، وهو ناقص. انظر: تفسير ابن كثير (3/ 460).

(2)

ليس في "د"، ووقع في "أ""في" وهو خطأ.

(3)

انظر: رسالة الرد على من قال: بفناء الجنَّة والنَّار ص (49).

ص: 729