المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في تذاكر أهل الجنة ما كان بينهم في دار الدنيا - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل: في المنقول عن الأئمة الأربعة، ونظرائهم وشيوخهم وأتباعهم على طريقتهم ومنهاجهم

- ‌ذكرُ قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس:

- ‌ذكر قول ابن الماجشون:

- ‌ذكر قول الأوزاعي:

- ‌ذكر قول الليث بن سعد:

- ‌قول سفيان بن عيينة:

- ‌قول جرير بن عبد الحميد:

- ‌قول عبد اللَّه بن المبارك:

- ‌قول وكيع بن الجراح:

- ‌قول قتيبة بن سعيد:

- ‌قول أبي عبيد القاسم بن سلَّام:

- ‌قول أسود بن سالم شيخ الإمام أحمد:

- ‌قول محمد بن إدريس الشافعي:

- ‌قول إمام السنَّة أحمد بن حنبل:

- ‌قول إسحاق بن راهويه:

- ‌قول جميع أهل الإيمان:

- ‌قول المزني:

- ‌قول جميع أهل اللغة:

- ‌فصل: في وعيد منكر(2)الرؤية

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في لسان أهل الجنَّة

- ‌فصل في احتجاج الجنَّة والنَّارِ

- ‌فصل: في أنَّ الجنَّة يبقى فيها فضل فينشئ اللَّه لها خلقًا دون النَّار

- ‌فصل: في امتناع النوم على أهل الجنَّة

- ‌فصل: في ارتقاء العبد وهو في الجنة من درجةٍ إلى درجةٍ أعلى منها

- ‌فصل: في إلحاق ذُرِّية المؤمن به في الدَّرجة وإنْ لم يعملوا عمله

- ‌فصل: في أن الجنة تتكلم

- ‌فصل: في أن الجنة تزداد حُسْنًا على الدوام

- ‌فصل: في أن الحور العين يطلبن أزواجَهن أكثر مما يطلبهنَّ أزواجُهنّ

- ‌فصل: في ذبح الموت بين الجنة والنار

- ‌فصل: في ارتفاع العبادات في الجنَّة إلا عبادة الذكر فهي دائمة

- ‌فصل: في تذاكر أهل الجنَّة ما كان بينهم في دار الدنيا

- ‌فصل: ونختم هذا الكتاب بما ابتدأناه به أوَّلا، وهو خاتمة دعوى أهل الجنَّة

- ‌فهرس المراجع والمصادر

الفصل: ‌فصل: في تذاكر أهل الجنة ما كان بينهم في دار الدنيا

‌فصل: في ارتفاع العبادات في الجنَّة إلا عبادة الذكر فهي دائمة

روى مسلم في "صحيحه"

(1)

من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأكل أهل الجنَّة فيها ويشربون، ولا يَمْتخِطُون ولا يتغوَّطُون، ولا يبولون، ويكون طعامهم ذلك جشاءً ورشحًا كرشح المسك، يُلْهَمون التسبيح والحمد كما يلهمون النَّفَس".

وفي رواية "التسبيح والتكبير كما تلهمون"

(2)

بالتاء المثناة من فوق، أي: تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس، كما تلهمون أنتم النَّفَس.

‌فصل: في تذاكر أهل الجنَّة ما كان بينهم في دار الدنيا

قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)} [الصافات: 50 - 51] الآيات، وقد تقدم الكلام عليها

(3)

.

وقال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)} [الطور: 25 - 27].

(1)

رقم (2835) - (18) - (19).

(2)

(2835) - (20).

(3)

في (ص/ 562 - 563).

ص: 819

وذكر ابن أبي الدنيا من حديث الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن أنسٍ يرفعه: "إذا دخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، قال

(1)

: فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض، فيسير سرير هذا إلى سرير هذا، وسرير هذا إلى سرير هذا، حتى يجتمعا جميعًا فيتكئ هذا، ويتكئ هذا، فيقول أحدهما لصاحبه: تعلم متى غفر اللَّه لنا؟ فيقول صاحبه: نعم يوم كذا وكذا، في موضع كذا وكذا، فدعونا اللَّه فغفر لنا"

(2)

.

وإذا تذاكروا ما كان بينهم، فتذاكرهم فيما كان يُشْكِلُ عليهم في الدنيا من مسائل العلم، وفهم القرآن والسنة، وصِحَّة الأحاديث = أولى وأحرى، فإن المذاكرة في الدنيا في ذلك ألذُّ من الطعام والشراب والجماع، فتذاكر ذلك في الجنَّة أعظم لذَّة، وهذه لذَّة يختص بها أهل العلم، ويتميزون بها على من عداهم. واللَّه المستعان.

(1)

سقط من جميع النسخ.

(2)

تقدم الكلام عليه ص (566)، وهو لا يثبت.

ص: 820

الباب السبعون: في ذكر المستحق لهذه البشرى دون غيره

قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25].

وقال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس: 62 - 64].

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)} [فصلت: 30].

وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزمر: 17 - 18].

وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)} [التوبة: 20 - 22].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ

ص: 821

الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشورى: 22، 23].

وقال تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) } [يس: 11].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) } [الأحزاب: 45 - 47].

وقال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) }

(1)

[آل عمران: 169 - 171].

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) } [التوبة: 111].

وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ

(1)

آية رقم (171) من "ب، د" فقط.

ص: 822

وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) } [البقرة: 155 - 157].

وقال تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) } [الصف: 13].

وقال في الجنَّة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) } [آل عمران: 133].

وقال: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21].

وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) } [الكهف: 107].

وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1 )} إلى قوله: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) } [المؤمنون: 1 - 11].

وفي "المسند" وغيره أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أُنْزلت عليَّ عشر آيات من أقامهنَّ دخل الجنَّة، ثمَّ قرأ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1)} حتَّى ختم العشر الآيات"

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (1/ 34)، وعبد الرزاق في المصنف (6038)، والترمذي رقم (3173)، وعبد بن حميد في مسنده (15 - المنتخب)، والنسائي في الكبرى (1/ 450) رقم (1439)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 460)، والحاكم (2/ 425) رقم (3479)، والبغوي في شرح السنة (5/ 177) رقم (1376)، وابن عدي في الكامل (7/ 175) وغيرهم.

من طريق عبد الرزاق عن يونس بن سليم قال أملى عليَّ يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارِّي عن عمر بن الخطاب =

ص: 823

وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إلى قوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)} [الأحزاب: 35].

وقال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)} [التوبة: 112].

وقال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)} [مريم: 63].

وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} [آل عمران: 133 - 136].

= فذكره - وفي أوَّله زيادة.

والحديث صحَّح إسناده الحاكم، وحسَّنه البغوي.

والحديث مدارهُ على يونس بن سليم الصنعاني، وهو مجهول، لا يعرف إلَّا في هذا الحديث، بل تكلَّم فيه عبد الرزاق، والحديث منكر كما قال النسائي، وتكلَّم فيه أبو حاتم والعقيلي وابن معين وابن عدي والذهبي.

انظر: علل ابن أبي حاتم (2/ 81)، والكامل (7/ 175)، وتهذيب الكمال (32/ 509).

تنبيه: كان عبد الرزاق يروي هذا الحديث أحيانًا، ولا يذكر "يونس بن يزيد الأيلي" كما في المصنف، وعبد بن حميد وغيرهما.

ص: 824

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) } إلى قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) } [الصف: 10 - 13].

وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) } [الرحمن: 46]

وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) } [النازعات: 40 - 41].

وهذا في القرآن كثير، مداره على ثلاث قواعد: إيمان، وتقوى، وعمل خالص للَّه على موافقة السنة. فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون مَنْ عَدَاهم من سائر الخلق، وعليها دارت بشارات القرآن والسنة جميعها، وهي تجتمع في أصلين: إخلاص في طاعة اللَّه، وإحسان إلى خلقه، وضدها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون، ويرجع إلى خصلة واحدة، وهي موافقة الرب سبحانه وتعالى في محابِّه، ولا طريق إلى ذلك إلا بتحقيق القدوة ظاهرًا وباطنًا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وأما الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل، فهي:"بضعٌ وسبعون شعبة: أعلاها قول لا إله ألا اللَّه، وأدناها إماطه الأذى عن الطريق"

(1)

،

وبين هاتين الشعبتين سائر الشُّعب التي مرجعها إلى تصديق الرسول في كل ما أخبر به، وطاعته في جميع ما أمر به إيجابًا واستحبابًا، كالإيمان

(1)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (35).

ص: 825

بأسماء الرب وصفاته وأفعاله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل كما قال الشافعي رحمه الله:"الحمد للَّه الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه"

(1)

.

وكأنَّه أخذ هذا من قول النَّبي صلى الله عليه وسلم "الَّلهم لك الحمد كالذي نقول، وخيرًا مما نقول"

(2)

.

وقد ذكرنا في أول الكتاب جملة مقالات

(3)

أهل السنة والحديث التي أجمعوا عليها، كما حكاه الأشعري عنهم، ونحن نحكي إجماعهم، كما حكاه حرب - صاحب الإمام أحمد - عنهم بلفظه، في "مسائله" المشهورة

(4)

.

(1)

انظر: كتاب "الرسالة" له ص (1).

(2)

أخرجه الترمذي برقم (3520)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (2841)، والمحاملي في الدعاء رقم (62) والَّلفظ لهم، والطبراني في الدعاء (874) وفضل عشر ذي الحجة رقم (51).

من طريق قيس بن الربيع عن الأغر عن خليفة بن حصين عن علي بن أبي طالب فذكره مطوَّلًا.

قال الترمذي: "هذا حديثٌ غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي".

وقال ابن خزيمة: ". . . إنْ ثبت الخبر ولا أخال؛ إلَّا أنَّه ليس في الخبر حكم، وإنَّما هو دعاء، فخرَّجنا هذا الخبر، وإنْ لم يكن ثابتًا من جهة النَّقْل، إذ هذا الدعاء مباح أنْ يدعو به على الموقف وغيره".

(3)

في "أ، ج، هـ": "مقالة"، والمثبت أصوب. وراجع ص (26).

(4)

ص (354 - 361).

ص: 826

"هذا مذهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بها، المقتدى بهم من لَدُن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت مَنْ أدركت مِنْ علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم، فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مخالفٌ مبتدعٌ خارجٌ عن الجماعة، زائلٌ عن منهج السنة وسبيل الحق.

قال: وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد اللَّه ابن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العِلْمَ، فكان من قولهم:

"أنَّ الإيمان قول وعمل ونِيَّة وتمسُّك بالسنة، والإيمان يزيد وينقص، ويُسْتثنى في الإيمان غير أنْ لا يكون الاستثناء شكًّا

(1)

، إنَّما هي سنَّةٌ ماضيةٌ عند العلماء. فإذا سئل الرجل: أمؤمن أنت؟ فإنَّه يقول: أنا مؤمن إن شاء اللَّه؟ أو مؤمن أرجو، أو يقول: آمنت باللَّه وملائكته وكتبه ورسله.

ومن زعم أنَّ الإيمان قولٌ بلا عمل؛ فهو مرجئ، ومن زعم أنَّ الإيمان هو القول والأعمال شرائع؛ فهو مرجيء. ومن زعم أنَّ الإيمان يزيدُ ولا ينقص، فقد قال يقول المرجئة، ومن لم يَرَ الاستثناء في الإيمان؛ فهو مرجئ، ومن زعم أنَّ إيمانه كإيمان جبريل والملائكة

(1)

قوله: "ويستثني في الإيمان غير أنْ لا يكون الاستثناء شكًّا" ليس في المطبوع من مسائل حرب.

ص: 827

فهو مرجئ. ومن زعم أنَّ المعرفة تقع

(1)

في القلب وإن لم يتكلم بها؛ فهو مرجئ

(2)

.

والقدر خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وآخره = من اللَّه عز وجل، قضاءٌ قضاه على عباده، وقدرٌ قدَّره عليهم، لا يعدو أحدٌ منهم مشيةَ

(3)

اللَّه عز وجل ولا يجاوزه قضاؤه، بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له، واقعون فيما قَدَّر عليهم

(4)

، وهو عدل منه جل ربنا وعزَّ.

والزنى والسرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس، وأكل المال الحرام، والشرك

(5)

والمعاصي كلها بقضاء اللَّه

(6)

وقدرٍ من اللَّه، من غير أن يكون لأحد من الخلق

(7)

على اللَّه حُجَّة، بل للَّه الحجة البالغة على خلقه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) } [الأنبياء: 23].

(1)

وقع في "هـ"، ونسخة على حاشية "د"، والمطبوعة من "مسائل حرب""تنفع".

(2)

في المطبوعة من المسائل "جهمي"، وجاء بعده "ومن زعم أنَّه مؤمنٌ عند اللَّه مستكمل الإيمان فهذا من أشنع قول المرجئة وأقبحه". وليس هذا في جميع النسخ.

(3)

في "هـ": "عن مشيئة".

(4)

زادت المطبوعة من المسائل بعد "عليهم": "لا محالة".

(5)

وقع في المطبوعة من المسائل "والشرك باللَّه والذنوب جميعًا".

(6)

ليس في المطبوعة من المسائل.

(7)

قوله "من الخلق" ليس في المطبوعة من المسائل.

ص: 828

وعِلْمُ اللَّه عز وجل ماض في خلقه بمشيئة منه، قد عَلِمَ من إبليس ومن غيره -ممَّن عصاه من لدن عُصِي تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة- المعصية وخلقهم لها.

وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها، فكل يعمل لِمَا خُلِقَ

(1)

له، وصائر إلى ما قضى عليه

(2)

، لا يَعْدُو أحد منهم قَدَرَ اللَّه ومشيئته، واللَّه الفعال لما يريد.

ومن زعم أنَّ اللَّه سبحانه شاء لعباده الذين عَصَوْهُ الخير والطاعة، وأنَّ العباد شاءوا لأنفسهم الشر والمعصية، فعملوا على مشيئتهم = فقد زعم أنَّ مشيئة العباد أغلب من مشيئة اللَّه تبارك وتعالى، وأي افتراء أكبر على اللَّه من هذا؟!

(3)

.

ومن زعم أنَّ الزنى ليس بقدر، قيل له: أرأيت هذه المرأة حملت من الزنى، وجاءت بولد، هل شاء اللَّه عز وجل أن يخلق هذا الولد، وهل مضى في سابق علمه؟ فإن قال: لا، فقد زعم أنَّ مع اللَّه خالقًا، وهذا الشرك صراحًا

(4)

.

(1)

قوله "لما خلق" وقع في المطبوعة من المسائل "بما يخلق له".

(2)

جاء في المطبوعة من المسائل هنا زيادة وهي: "وعلم منه".

(3)

جاء في المطبوعة من المسائل زيادة "ومن زعم أنَّ أحدًا من الخلقِ صائرًا إلى غير ما خلق له، فقد نفى قدرة اللَّه عن خلقه، وهذا إفكٌ على اللَّهِ وكذب عليه".

(4)

قوله "وهذا الشرك صراحًا" وقع في المطبوعة من المسائل "وهذا قول يضارع الشرك، بل هو الشرك".

ص: 829

ومن زعم أنَّ السرقة، وشرب الخمر، وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر

(1)

؛ فقد زعم أنَّ هذا الإنسان قادرٌ على أنْ يأكل رزق غيره، وهذا صراح قول المجوسية

(2)

، بل أكل رزقه الذي قضى اللَّه

(3)

أن يأكله من الوجه الذي أكله.

ومن زعم أنَّ قتل النفس ليس بقدر من اللَّه عز وجل، فقد زعم أنَّ المقتول مات بغير أجله، وأي كفر أوضح من هذا؟ بل ذلك بقضاء اللَّه عز وجل

(4)

، وذلك عدلٌ منه

(5)

في خلقه، وتدبيره فيهم، وما جرى من سابق علمه فيهم

(6)

، وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد.

ومن أقرَّ بالعلم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصِّغَر والقماءة

(7)

.

ولا نشهد على أحدٍ من أهل القبلة أنَّه في النَّار لذنب عمله، ولا لكبيرة أتاها، إلا أن يكون ذلك في حديث [فيروى الحديث] كما جاء،

(1)

في المطبوعة من المسائل "وقدر من اللَّه".

(2)

قوله "وهذا صراح قول المجوسية"، جاء في المطبوعة من المسائل "وهذا القول يضارع قول المجوسية والنصرانية".

(3)

في المطبوعة من المسائل "اللَّه له".

(4)

في المطبوعة من المسائل ". . بقضاء من اللَّه عز وجل وقدر".

(5)

في المسائل "وكل ذلك بمشيئته" بدل "وذلك عدلٌ منه".

(6)

في المسائل "لهم".

(7)

جاء في المسائل بعد "والقماءة" إضافة "واللَّه الضار النَّافع، المضل الهادي، فتبارك اللَّه أحسنُ الخالقين".

والقماءة: بمعنى الصِّغَر والحقارة. اللسان (1/ 134).

ص: 830

ولا ننص

(1)

الشهادة، ولا نشهد لأحد أنَّه في الجنَّة بصالح عمله، ولا بخير أتاه

(2)

إلا أن يكون في ذلك حديث، [فيروى الحديث] كما جاء على ما رُوِي، ولا ننص

(3)

الشهادة.

والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان، ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها، ولا يخرج عليهم، ولا يقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة.

والجهاد ماضٍ قائمٌ مع الأئمة بروا أو فجروا، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل.

والجمعة والعيدين والحج مع السلطان، وإن لم يكونوا بَرَرَة عدولًا أتقياء.

ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إليهم

(4)

عدلوا

(1)

قوله: "في حديثٍ كما جاء، ولا ننص" جاء في المسائل: "في حديثٍ فيروى الحديث كما جاء على ما رُوي، ويصدق به ويقبل، ويعلم أنَّه كما جاء، ولا ينصب"، وجميع ما بين المعقوفتين من المسائل.

(2)

قوله: "بصالح عمله، ولا بخير أتاهُ" في المسائل "لصلاح عمله أو لخيرٍ أتى به".

(3)

قوله: "كما جاء على ما روي ولا ننص الشهادة" جاء في المسائل "فيروى الحديث كما جاء على ما روي، يصدق به ويقبل ويعلم أنَّه كما جاء، ولا ينصب الشهادة"، وجاء في "أ، هـ""وننص"، وفي "ج""ولا نص" بدل "ولا ننص".

قال شيخ الإسلام: لفظ "ننص" هو المشهود عليه، معناه: ولا نشهد على المعيَّن؛ وإلا فقد قال: نعلم أنه كما جاء

مختصر الصواعق المرسلة (ص/ 480).

(4)

قوله: "والغنائم إليهم" وجاء في المسائل "والغنيمة إلى الأمراء".

ص: 831

فيها أو جاروا.

والانقياد لمن ولاه اللَّه عز وجل أمركم

(1)

، لا ننزع يدًا من طاعته، ولا تخرج عليه بسيف، حتى يجعل اللَّه لك فرجًا ومخرجًا، ولا نخرج على السلطان، ونسمع ونطيع، ولا ننكث بَيْعتهُ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف

(2)

مفارق للجماعة.

وإن أمرك السلطان بأمر هو للَّه معصية، فليس لك أن تطيعه البتة، وليس لك أن تخرج عليه، ولا تمنعه حقه.

والإمساك في الفتنة سنةٌ ماضيةٌ واجبٌ لزومها، فإنِ ابْتُلِيت فقدِّم نفسك

(3)

دون دينك، ولا تُعِنْ على الفتنة بِيَدٍ ولا لسان، ولكن أكفف يدك ولسانك وهواك، واللَّه المعين.

والكف عن أهل القبلة، فلا نكفر أحدًا منهم بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل؛ إلا أن يكون في ذلك حديث [فيروى الحديث] كما جاء، وكما رُوي، فنصدقه ونقبله ونعلم أنَّه كما روي: نحو ترك الصلاة، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك، أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر، والخروج من الإسلام، فاتبع ذلك

(4)

ولا تجاوزه

(5)

.

(1)

في المسائل "أمرك"، وجاء فيه:"يدك" و"بسيفك" بدل "يدًا" و"بسيف".

(2)

في المسائل "مخارق".

(3)

في المسائل "نفسك ومالَكَ".

(4)

قوله: "فاتبع ذلك" جاء في المسائل "واتبع الأثر في ذلك".

(5)

في المسائل "ولا أحب الصلاة خلف أهل البدع، ولا الصلاة على من مات =

ص: 832

والأعور الدجال خارج لا شك في ذلك ولا ارتياب، وهو أكذب الكاذبين.

وعذاب القبر حقٌّ، يسأل العبد عن دينه، [وعن نبيه]،

(1)

وعن ربه، وعن الجنَّة وعن النَّار

(2)

.

ومنكر ونكير حق، وهما فَتَّانا القبر

(3)

. نسأل اللَّه الثبات.

وحوض محمد صلى الله عليه وسلم حق، حوض تَرِده أُمته، وله آنية يشربون بها منه.

والصراط حق، يوضع على سواء جهنم، ويمر الناس عليه، والجنَّة من وراء ذلك.

والميزان حق، توزن به الحسنات والسيئات، كما شاء اللَّه أن توزن.

والصور حق، ينفخ فيه إسرافيل فيموت الخلق، ثم ينفخ فيه الأخرى فيقومون لرب العالمين للحساب، وفصل

(4)

القضاء، والثواب والعقاب، والجنَّة والنَّار.

واللوح المحفوظ [حق]، يستنسخ منه أعمال العباد، لما سبق فيه

= منهم".

(1)

ما بين المعقوفتين من المسائل.

(2)

قوله: "وعن الجنَّة وعن النَّارِ" جاء في المسائل "ويرى مقعده من الجنَّة والنار".

(3)

في المسائل "القبور".

(4)

ليس في المسائل.

ص: 833

من المقادير والقضاء.

والقلم حق كتب اللَّه به مقادير كل شيء، وأحصاه في الذِّكْر.

والشفاعة يوم القيامة حق، يشفع قومٌ في قوم، فلا يصيرون إلى النَّار، ويخرج قوم من النَّار بعد ما دخلوها ولبثوا فيها ما شاء اللَّه، ثم يخرجهم من النَّار

(1)

، وقوم يخلدون فيها أبدًا، وهم أهل الشرك والتكذيب، والجحود والكفر باللَّه عز وجل.

ويذبح الموت يوم القيامة بين الجنَّة والنَّار، وقد خلقت الجنَّة وما فيها، وخلقت النَّار وما فيها، خلقهما اللَّه عز وجل، وخلق الخلق لهما، ولا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدًا.

فإن احتج مبتدع أو زنديق يقول اللَّه عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وبنحو هذا من متشابه القرآن

(2)

.

قيل

(3)

له: كل شيء مما كتب عليه الفناء والهلاك هالك، والجنَّة والنَّار خلقهما للبقاء لا للفناء، ولا للهلاك، وهما من الآخرة لا من الدنيا.

والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة، ولا عند النفخة، ولا أبدًا؛ لأن اللَّه عز وجل خلقهنَّ للبقاء لا للفناء، ولم يكتب عليهن الموت.

(1)

في المسائل "بشفاعة الشافعين" بدل جملة "ولبثوا فيها. . . " إلى "من النَّارِ".

(2)

قوله "من متشابه القرآن" ليس في المسائل.

(3)

في نسخةٍ على حاشية "أ""قل"، وفي المسائل "فقل" وهو أصح.

ص: 834

فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع

(1)

ضل عن سواء السبيل.

وخلق سبع سماوات بعضها فوق بعض، وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض، وبين الأرض العليا إلى السماء الدنيا مسيرة

(2)

خمس مئة عام، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمس مئة عام، والماء فوق السماء العليا السابعة، وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء، واللَّه عز وجل على العرش، والكرسي موضع قدميه، وهو يعلم ما في السماوات والأرضين السبع وما بينهما

(3)

، وما تحت الثرى، وما في قعر البحر، ومنبت كل شعرة وشجرة، وكل زرع وكل نبات، ومسقط كل ورقة، وعدد كل كلمة

(4)

، وعدد الرمل والحصى والتراب، ومثاقيل الجبال

(5)

، وأعمال العباد وآثارهم، وكلامهم وأنفاسهم

(6)

، ويعلم كل شيء، لا يخفى عليه من ذلك شيء.

وهو على العرش فوق السماء السابعة، ودونه حُجُبٌ من نار ونور وظلمة، وما هو أعلم به.

فإن احتج مبتدع ومخالف

(7)

بقول اللَّه عز وجل: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]. وبقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى

(1)

جاء في المسائل إضافة "مخالف، وقد".

(2)

من "ب، ج، د، هـ" والمسائل.

(3)

في المسائل "وما بينهنَّ وما تحتهنَّ" بدل "وما بينهما".

(4)

قوله: "كل كلمة" جاء في المسائل: "ذلك كله".

(5)

في المسائل إضافة "وقطر الأمطار".

(6)

في المسائل إضافة "وتَمْتَمَتهم، وما توسوس به صدورهم".

(7)

في المسائل إضافة "أو زنديق".

ص: 835

ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} إلى قوله: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]. ونحو هذا من متشابه القرآن.

فقل: إنَّما يعني بذلك العلم؛ لأنَّ اللَّه عز وجل على العرش فوق السماء السابعة العليا، يعلم ذلك كله، وهو بائن من خلقه، لا يخلو من علمه مكان.

وللَّه عز وجل عرش، وللعرش حَمَلَة يحملونه، واللَّه عز وجل على عرشه، وله حدٌّ

(1)

.

واللَّه عز وجل سميع لا يشك بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى ولا يسهو، قريب

(2)

لا يغفل، ويتكلم

(3)

وينظر ويبسط، ويضحك ويفرح، ويحب ويكره ويبغض، ويرضى ويغضب، ويسخط ويرحم، ويعفو ويغفر، ويعطي ويمنع،

(1)

في "أ""وليس له جسد"، وفي باقي النسخ "وليس له حدٌّ" وكلُّه خطأ، والتصويب من المسائل وفيها إضافة "اللَّه أعلم بحدِّه، واللَّه على عرشه عزَّ ذكره".

وإثبات الحدِّ للَّه قال به جماعةٌ من السلف: كابن المبارك وحماد بن زيد، والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم، بل ألَّف الدشتي رسالة في إثبات الحدِّ للَّه. وانظر نقض الدارمي على بشر المريسي ص (57 - 58).

(2)

في المسائل "رقيب".

(3)

في المسائل إضافة "ويتحرك".

وفي لفظة "الحركة" كلامٌ من حيث إطلاقه وعدمه.

انظر نقض الدَّارمي على بشر المريسي ص (162 - 164)، ومجموع الفتاوى (16/ 423 و 427) ومختصر الصواعق المرسلة (2/ 257 - 258).

ص: 836

وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف يشاء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } [الشورى: 11] وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ويوعيها

(1)

ما أراد، وخلق آدم بيده على صورته، والسماوات والأرض

(2)

يوم القيامة في كفه

(3)

، ويضع قدمه في النَّار فتنزوي، ويخرج قومًا من النَّار بيده، وينظر إلى وجهه أهل الجنَّة، ويرونه

(4)

فيكرمهم ويتجلى لهم، ويُعْرَضُ

(5)

عليه العباد يوم القيامة، ويتولى حسابهم بنفسه، لا يلي ذلك غيره عز وجل.

والقرآن كلام اللَّه تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أنَّ القرآن مخلوق فهو جهميٌّ كافر، ومن زعم أن القرآن كلام اللَّه ووقف، فلم يقل: ليس بمخلوق، فهو أخبث من القول الأول

(6)

، ومن زعم أنَّ ألفاظنا وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام اللَّه فهو جهمي

(7)

.

وَكلَّم اللَّهُ مُوسى تكليمًا: منه إليه

(8)

، وناوله التوراة من يده إلى يده، ولم يزل اللَّه عز وجل متكلمًا

(9)

.

(1)

في "ب": "ويعيها".

(2)

في المسائل "والأرضون".

(3)

في المسائل إضافة "وقبضته".

(4)

في المسائل "ويزورونه".

(5)

في المسائل "لهم فيعطيهم، ويُعرَضُ".

(6)

قوله: "فهو أخبث من القول الأوَّل"، في المسائل "أكفر من الأوَّل، وأخبث قولًا".

(7)

في المسائل "جهمي خبيث مبتدع، ومن لم يكفرهم. . . فهو مثلهم".

(8)

قوله: "تكليمًا منه إليه" ليس في المسائل.

(9)

في المسائل "متكلمًا عالمًا، فتبارك اللَّه أحسن الخالقين".

ص: 837

والرؤيا من اللَّه، وهي حق إذا رأى صاحبها في منامه مما ليس ضِغْثًا، فَقَصَّها على عالم وصَدَقَ فيها، وأوَّلها

(1)

العالم على أصل تأويلها الصحيح ولم يحرِّف، فالرؤيا تأويلها

(2)

حينئذ حق، وقد كانت الرؤيا من الأنبياء وحيًا، فأيُّ جاهل أجهل ممن يطعن في الرؤيا، ويزعم أنَّها ليست بشيء؟ وبلغني أنَّ من قال: هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام

(3)

، وقد روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:"إن رؤيا المؤمن كلام يكلم به الربُّ عبدَهُ"

(4)

. وقال: "إن الرؤيا من

(1)

في جميع النسخ "تأولها"، والمثبت من المسائل.

(2)

في "هـ": "ولم يحرِّف في الرؤيا، تأويلها".

(3)

من قوله "وبلغني" إلى "الاحتلام" ليس في المسائل.

(4)

أخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (486)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (107 ق/ ب)، وحرب في مسائله ص (432)، والطبراني كما في المجمع (7/ 174) وغيرهم.

من طريق جنيد بن ميمون عن حمزة بن الزبير عن عبادة فذكره.

ولفظه "رؤيا المؤمن من كلام يكلم به العبد ربه تبارك وتعالى في المنام".

وجنيد وحمزة مجهولان، ولهذا قال الهيثمي:"وفيه من لم أعرفه".

وانظر الفتح (12/ 354).

* ورواهُ إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن حميد بن عبد اللَّه أنَّ رجلًا سأل عبادة عن قوله تعالى {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64] فقال عبادة: سألت عنها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو تُرى له، وهو من كلام يكلم به ربك عبده في المنام".

أخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (487)، والطبراني في مسند الشاميين رقم (1025)، وابن عساكر (6/ 20 - 21). =

ص: 838

اللَّه"

(1)

.

وذكر

(2)

محاسن أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والكفُّ عن ذكر مساويهم التي شجرت بينهم

(3)

.

= * وقد خولف إسماعيل بن عياش:

خالفه: أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج وبقية بن الوليد والوليد بن مسلم كلهم عن صفوان به، ولم يذكروا جملة "وهو كلام يكلم. . . ".

أخرجه أحمد (5/ 325)، والشاشي في مسنده رقم (1217)، والطبري في تفسيره (11/ 137)، والطبراني في مسند الشاميين رقم (1025)، وابن عساكر في تاريخه (6/ 20 - 21).

ورواهُ عمر بن عمرو عن حميد بن عبد اللَّه عن عبادة فذكره، ولم يذكر جملة "وهو كلام .. . . ".

* ورواهُ أيوب بن خالد بن صفوان عن عبادة فذكره، ولم يذكر جملة "وهو كلام يكلم .. . . ".

أخرجه الطبري في تفسيره (11/ 134 و 135). والحديث مداره على حميد بن عبد اللَّه -كما جاء في مصادر التخريج- أو حُميد بن عبد الرحمن -كما جاء في المسند وأطرافه وابن أبي عاصم-، وقد اختلف في نسبته كثيرًا، وفيه جهالة، ولا يُعلم هل سمع من عبادة أم لا؟

وعليه فالحديث ضعيف الإسناد، وتلك الزيادة شاذة واللَّه أعلم.

تنبيه: وقع عند الطبراني في مسند الشاميين وابن عساكر في تاريخه: رواية الوليد بن مسلم مقرونة برواية إسماعيل بن عيَّاش.

(1)

أخرجه البخاري رقم (5415)، ومسلم (2261) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

(2)

في المسائل "ومن السنة الواضحة البيَّنة الثابتة المعروفة ذكر. . . ".

(3)

قوله: "التي شجرت بينهم" جاء في المسائل "والَّذي شجر بينهم".

ص: 839

فمن سب أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أو واحدًا منهم أو تَنَقَّصه

(1)

أو طعن عليهم، أو عرَّض بعيبهم

(2)

، أو عاب أحدًا منهم

(3)

، فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف، لا يقبل اللَّه منه صرفًا ولا عدلًا، بل حُبُّهم سُنَّة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة.

وخير الأمة بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر رضي الله عنه، وعثمان بعد عمر، وعلي بعد عثمان

(4)

، ووقف قوم على عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون، ثم أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئًا من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص

(5)

، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه

(6)

، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب أعاد عليه العقوبة، وخلده

(1)

قوله: "أو تنقصه" ليس في المسائل.

(2)

في "هـ": "بغيبتهم".

(3)

في المسائل "منهم بقليل أو كثير، أو دقَّ أو جلَّ ممَّا يتطرق إلى الوقيعة في أحدٍ منهم".

(4)

قوله: "أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر. . . وعلي بعد عثمان" وقع في "هـ""أبي بكر وعمر وعثمان ثمَّ علي".

وجاء في المسائل "أبو بكر، وخيرهم بعد أبي بكر: عمر، وخيرهم بعد عمر: عثمان، وقال قومٌ من أهل العلم وأهل السنة: وخيرهم بعد عثمان علي".

(5)

في المسائل "ولا بنقص ولا وقيعة".

(6)

في المسائل "ثمَّ يستتيبه".

ص: 840

الحبس، حتى يموت أو يراجع

(1)

.

ونعرف للعرب حقها، وفضلها وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "فإن حبهم إيمان، وبغضهم نفاق"

(2)

، ولا نقول بقول الشُّعوبِيَّة وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون لهم بفضل، فإن قولهم: بدعة

(3)

.

ومن حرَّم المكاسب والتجارات وطِيْبَ المال من وجهه

(4)

؛ فقد جهل وأخطأ وخالف، بل المكاسب من وجهها حلال، وقد أحلها اللَّه عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم

(5)

، فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله

(1)

في "هـ": "يرجع"، وجاء في المسائل "أو يراجع، فهذا السنة في أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

(2)

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 355)، والطبراني في الأوسط رقم (2537)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 333)، والحاكم في المستدرك (4/ 97) رقم (6998) والَّلفظ له.

من طريق معقل بن مالك عن الهيثم بن جماز عن ثابت بن أنس فذكر نحوه، وفيه زيادة.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ثابت إلَّا الهيثم".

وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وتعقبه الذهبي بقوله: "الهيثم: متروك، ومعقل: ضعيف".

وكذلك قال الهيثمي في المجمع (1/ 53) في الهيثم.

وقال العقيلي في ترجمة الهيثم: "حديثه غير محفوظ".

(3)

جاء في المسائل "بالفضل، فإنَّ قولهم: بدعة وخلاف".

(4)

في المسائل "وطلب المال من وجوهها".

(5)

في المسائل "ورسوله والعلماء من الأمة".

ص: 841

من

(1)

فضل ربه، فإن ترك ذلك على أنَّه لا يرى الكسب فهو مخالف

(2)

.

والدين إنَّما هو كتاب اللَّه عز وجل، وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات بالأخبار الصحيحة القوية المعروفة

(3)

، يصدق بعضها بعضًا حتى ينتهي ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، والتابعين وتابعي التابعين، ومن بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم، المتمسكين بالسنة، والمتعلقين بالآثار، لا يُعْرَفُون

(4)

ببدعة، ولا يطعن فيهم بكذب، ولا يُرْمَوْن بخلاف.

إلى أن قال: "فهذه الأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة والأثر، وأصحاب الروايات وحملة العلم، الذين أدركناهم، وأخذنا عنهم الحديث، وتعلمنا منهم السنن، وكانوا أئمة معروفين، ثقاتٍ أهل صدق وأمانة يقتدى بهم، ويؤخذ عنهم، ولم يكونوا أصحاب بدع

(5)

ولا خلاف، ولا تخليط، وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم، فتمسَّكوا بذلك، وتعلَّموه وعلِّموه".

(1)

في المسائل "ويبتغي من".

(2)

في المسائل إضافة "وكل أحد أحق بماله الَّذي ورثه أو استفاده، أو أصابه أو اكتسبه لا كما يقول المتكلمون المخالفون".

(3)

جاء في المسائل إضافة "المشهورة، يرويها الثقة الأوَّل المعروف عن الثاني الثقة المعروف".

(4)

في المسائل "الَّذين لا يعرفون".

(5)

في "ب، ج، د": "بدعة".

ص: 842