الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلب ما هو
(1)
أكثر منها؟ "
(2)
.
فصل: في ذبح الموت بين الجنة والنار
قال اللَّه تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)} [مريم: 39].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيشرئِبُّون
(3)
وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت. قال: ثم يقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)} " متفق عليه
(4)
.
وفي "الصحيحين"
(5)
أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
(1)
قوله "بمن قد طلب ما هو" وقع عند ابن أبي الدنيا "الَّذي يريد ما هو".
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنَّة رقم (360).
(3)
قال ناسخ "أ" من المطالع: "يشرئبون: يمدُّون أعناقهم رافعي رؤوسهم متشوِّفين متطاولين لذلك".
(4)
البخاري رقم (4453)، ومسلم رقم (2849).
(5)
البخاري رقم (6178)، ومسلم رقم (2850).
أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "يُدخِل اللَّه أهلَ الجنةِ الجنةَ، ويدخل أهلَ النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم، فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، كلٌّ خالد فيما هو فيه".
وعنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وصار أهل النار إلى النار أُتِيَ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة: لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم"
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلَ أهل الجنَّة الجنَّة وأهلُ النَّارِ النَّارَ أُتِيَ بالموتِ مُلَبَّبًا فيوقفُ على السُّور الَّذي بين أهل الجنَّة وأهلِ النَّارِ، ثمَّ يُقال: يا أهل الجنَّة فيطَّلعون خائفين، ثمَّ يُقال: يا أهل النَّار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة، فيقال لأهل الجنَّة وأهل النَّارِ: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناهُ، هو الموت، الَّذي وُكِّلَ بنا، فيضجع فيُذْبح ذَبْحًا على السور، ثمَّ يقال: يا أهل الجنَّة خلودٌ لا موت، ويا أهل النَّارِ خلودٌ لا موت"
(2)
.
(1)
البخاري رقم (6182)، ومسلم رقم (2850).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (2557)، والنسائي في الكبرى (6/ 481) رقم (11569)، وأحمد في المسند (2/ 368 - 369)، وابن خزيمة في التوحيد رقم (123 و 251) وغيرهم.
من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فذكره مطوَّلًا.
قلت: لفظة "خائفين" غريبة، لم تَرِدْ في الروايات الصحيحة. =
رواهُ النسائي والترمذي وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح".
وهذا الكبش، والإضجاع، والذبح، ومعاينة الفريقين ذلك = حقيقةٌ لا خيال ولا تمثيل، كما أخطأ فيه بعض النَّاس خطأً قبيحًا، وقال: الموت عَرَض، والعرض لا يتجسَّم فضْلًا عن أنْ يُذبح. وهذا لا يصحُّ فإنَّ اللَّه سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح، كما ينشئ من الأعمال صورًا مُعَاينة يُثَابُ بها ويعاقب، واللَّه تعالى ينشئ من الأعراض أجسامًا تكون الأَعراض مادَّةً لها، وينشئ من الأجسام أعراضًا، كما ينشئ سبحانه من الأعراض أعراضًا، ومن الأجسام أجسامًا.
فالأقسام الأربعة ممكنة مقدورة للرَّب تعالى، ولا يستلزم جمعًا بين النقيضين، ولا شيئًا من المُحَال، ولا حاجة إلى تكلف من قال: إنَّ الذبح لملك الموت. فهذا كله من الاستدراك الفاسد على اللَّه ورسوله، والتأويل الباطل الَّذي لا يوجبه عقلٌ ولا نقل، وسببه قِلَّة
= * ورواهُ محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه.
لكنَّه قال: "فيذبح على الصراط" بدل "السور".
أخرجه ابن ماجه رقم (4327) وأحمد (2/ 261) وغيرهما.
* ورواهُ عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة نحوه؛ لكنَّه قال "فيوقف بين الجنَّة والنَّار" بدل "السور" أخرجه أحمد (2/ 377 و423) وغيره.
ورواهُ عبد اللَّه بن عمر وأبو سعيد الخدري بلفظ "فيوقف بين الجنَّة والنَّار" بدل "السور".
عند البخاري رقم (4730 و6548) ومسلم رقم (2849، 2850).
الفهم لمراد الرسول صلى الله عليه وسلم من كلامه، فظنَّ هذا القائل أنَّ لفظ الحديث يدلُّ على أن نفْسَ العَرَض يُذبح.
وظنَّ غالطٌ آخر: أنَّ العَرَضَ يُعدم ويزول، ويصير مكانه جسمٌ يُذبح.
ولم يهتد الفريقان إلى هذا القول الَّذي ذكرناهُ، وأنَّ اللَّه سبحانه وتعالى يُنشئ من الأعراض أجسامًا يجعلها مادَّةً لها، كما في الصحيح عنه:"تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنَّهما غمامتان"
(1)
الحديث.
فهذه هي القراءة ينشئها اللَّه سبحانه غمامتين.
وكذلك قوله في الحديث الآخر: "إِنَّ ما تذكرون من جلال اللَّه من تسبيحه وتمجيده
(2)
وتكبيره، وتهليله، يتعاطفن حول العرش، لهُنَّ دَوَيٌّ كدويِّ النَّحلِ، يُذَكِّرْنَ بصاحبهن"
(3)
ذكره أحمد.
(1)
أخرجه مسلم برقم (804).
(2)
في "ج"، ومصادر التخريج "وتحميده".
(3)
أخرجه أحمد في المسند (4/ 268 و 271)، وابن ماجه رقم (3809)، وابن أبي شيبة في المصنف رقم (29406، 35027)، والطبراني في الدعاء رقم (1693)، والبزار في مسنده (8/ 199) رقم (3236)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 269) وغيرهم.
من طريق موسى بن مسلم عن عون بن عبد اللَّه عن أخيه أو عن أبيه عن النعمان بن بشير فذكره.
قال أبو نعيم: "غريب من حديث عون، تفرَّد به عنه موسى، وهو =
وكذلك قوله في حديث عذاب القبر ونعيمه للصورة التي يراها: "فيقول: من أنتَ؟ فيقولُ: أنا عملك الصَّالح، وأنا عملك السيئ"
(1)
.
وهذا حقيقة لا خيال؛ ولكنَّ اللَّه سبحانه أنشأ له من عمله صورةً حسنةً، وصورة قبيحة، وهل النور الَّذي يُقْسَم بين المؤمنين يوم القيامة إلَّا نفس إيمانهم، أنشأ اللَّهُ سبحانه منه نورًا، يسعى بين أيديهم
(2)
، فهذا أمرٌ معقولٌ لو لم يرد به النص، فورود النص به من باب تطابق السمع والعقل.
وقال سعيد عن قتادة: بلغنا أنَّ نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ المؤمن إذا خرج من قبره صُوِّرَ له عمله في صورةٍ حسنةٍ وشارةٍ
(3)
حسنة، فيقول له: من أنتَ؟ فوالله إنِّي لأراك امرأ الصدق، فيقول له: أنا عملك، فيكون له نورًا وقائدًا إلى الجنَّة. وأمَّا الكافر إذا خرج من قبره، صُوِّر له عمله في صورة سيئة، وشارة سيئة، فيقول: ما أنت؟ فوالله إنِّي لأراك امرأ السوء، فيقول له: أنا عملك، فينطلق به حتَّى يدخله النَّار"
(4)
.
وقال مجاهد: مثل ذلك
(5)
.
= أبو عيسى موسى بن مسلم الطحان، يعرف بالصغير".
(1)
تقدم في ص (141 - 145)، وراجع ص (33 - 34).
(2)
يشير إلى آية الحديد (12)، وآية التحريم (8).
(3)
في "ب، د": "إشارة"، وفي "ج":"وبشارة" في كلا الموضعين.
(4)
أخرجه الطبري في تفسيره (11/ 8) وهو مرسل صحيح الإسناد.
(5)
أخرجه الطبري (11/ 89) بلفظ "يكون لهم نورًا يمشون به".
وهو صحيح عن مجاهد.
وقال ابن جُريج: "يُمَثَّلُ له عمله في صورة حسنة، وريح طيبة، يعارض صاحبه ويبشره بكلِّ خيرٍ، فيقول له: من أنتَ؟ فيقول: أنا عملك، فيجعل له نورًا بين يديه حتَّى يدخله الجنَّة فذلك قوله:{يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس: 9]، والكافرُ يُمَثَّلُ له عمله في صورةٍ سيِّئة وريح منتنة، فيلازم صاحبه ويُلادُّهُ
(1)
حتَّى يقذفه في النَّارِ"
(2)
.
وقال ابن المبارك: حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن أنَّه ذكر هذه الآية:{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) } [الصافات: 58 - 59] قال: "علموا أنَّ كلَّ نعيمٍ بعده الموتُ أنَّه يقطعه، فقالوا: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) } قيل: لا، قالوا: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) } "
(3)
.
وكان يزيد الرَّقاشي يقول في كلامه: "أَمِنَ أهلُ الجنَّة من الموتِ، فطابَ لهم العيش، وأمِنُوا من الأسقامِ، فهُنا هم في جوار اللَّهِ طول
(4)
المقام، ثمَّ يبكي حتَّى تجري دموعه على لحيته"
(5)
.
(1)
كذا في جميع النسخ ومعناهُ السَّير بجانبه، انظر: اللسان (3/ 390)، ووقع عند الطبري (15/ 28 - ط/ شاكر)"ويلازُّهُ" بالزَّاي المشدَّدة، وهي بمعنى المقارنة والملازمة.
(2)
أخرجه الطبري (11/ 89).
(3)
أخرجه ابن المبارك في الزهد -رواية نُعيم- رقم (278)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 521 - الدر المنثور).
وسنده صحيح.
(4)
ليس في "ب".
(5)
ذكره المزي في تهذيب الكمال (32/ 73).