المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَقُول لما كَانَ من حق الصَّلَاة أَن يكثر مِنْهَا - - حجة الله البالغة - جـ ٢

[ولي الله الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(الستْرَة)

- ‌(الْأُمُور الَّتِي لَا بُد مِنْهَا فِي الصَّلَاة)

- ‌(أذكار الصَّلَاة وهيأتها الْمَنْدُوب إِلَيْهَا)

- ‌‌‌(مَا لَا يجوز فِي الصَّلَاة

- ‌(مَا لَا يجوز فِي الصَّلَاة

- ‌(سُجُود السَّهْو)

- ‌(سُجُود التِّلَاوَة)

- ‌(النَّوَافِل)

- ‌(الاقتصاد فِي الْعَمَل)

- ‌(بَاب صَلَاة المعذورين)

- ‌(الْجَمَاعَة)

- ‌(الْجُمُعَة)

- ‌(العيدان)

- ‌(الْجَنَائِز)

- ‌(من أَبْوَاب الزَّكَاة)

- ‌(فضل الْإِنْفَاق وكراهية الْإِمْسَاك)

- ‌(مقادير الزَّكَاة)

- ‌(المصارف)

- ‌(أُمُور تتَعَلَّق بِالزَّكَاةِ)

- ‌(من أَبْوَاب الصَّوْم)

- ‌(فضل الصَّوْم)

- ‌(أَحْكَام الصَّوْم)

- ‌(أُمُور تتَعَلَّق بِالصَّوْمِ)

- ‌(من أَبْوَاب الْحَج)

- ‌(صفة الْمَنَاسِك)

- ‌(قصَّة حجَّة الْوَدَاع)

- ‌(أُمُور تتَعَلَّق بِالْحَجِّ)

- ‌(من أَبْوَاب الْإِحْسَان)

- ‌(الْأَذْكَار وَمَا يتَعَلَّق بهَا)

- ‌(بَقِيَّة مبَاحث الاحسان)

- ‌(المقامات وَالْأَحْوَال)

- ‌(من أَبْوَاب ابْتِغَاء الرزق)

- ‌(الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا)

- ‌(أَحْكَام البيع)

- ‌(التَّبَرُّع والتعاون)

- ‌(الْفَرَائِض)

- ‌(من أَبْوَاب تَدْبِير الْمنزل)

- ‌(الْخطْبَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا)

- ‌(ذكر العورات)

- ‌(صفة النِّكَاح)

- ‌(الْمُحرمَات)

- ‌(آدَاب الْمُبَاشرَة)

- ‌(حُقُوق الزَّوْجِيَّة)

- ‌(الطَّلَاق)

- ‌(الْخلْع. وَالظِّهَار. وَاللّعان. والايلآء)

- ‌(الْعدة)

- ‌(تربية الْأَوْلَاد والمماليك)

- ‌(الْعَقِيقَة)

- ‌(من أَبْوَاب سياسة المدن)

- ‌(الْخلَافَة)

- ‌(الْمَظَالِم)

- ‌(الْحُدُود)

- ‌(الْقَضَاء)

- ‌(الْجِهَاد)

- ‌(من أَبْوَاب الْمَعيشَة)

- ‌(الْأَطْعِمَة والأشربة)

- ‌(آدَاب الطَّعَام)

- ‌(المسكرات)

- ‌(اللبَاس. والزينة. والأواني وَنَحْوهَا)

- ‌(آدَاب الصُّحْبَة)

- ‌(وَمِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا المبحث أَحْكَام النذور والايمان)

- ‌(من أَبْوَاب شَتَّى)

- ‌(سير النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(الْفِتَن)

- ‌(المناقب)

الفصل: أَقُول لما كَانَ من حق الصَّلَاة أَن يكثر مِنْهَا -

أَقُول لما كَانَ من حق الصَّلَاة أَن يكثر مِنْهَا - وأصل الصَّلَاة يَتَأَتَّى قَائِما وَقَاعِدا كَمَا بَينا، وَإِنَّمَا وَجب الْقيام عِنْد التشريع، مَا لَا يدْرك كُله لَا يتْرك كُله - واقتضت الرَّحْمَة أَن يسوغ لَهُم الصَّلَاة النَّافِلَة قَاعِدا، وَبَين لَهُم مَا بَين الدرجتين.

وَقد وَردت صَلَاة الطَّالِب، وَصَلَاة الْمَطَر، وَصَلَاة الوحل: وَلم يترخص أحد من الصَّحَابَة فِي الضوابط وَالْحُدُود من ضَرُورَة لَا يجد مِنْهَا بدا من غير شَائِبَة الْإِنْكَار والتهاون إِلَّا وَسلمهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَوله صلى الله عليه وسلم " فَإِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم " كلمة جَامِعَة، وَالله أعلم.

(الْجَمَاعَة)

اعْلَم أَنه لَا شَيْء أَنْفَع من غائلة الرسوم من أَن يَجْعَل شَيْء من الطَّاعَات رسما فاشيا يُؤَدِّي على رُءُوس الخامل والنبيه، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَاضِر والباد، ويجرى فِيهِ التفاخر والتباهي، حَتَّى تدخل فِي الارتفاقات الضرورية الَّتِي لَا يُمكن لَهُم أَن يتركوها، وَلَا أَن يهملوها لتصير مؤيدا لعبادة الله، وَالسّنة تَدْعُو إِلَى الْحق، وَيكون الَّذِي يخَاف مِنْهُ الضَّرَر هُوَ الَّذِي يجلبهم إِلَى الْحق.

وَلَا شَيْء من الطَّاعَات أتم شَأْنًا وَلَا أعظم برهانا من الصَّلَاة، فَوَجَبَ إشاعتها فِيمَا بَينهم والاجتماع لَهَا، وموافقة النَّاس فِيهَا.

وَأَيْضًا فالملة تجمع نَاسا عُلَمَاء يقْتَدى بهم، وناسا يَحْتَاجُونَ فِي تحصل إحسانهم إِلَى دَعْوَة حثيثة، وناسا ضعفاء البنية وَلَو لم يكلفوا أَن يؤدوا على أعين النَّاس تهاونوا فِيهَا. فَلَا أَنْفَع وَلَا أوفق بِالْمَصْلَحَةِ فِي حق هَؤُلَاءِ جَمِيعًا أَن يكلفوا أَن يطيعوا الله على أعين النَّاس ليتميز فاعلها من تاركها، وراغبها من الزَّاهِد فِيهَا، ويقتدي بعالمها، وَيعلم جاهلها، وَتَكون طَاعَة الله فيهم كسبيكة تعرض على طائف النَّاس، يُنكر مِنْهَا الْمُنكر، وَيعرف مِنْهَا الْمَعْرُوف، وَيرى غشها وخالصها.

وَأَيْضًا فلاجتماع الْمُسلمين راغبين فِي الله، راجين راهبين مِنْهُ، مُسلمين وُجُوههم إِلَيْهِ - خاصية عَجِيبَة فِي نزُول البركات وتدلي الرَّحْمَة كَمَا بَينا فِي الاسْتِسْقَاء. وَالْحج.

وَأَيْضًا فمراد الله من نصب هَذِه الْأمة أَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا، وَألا يكون فِي الأَرْض دين أَعلَى من الْإِسْلَام، وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك إِلَّا بِأَن يكون سنتهمْ أَن يجْتَمع خاصتهم وعامتهم، وحاضرهم وباديهم، وصغيرهم وَكَبِيرهمْ، لما هُوَ أعظم شعائره وَأشهر طاعاته.

فلهذه الْمعَانِي انصرفت الْعِنَايَة التشريعية إِلَى شرع الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات، وَالتَّرْغِيب فِيهَا وتغليظ النَّهْي عَن تَركهَا.

ص: 39

والإشاعة إشاعتان: إِشَاعَة فِي الْحَيّ، وإشاعة فِي الْمَدِينَة، والإشاعة فِي الْحَيّ تتيسر فِي كل وَقت صَلَاة والإشاعة فِي الْمَدِينَة لَا تتيسر إِلَّا غب طَائِفَة من الزَّمَان كالأسبوع، أما الأولى فَهِيَ الْجَمَاعَة، وفيهَا قَوْله صلى الله عليه وسلم: صَلَاة الْجَمَاعَة تفصل صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين دَرَجَة " وَفِي رِوَايَة " بِخمْس وَعشْرين دَرَجَة " وَقد صرح النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَو لوح أَن من المرجحات أَنه إِذا تَوَضَّأ، فَأحْسن وضوءه، ثمَّ توجه إِلَى الْمَسْجِد، لَا ينهضه إِلَّا الصَّلَاة كَانَ مَشْيه فِي حكم الصَّلَاة، وخطواته مكفرات لذنوبه، وَأَن دَعْوَة الْمُسلمين تحيط بهم من ورائهم، وَأَن فِي انْتِظَار الصَّلَوَات معنى الرِّبَاط وَالِاعْتِكَاف إِلَى غير ذَلِك، ثمَّ مَا نوه بِأحد العددين الْمَذْكُورين إِلَّا لنكتة بليغة تمثلت عِنْده صلى الله عليه وسلم، وَقد ذَكرنَاهَا من قبل فراجع، وَلَيْسَ فِي الْحق الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه جزاف بِوَجْه من الْوُجُوه.

وفيهَا قَوْله صلى الله عليه وسلم " مَا من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة أَو بَدو لَا تُقَام فيهم الصَّلَاة إِلَّا قد استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان " أَقُول هُوَ إِشَارَة إِلَى أَن تَركهَا يفتح بَاب التهاون.

وَقَوله صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد هَمَمْت أَن آمُر بحطب فيحطب " الحَدِيث أَقُول الْجَمَاعَة سنة مُؤَكدَة تُقَام اللأئمة على تَركهَا لِأَنَّهَا من شَعَائِر الدّين، لكنه صلى الله عليه وسلم رأى من بعض من هُنَالك تأخرا واستبطاء، وَعرف أَن سَببه ضعف النِّيَّة فِي الْإِسْلَام، فَشدد النكير عَلَيْهِم، وأخاف قُلُوبهم.

ثمَّ لما كَانَ فِي شُهُود الْجَمَاعَة حرج للضعيف، والسقيم، وَذي الْحَاجة اقْتَضَت الْحِكْمَة أَن يرخص فِي تَركهَا عِنْد ذَلِك، ليتَحَقَّق الْعدْل بَين الإفراط والتفريط:

فَمن أَنْوَاع الْحَرج لَيْلَة ذَات برد ومطر، وَيسْتَحب عِنْد ذَلِك قَول الْمُؤَذّن: أَلا صلوا فِي الرّحال.

وَمِنْهَا حَاجَة يعسر التَّرَبُّص بهَا كالعشاء إِذا حضر، فَإِنَّهُ رُبمَا تتشوف نفس إِلَيْهِ، وَرُبمَا يضيع الطَّعَام، وكمدافعة الاخبثين، فَإِنَّهُ بمعزل عَن فَائِدَة الصَّلَاة مَعَ مَا بِهِ من اشْتِغَال النَّفس، وَلَا اخْتِلَاف بَين حَدِيث لَا صَلَاة بِحَضْرَة الطَّعَام " وَحَدِيث " لَا تؤخروا الصَّلَاة

ص: 40

لطعام وَلَا غَيره " إِذْ يُمكن تَنْزِيل كل وَاحِد على صُورَة أَو معنى إِذْ المُرَاد نفي وجوب الْحُضُور سدا لباب التعمق، وَعدم التَّأْخِير هُوَ الْوَظِيفَة لمن أَمن شَرّ التعمق، وَذَلِكَ كتنزيل فطر الصَّائِم وَعَدَمه على الْحَالين، أَو التَّأْخِير إِذا كَانَ تشوف إِلَى الطَّعَام، أَو خوف ضيَاع وَعَدَمه إِذا لم يكن، وَذَلِكَ مَأْخُوذ من حَالَة الْعلَّة.

وَمِنْهَا مَا إِذا كَانَ خوف فتْنَة كامرأة أَصَابَت بخورا، وَلَا اخْتِلَاف بَين قَوْله صلى الله عليه وسلم:" إِذا اسْتَأْذَنت امْرَأَة أحدكُم إِلَى الْمَسْجِد فَلَا يمْنَعهَا " وَبَين مَا حكم بِهِ جُمْهُور الصَّحَابَة من مَنعهنَّ إِذْ الْمنْهِي الْغيرَة الَّتِي تنبعث من الأنفة دون خوف الْفِتْنَة، والجائز مَا فِيهِ خوف الْفِتْنَة، وَذَلِكَ قَوْله صلى الله عليه وسلم الْغيرَة غيرتان " الحَدِيث، وَحَدِيث عَائِشَة " إِن النِّسَاء أحدثن " الحَدِيث.

وَمِنْهَا الْخَوْف وَالْمَرَض، وَالْأَمر فيهمَا الظَّاهِر، وَمعنى قَوْله صلى الله عليه وسلم

للأعمى أتسمع النداء بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فأجب أَن سُؤَاله كَانَ فِي الْعَزِيمَة فَلم يرخص لَهُ.

ثمَّ وَقعت الْحَاجة إِلَى بَيَان الأحق بِالْإِمَامَةِ، وَكَيْفِيَّة الِاجْتِمَاع، وَوَصِيَّة الإِمَام أَن يُخَفف بالقوم، والمأمومين أَن يحافظوا على اتِّبَاعه، وقصة معَاذ رضي الله عنه فِي الإطالة مَشْهُورَة، فَبين هَذِه الْمعَانِي بأوكد وَجه، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم يؤم الْقَوْم أقرؤهم للْكتاب الله فَإِن كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاء فأعلمهم بِالسنةِ، فَإِن كَانُوا فِي السّنة سَوَاء فأقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاء فأقدمهم سنا، وَلَا يُؤمن الرجل الرجل فِي سُلْطَانه ".

وَسبب تَقْدِيم الأقرأ أَنه صلى الله عليه وسلم حد للْعلم حدا مَعْلُوما كَمَا بَينا، وَكَانَ أول مَا هُنَالك معرفَة كتاب الله لِأَنَّهُ أصل الْعلم، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ من شَعَائِر الله، فَوَجَبَ أَن يقدم صَاحبه، وينوه بِشَأْنِهِ؛ ليَكُون ذَلِك دَاعيا إِلَى التنافس فِيهِ، وَلَيْسَ كَمَا يظنّ أَن السَّبَب احْتِيَاج الْمُصَلِّي إِلَى الْقِرَاءَة فَقَط، وَلَكِن الأَصْل حملهمْ على المنافسة فِيهَا، وَإِنَّمَا تدْرك الْفَضَائِل بالمنافسة، وَسبب خُصُوص الصَّلَاة بِاعْتِبَار المنافسة احتياجها إِلَى الْقِرَاءَة فليتدبر.

ثمَّ من بعْدهَا معرفَة السّنة لِأَنَّهُ تلو الْكتاب، وَبهَا قيام الْملَّة، وَهِي مِيرَاث النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قومه.

ص: 41

ثمَّ بعده اعْتبرت الْهِجْرَة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم عظم أَمر الْهِجْرَة، وَرغب فِيهَا، ونوه بشأنها، وَهَذَا من تَمام التَّرْغِيب والتنويه.

ثمَّ زِيَادَة السن إِذْ السّنة الفاشية فِي الْملَل جَمِيعهَا توقير الْكَبِير، وَلِأَنَّهُ أَكثر تجربة، وَأعظم حلما.

وَإِنَّمَا نهى عَن التَّقَدُّم على ذِي سُلْطَان فِي سُلْطَانه لِأَنَّهُ يشق عَلَيْهِ، ويقدح فِي سُلْطَانه، فشرع ذَلِك إبْقَاء عَلَيْهِ.

وَقَوله صلى الله عليه وسلم إِذا صلى أحدكُم للنَّاس فليخفف، فَإِن فيهم السقيم والضعيف وَالْكَبِير، وَإِذا صلى أحدكُم لنَفسِهِ فليطول مَا شَاءَ " أَقُول: الدعْوَة إِلَى الْحق لَا تتمّ مائدتها إِلَّا بالتيسير، والتنفير يُخَالف الْمَوْضُوع، وَالشَّيْء الَّذِي يُكَلف بِهِ جُمْهُور النَّاس من حَقه التَّخْفِيف كَمَا صرح النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ إِن مِنْكُم منفرين ".

قَوْله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، فَلَا تختلفوا عَلَيْهِ، فَإِذا ركع، فاركعوا، وَإِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده، فَقَالُوا اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد، وَإِذا سجد، فاسجدوا، وَإِذا صلى جَالِسا، فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ " وَفِي رِوَايَة " وَإِذا قَالَ:(وَلَا الضَّالّين) فَقولُوا: أَمِين " أَقُول بَدْء الْجَمَاعَة مَا اجتهده عَلَيْهِ معَاذ رضي الله عنه بِرَأْيهِ، فقرره النَّبِي صلى الله عليه وسلم واستصوبه، وَإِنَّمَا اجْتهد لِأَنَّهُ بِهِ تصير صلَاتهم وَاحِدَة، وَدون ذَلِك إِنَّمَا هُوَ اتِّفَاق فِي الْمَكَان دون الصَّلَاة.

وَقَوله صلى الله عليه وسلم إِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا " مَنْسُوخ بِدَلِيل إِمَامَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي آخر عمره جَالِسا وَالنَّاس قيام، والسر فِي هَذَا النّسخ أَن جُلُوس الإِمَام وَقيام الْقَوْم يشبه فعل الْأَعَاجِم فِي إفراط تَعْظِيم مُلُوكهمْ كَمَا صرح بِهِ فِي بعض رِوَايَات الحَدِيث، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ الْأُصُول الإسلامية، وَظَهَرت الْمُخَالفَة مَعَ الْأَعَاجِم فِي كثير من الشَّرَائِع رجح قِيَاس آخر، وَهُوَ أَن الْقيام ركن الصَّلَاة، فَلَا يتْرك من غير عذر وَلَا عذر للمقتدي.

قَوْله صلى الله عليه وسلم ليلنى مِنْكُم أَو لَو الأحلام وَالنَّهْي، ثمَّ الَّذين

يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا وَإِيَّاكُم وهيشات الْأَسْوَاق " أَقُول: ذَلِك ليتقرر عِنْدهم توقير الْكَبِير، أَو ليتنافسوا فِي عَادَة أهل السؤدد، وَلِئَلَّا يشق على أولى الأحلام تَقْدِيم من دونهم عَلَيْهِم، وَنهى عَن الهيشات تأدبا، وليتمكنوا من تدبر الْقُرْآن، وليتشبهوا بِقوم ناجوا الْملك.

ص: 42

قَوْله صلى الله عليه وسلم أَلا تصفون كَمَا تصف الْمَلَائِكَة عِنْد رَبهَا " أَقُول لكل ملك مقَام مَعْلُوم، وَإِنَّمَا وجدوا على مُقْتَضى التَّرْتِيب الْعقلِيّ فِي الاستعدادات، فَلَا يُمكن أَن يكون هُنَالك فُرْجَة، قَوْله صلى الله عليه وسلم إِنِّي لأرى الشَّيْطَان يدْخل من خلل الصَّفّ كَأَنَّهَا الْحَذف ". أَقُول: قد جربنَا أَن التراص فِي حلق الذّكر سَبَب جمع الخاطر ووجدان الْحَلَاوَة فِي الذّكر وسد الخطرات، وَتَركه ينقص من هَذِه الْمعَانِي، والشيطان يدْخل كلما انْتقصَ شَيْء من هَذِه الْمعَانِي، فَرَأى ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم متمثلا بِهَذِهِ الصُّورَة، وَإِنَّمَا رأى فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن دُخُول الْحَذف أقرب مَا يرى فِي الْعَادة من هجوم شَيْء فِي المضايق مَعَ السوَاد الْمشعر بقبح السريرة. فتمثل الشَّيْطَان بِتِلْكَ الصُّورَة.

قَوْله صلى الله عليه وسلم لتسون صفوفكم، أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم " وَقَوله صلى الله عليه وسلم أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام أَن يحول الله رَأسه إِلَى رَأس حمَار " أَقُول: كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمرهم بالتسوية والاتباع، ففرطوا، وسجل عَلَيْهِم، فَلم ينزجروا، فغلظ التهديد، وأخافهم إِن أصروا على الْمُخَالفَة أَن يلعنهم الْحق؛ إِذْ منابذة التدليات الإلهية جالبة للعن، واللعن إِذا أحَاط بِأحد يُورث المسخ،

أَو وُقُوع الْخلاف بَينهم، والنكتة فِي خُصُوص الْحمار أَنه بَهِيمَة يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْحمق والإهانة، كَذَلِك هَذَا العَاصِي غلب عَلَيْهِ البهيمية والحمق، وَفِي خُصُوص مُخَالفَة الْوُجُوه أَنهم أساءوا الْأَدَب فِي إِسْلَام الْوَجْه لله، فجوزوا فِي الْعُضْو الَّذِي أساءوا بِهِ، كَمَا فِي كي الْوُجُوه، أَو اخْتلفُوا صُورَة بالتقدم والتأخر، فجوزوا بالاختلاف معنى والمناقشة.

قَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا جئْتُمْ إِلَى الصَّلَاة وَنحن سُجُود فاسجدوا، وَلَا تعدوه شَيْئا، وَمن أدْرك الرَّكْعَة فقد أدْرك الصَّلَاة " أَقُول: ذَلِك لِأَن الرُّكُوع أقرب شبها بِالْقيامِ، فَمن أدْرك الرُّكُوع فَكَأَنَّهُ أدْركهُ، وَأَيْضًا فالسجدة أصل أصُول الصَّلَاة وَالْقِيَام وَالرُّكُوع تمهيدا لَهُ وتوطئة.

ص: 43