الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي رِوَايَة إِن قربك، فَلَا خِيَار لَك، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا بُد من ضرب حد يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْخِيَار، وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْخِيَار طول عمرها، وَفِي ذَلِك قلب مَوْضُوع النِّكَاح، وَلَا يصلح اخْتِيَارهَا إِيَّاه بالْكلَام حَتَّى يَنْتَهِي إِلَيْهِ، لِأَنَّهَا رُبمَا تشَاور أَهلهَا، وتقلب الْأَمر فِي نَفسهَا وَكَثِيرًا مَا يجْرِي عِنْد ذَلِك صِيغَة الِاخْتِيَار وَإِن لم تجزم بِهِ، وَفِي إلجائها أَلا تَتَكَلَّم بِمِثْلِهَا حرج، فَلَا أَحَق من القربان إِذْ هُوَ فَائِدَة الْملك وَالشَّيْء الَّذِي يقْصد مِنْهُ وَالْأَمر الَّذِي يتم بِهِ، وَالله أعلم.
(الطَّلَاق)
قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
" أَيّمَا امْرَأَة سَأَلت زَوجهَا طَلَاقا من غير بَأْس فَحَرَام عَلَيْهَا رَائِحَة الْجنَّة "
، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق " اعْلَم أَن فِي الأكثار من الطَّلَاق وجريان الرَّسْم بِعَدَمِ المبالاة بِهِ مفاسد كَثِيرَة، وَذَلِكَ أَن نَاسا ينقادون إِلَى لشَهْوَة الْفرج،
وَلَا يقصدون إِقَامَة تَدْبِير الْمنزل وَلَا التعاون فِي الارتفاقات وَلَا تحصين الْفرج، وَإِنَّمَا مطمح أَبْصَارهم التَّلَذُّذ بِالنسَاء وذوق لَذَّة كل امْرَأَة، فيهيجهم ذَلِك إِلَى أَن يكثروا الطَّلَاق وَالنِّكَاح، وَلَا فرق بَينهم وَيبين الزناة من جِهَة مَا يرجع إِلَى نُفُوسهم، وَإِن تميزوا عَنْهُم بِإِقَامَة سنة النِّكَاح والموافقة لسياسة الْمَدِينَة، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:
" لعن الله الذواقين والذواقات " وَأَيْضًا فَفِي جَرَيَان الرَّسْم لذَلِك إهمال لتوطين النَّفس على المعاونة الدائمة أَو شبه الدائمة، وَعَسَى إِن فتح هَذِه الْبَاب أَن يضيق صَدره أَو صدرها فِي شَيْء من محقرات الْأُمُور، فيندفعان إِلَى الْفِرَاق، وَأَيْنَ ذَلِك من احْتِمَال أعباء الصُّحْبَة، وَالْإِجْمَاع على إدامة هَذَا النّظم؟ وَأَيْضًا فَإِن اعتيادهن بذلك وَعدم مبالاة النَّاس بِهِ وَعدم حزنهمْ عَلَيْهِ يفتح بَاب الوقاحة، وَألا يَجْعَل كل مِنْهُمَا ضَرَر الآخر ضَرَر نَفسه، وَأَن تخون كل وَاحِد الآخر يمهد لنَفسِهِ إِن وَقع الِافْتِرَاق، وَفِي ذَلِك مَا لَا يخفى، وَمَعَ ذَلِك لَا يُمكن سد هَذَا الْبَاب والتضيق، فِيهِ فانه قد يصير الزَّوْجَانِ متناشزين إِمَّا لسوء خلقهما أَو لطموح غين أَحدهمَا إِلَى حسن إِنْسَان آخر أَو لضيق معيشتهما أَو
لخرق وَاحِد مِنْهُمَا، وَنَحْو ذَلِك من الْأَسْبَاب، فَيكون إدامة هَذَا النّظم مَعَ ذَلِك بلَاء عَظِيما وحرجا.
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ، وَعَن الْمَعْتُوه حَتَّى يعقل " أَقُول: السِّرّ فِي ذَلِك أَن مبْنى جَوَاز الطَّلَاق بل الْعُقُود كلهَا على الْمصَالح الْمُقْتَضِيَة لَهَا، والنائم وَالصَّبِيّ وَالْمَعْتُوه بمعزل عَن معرفَة تِلْكَ الْمصَالح.
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا طَلَاق وَلَا إِعْتَاق فِي إغلاق " مَعْنَاهُ: فِي إِكْرَاه، اعْلَم أَن السَّبَب فِي هدر طَلَاق الْمُكْره شَيْئَانِ:
أَحدهمَا أَنه لم يرض بِهِ، وَلم يرد فِيهِ مصلحَة منزلية، وَإِنَّمَا هُوَ لحادثة لم يجد مِنْهَا بدا، فَصَارَ بِمَنْزِلَة النَّائِم.
وَثَانِيهمَا أَنه لَو اعْتبر طَلَاقه طَلَاقا لَكَانَ ذَلِك فتحا لباب الاكراه، فَعَسَى أَن يختطف الْجَبَّار الضَّعِيف من حَيْثُ لَا يعلم النَّاس، ويخيفه بِالسَّيْفِ، ويكرهه على الطَّلَاق إِذا رغب فِي امْرَأَته، فَلَو خيبنا رَجَاءَهُ، وقلبنا عَلَيْهِ مُرَاده كَانَ ذَلِك سَببا لترك تظالم النَّاس فِيمَا بَينهم بالاكراه، وَنَظِيره مَا ذكرنَا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم:
" الْقَاتِل لَا يَرث ".
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَا طَلَاق فِيمَا لَا لَا يملك " وَقَالَ عليه السلام: " لَا طَلَاق قبل النِّكَاح ". أَقُول: الظَّاهِر أَنه يعم الطَّلَاق المنجر وَالْمُعَلّق بِنِكَاح وَغَيره، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن الطَّلَاق إِنَّمَا يجوز فِي للْمصْلحَة، والمصلحة لَا تتمثل عِنْده قبل أَن يملكهَا، وَيرى مِنْهَا سيرتها، فَكَانَ طَلاقهَا قبل ذَلِك بِمَنْزِلَة نِيَّة الْمُسَافِر الْإِقَامَة فِي الْمَفَازَة أَو الغازى فِي دَار الْحَرْب مِمَّا تكذبه دَلَائِل الْحَال، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يطلقون ويراجعون إِلَى مَتى شَاءُوا وَكَانَ فِي ذَلِك من الأضرار مَا لَا يخفى، فَنزل قَوْله تَعَالَى:
{الطَّلَاق مَرَّتَانِ} . الْآيَة
مَعْنَاهُ: أَن الطَّلَاق المعقب للرجعة مَرَّتَانِ، فَإِن طَلقهَا الثَّالِثَة، فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره، وألحقت السّنة ذوق الْعسيلَة بِالنِّكَاحِ.
والسر فِي جعل الطَّلَاق ثَلَاثًا لَا يزِيد عَلَيْهَا أَنَّهَا أول حد كَثْرَة، وَلِأَنَّهُ لَا بُد من ترو، وَمن النَّاس لَا يتَبَيَّن لَهُ الْمصلحَة حَتَّى يَذُوق فقدا، وأصل التجربة وَاحِدَة، ويكملها ثِنْتَانِ.
وَأما اشْتِرَاط النِّكَاح بعد الثَّالِثَة فلتحقيق معنى التَّحْدِيد والإنهاء، وَذَلِكَ أَنه لَو جَازَ رُجُوعهَا إِلَيْهِ من غير تخَلّل نِكَاح الآخر كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الرّجْعَة،
فَإِن نِكَاح الْمُطلقَة إِحْدَى الرجعتين، وَأَن الْمَرْأَة مَا دَامَت فِي بَيته وَتَحْت يَده وَبَين أظهر أَقَاربه يُمكن أَن يغلب على رأيها، وتضطر إِلَى رضَا مَا يسولون لَهَا فَإِذا فَارَقْتهمْ، ذاقت الْحر والقر، ثمَّ رضيت بعد ذَلِك فَهُوَ حَقِيقِيَّة الرِّضَا، وَأَيْضًا فَفِيهِ إذاقة الْفَقْد ومعاقبة على اتِّبَاع دَاعِيَة الضجر من غيرتروي مصلحَة مهمة أَيْضا: فَفِيهِ إعظام المطلقات الثَّلَاث بَين أَعينهم وَجعلهَا بِحَيْثُ لَا يُبَادر إِلَيْهَا إِلَّا من وَطن نَفسه على ترك الطمع فِيهَا إِلَّا بعد ذل وإرغام أنف لَا مزِيد عَلَيْهِ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لامْرَأَة رِفَاعَة حِين طَلقهَا، فَبت طَلاقهَا، فنكحت زوجا غَيره: أَتُرِيدِينَ أَن ترجعى إِلَى رِفَاعَة؟ قَالَت: نعم، قَالَ: لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك ". أَقُول: إِنَّمَا شَرط تَمام النِّكَاح بذوق الْعسيلَة ليتَحَقَّق معنى التَّحْدِيد الَّذِي ضرب عَلَيْهِم فَإِنَّهُ لَوْلَا ذَلِك لاحْتِمَال رجل باجراء صِيغَة النِّكَاح على اللِّسَان، ثمَّ يُطلق فِي الْمجْلس، وَهَذَا مناقضة لفائدة التَّحْدِيد.
وَلعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمُحَلّل والمحلل لَهُ. أَقُول: لما كَانَ من النَّاس من ينْكح لمُجَرّد التَّحْلِيل من غير أَن يقْصد مِنْهَا تعاونا فِي الْمَعيشَة، وَلَا يتم بذلك الْمصلحَة الْمَقْصُودَة، وَأَيْضًا فَفِيهِ وقاحة وإهمال غيرَة وتسويغ إزدحام على الموطوأة من غير أَن يدْخل فِي تضاعيف المعاونة نهى عَنهُ.
وطلق عبد الله بن عمر رضي الله عنه امْرَأَته وَهِي حَائِض. وَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم، فتغيظ، وَقَالَ: ليراجعها، ثمَّ ليمسكها حَتَّى تطهر، ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر، فَإِن بدا لَهُ أَن يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا طَاهِرا قبل أَن يَمَسهَا ". أَقُول: السِّرّ فِي ذَلِك أَن الرجل قد يبغض الْمَرْأَة بغضة طبيعية، وَلَا طَاعَة لَهَا مثل كَونهَا حَائِضًا، وَفِي هَيْئَة رثَّة وَقد، يبغضها لمصْلحَة يحكم بإقامتها
الْعقل السَّلِيم مَعَ وجود