الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نافحت عَن الله وَرَسُوله " وَقَالَ عليه السلام: " إِن الْمُؤمن يُجَاهد بِسَيْفِهِ وَلسَانه وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ فَكَأَنَّمَا ترمونهم بِهِ نضح النبل ".
وَقد ذكرنَا فِي الاحسان من أصُول آفَات اللِّسَان مَا يَتَّضِح بِهِ أَحَادِيث حفظ اللِّسَان كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:
" من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلْيقل خيرا أَو لِيَسْكُت " وَقَوله عليه الصلاة والسلام. " سباب الْمُسلم فسوق وقتاله كفر " وَقَوله صلى الله عليه وسلم:
" أَتَدْرُونَ مَا الْغَيْبَة؟ ذكر أَخَاك بِمَا يكره، قيل: أَفَرَأَيْت إِن كَانَ فِي أخي مَا أَقُول؟ قَالَ. إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقول فقد اغْتَبْته وَإِن لم يكن فِيهِ فقد بَهته ".
وَقَالَ الْعلمَاء يسْتَثْنى من تَحْرِيم الْغَيْبَة أُمُور سِتَّة: التظلم لقَوْله تَعَالَى:
{لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل إِلَّا من ظلم} .
والاستعانة على تَغْيِير الْمُنكر ورد العَاصِي إِلَى الصَّوَاب كاخبار زيد ابْن أَرقم بقول عبد الله بن أبي. وإخبار ابْن مَسْعُود بقول الْأَنْصَار فِي مَغَانِم حنين. والاستفتاء كَقَوْل هِنْد: إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح، وتحذير الْمُسلمين من الشَّرّ كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:
" بئس أَخُو الْعَشِيرَة " وكجرح الْمَجْرُوحين وَكَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:
" أما مُعَاوِيَة فصعلوك، وَأما أَبُو الجهم فَلَا يضع الْعَصَا عَن عَاتِقه " والتنفير من مجاهر بِالْفِسْقِ كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:
" لَا أَظن فلَانا وَفُلَانًا يعرفان من أمرنَا شَيْئا " والتعريف كالأعمش. والأعرج.، وَقَالُوا: الْكَذِب يجوز إِذا كَانَ تَحْصِيل الْمَقْصُود لَا يُمكن إِلَّا بِهِ، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم
" لَيْسَ الْكذَّاب الَّذِي يصلح بَين النَّاس فينمي خيرا أَو يَقُول خيرا ".
(وَمِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا المبحث أَحْكَام النذور والايمان)
وَالْجُمْلَة فِي ذَلِك أَنَّهَا من ديدن النَّاس وعادتهم عربهم وعجمهم إِلَّا تَجِد وَاحِدَة من الْأُمَم لَا تستعملها فِي مظانها فَوَجَبَ الْبَحْث عَنْهَا.
وَلَيْسَ النّذر من أصُول الْبر وَلَا الْإِيمَان، وَلَكِن إِذا أوجب الْإِنْسَان على نَفسه وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَجب أَلا يفرط فِي جنب الله وَفِيمَا ذكر عَلَيْهِ اسْم الله، وَلذَلِك قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا تنذروا فَإِن النّذر لَا يُغني من الْقدر شَيْئا وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل " يَعْنِي أَن الْإِنْسَان إِذا أحيط بِهِ رُبمَا يسهل عَلَيْهِ إِنْفَاق شَيْء فَإِذا أنقذه الله من تِلْكَ الْمهْلكَة كَانَ كَأَن لم يمسهُ ضرّ قطّ، فَلَا بُد من شَيْء يسْتَخْرج بِهِ مَا الْتَزمهُ على نَفسه مِمَّا يُؤَكد عزيمته وينوه نِيَّته.
وَالْحلف على أَرْبَعَة أضْرب: يَمِين منعقدة وَهِي الْيَمين على مُسْتَقْبل مُتَصَوّر عاقدا عَلَيْهِ قلبه، وفيهَا قَوْله تَعَالَى:
{وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} .
ولغو الْيمن قَول الرجل: لَا وَالله. وبلى وَالله من غير قصد، وَأَن يحلف على شَيْء يَظُنّهُ كَمَا حلف متبين بِخِلَافِهِ، وفيهَا قَوْله تَعَالَى.
{لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} .
وَالْيَمِين الْغمُوس وَهِي الَّتِي يحلفها كَاذِبًا عَاملا ليقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم وَهِي من الْكَبَائِر.
وَالْيَمِين على مُسْتَحِيل عقلا كَصَوْم أمس، وَالْجمع بَين الضدين، أَو عَادَة كإحياء الْمَيِّت وقلب الْأَعْيَان.
وَاخْتلف فِي الضربين اللَّذين لَيْسَ فيهمَا نَص هَل فيهمَا كَفَّارَة؟ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
" لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ من كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" من حلف بِغَيْر الله فقد أشرك ".
أَقُول: الْحلف باسم شَيْء لَا يتَحَقَّق حَتَّى يعْتَقد فِيهِ عَظمَة وَفِي اسْمه بركَة، والتفريط فِي جنبه وإهمال مَا ذكر اسْمه عَلَيْهِ إِثْمًا.
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" من حلف فَقَالَ فِي حلفه: بِاللات والعزى، فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَمن قَالَ لصَاحبه: تعال أقامرك فليتصدق "
أَقُول: اللِّسَان ترجمان الْقلب ومقدمته وَلَا يتَحَقَّق تَهْذِيب الْقلب حَتَّى يُؤَاخذ بِحِفْظ اللِّسَان.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِذا حَلَفت على يَمِين فَرَأَيْت غَيرهَا خيرا مِنْهَا فَكفر عَن يَمِينك وأت الَّذِي هُوَ خير ".
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِأَن بلج: " إِن يلاج أحدكُم بِيَمِينِهِ فِي أَهله آثم لَهُ عِنْد الله من أَن يُعْطي كَفَّارَته الَّتِي افْترض الله عَلَيْهِ " أَقُول: كثيرا مَا يحلف الْإِنْسَان على شَيْء فيضيق على نَفسه وعَلى النَّاس وَلَيْسَت تِلْكَ من الْمصلحَة، وَإِنَّمَا شرعت الْكَفَّارَة منهية لما يجده الْمُكَلف على نَفسه.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " يَمِينك على مَا يصدقك عَلَيْهِ صَاحبك " أَقُول: قد يحتال لاقتطاع مَال امْرِئ الْمُسلم بِأَن يتَأَوَّل فِي الْيَمين فَيَقُول مثلا وَالله لَيْسَ فِي يَدي من مَالك شَيْء يُرِيد لَيْسَ فِي يَدي شَيْء وَإِن كَانَ فِي تصرفي وقبضي، وَهَذَا مَحَله الظَّالِم.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" من حلف فَقَالَ: إِن شَاءَ الله لم يَحْنَث ".
أَقُول: حِينَئِذٍ لم يتَحَقَّق عقد الْقلب وَلَا جزم النِّيَّة وَهُوَ الْمَعْنى فِي الْكَفَّارَة، قَالَ الله تَعَالَى:
أَقُول: قد مر سر وجوب الْكَفَّارَة من قبل فراجع.
وَالنّذر على أَقسَام: النّذر الْمُبْهم، وَفِيه قَوْله صلى الله عليه وسلم:
" كَفَّارَة النّذر إِن لم يسم كَفَّارَة الْيَمين ".
وَالنّذر الْمُبَاح، وَفِيه قَوْله صلى الله عليه وسلم: أوف بِنَذْرِك " بِلَا وجوب لما يَأْتِي من قصَّة أبي إِسْرَائِيل.
وَنذر طَاعَة فِي مَوضِع بِعَيْنِه أَو بهيئة بِعَينهَا، وَفِيه قصَّة أبي إِسْرَائِيل نذر أَن يقوم وَلَا يقْعد وَلَا يستظل وَلَا يتَكَلَّم ويصوم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
" مروه فَلْيَتَكَلَّمْ وليستظل وليقعد وليتم صَوْمه " وقصة من نذر أَن ينْحَر إبِلا ببوانة لَيْسَ بهَا وثن وَلَا عيد لأهل الْجَاهِلِيَّة. قَالَ:
" أوف بِنَذْرِك ".
وَنذر الْمعْصِيَة، وَفِيه قَوْله صلى الله عليه وسلم:
" من نذر نذرا فِي مَعْصِيّة فكفارته كَفَّارَة يَمِين ".
وَنذر مُسْتَحِيل، وَفِيه قَوْله صلى الله عليه وسلم:
" من نذر نذرا لَا يطيقه فكفارته كَفَّارَة يَمِين " وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب أَن الْكَفَّارَة شرعت منهية للاثم مزيلة لما حاك فِي صَدره فَمن نذر بِطَاعَة فَلْيفْعَل وَمن نذر غير ذَلِك وَوجد فِي صَدره حرجا وَجَبت الْكَفَّارَة، وَالله أعلم.