الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوله صلى الله عليه وسلم: " إِذا صليتما فِي رحالكما، ثمَّ أتيتما مَسْجِد جمَاعَة فَصَليَا مَعَهم، فَإِنَّهَا لَكمَا نَافِلَة " أَقُول: ذَلِك لِئَلَّا يعْتَذر وتارك الصَّلَاة بِأَنَّهُ صلى فِي بَيته، فَيمْتَنع بالإنكار عَلَيْهِ، وَلِئَلَّا تفترق كلمة الْمُسلمين وَلَو بادئ الرَّأْي.
(الْجُمُعَة)
الأَصْل فِيهَا أَنه لما كَانَت إِشَاعَة الصَّلَاة فِي الْبَلَد - بِأَن يجْتَمع لَهَا أَهلهَا - متعذره كل يَوْم وَجب أَن يعين لَهَا حد لَا يسْرع دورانه جدا، فيتعسر عَلَيْهِم، وَلَا ييطؤ جدا، فيفوتهم الْمَقْصُود وَكَانَ الْأُسْبُوع مُسْتَعْملا فِي الْعَرَب والعجم. وَأكْثر الْملَل، وَكَانَ صَالحا لهَذَا الْحَد، فَوَجَبَ أَن يَجْعَل ميقاتها ذَلِك، ثمَّ اخْتلف أهل الْملَل فِي الْيَوْم الَّذِي يُوَقت بِهِ، فَاخْتَارَ الْيَهُود السبت، وَالنَّصَارَى الْأَحَد لمرجحات ظَهرت لَهُم، وَخص الله تَعَالَى هَذِه الْأمة بِعلم عَظِيم نفثه أَولا فِي صُدُور أَصْحَابه صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقَامُوا الْجُمُعَة فِي الْمَدِينَة قبل مقدمه صلى الله عليه وسلم وكشفه عَلَيْهِ ثَانِيًا بِأَن أَتَاهُ جِبْرَائِيل بِمِرْآة فِيهَا نقطة سَوْدَاء، فَعرفهُ مَا أُرِيد بِهَذَا الْمِثَال، فَعرف.
وَحَاصِل هَذَا الْعلم أَن أَحَق الْأَوْقَات بأَدَاء الطَّاعَات هُوَ الْوَقْت الَّذِي يتَقرَّب فِيهِ الله إِلَى عباده، ويستجاب فِيهِ أدعيتهم، لِأَنَّهُ أدنى أَن تقبل طاعتهم، وتؤثر فِي صميم النَّفس، وتنتفع نفع عدد كَبِير من الطَّاعَات، وَأَن لله وقتا دائرا بدوران الْأُسْبُوع يتَقرَّب فِيهِ إِلَى عباده، وَهُوَ الَّذِي يتجلى فِيهِ لعبادة فِي جنَّة الْكَثِيب، وَأَن أقرب مَظَنَّة لهَذَا الْوَقْت هُوَ يَوْم الْجُمُعَة، فَإِنَّهُ وَقع فِيهِ أُمُور عِظَام، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" خير يَوْم طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة، فِيهِ خلق آدم، وَفِيه أَدخل الْجنَّة، وَفِيه أخرج مِنْهَا، وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة، والبهائم تكون فِيهِ مسيخة " يَعْنِي فزعة مرعوبة كَالَّذي مَاله صَوت شَدِيد، وَذَلِكَ لما يترشح على نُفُوسهم فِي الْمَلأ السافل، ويترشح عَلَيْهِم من الْمَلأ الْأَعْلَى حِين تفزع أَولا لنزول الْقَضَاء، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم كسلسلة على صَفْوَان حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم "
الحَدِيث، وَقد حدث النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ النِّعْمَة كَمَا أمره
ربه فَقَالَ: " نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة " يعْنى فِي دُخُول الْجنَّة أَو الْعرض لِلْحسابِ " بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا، وأوتيناه من بعدهمْ " يَعْنِي غير هَذِه الْخصْلَة فَإِن الْيَهُود. وَالنَّصَارَى تقدمُوا فِيهَا " ثمَّ هَذَا يومهم الَّذِي فرض عَلَيْهِم " يَعْنِي الْفَرد الْمُنْتَشِر الصَّادِق بِالْجمعَةِ فِي حَقنا وبالسبت. والأحد فِي حَقهم " فَاخْتَلَفُوا فِيهِ مهدانا الله لَهُ " أَي لهَذَا الْيَوْم كَمَا هُوَ عِنْد الله، وَبِالْجُمْلَةِ فَتلك فَضِيلَة خص الله بهَا هَذِه الْأمة، وَالْيَهُود. وَالنَّصَارَى لم يفتهم أصل مَا يَنْبَغِي من التشريع، وَكَذَلِكَ الشَّرَائِع السماوية لَا تخطئ قوانين التشريع وَإِن امتاز بَعْضهَا بفضلية زَائِدَة.
ونوه صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ السَّاعَة، وَعظم شَأْنهَا فَقَالَ " لَا يُوَافِقهَا مُسلم يسْأَل الله فِيهَا خيرا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه ". ثمَّ اخْتلفت الرِّوَايَة فِي تَعْيِينهَا فَقيل: هِيَ مَا بَين أَن يجلس الإِمَام إِلَى أَن تقضى الصَّلَاة لِأَنَّهَا سَاعَة تفتح فِيهَا أَبْوَاب السَّمَاء، وَيكون الْمُؤْمِنُونَ فِيهَا راغبين إِلَى الله، فقد أجتمع فِيهَا بَرَكَات السَّمَاء وَالْأَرْض.
وَقيل بعد الْعَصْر ألى غيبوبة الشَّمْس لِأَنَّهَا وَقت نزُول الْقَضَاء، وَفِي بعض الْكتب الإلهية إِن فِيهَا خلق آدم، وَعِنْدِي أَن الْكل بَيَان أقرب مَظَنَّة، وَلَيْسَ بِتَعْيِين.
ثمَّ مست الْحَاجة إِلَى بَيَان وُجُوبهَا والتأكيد فِيهِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم " لينتهين أَقوام عَن ودعهم الْجُمُعَات، أَو ليختمن الله على قُلُوبهم،
ثمَّ لَيَكُونن من الغافلين ". أَقُول هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن تَركهَا يفتح بَاب التهاون، وَبِه يستحوذ الشَّيْطَان.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " تجب الْجُمُعَة على كل مُسلم إِلَّا امْرَأَة أَو صبي أَو مَمْلُوك " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " الْجُمُعَة على من سمع النداء " أَقُول: هَذَا رِعَايَة للعدل بَين الإفراط والتفريط، وَتَخْفِيف لِذَوي الاعذار، وَالَّذين يشق عَلَيْهِم الْوُصُول إِلَيْهَا، أَو يكون فِي حضورهم فتْنَة.
وَإِلَى اسْتِحْبَاب التَّنْظِيف وبالغسل والسواك والتطيب وَلبس الثِّيَاب لِأَنَّهَا من مكملات الطَّهَارَة، فيتضاعف التَّنْبِيه لخلة النَّظَافَة، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" لَوْلَا أَن اشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ " وَلِأَنَّهُ لَا بُد لَهُم من يَوْم يغتسلون فِيهِ، ويتطيبون لِأَن ذَلِك من محَاسِن ارتفاقات بني آدم، وَلما لم يَتَيَسَّر كل يَوْم أَمر بذلك يَوْم الْجُمُعَة لِأَن التَّوْقِيت يحض عَلَيْهِ، ويكمل الصَّلَاة، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم: " حق على كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا يغسل فِيهِ
رَأسه وَجَسَده " وَلِأَنَّهُم كَانُوا عملة أنفسهم، وَكَانَ لَهُم إِذا اجْتَمعُوا ريح كريح الضَّأْن، فَأمروا فِي بِالْغسْلِ ليَكُون رَافعا لسَبَب التنفير، وأدعى للاجتماع، بَينه ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رضي الله عنهما.
وَإِلَى الْأَمر بالإنصات والدنو من الإِمَام، وَترك اللَّغْو والتبكير ليَكُون أدنى إِلَى اسْتِمَاع الموعظة والتدبر فِيهَا. وبالمشي وَترك الرّكُوب لِأَنَّهُ أقرب إِلَى التَّوَاضُع والتذلل لرَبه، وَلِأَن الْجُمُعَة تجمع المملق والمثري، فَلَعَلَّ من لَا يجد المركوب يستحي، فاستحب سد هَذَا الْبَاب.
وَإِلَى اسْتِحْبَاب الصَّلَاة قبل الْخطْبَة لما بَينا فِي سنَن الرَّوَاتِب، فَإِذا جاءو الإِمَام يخْطب فليركع رَكْعَتَيْنِ، وليتجوز فيهمَا رِعَايَة لسنة الرَّاتِبَة وأدب الْخطْبَة
جَمِيعًا بِقدر الْإِمْكَان، وَلَا تغتر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا يلهج بِهِ أهل بلدك فَإِن الحَدِيث صَحِيح وَاجِب اتِّبَاعه.
وَإِلَى النَّهْي عَن التخطي أَو التَّفْرِيق بَين اثْنَيْنِ وَإِقَامَة أحد ليخالف إِلَى مَقْعَده لِأَنَّهَا مِمَّا يَفْعَله الْجُهَّال كثيرا، وَيحصل بهَا فَسَاد ذَات الْبَين وَهِي بذر الحقد.
ثمَّ بَين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَوَاب من أدّى الْجُمُعَة كَامِلَة موفرة بآدابها أَنه يغْفر لَهُ مَا بَينه وَبَين الْجُمُعَة الْأُخْرَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِقْدَار صَالح للحلول فِي لجة النُّور ودعوة الْمُؤمنِينَ وبركات صحبتهم وبركة الموعظة وَالذكر وَغير ذَلِك.
وَبَين دَرَجَات التَّكْبِير مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من الْأجر بِمَا ضرب من مثل - الْبَدنَة. وَالْبَقَرَة. والكبش. والدجاجة - وَتلك السَّاعَات أزمنة خَفِيفَة من وَقت وجوب الْجُمُعَة إِلَى قيام الْخطْبَة.
وَاعْلَم أَن كل صَلَاة تجمع الأقاصي والأدانى فَإِنَّهَا شفع وَاحِد لِئَلَّا تثقل عَلَيْهِم وَأَن فيهم الضَّعِيف والسقيم وَذَا الْحَاجة.
ويجهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وليكون أمكن لتدبرهم فِي الْقُرْآن وأنوه بِكِتَاب الله، وَيكون فِيهَا خطْبَة، ليعلم الْجَاهِل، وَيذكر النَّاسِي، وَسن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَة خطبتين يجلس بَينهمَا، ليتوفر الْمَقْصد مَعَ استراحة الْخَطِيب وتطرية نشاطه ونشاطهم.