المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الأَصْل فِي تَحْرِيم الْأَنْكِحَة الَّتِي كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يتعاملونها، كالاستبضاع - حجة الله البالغة - جـ ٢

[ولي الله الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(الستْرَة)

- ‌(الْأُمُور الَّتِي لَا بُد مِنْهَا فِي الصَّلَاة)

- ‌(أذكار الصَّلَاة وهيأتها الْمَنْدُوب إِلَيْهَا)

- ‌‌‌(مَا لَا يجوز فِي الصَّلَاة

- ‌(مَا لَا يجوز فِي الصَّلَاة

- ‌(سُجُود السَّهْو)

- ‌(سُجُود التِّلَاوَة)

- ‌(النَّوَافِل)

- ‌(الاقتصاد فِي الْعَمَل)

- ‌(بَاب صَلَاة المعذورين)

- ‌(الْجَمَاعَة)

- ‌(الْجُمُعَة)

- ‌(العيدان)

- ‌(الْجَنَائِز)

- ‌(من أَبْوَاب الزَّكَاة)

- ‌(فضل الْإِنْفَاق وكراهية الْإِمْسَاك)

- ‌(مقادير الزَّكَاة)

- ‌(المصارف)

- ‌(أُمُور تتَعَلَّق بِالزَّكَاةِ)

- ‌(من أَبْوَاب الصَّوْم)

- ‌(فضل الصَّوْم)

- ‌(أَحْكَام الصَّوْم)

- ‌(أُمُور تتَعَلَّق بِالصَّوْمِ)

- ‌(من أَبْوَاب الْحَج)

- ‌(صفة الْمَنَاسِك)

- ‌(قصَّة حجَّة الْوَدَاع)

- ‌(أُمُور تتَعَلَّق بِالْحَجِّ)

- ‌(من أَبْوَاب الْإِحْسَان)

- ‌(الْأَذْكَار وَمَا يتَعَلَّق بهَا)

- ‌(بَقِيَّة مبَاحث الاحسان)

- ‌(المقامات وَالْأَحْوَال)

- ‌(من أَبْوَاب ابْتِغَاء الرزق)

- ‌(الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا)

- ‌(أَحْكَام البيع)

- ‌(التَّبَرُّع والتعاون)

- ‌(الْفَرَائِض)

- ‌(من أَبْوَاب تَدْبِير الْمنزل)

- ‌(الْخطْبَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا)

- ‌(ذكر العورات)

- ‌(صفة النِّكَاح)

- ‌(الْمُحرمَات)

- ‌(آدَاب الْمُبَاشرَة)

- ‌(حُقُوق الزَّوْجِيَّة)

- ‌(الطَّلَاق)

- ‌(الْخلْع. وَالظِّهَار. وَاللّعان. والايلآء)

- ‌(الْعدة)

- ‌(تربية الْأَوْلَاد والمماليك)

- ‌(الْعَقِيقَة)

- ‌(من أَبْوَاب سياسة المدن)

- ‌(الْخلَافَة)

- ‌(الْمَظَالِم)

- ‌(الْحُدُود)

- ‌(الْقَضَاء)

- ‌(الْجِهَاد)

- ‌(من أَبْوَاب الْمَعيشَة)

- ‌(الْأَطْعِمَة والأشربة)

- ‌(آدَاب الطَّعَام)

- ‌(المسكرات)

- ‌(اللبَاس. والزينة. والأواني وَنَحْوهَا)

- ‌(آدَاب الصُّحْبَة)

- ‌(وَمِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا المبحث أَحْكَام النذور والايمان)

- ‌(من أَبْوَاب شَتَّى)

- ‌(سير النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(الْفِتَن)

- ‌(المناقب)

الفصل: الأَصْل فِي تَحْرِيم الْأَنْكِحَة الَّتِي كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يتعاملونها، كالاستبضاع

الأَصْل فِي تَحْرِيم الْأَنْكِحَة الَّتِي كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يتعاملونها، كالاستبضاع وَغَيره على مَا بَينته عَائِشَة رضي الله عنها، فَإِذا كَانَت فتاة مُؤمنَة بِاللَّه مُحصنَة فرجهَا، واشتدت الْحَاجة إِلَى نِكَاحهَا لمخافة الْعَنَت وَعدم طول الْحر خف الْفساد وَكَانَت الضروره والضرورات تبيح الْمَحْظُورَات.

وَمِنْهَا كَون الْمَرْأَة مَشْغُولَة بِنِكَاح مُسلم أَو كَافِر، فَإِن أصل الزِّنَا هُوَ الازدحام على الموطوءه من غير اخْتِصَاص أَحدهمَا بهَا وَغير قطع طمع الآخر فِيهَا، وَلذَلِك قَالَ الزُّهْرِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ: وَيرجع ذَلِك إِلَى أَن الله تَعَالَى حرم الزِّنَا، وَأصَاب الصحابه رضي الله عنهم سَبَايَا، وتحرجوا من غشيانها من أجل أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين، فَأنْزل الله تَعَالَى:

{وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم} .

أَي فهن حَلَال من جِهَة أَن السَّبي قَاطع لطعمه، وَاخْتِلَاف الدَّار مَانع من الازدحام عَلَيْهَا، ووقوعها فِي سَهْمه مُخَصص لَهَا بِهِ.

وَمِنْهَا كَون الْمَرْأَة زَانِيَة مكتسبة بِالزِّنَا، فَلَا يجوز نِكَاحهَا حَتَّى تتوب، وتقلع عَن فعلهَا ذَلِك، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:

{والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك} .

والسر فِيهِ أَن كَون الزَّانِيَة فِي عصمته وَتَحْت يَده وَهِي بَاقِيَة على عَادَتهَا من الزِّنَا ديوسية وانسلاخ عَن الْفطْرَة السليمة، وَأَيْضًا فانه لَا يَأْمَن من أَن تلْحق بِهِ ولد غَيره.

وَلما كَانَت الْمصلحَة من تَحْرِيم الْمُحرمَات لَا تتمّ إِلَّا بِجعْل التَّحْرِيم أمرا لَازِما وخلقا جبليا بِمَنْزِلَة الْأَشْيَاء الَّتِي يستنكف مِنْهَا طبعا، وَجب أَن يُؤَكد شهرتها وشيوعها وَقبُول النَّاس لَهَا باقامة لائمة شَدِيدَة على إهمال تَحْرِيمهَا، وَذَلِكَ أَن تكون السّنة قتل من وَقع على ذَات، ورحم محرم مِنْهُ بِنِكَاح أَو غَيره، وَلذَلِك بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى من تزوج بامرأه أَبِيه أَن يُؤْتى بِرَأْسِهِ.

(آدَاب الْمُبَاشرَة)

اعْلَم أَن الله تَعَالَى لما خلق الْإِنْسَان مدنيا بالطبع، وتعلقت إِرَادَته بِبَقَاء النَّوْع بالتناسل وَجب أَن يرغب الشَّرْع فِي التناسل أَشد رَغْبَة، وَينْهى عَن قطع النَّسْل والأسباب المفضية إِلَيْهِ أَشد نهي، وَكَانَ أعظم أَسبَاب النَّسْل وأكثرها وجودا وأفضاها إِلَيْهِ وأحثها عَلَيْهِ هُوَ شَهْوَة الْفرج، فانها كالمسلط عَلَيْهِم مِنْهُم يقهرهم على ابْتِغَاء النَّسْل، أشاءوا أم أَبَوا،

ص: 206

وَفِي جَرَيَان الرَّسْم باتيان الغلمان وَوَطْء النِّسَاء فِي أدبارهن تَغْيِير خلق الله حَيْثُ منع الْمُسَلط على شَيْء من إفضائه إِلَى مَا قصد لَهُ وَأَشد ذَلِك كُله وَطْء الغلمان فانه تَغْيِير لخق الله من الْجَانِبَيْنِ وتأنث الرِّجَال أقبح الْخِصَال، وَكَذَلِكَ جَرَيَان الرَّسْم بِقطع أَعْضَاء النَّسْل وَاسْتِعْمَال الادوية القامعة للباءة والتبتل وَغَيرهَا تَغْيِير لخلق الله عز وجل وإهمال لطلب النَّسْل، فَنهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن كل ذَلِك قَالَ:" لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن، مَلْعُون من أَتَى امْرَأَة فِي دبرهَا " وَكَذَلِكَ نهى عَن الخصاء والتبتل فِي أَحَادِيث كَثِيرَة قَالَ الله تَعَالَى:

{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} .

اقول: كَانَ الْيَهُود يضيقون فِي هَيْئَة الْمُبَاشرَة من غير حكم سماوي، وَكَانَ الْأَنْصَار وَمن وليهم يَأْخُذُونَ سنتهمْ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِذا أَتَى الرجل امْرَأَته من دبرهَا فِي قبلهَا كَانَ الْوَلَد أَحول فَنزلت هَذِه الْآيَة: أقبل، وَأدبر مَا كَانَ فِي صمام وَاحِد، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَيْء لَا يتَعَلَّق بِهِ الْمصلحَة المدنية والملية " وَالْإِنْسَان أعرف بمصلحة خَاصَّة نَفسه، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك من تعمقات الْيَهُود فَكَانَ من حَقه أَن ينْسَخ.

وَسُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْعَزْل؟ فَقَالَ:

" مَا عَلَيْكُم أَلا تَفعلُوا مَا من نسمَة كائنة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَهِي كائنة " أَقُول: يُشِير إِلَى كَرَاهِيَة الْعَزْل من غير تَحْرِيم، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن الْمصَالح متعارضة، فالمصلحة الْخَاصَّة بِنَفسِهِ فِي السَّبي مثلا أَن يعْزل، والمصلحة النوعية أَلا يعْزل، ليتَحَقَّق كَثْرَة الْأَوْلَاد وَقيام النَّسْل، وَالنَّظَر إِلَى الْمصلحَة النوعية أرجح من النّظر إِلَى الْمصلحَة الشخصية فِي عَامَّة أَحْكَام الله تَعَالَى التشريعية والتكوينية، على أَن الْعَزْل لَيْسَ فِيهِ مَا إتْيَان الدبر من تَغْيِير خلق الله وَلَا الْأَعْرَاض من التَّعَرُّض للنسل، وَنبهَ صلى الله عليه وسلم بقوله:" مَا عَلَيْكُم أَن أَلا تَفعلُوا " على أَن الْحَوَادِث مقدرَة قبل وجودهَا. وَأَن الشَّيْء إِذا قدر وَلم يكن لَهُ فِي الأَرْض إِلَّا سَبَب ضَعِيف فَمن سنة الله عز وجل أَن يبسط ذَلِك السَّبَب الضَّعِيف حَتَّى يُفِيد الْفَائِدَة التَّامَّة، فالإنسان إِذا قَارب الْإِنْزَال وَأَرَادَ أَن ينْزع ذكره كثيرا مَا يتقاطر فِي إحليله قطرات تَكْفِي من مَادَّة وَلَده وَهُوَ لَا يدْرِي، وَهُوَ سر قَول عمر رضي الله عنه بالحاق الْوَلَد بِمن أقرّ أَنه مَسهَا لَا يمْنَع من ذَلِك الْعَزْل.

ص: 207

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لقد هَمَمْت أَن أنهِي عَن الغيلة فَنَظَرت فِي الرّوم فَارس فَإِذا هم يغيلون أَوْلَادهم فَلَا تضر أَوْلَادهم " وَقَالَ:

" لَا تقتلُوا أَوْلَادكُم سرا فان الغيل يدْرك الْفَارِس، فيدعثره ".

أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى كَرَاهِيَة الغيلة من غير تَحْرِيم، وَسَببه أَن جماع الْمُرْضع يفْسد لَبنهَا، وينفه الْوَلَد، وَضَعفه فِي أول نمائه يدْخل فِي جذر مزاجه، وَبَين النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه أَرَادَ التَّحْرِيم لكَونه مَظَنَّة الْغَالِب للضَّرَر، ثمَّ أَنَّهَا لما استقرأ وجد أَن الضَّرَر غير مطرد وَأَنه لَا يصلح للمظنة حَتَّى يدار عَلَيْهِ التَّحْرِيم، وَهَذَا الحَدِيث أحد دَلَائِل مَا أَثْبَتْنَاهُ من أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يجْتَهد وَأَن اجْتِهَاده معرفَة الْمصَالح والمظان وإدارة التَّحْرِيم والكراهية عَلَيْهَا.

قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِن من أشر النَّاس عِنْد الله منزلَة الرجل يُفْضِي إِلَى امْرَأَته، وتفضي هِيَ إِلَيْهِ ثمَّ ينشر سرها " أَقُول: لما كَانَ السّتْر وَاجِبا وَإِظْهَار مَا أسبل عَلَيْهِ السّتْر قلبا لموضوعه ومناقضا لغرضه كَانَ من مُقْتَضَاهُ أَن ينْهَى عَنهُ، وَأَيْضًا فاظهار مثل هَذِه مجانة ووقاحة، وَاتِّبَاع مثل هَذِه الدَّوَاعِي يعد النَّفس لتشبح الألوان الظلمانية فِيهَا.

وَكَانَت الْملَل مُخْتَلفه فِيمَا يفعل فِي بالحائض، فَمن متعمق كاليهود يمْنَع مؤاكلتها ومضاجعتها، وَمن متهاون كالمجوس يجوز الْجِمَاع وَغَيره، وَلَا يجد للْحيض بَالا وكل ذَلِك إفراط وتفريط، فراعت الْملَّة المصطفوية التَّوَسُّط فَقَالَ:" اصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح " وَذَلِكَ لمعان

مِنْهَا أَن جماع الْحَائِض لَا سِيمَا فِي فَور حَيْضَتهَا ضار اتّفق الْأَطِبَّاء على ذَلِك، وَمِنْهَا أَن مُخَالطَة النَّجَاسَة خلق فَاسد تمجه الطبيعة السليمة، وَيقرب

من الشَّيَاطِين وَفِي مثل الِاسْتِنْجَاء حَاجَة، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود من ذَلِك إِزَالَتهَا، وَفِي جماع الْحَائِض الغمس فِي النَّجَاسَة، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:

{قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} .

وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِيمَا دون الْجِمَاع، فَقيل: يَتَّقِي شعار الدَّم، وَقيل: يَتَّقِي مَا تَحت الْإِزَار، وعَلى الْوَجْهَيْنِ هُوَ الدَّوَاعِي، وَجَاء الْأَمر لمن عصى الله، فجامع الْحَائِض أَن يتَصَدَّق بِدِينَار أَو نصف دِينَار وَهَذَا لَيْسَ بمجمع عَلَيْهِ، وسر الْكَفَّارَة مَا ذكرنَا مرَارًا.

ص: 208