الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أَبْوَاب الْإِحْسَان)
اعْلَم أَن مَا كلف بِهِ الشَّارِع تكليفا أوليا إِيجَابا أَو تَحْرِيمًا هُوَ الْأَعْمَال من جِهَة أَنَّهَا تنبعث من الهيآت النفسانية الَّتِي هِيَ فِي الْمعَاد فِي للنفوس أَو عَلَيْهَا وَأَنَّهَا تمد فِيهَا، وتشرحها وَهِي وأشباحها وتماثيلها.
والبحث عَن تِلْكَ الْأَعْمَال من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا جِهَة إلزامها جُمْهُور النَّاس، والعمدة فِي ذَلِك اخْتِيَار مظان تِلْكَ الهيئات من الْأَعْمَال، والطريقة الظَّاهِرَة الَّتِي لَيْلهَا نَهَارهَا يؤاخذون بهَا على أعين النَّاس، فَلَا يتمكنون من التسلل والاعتذار، وَلَا بُد أَن يكون بناؤها على الاقتصاد. والأمور المضبوطة.
وَالثَّانيَِة جِهَة تَهْذِيب نُفُوسهم بهَا وإيصالها إِلَى الهيآت الْمَطْلُوبَة مِنْهَا، والعمدة فِي ذَلِك معرفَة تِلْكَ الهيآت وَمَعْرِفَة الْأَعْمَال من جِهَة إيصالها إِلَيْهَا وبناؤها على الوجدان وتفويض الْأَمر إِلَى صَاحب الْأَمر فالباحث عَنْهَا من الْجِهَة الأولى هُوَ علم الشَّرَائِع وَعَن الثَّانِيَة هُوَ علم الْإِحْسَان.
فالناظر فِي مبَاحث الْإِحْسَان يحْتَاج إِلَى شَيْئَيْنِ: النّظر إِلَى الْأَعْمَال من حَيْثُ إيصالها إِلَى هيآت نفسانية لِأَن الْعَمَل رُبمَا يُؤدى على وَجه الرِّيَاء أوالسمعة وَالْعَادَة، أَو يقارنه الْعجب والمن والأذى، فَلَا يكون موصلا إِلَى مَا أُرِيد مِنْهُ، وَرُبمَا يُؤدى على وَجه لَا تتنبه هَذِه النَّفس لإرواحه تنبها يَلِيق بالمحسنين، وَإِن كَانَ من النُّفُوس من يتَنَبَّه بِمثلِهِ كالمكتفي بِأَصْل الْفَرْض لَا يزِيد عَلَيْهِ كَمَا وَلَا كيفا وَهُوَ لَيْسَ بزكي، وَالنَّظَر فِي تِلْكَ الهيآت النفسانية ليعرفها حق مَعْرفَتهَا، فيباشر الْأَعْمَال على بَصِيرَة مِمَّا أُرِيد مِنْهَا، فَيكون
طَبِيب نَفسه يسوس نَفسه كَمَا يسوس الطَّبِيب الطبيعة، فَإِن من لَا يعرف الْمَقْصُود من الْآلَات كَاد إِذا استعملها أَن يخبط خبط عشواء، أَو يكون كحاطب
ليل.
وأصول الْأَخْلَاق المبحوث عَنْهَا فِي هَذَا الْفَنّ أَرْبَعَة: - كَمَا نبهنا على ذَلِك فِيمَا سبق - الطَّهَارَة الكاسبة للتشبه بالملكوت، والإخبات الجالب للتطلع إِلَى الجبروت، وَشرع للْأولِ الْوضُوء وَالْغسْل، وَللثَّانِي الصَّلَاة والأذكار والتلاوة، وَإِذا اجتمعتا سميناه سكينَة ووسيلة، وَهُوَ قَول حُذَيْفَة فِي عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنهما: لقد علم المحفوظون من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أَنه أقربهم إِلَى الله وَسِيلَة، وَقد سَمَّاهَا الشَّارِع إِيمَانًا فِي قَوْله " الطّهُور شطر الْإِيمَان " وَقد بَين النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَال الأول حَيْثُ قَالَ " إِن الله نظيف يحب النَّظَافَة " وَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ " الاحسان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " والعمدة فِي تَحْصِيلهَا التَّلَبُّس بالنواميس المأثورة عَن الْأَنْبِيَاء، مَعَ مُلَاحظَة وأرواحها أنوارها والإكثار مِنْهَا، مَعَ رِعَايَة هيئاتها وأذكارها.
فَروح الطَّهَارَة هِيَ نور الْبَاطِن وَحَالَة الْأنس والانشراح وخمود الأفكار الجربزة وركود التشويشات والقلق وتشتت الْفِكر والضجر والجزع.
وروح الصَّلَاة هِيَ الْحُضُور مَعَ الله والاستشراف للجبروت وتذكر جلال الله مَعَ تَعْظِيم ممزوج بمحبة وطمأنينة، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم " الاحسان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك ".
وَأَشَارَ إِلَى كَيْفيَّة تمرين النَّفس عَلَيْهَا بقوله " قَالَ الله تَعَالَى: قسمت
الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ ولعبدي مَا سَأَلَ، فَإِذا قَالَ العَبْد:(الْحَمد لله رب الْعَالمين)، قَالَ الله: حمدني عَبدِي، وَإِذا قَالَ:(الرَّحْمَن الرَّحِيم) قَالَ الله أثنى عَليّ عَبدِي، وَإِذا قَالَ:(مَالك يَوْم الدّين) قَالَ: مجدني عَبدِي، وَإِذا قَالَ:(إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين) ، قَالَ هَذَا بيني وَبَين عَبدِي ولعبدي مَا سَأَلَ، وَإِذا قَالَ:(أهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين) ، قَالَ هَذَا لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ ".
فَذَلِك إِشَارَة إِلَى الْأَمر بملاحظة الْجَواب فِي كل كلمة. فَإِنَّهُ يُنَبه للحضور تَنْبِيها بليغا، وبأدعية سنّهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاة وَهِي مَذْكُورَة فِي حَدِيث على رضي الله عنه وَغَيره.
وروح تِلَاوَة قِرَاءَة الْقُرْآن أَن يتَوَجَّه إِلَى الله بشوق وتعظيم، ويتدبر فِي مواعظه، ويستشعر الانقياد فِي أَحْكَامه، وَيعْتَبر بأمثاله وقصصه، وَلَا يمر بِآيَة صِفَات الله وآياته إِلَّا قَالَ: سُبْحَانَ الله، وَلَا بِآيَة الْجنَّة وَالرَّحْمَة إِلَّا سَأَلَ الله من فَضله، وَلَا بِآيَة النَّار وَالْغَضَب إِلَّا تعوذ بِاللَّه.
فَهَذَا مَا سنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي تمرين النَّفس بالاتعاظ.
وروح الذّكر الْحُضُور والاستغراق فِي الِالْتِفَات إِلَى الجبروت، وتمرينه أَن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر، ثمَّ يسمع من الله أَنه قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنا وَأَنا أكبر، ثمَّ بقول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، ثمَّ يسمع من الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا وحدى لَا شريك لي، وَهَكَذَا حَتَّى يرْتَفع الْحجاب، ويتحقق الِاسْتِغْرَاق، وَقد أَشَارَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَلِك.
وروح الدُّعَاء أَن يرى كل حول وَقُوَّة من الله، وَيصير كالميت فِي يَد الغسال، وكالتمثال فِي يَد محرك التماثيل، ويجد لَذَّة الْمُنَاجَاة.
وَقد سنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يَدْعُو بعد صَلَاة التَّهَجُّد فِي أثْنَاء أشفاعه دُعَاء طَويلا يقنع فِيهَا يَدَيْهِ يَقُول: يَا رب يَا رب، يسْأَل الله خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ويتعوذ بِهِ من البلايا، ويتضرع، ويلح، وَيشْتَرط فِي ذَلِك أَن يكون بقلب فارغ غير لاه، وَلَا يكون حاقنا وَلَا حاقبا وَلَا جائعا وَلَا غَضْبَان.
فَإِذا عرف الْإِنْسَان حَالَة المحاضرة ثمَّ فقدها فليفحص عَن سَبَب الْفَقْد، فَإِن كَانَ غزارة الطبيعة فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِن لَهُ وَجَاء وَأكْثر مَا يكون فِي الصَّوْم أَن يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، وَإِن احْتَاجَ إِلَى استفراغ الْمَنِيّ والتفرغ من إصْلَاح الْمطعم وَالْمشْرَب، أَو كَانَ ذهب نشاطه، وَأَرَادَ إِعَادَته يملك فرجا يدْفع بِهِ سوء منيه من غير انهماك فِي المفاكهة والاختلاط، وليجعله كالدواء يحصل نَفعه، ويتحرز من فَسَاده.
وَإِن كَانَ الِاشْتِغَال بالارتفاقات وصحبة النَّاس فليعالج بِضَم الْعِبَادَات مَعهَا.
وَإِن كَانَ امتلاء أوعية الْفِكر بخيالات مشوشة وأفكار جربزة فليعتزل النَّاس، ويلتزم الْبَيْت أَو الْمَسْجِد، وليمنع لِسَانه إِلَّا من ذكر الله وَقَلبه إِلَّا من الْفِكر فِيمَا يهمه، ويتعاهد نَفسه عِنْدَمَا يَسْتَيْقِظ، ليَكُون أول مَا يدْخل فِي قلبه ذكر الله وعندما يُرِيد أَن ينَام، ليتخلى قلبه عَن تِلْكَ الأشغال.
وَالثَّالِث سماحة النَّفس وَهِي أَلا تنقاد الملكية لدواعي البهيمية: من طلب اللَّذَّة وَحب الانتقام وَالْغَضَب وَالْبخل والحرص على المَال والجاه، فَإِن هَذِه الْأُمُور إِذا
بَاشر الْإِنْسَان أَعمالهَا الْمُنَاسبَة لَهَا تتشبح ألوانها فِي جَوْهَر النَّفس سَاعَة مَا، فَإِن كَانَت النَّفس سمحه يسهل عَلَيْهَا رفض الهيآت الخسيسة، فَصَارَت كَأَنَّهُ لم يُمكن فِيهَا شَيْء من ذَلِك الْبَاب قطّ، وخلصت إِلَى رَحْمَة الله، واستغرقت فِي لجه الْأَنْوَار الَّتِي تقتضيها جبلة النُّفُوس لَوْلَا الْمَوَانِع، وَإِن لم تكن سَمْحَة تشبح ألوانها فِي النَّفس كَمَا يتشيح نقوش الْخَاتم فِي الشمعة ولصق بهَا وحز الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَلم يسهل عَلَيْهَا رفضها فَإِذا فَارَقت جَسدهَا أحاطت بهَا الخطيئات من بَين يَديهَا وَمن خلفهَا وَعَن يَمِينهَا وَعَن شمالها، وسدل بَينهَا وَبَين الْأَنْوَار الَّتِي تقتضيها جبلة النُّفُوس حجب كَثِيرَة غَلِيظَة، فَكَانَ ذَلِك سَبَب تأذيها وتألمها.
والسماحة إِذا اعْتبرت بداعية الشهوتين: شَهْوَة الْبَطن. وشهوة الْفرج سميت عفة، أوبداعية الدعة والرفاهية سميت اجْتِهَادًا، أَو بداعية الضجر والجزع سميت صبرا، أَو بداعية حب الانتقام سميت عفوا، أَو بداعية حب المَال سميت سخاوة وقناعة، أَو بداعية مُخَالفَة الشَّرْع سميت تقوى، ويجمعها كلهَا شَيْء وَاحِد، وَهُوَ أَن أَصْلهَا عدم انقياد النَّفس للهواجس البهيمية، والصوفية يسمونها بِقطع التعلقات الدُّنْيَوِيَّة أَو بالفناء عَن الخسائس البشرية، أَو بالحربة، فيعبرون عَن تِلْكَ الْخصْلَة بأسماء مُخْتَلفَة، والعمدة فِي تَحْصِيلهَا قلَّة الْوُقُوع فِي مظان هَذِه الْأَشْيَاء، وإيثار الْقلب ذكر الله تَعَالَى وميل النَّفس إِلَى عَالم التجرد، وَهُوَ قَول زيد بن حَارِثَة اسْتَوَى عِنْدِي حجرها ومدرها إِلَى أَن أخبر عَن المكاشفة.
وَالرَّابِع الْعَدَالَة، وَهِي ملكة يصدر مِنْهَا إِقَامَة النظام الْعَادِل المصلح
فِي تَدْبِير الْمنزل وسياسة الْمَدِينَة وَنَحْو ذَلِك بسهولة، وَأَصلهَا جبلة نفسانية تنبعث مِنْهَا الأفكار الْكُلية والسياسيات الْمُنَاسبَة بِمَا عِنْد الله وَعند مَلَائكَته، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أَرَادَ فِي الْعَالم انْتِظَار أَمرهم، وَأَن يعاون بَعضهم بَعْضًا، وَألا يظلم بَعضهم بَعْضًا، وَأَن يتألف بَعضهم بِبَعْض، ويصيروا كجسد رجل وَاحِد، وَإِذا تألم عُضْو مِنْهُ تداعى لَهُ سَائِر الْأَعْضَاء بالحمى والسهر، وَأَن يكثر نسلهم، وَأَن يزْجر فاسقهم، وينوه بعادلهم، ويخمل فيهم الرسوم الْفَاسِدَة، وَيشْهد فيهم الْخَيْر والنواميس الحقة، فَللَّه سُبْحَانَهُ فِي خلقه قَضَاء إجمالي كل ذَلِك شرح لَهُ وتفصيل، وَمَلَائِكَته المقربون تلقوا ذَلِك، وصاروا يدعونَ لمن سعى فِي إصْلَاح النَّاس، ويلعنون على من سعى فِي فسادهم، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
وَقَوله تَعَالَى:
{الَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله وَلَا ينقضون الْمِيثَاق وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل} الْآيَة.
وَقَوله تَعَالَى:
{وَالَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل} الْآيَة.
فَمن بَاشر هَذِه الْأَعْمَال الْمصلحَة شملته رَحْمَة الله وصلوات الْمَلَائِكَة من حَيْثُ يحْتَسب أَو لَا يحْتَسب، وَكَانَ هُنَالك رقائق تحيط بِهِ كأشعة النيرين تحيط بالإنسان، فتورث الإلهام فِي قُلُوب النَّاس وَالْمَلَائِكَة أَن يحسنوا إِلَيْهِ، وَيُوضَع لَهُ الْقبُول فِي السَّمَاء وَالْأَرْض، وَإِذا انْتقل إِلَى عَالم التجرد أحس بِتِلْكَ الرَّقَائِق الْمُتَّصِلَة بِهِ، والتذ بهَا، وَوجد سَعَة وقبولا، وَفتح بَينه وَبَين الْمَلَائِكَة بَاب، وَمن بَاشر الْأَعْمَال الْمفْسدَة شَمله غضب الله ولعنة الْمَلَائِكَة، وَكَانَت هُنَاكَ رقائق مظْلمَة ناشئة من الْغَضَب تحيط بِهِ، فتورث الإلهام فِي قُلُوب الْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَن يسيئوا إِلَيْهِ وَيُوضَع لَهُ الْبغضَاء فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَإِذا انْتقل إِلَى عَالم التجرد أحس بِتِلْكَ الرَّقَائِق الظلمانية عاضة عَلَيْهِ، وتألمت نَفسه بهَا، وَوجد ضيقا ونفرة، وأحيط بِهِ من جَمِيع جوانبه، فضاقت عَلَيْهِ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ.
وَالْعَدَالَة اذا اعْتبرت بأوضاع الْإِنْسَان فِي قِيَامه. وقعوده. ونومه. ويقظته. ومشيه. وَكَلَامه. وزيه. ولباسه. وشعره سميت أدبا، وَإِذا اعْتبرت بالأموال وَجَمعهَا وصرفها سميت كِفَايَة، وَإِذا اعْتبرت بتدبير الْمنزل سميت حريَّة، وَإِذا اعْتبرت بتدبير الْمَدِينَة سميت سياسة. وَإِذا اعْتبرت بتألف الأخوان سميت بِحسن المحاضرة أَو حسن المعاشرة، والعمدة فِي تَحْصِيلهَا الرَّحْمَة، والمودة، ورقة الْقلب وَعدم قسوته مَعَ الإنقياد للأفكار الْكُلية وَالنَّظَر فِي عواقب الْأُمُور.
وَبَين هَاتين الخلتين تنافر ومناقضة من وَجه، وَذَلِكَ لِأَن ميل الْقلب إِلَى التجرد وانقياده للرحمة والمودة يتخالفان فِي حق أَكثر النَّاس لَا سِيمَا أهل التجاذب، وَلذَلِك ترى كثيرا من أهل الله تبتلوا، وانقطعوا من النَّاس وباينوا الْأَهْل وَالْولد، وَكَانُوا من النَّاس على شقّ بعيد، وَترى الْعَامَّة قد أحاطت بهم معافسة الْأزْوَاج وَالْأَوْلَاد حَتَّى أنساهم ذكر الله، والأنبياء
عليهم السلام لَا يأمرون إِلَّا برعاية المصلحتين، وَلذَلِك أَكْثرُوا الضَّبْط وتمييز الْمُشكل فِي هَاتين الخلتين، فَهَذِهِ هِيَ الْأَخْلَاق الْمُعْتَبرَة فِي الشَّرَائِع، وهنالك أَفعَال وهيآت تفعل فعل تِلْكَ الْأَخْلَاق وأضدادها من جِهَة أَنَّهَا تعطيها مزاج الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين، أَو تنبعث من ميل