الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أَبْوَاب تَدْبِير الْمنزل)
اعْلَم أَن أصُول فن تَدْبِير الْمنَازل مسلمة عِنْد طوائف الْعَرَب والعجم لَهُم اخْتِلَاف فِي أشباحها وصورها، وَبعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْعَرَب، واقتضت الْحِكْمَة أَن يكون طَرِيق ظُهُور كلمة الله فِي الأَرْض غلبتهم على الْأَدْيَان، وَنسخ عادات أُولَئِكَ بعاداتهم، ورياسة أُولَئِكَ برياساتهم، فَأوجب ذَلِك أَلا يتَعَيَّن تَدْبِير الْمنَازل إِلَّا فِي الْعَادَات للْعَرَب، وَأَن تعْتَبر تِلْكَ الصُّور والأشباح بِأَعْيَانِهَا، وَقد ذكرنَا أَكثر مَا يجب ذكره فِي مُقَدّمَة الْبَاب فِي الارتفاقات وَغَيرهَا فراجع.
(الْخطْبَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا)
قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
" يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج، فانه أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ، وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء " اعْلَم أَن الْمَنِيّ إِذا كثر توالده فِي الْبدن صعد بخاره إِلَى الدِّمَاغ، فحبب إِلَيْهِ النّظر إِلَى الْمَرْأَة الجميلة، وشغف قلبه حبها، وَنزل قسط مِنْهُ إِلَى الْفرج، فَحصل الشبق، واشتدت الغلمة، وَأكْثر مَا يكون ذَلِك فِي وَقت الشَّبَاب، وَهَذَا حجاب عَظِيم من حجب الطبيعة يمنعهُ من الإمعان فِي الْإِحْسَان، ويهيجه إِلَى الزِّنَا، وَيفْسد عَلَيْهِ الْأَخْلَاق، ويوقعه فِي مهالك عَظِيمَة من فَسَاد ذَات الْبَين، فَوَجَبَ إمَاطَة هَذَا الْحجاب، فَمن اسْتَطَاعَ الْجِمَاع، وَقدر عَلَيْهِ بِأَن تيسرت لَهُ امْرَأَة على مَا تَأمر بِهِ الْحِكْمَة، وَقدر على نَفَقَتهَا فَلَا أحسن لَهُ من أَن يتَزَوَّج، فان التَّزَوُّج أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ من حَيْثُ إِنَّه سَبَب لكثر استفراغ الْمَنِيّ، وَمن لم يسْتَطع ذَلِك فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ، فان سرد الصَّوْم لَهُ من خاصية فِي كسر سُورَة الطبيعة، وكبحها عَن غلوائها؛ لما فِيهِ من تقليل مادتها، فيتغير بِهِ كل خلق فَاسد نَشأ من كَثْرَة
الِاخْتِلَاط.
ورد صلى الله عليه وسلم على عُثْمَان بن مطعون التبتل، فَقَالَ:" أما وَالله إِنِّي لأخشاكم لله، وأتقاكم لَهُ، لكني أَصوم، وَأفْطر، وأصلي، وأرقد، وأتزوج النِّسَاء، فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني ".
اعْلَم أَنه كَانَت المانوية والمترهبة من النَّصَارَى يَتَقَرَّبُون إِلَى الله بترك
النِّكَاح، وَهَذَا بَاطِل، لِأَن طَريقَة الْأَنْبِيَاء عليهم السلام الَّتِي ارتضاها الله للنَّاس هِيَ إصْلَاح الطبيعة وَدفع اعوجاجها، لَا سلخها عَن مقتضياتها، وَقد ذكرنَا ذَلِك مستوعبا، فراجع، ثمَّ لَا بُد من الْإِرْشَاد إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي يكون نِكَاحهَا مُوَافقا للحكمة موفرا عَلَيْهِ مَقَاصِد تَدْبِير الْمنزل؛ لِأَن الصُّحْبَة بَين الزَّوْجَيْنِ لَازِمَة، والحاجات من الْجَانِبَيْنِ متأكدة، فَلَو كَانَ لَهَا جبلة سوء، وَفِي خلقهَا وعادتها فظاظة، وَفِي لسانها بذاء - ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ، وانقلبت عَلَيْهِ الْمصلحَة مفْسدَة، وَلَو كَانَت صَالِحَة صلح الْمنزل كل الصّلاح، وتهيأ لَهُ أَسبَاب الْخَيْر من كل جَانب، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:
" الدُّنْيَا مَتَاع، وَخير مَتَاع الدُّنْيَا الْمَرْأَة الصَّالِحَة "، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك " وَاعْلَم أَن الْمَقَاصِد الَّتِي يقصدها النَّاس فِي اخْتِيَار الْمَرْأَة أَربع خِصَال غَالِبا: تنْكح لمالها بِأَن يرغب فِي المَال، ويرجو مواساتها مَعَه فِي مَالهَا، أَو يكون أَوْلَاده أَغْنِيَاء لما يَجدونَ من قبل أمّهم، ولحسبها يعْنى مفاخر آبَاء الْمَرْأَة فان التَّزَوُّج فِي الْأَشْرَاف شرف وجاه، ولجمالها فَإِن الطبيعة البشرية راغبة فِي الْجمال، وَكثير من النَّاس تغلب عَلَيْهِم الطبيعة، ولدينها أَي لعفتها عَن الْمعاصِي وَبعدهَا عَن الريب وتقربها إِلَى بارئها بالطاعات
…
فَالْمَال، والجاه مقصد من غلب عَلَيْهِ حجاب الرَّسْم
…
؛ وَالْجمال، وَمَا يُشبههُ من الشَّبَاب مقصد من غلب عَلَيْهِ حجاب الطبيعة
…
، وَالدّين مقصد من تهذب بالفطرة، فَأحب أَن تعاونه امْرَأَته فِي دينه وَرغب فِي صُحْبَة أهل الْخَيْر.
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" خير نسَاء ركبن الْإِبِل نسَاء قُرَيْش، أحناه على ولد فِي صغره، وأرعاه على زوج فِي ذَات يَده "
أَقُول: يسْتَحبّ أَن تكون الْمَرْأَة من كورة وقبلة عادات نسائها صَالحه " فَإِن النَّاس معادن
كمعادن الذَّهَب وَالْفِضَّة وعادات الْقَوْم ورسومهم غالبة على الْإِنْسَان، وبمنزلة الْأَمر المجبول هُوَ عَلَيْهِ، وَبَين أَن نسَاء قُرَيْش خير النِّسَاء من جِهَة أَنَّهُنَّ أحنى إِنْسَان على الْوَلَد فِي صغره، وأرعاه على الزَّوْج فِي مَاله ورقيقه، وَنَحْو ذَلِك، وَهَذَانِ من أعظم مَقَاصِد النِّكَاح، وَبِهِمَا انتظام تَدْبِير الْمنزل، وَإِن أَنْت فتشت حَال النَّاس الْيَوْم فِي بِلَادنَا مَا وَرَاء النَّهر وَغَيرهَا لم تَجِد أرسخ قدما فِي الْأَخْلَاق الصَّالِحَة وَلَا أَشد لُزُوما لَهَا من نسَاء قُرَيْش.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" تزوجوا الْوَلُود الْوَدُود، فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم ".
أَقُول: تواد الزَّوْجَيْنِ بِهِ تتمّ الْمصلحَة المنزلية، وَكَثْرَة النَّسْل بهَا تتمّ الْمصلحَة المدنية والملية، وود الْمَرْأَة لزَوجهَا دَال على صِحَة مزاجها، وَقُوَّة طبيعتها مَانع لَهَا من أَن يطمح بصرها إِلَى غَيره، باعث على تجملها بالامتشاط وَغير ذَلِك، وَفِيه تحصين فرجه وَنَظره.
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِذا خطب إِلَيْكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فَزَوجُوهُ إِن لَا تَفعلُوا تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد عريض " أَقُول. لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْكَفَاءَة غير مُعْتَبرَة، كَيفَ وَهِي مِمَّا جبل عَلَيْهِ طوائف النَّاس، وَكَاد يكون الْقدح فِيهَا اشد من الْقَتْل، وَالنَّاس على مَرَاتِبهمْ والشرائع لَا تهمل مثل ذَلِك وَلذَلِك قَالَ عمر رضي الله عنه: لأمنعن النِّسَاء إِلَّا من أكفائهن، وَلكنه أَرَادَ أَلا يتبع أحد محقرات الْأُمُور نَحْو قلَّة المَال ورثاثة الْحَال ودمامة الْجمال، أَو يكون ابْن أم ولد وَنَحْو ذَلِك من الْأَسْبَاب بعد أَن يرضى دينه وخلقه، فَإِن اعظم مَقَاصِد تَدْبِير الْمنزل الاصطحاب
فِي خلق حسن، وَأَن يكون ذَلِك الاصطحاب سَببا لصلاح الدّين. قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" الشؤم فِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالْفرس " أَقُول: التَّفْسِير الصَّحِيح الَّذِي يُوجِبهُ مورد الحَدِيث أَن هُنَالك سَببا خفِيا غالبيا يكون بِهِ أَكثر من يتَزَوَّج الْمَرْأَة مثلا محارفا غير مبارك، وَيسْتَحب للرجل إِذا دلّت التجربة على شُؤْم امْرَأَة أَن يرِيح نَفسه بترك تزَوجهَا إِن كَانَت جميلَة أَو ذَات مَال.
وَالْحكمَة تحكم بايثار الْبكر بعد أَن تكون عَاقِلَة بَالِغَة، فَإِنَّهَا أرْضى باليسير لقلَّة
خبابتها، وانتق رحما لقُوَّة شبابها وَأقرب للتأدب بِمَا تَأمر بِهِ الْحِكْمَة وَيلْزم عَلَيْهَا، وَأحْصن لِلْفَرجِ وَالنَّظَر بِخِلَاف الثيبات فأنهن أهل خبابة وصعوبة الْأَخْلَاق وَقلة الْأَوْلَاد وَهن كالألواح المنقوشة لَا يكَاد يُؤثر فِيهِنَّ التَّأْدِيب اللَّهُمَّ إِلَّا إِذا كَانَ تَدْبِير الْمنزل لَا يَنْتَظِم إِلَّا بِذَات التجربة كَمَا ذكره جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِذا خطب أحدكُم الْمَرْأَة فَإِن اسْتَطَاعَ أَن ينظر إِلَى مَا يَدعُوهُ إِلَى نِكَاحهَا فَلْيفْعَل " وَقَالَ: " فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا " وَقَالَ " هَل رَأَيْتهَا فَإِن فِي أعين الْأَنْصَار شَيْئا " أَقُول: السَّبَب فِي اسْتِحْبَاب النّظر إِلَى المخطوبة أَن يكون التَّزَوُّج على روية، وَأَن يكون أبعد من النَّدَم الَّذِي يلْزمه إِن اقتحم فِي النِّكَاح وَلم يُوَافقهُ فَلم يردهُ، وأسهل للتلافي إِن رد، وَأَن يكون تزَوجهَا على شوق ونشاط إِن وَافقه، وَالرجل الْحَكِيم لَا يلح مولجا حَتَّى يتَبَيَّن خَيره وشره قبل ولوجه.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم
" إِن الْمَرْأَة تقبل فِي صُورَة شَيْطَان، وتدبر
فِي صُورَة شَيْطَان إِذا أحدكُم أَعْجَبته امْرَأَة، فَوَقَعت فِي قلبه فليعمد إِلَى امْرَأَته، فليواقعها؛ فَإِن ذَلِك يرد مَا فِي نَفسه ".
اعْلَم أَن شَهْوَة الْفرج أعظم الشَّهَوَات وأرهقها للقلب موقعة فِي مهالك كَثِيرَة، وَالنَّظَر إِلَى النِّسَاء يهيجها، وَهُوَ قَوْله عليه السلام:
" الْمَرْأَة تقبل فِي صُورَة شَيْطَان " الخ فَمن نظر إِلَى امْرَأَة، وَوَقعت فِي قلبه، واشتاق إِلَيْهَا وتوله لَهَا فالحكمة أَلا يهمل ذَلِك، فَإِنَّهُ يزْدَاد حينا فحينا فِي قلبه حَتَّى يملكهُ، ويتصرف فِيهِ، وَلكُل شَيْء مدد يتقوى بِهِ، وتدبير ينتقص بِهِ، فمدد التوله للنِّسَاء امْتَلَأَ أوعية الْمَنِيّ بِهِ وصعود بخاره إِلَى الدِّمَاغ، وتدبير انتقاصه استفراغ تِلْكَ الأوعية، وَأَيْضًا فَإِن الْجِمَاع يشغل قلبه، ويسلبه عَمَّا يجده، وَيصرف قلبه عَمَّا هُوَ مُتَوَجّه إِلَيْهِ، وَالشَّيْء إِذا عولج قبل تمكنه زَالَ بِأَدْنَى سعى.
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا يخْطب الرجل على خطْبَة أَخِيه حَتَّى ينْكح، أَو يتْرك ".
أَقُول: سَبَب ذَلِك أَن الرجل إِذا خطب امْرَأَة، وركنت إِلَيْهِ ظهر وَجه لصلاح منزله، فَيكون تأييسه عَمَّا هُوَ لسبيله وتخبيته عَمَّا يتوقعه إساءة مَعَه وظلما عَلَيْهِ وتضييقا بِهِ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا تسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فَإِن لَهَا مَا قدر