الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّغْبَة الطبيعية، وَهَذِه هِيَ المتبعة وَأكْثر مَا يكون النَّدَم فِي الأول وَفِيه يَقع التراجع، وَهَذَا دَاعِيَة يتَوَقَّف تَهْذِيب النَّفس على إهمالها وَترك اتباعها، وَقد يشْتَبه الْأَمْرَانِ على كثير من النَّاس، فَلَا بُد من ضرب حد يتَحَقَّق بِهِ الْفرق، فَجعل الطُّهْر مَظَنَّة للرغبة الطبيعية، وَالْحيض مَظَنَّة للبغضة الطبيعية، والأقدام على الطَّلَاق على حِين رَغْبَة فِيهَا مَظَنَّة للْمصْلحَة الْعَقْلِيَّة،، والبقاء مُدَّة طَوِيلَة على هَذَا الخاطر مَعَ تحول الْأَحول من حيض إِلَى طهر، وَمن رثاثة إِلَى زِينَة، وَمن انقباض إِلَى انبساط مَظَنَّة لِلْعَقْلِ الصراح وَالتَّدْبِير الْخَالِص، فَلذَلِك كره الطَّلَاق فِي الْحيض، وَأمر بالمراجعة وتخلل حيض جَدِيد، وَأَيْضًا فَإِن طَلقهَا فِي الْحيض فَإِن عدت هَذِه الْحَيْضَة فِي الْعدة انتقصت مُدَّة الْعدة، وَإِن لم تعد تضررت الْمَرْأَة بطول الْعدة سَوَاء كَانَ المُرَاد بالقروء الإطهار أَو الْحيض، فَفِي كل ذَلِك مناقضة للحد الَّذِي ضربه الله فِي مُحكم كِتَابه من ثَلَاثَة قُرُوء.
وَإِنَّمَا أَمر أَن يكون الطَّلَاق فِي الطُّهْر قبل أَن يَمَسهَا لمعنيين: أَحدهمَا بَقَاء الرَّغْبَة الطبيعية فِيهَا، فَإِنَّهُ فِي بِالْجِمَاعِ تفتر سُورَة الرَّغْبَة.
وَثَانِيهمَا أَن يكون ذَلِك أبعد من اشْتِبَاه الإنساب.
وَإِنَّمَا أَمر الله تَعَالَى بإشهاد شَاهِدين على الطَّلَاق لمعنيين: أَحدهمَا الاهتمام بِأَمْر الْفروج؛ لِئَلَّا يكون نظم تَدْبِير الْمنزل، وَلَا فكه إِلَّا على أعين النَّاس،
وَالثَّانِي أَلا تشتبه الانساب وَألا يتواضع الزَّوْجَانِ من بعد، فيهملا الطَّلَاق، وَالله أعلم.
وَكره أَيْضا جمع الطلقات الثَّلَاث فِي طهر وَاحِد، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إهمال للحكمة المرعية فِي شرع تفريقها، فَإِنَّهَا شرعت ليتدارك المفرط، وَلِأَنَّهُ تضييق على نَفسه وتعرضه للندامة، وَأما الطلقات الثَّلَاث فِي ثَلَاثَة أطهار فأيضا تضييق
ومظنة ندامة غير أَنَّهَا أخف من الأول من جِهَة وجود التروي والمدة الَّتِي تتحول فِيهَا الْأَحْوَال، وَرب إِنْسَان تكون مصْلحَته فِي تَحْرِيم المغلظ.
(الْخلْع. وَالظِّهَار. وَاللّعان. والايلآء)
اعْلَم أَن الْخلْع فِيهِ شناعة مَا؛ لِأَن الَّذِي أعطَاهُ من المَال قد وَقع فِي مُقَابِله الْمَسِيس وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{وَكَيف تأخذونه وَقد أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض وأخذن مِنْكُم ميثاقا غليظا} .
وَاعْتبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذَا الْمَعْنى فِي اللّعان حَيْثُ قَالَ:
" إِن صدقت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا استحللت من فرجهَا " وَمَعَ ذَلِك فَرُبمَا تقع الْحَاجة إِلَى ذَلِك فَذَلِك قَوْله تَعَالَى:
{فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ}
وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يحرمُونَ أَزوَاجهم، ويجعلونهن كَظهر الْأُم، فَلَا يقربونهن بعد ذَلِك أبدا، وَفِي ذَلِك من الْمفْسدَة مَا لَا يخفى، فَلَا هِيَ حظية تتمتع مِنْهُ كَمَا تتمتع النِّسَاء من أَزوَاجهنَّ، وَلَا هِيَ أيم يكون أمرهَا بِيَدِهَا، فَلَمَّا وَقعت هَذِه الْوَاقِعَة فِي زمَان النَّبِي صلى الله عليه وسلم، واستفتي فِيهَا أنزل الله عز وجل.
{قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} .
إِلَى قَوْله {عَذَاب أَلِيم} .
والسر فِيهِ أَن الله تَعَالَى لم يَجْعَل قَوْلهم ذَلِك هدرا بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَمر ألزمهُ على نَفسه، وأكد فِيهِ القَوْل بِمَنْزِلَة سَائِر الايمان، وَلم يَجعله مُؤَبَّدًا كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة دفعا للْحَرج الَّذِي كَانَ عِنْدهم، وَجعله مؤقتا إِلَى كَفَّارَة لِأَن الْكَفَّارَة شرعت دافعة للآثام منهية لما يجده الْمُكَلف فِي صَدره، أما كَون هَذَا القَوْل زورا فَلِأَن الزَّوْجَة لَيست بِأم حَقِيقَة وَلَا بَينهمَا مشابهة أَو مجاورة تصحح إِطْلَاق اسْم أحداهما على الْأُخْرَى إِن كَانَ خَبرا، وَهُوَ عقد ضار، غير مُوَافق للْمصْلحَة، وَلَا مِمَّا أوحاه الله فِي شرائعه، وَلَا مِمَّا استنبطه ذَوُو الرَّأْي فِي أقطار الأَرْض إِن كَانَ إنْشَاء، وَأما كَونه مُنْكرا فَلِأَنَّهُ ظلم وجور وتضييق على من أَمر بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ.
وَإِنَّمَا جعلت الْكَفَّارَة عتق رَقَبَة أَو إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا أَو صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين لِأَن مَقَاصِد الْكَفَّارَة أَن يكون بَين عَيْني الْمُكَلف مَا يكبحه عَن الاقتحام فِي الْفِعْل خشيَة أَن يلْزمه ذَلِك، وَلَا يُمكن ذَلِك إِلَّا بِكَوْنِهَا طَاعَة شاقة تغلب على النَّفس إِمَّا من جِهَة كَونهَا بذل مَال يشح بِهِ، أَو من جِهَة مقاساة جوع وعطش مفرطين.
{للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} الْآيَة.
اعْلَم أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يحلفُونَ أَلا يطأوا أَزوَاجهم أبدا أَو مُدَّة طَوِيلَة، وَفِي ذَلِك جور وضرر، فَقضى الله تَعَالَى بالتربص أَرْبَعَة أشهر.
قَالَ الله تَعَالَى:
{فَإِن فاءوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم} .
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْفَيْء، فَقيل: يُوقف الْمولي بعد مُضِيّ أَرْبَعَة أشهر ثمَّ يجْبر على التسريح بالاحسان أَو الامساك بِالْمَعْرُوفِ، وَقيل: يَقع الطَّلَاق،
وَلَا يُوقف أما السِّرّ فِي تعْيين هَذِه الْمدَّة فَإِنَّهَا مُدَّة تتوق النَّفس فِيهَا للجماع لَا محَالة، ويتضرر بِتَرْكِهِ إِلَّا أَن يكون مؤفا، وَلِأَن هَذِه الْمدَّة ثلث السّنة، وَالثلث يضْبط بِهِ أقل من النّصْف، وَالنّصف يعد مُدَّة كَثِيرَة.
قَالَ الله تَعَالَى:
{وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء} الْآيَة.
واستفاض حَدِيث عُوَيْمِر الْعجْلَاني. وهلال بن أُميَّة.
اعْلَم أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا قذف الرجل امْرَأَته، وَكَانَ بَينهمَا فِي ذَلِك مشاقة رجعُوا إِلَى الْكُهَّان كَمَا كَانَ فِي قصَّة هِنْد بنت عتبَة فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام امْتنع أَن يسوغ لَهُم الرُّجُوع إِلَى الْكُهَّان؛ وَلِأَن فِي مبْنى الْملَّة الحنيفية على تَركهَا وإخمالها، لِأَن الرُّجُوع إِلَيْهِم من غير أَن يعرف صدقهم من كذبهمْ ضَرَرا عَظِيما، وَامْتنع أَن يُكَلف الزَّوْج بأَرْبعَة شُهَدَاء وَإِلَّا ضرب الْحَد؛ لِأَن الزِّنَا إِنَّمَا يكون فِي الْخلْوَة، وَيعرف الزَّوْج مَا فِي بَيته وَيقوم عِنْده من المخايل مَا لَا يُمكن أَن يعرفهُ غَيره، وَامْتنع أَن يَجْعَل الزَّوْج بِمَنْزِلَة سَائِر النَّاس يضْربُونَ الْحَد لِأَنَّهُ مَأْمُور شرعا وعقلا بِحِفْظ مَا فِي حيزه من الْعَار والشنار، مجبول على غَيره أَن يزدحم على مَا فِي عصمته، وَلِأَن الزَّوْج أقْصَى مَا يقطع بِهِ الرِّيبَة وَيطْلب بِهِ تحصين فرجهَا، فَلَو كَانَ هُوَ فِيمَا يؤاخذها بِهِ بِمَنْزِلَة سَائِر النَّاس ارْتَفع الْأمان، وانقلبت الْمصلحَة مفْسدَة، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما وَقعت الْوَاقِعَة مترددا تَارَة لَا يقْضِي بِشَيْء
لأجل