الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقله دفْعَة، وَهُوَ يُورث الكباد، ويضر بالمعدة وَلَا يتَمَيَّز عِنْده فِي دفق المَاء وانصبابه القذاه وَنَحْوهَا.
ويحكى أَن إِنْسَان شرب من فِي السقا فَدخلت حَيَّة فِي جَوْفه.
وَنهى عليه السلام أَن يشرب الرجل قَائِما، وروى أَنه صلى الله عليه وسلم شرب قَائِما أَقُول: هَذَا النَّهْي نهي إرشاد وتأديب فَإِن الشّرْب قَاعِدا من الهيآت الفاضلة وَأقرب لجموع النَّفس والري وَأَن تصرف الطبيعة المَاء فِي مَحَله أما الْفِعْل فلبيان الْجَوَاز.
وَقَالَ عليه السلام:
" الْأَيْمن فالأيمن " أَقُول أَرَادَ بذلك قطع الْمُنَازعَة فَإِنَّهُ لَو كَانَت السّنة تَقْدِيم الْأَفْضَل رُبمَا لم يكن الْفضل مُسلما بَينهم وَرُبمَا يَجدونَ فِي أنفسهم من تَقْدِيم غَيرهم حَاجَة.
وَنهى صلى الله عليه وسلم أَن يتنفس فِي الْإِنَاء أَو ينْفخ فِيهِ أَقُول. ذَلِك لِئَلَّا يَقع فِي المَاء من فَمه أَو أَنفه مَا يكرههُ فَيحدث هَيْئَة مُنكرَة.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " سموا إِذا أَنْتُم شربتم واحمدوا إِذا أَنْتُم رفعتم " قد مر سره.
(اللبَاس. والزينة. والأواني وَنَحْوهَا)
اعْلَم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نظر إِلَى عادات الْعَجم وتعمقاتهم فِي الاطمئنان بلذات الدُّنْيَا فَحرم رءوسها وأصولها، وَكره مَا دون ذَلِك، لِأَنَّهُ علم أَن ذَلِك مفض إِلَى نِسْيَان الدَّار الْآخِرَة مُسْتَلْزم للإكثار من طلب الدُّنْيَا.
فَمن تِلْكَ الرُّءُوس اللبَاس الفاخر فَإِن ذَلِك أكبر هَمهمْ وَأعظم فَخْرهمْ، والبحث عَنهُ من وُجُوه.
مِنْهَا الاسبال فِي القيص والسراويلات فَإِنَّهُ لَا يقْصد بذلك السّتْر والتجمل اللَّذين هما المقصودان فِي اللبَاس، وَإِنَّمَا يقْصد بِهِ الْفَخر وإراءة الْغَنِيّ نَحْو ذَلِك، والتجمل لَيْسَ إِلَّا فِي الْقدر الَّذِي يُسَاوِي الْبدن، قَالَ صلى الله عليه وسلم:" لَا ينظر الله يَوْم الْقِيَامَة إِلَى من جر إزَاره بطراً، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم إزَاره الْمُؤمن إِلَى أَنْصَاف سَاقيه لَا جنَاح عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الْكَعْبَيْنِ وَمَا أَسْفَل من ذَلِك فَفِي النَّار ".
وَمِنْهَا الْجِنْس المستغرب الناعم من الثِّيَاب.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ يَوْم الْقِيَامَة " وسره مثل مَا ذكرنَا فِي الْخمر
وَنهى صلى الله عليه وسلم عَن لبس الْحَرِير والديباج وَعَن لبس القسى
والمياثر والأرجوان، وَرخّص فِي مَوضِع إِصْبَعَيْنِ أَو ثَلَاثَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من بَاب اللبَاس وَرُبمَا تقع الْحَاجة إِلَى ذَلِك، وَرخّص للزبير. وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي لبس الْحَرِير لحكمة بهما لِأَنَّهُ لم يقْصد حِينَئِذٍ بِهِ الإرفاه وَإِنَّمَا قصد الِاسْتِشْفَاء.
وَمِنْهَا الثَّوْب الْمَصْبُوغ بلون مطرب يحصل بِهِ الْفَخر والمراءاة؛ فَنهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن المعصفر والمزعفر، وَقَالَ:" إِن هَذِه من ثِيَاب أهل النَّار " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " أَلا طيب الرِّجَال ريح لَا لون لَهُ وَطيب النِّسَاء لون لَا ريح لَهُ " وَلَا اخْتِلَاف بَين قَوْله صلى الله عليه وسلم:
" إِن البذاذة من الْإِيمَان " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" من لبس ثوب شهرة فِي الدُّنْيَا ألبسهُ الله ثوب مذلة يَوْم الْقِيَامَة "، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" من ترك لبس ثوب جمال تواضعا كَسَاه الله حلَّة الْكَرَامَة " وَبَين قَوْله صلى الله عليه وسلم: " أَن الله يحب أَن يرى اثر نعْمَته على عَبده " وَرَأى رجلا شعثا، فَقَالَ:" مَا كَانَ يجد هَذَا مَا يسكن بِهِ رَأسه " وَرَأى رجلا عَلَيْهِ ثِيَاب وسخة فَقَالَ: " مَا كَانَ يجد هَذَا مَا يغسل بِهِ ثَوْبه ".
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِذا أَتَاك الله مَا لَا فأثر نعْمَة الله وكرامته عَلَيْك " لِأَن هُنَالك شَيْئَيْنِ مُخْتَلفين فِي الْحَقِيقَة قد يشتبهان بادئ الرَّأْي: أَحدهمَا مَطْلُوب، وَالْآخر مَذْمُوم، فالمطلوب ترك الشُّح، وَيخْتَلف باخْتلَاف طَبَقَات النَّاس، فَالَّذِي هُوَ فِي الْمُلُوك شح رُبمَا يكون إسرافا فِي حق الْفَقِير، وَترك عادات البدو واللاحقين بالبهائم وَاخْتِيَار النَّظَافَة ومحاسن الْعَادَات، والمذموم الامعان فِي التَّكَلُّف والمراءاة والتفاخر بالثياب وَكسر قُلُوب الْفُقَرَاء وَنَحْو ذَلِك، وَفِي أَلْفَاظ الحَدِيث إشارات إِشَارَة إِلَى هَذِه الْمعَانِي كَمَا لَا يخفى على المتأمل، ومناط الْأجر ردع النَّفس عَن اتِّبَاع دَاعِيَة الغمط وَالْفَخْر.
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذا استجد ثوبا سَمَّاهُ باسمه عماقة أَو قَمِيصًا أَو رِدَاء ثمَّ يَقُول: " اللَّهُمَّ لَك الْحَمد كَمَا كسوتنيه أَسأَلك خَيره وَخير مَا صنع لَهُ وَأَعُوذ بك من شَره وَشر مَا صنع لَهُ " وَقد مر سره من قبل.
وَمن تِلْكَ الرُّءُوس الْحلِيّ المترفة، وَهَهُنَا أصلان: أَحدهمَا أَن الذَّهَب هُوَ الَّذِي يفاخر بِهِ الْعَجم ويفضي جَرَيَان الرَّسْم بالتحلي بِهِ إِلَى الْإِكْثَار من طلب الدُّنْيَا دون الْفضة وَلذَلِك شدد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الذَّهَب، وَقَالَ:" وَلَكِن عَلَيْكُم بِالْفِضَّةِ فالعبوا بهَا ".
وَالثَّانِي أَن النِّسَاء أحْوج إِلَى تزين ليرغب فِيهِنَّ أَزوَاجهنَّ، وَلذَلِك جرت عَاده الْعَرَب والعجم جَمِيعًا بِأَن يكون تزينهن أَكثر من تزينهم فَوَجَبَ أَن يرخص لَهُنَّ أَكثر مِمَّا يرخص لَهُم، وَلذَلِك قَالَ صلى الله عليه وسلم.
" أحل الذَّهَب وَالْحَرِير للأناث من أمتِي وَحرم على ذكورها ".
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم. فِي خَاتم ذهب فِي يَد رجل. " يعمد أحدكُم إِلَى جمر من نَار فَيَجْعَلهُ فِي يَده " وَرخّص عليه السلام فِي خَاتم الْفضة لَا سِيمَا لذِي سُلْطَان، قَالَ. " وَلَا تتمه مِثْقَالا " وَنهى صلى الله عليه وسلم النِّسَاء عَن غير المقطع من الذَّهَب وَهُوَ مَا كَانَ قِطْعَة وَاحِدَة كَبِيرَة، قَالَ صلى الله عليه وسلم.
" من أحب أَن يحلق حَبِيبه حَلقَة من النَّار فليحلقه حَلقَة من ذهب " وَذكر على هَذَا الأسلوب الطوق السوار. وَكَذَا جَاءَ التَّصْرِيح بقلادة من ذهب، وخرص من ذهب. وسلسلة من ذهب، وَبَين الْمَعْنى فِي هَذَا الحكم حَيْثُ قَالَ:" أما إِنَّه لَيْسَ مِنْكُن امْرَأَة تحلي ذَهَبا تظهره إِلَّا عذبت بِهِ " وَكَانَ لأم سَلمَة رضي الله عنها أوضاع من ذهب، وَالظَّاهِر
أَنَّهَا كَانَت مقطعَة، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" حل الذَّهَب للاناث " مَعْنَاهُ الْحل فِي الْجُمْلَة.
هَذَا مَا يُوجِبهُ مَفْهُوم هَذِه الأحديث وَلم أجد لَهَا مُعَارضا، وَمذهب الْفُقَهَاء فِي ذَلِك مَعْلُوم مَشْهُور وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
وَمِنْهَا التزين بالشعور فان النَّاس كَانُوا مُخْتَلفين فِي أمرهَا، فالمجوس كَانُوا يقصون اللحى ويوفرون الشَّوَارِب، وَكَانَت سنة الْأَنْبِيَاء عليهم السلام خلاف ذَلِك، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" خالفوا الْمُشْركين، وفروا اللحى واحفوا الشَّوَارِب ".
وَكَانَ نَاس يحبونَ التشعث والتمهن والهيئة البذة ويكرهون التجمل والتزين. وناس
يتعمقون فِي التجمل ويجعلون ذَلِك أحد وُجُوه الْفَخر وغمط النَّاس، فَكَانَ إخمال مَذْهَبهم جَمِيعًا ورد طريقهم أحد الْمَقَاصِد الشَّرْعِيَّة، فان مبْنى الشَّرَائِع على التَّوَسُّط بَين المنزلتين، وَالْجمع بَين المصلحتين.
وَقَالَ رَسُول الله:
" الْفطْرَة خمس: الْخِتَان. والاستحداد. وقص الشَّارِب. وتقليم الأظافر. ونتف الابط " ثمَّ مست الْحَاجة إِلَى تَوْقِيت ذَلِك ليمكن الْإِنْكَار على من خَالف السّنة وَلِئَلَّا يصل المتورع إِلَى الْحلق والنتف كل يَوْم، والمتهاون إِلَى تَركهَا سنة فوقت قصّ الشَّارِب وتقليم الأظافر ونتف الابط وَحلق الْعَانَة أَلا يتْرك أَكثر من أَرْبَعِينَ لَيْلَة.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يصبغون " وَكَانَ أهل الْكتاب يسدلون، وَالْمُشْرِكُونَ يفرقون، فسدل النَّبِي صلى الله عليه وسلم
ناصيته ثمَّ فرق بعد، فالسدل أَن يُرْخِي ناصيته على وَجهه، وَهِي هَيْئَة بذة، وَالْفرق أَن يَجعله ضفيرتين يُرْسل كل ضفيرة إِلَى صدغ.
وَنهى صلى الله عليه وسلم عَن القزع.
أَقُول: السِّرّ فِيهِ أَنه من هيآت الشَّيَاطِين، وَهُوَ نوع من الْمثلَة تعافها الْأَنْفس إِلَّا الْقُلُوب المؤفة باعتيادها، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" من كَانَ لَهُ شعر فليكرمه، وَنهى عَن التَّرَجُّل إِلَّا غبا يُرِيد التَّوَسُّط بَين الافراط والتفريط.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لعن الله الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحسنِ الْمُغيرَات خلق الله " وَلعن صلى الله عليه وسلم
المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء والمتشبهات من النِّسَاء بِالرِّجَالِ، أَقُول: الأَصْل فِي ذَلِك ان الله خلق كل نوع وصنف متقيضيا لظُهُور أَحْكَام فِي الْبدن كالرجال تلتحي وكالنساء يصغين إِلَى نوع من الطَّرب والخفة، فاقتضاؤها للْأَحْكَام لِمَعْنى فِي المبدأ هُوَ بِعَيْنِه كَرَاهِيَة أضدادها، وَلذَلِك كَانَ المرضي بَقَاء كل نوع
وصنف على مَا تَقْتَضِيه فطرته وَكَانَ تَغْيِير الْخلق سَببا للعن، وَلذَلِك كره النَّبِي صلى الله عليه وسلم إنزاء الْحمير لتَحْصِيل البغال.
فَمن الزِّينَة مَا يكون كالتقوية لفعل الطبيعة والتوطئة لَهُ والتمشية إِيَّاه كالكحل والترجل وَهُوَ مَحْبُوب، وَمِنْهَا مَا يكون كالمباين لفعلها كاختيار الْإِنْسَان هَيْئَة الدَّوَابّ وَمَا يكون تعمقا فِي إبداع مَا لَا تَقْتَضِيه الطبيعة، وَهُوَ غير مَحْبُوب إِذا خلى الانسان وفطرته عدَّة مثله.
وَمِنْهَا صناعَة التصاوير فِي الثِّيَاب والجدران وَالْأَنْمَاط، فَنهى عَنْهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ومدار النَّهْي شيآن: أَحدهمَا أَنَّهَا أحد وُجُوه الإرفاه والزينة فانهم كَانُوا يتفاخرون بهَا ويبذلون أَمْوَالًا خطيرة فِيهَا فَكَانَت كالحرير وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي صُورَة الشّجر وَغَيرهَا.
وَثَانِيهمَا أَن المخامرة بالصور واتخاذها وجريان الرَّسْم بالرغبة فِيهَا يفتح بَاب عبَادَة الْأَصْنَام وينوه أمرهَا ويذكرها لأَهْلهَا، وَمَا نشأت عبَادَة الْأَصْنَام فِي أَكثر الطوائف إِلَّا من هَذِه، وَهَذَا الْمَعْنى يخْتَص بِصُورَة الْحَيَوَان وَلذَلِك أَمر بِقطع راس التماثيل لتصير كَهَيئَةِ الشّجر، وخف فَسَاد صناعَة صور الْأَشْجَار، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِن الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الصُّور لَا تدخله الْمَلَائِكَة " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " كل مُصَور فِي النَّار يَجْعَل لَهُ بِكُل صُورَة صورها نفسا يعذبه فِي جَهَنَّم " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" من صور صُورَة عذب وكلف أَن ينْفخ فِيهَا وَلَيْسَ بنافخ ".
أَقُول: لما كَانَت التصاوير فِيهَا معنى الْأَصْنَام وَقد تحقق فِي الْمَلأ الْأَعْلَى دَاعِيَة غضب وَلعن على الْأَصْنَام وعبدتها وَجب أَن يتنفر مِنْهَا الْمَلَائِكَة، وَإِذا حشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بأعمالهم تمثل عمل المصور بالنفوس الَّتِي تصورها فِي نَفسه وَأَرَادَ محاكاتها فِي عمله لِأَنَّهَا أقرب مَا هُنَالك وَظهر إقدامه على المحاكاة، وسعيه أَن يبلغ فِيهَا غَايَة المدى فِي صُورَة التَّكْلِيف بِأَن ينْفخ فِيهَا الرّوح وَلَيْسَ بنافخ.
وَمِنْهَا الِاشْتِغَال بالمسليات وَهِي مَا يسلي النَّفس عَن هم آخرته ودنياه ويضيع الْأَوْقَات كالمعازف وَالشطْرَنْج واللعب بالحمام واللعب بتحريش الْبَهَائِم وَنَحْوهَا؛ فان الانسان إِذا اشْتغل بِهَذِهِ الْأَشْيَاء لَهَا عَن طَعَامه وَشَرَابه وَحَاجته، وَرُبمَا كَانَ حاقنا لَا يقوم للبول فان جرى الرَّسْم بالاشتغال بهَا صَار النَّاس كلا على الْمَدِينَة، وَلم يتوجهوا إِلَى إصْلَاح نُفُوسهم.
وَاعْلَم أَن الْغناء والدف فِي الْوَلِيمَة وَنَحْوهَا عَادَة الْعَرَب والعجم وديدنهم،
وَذَلِكَ لما يَقْتَضِيهِ الْحَال من الْفَرح وَالسُّرُور فَلَيْسَ ذَلِك من المسليات إِنَّمَا ميزَان المسليات مَا كَانَ فِي زَمَانه صلى الله عليه وسلم فِي الْحجاز وَفِي الْقرى العامرة، لَا مَكَان الِاشْتِغَال بِهِ زَائِدا على الْفَرح وَالسُّرُور المطلوبين كالمزامير.
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" من لعب بالنردشير فقد عصى الله وَرَسُوله " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم
: من لعب بالنردشير فَكَأَنَّمَا صبغ يَده فِي لحم خِنْزِير وَدَمه " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَيَكُونن أمتِي أَقوام يسْتَحلُّونَ الْحر وَالْحَرِير وَالْخمر وَالْمَعَازِف " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" أعْلنُوا النِّكَاح واضربوا عَلَيْهِ بالدف " فالملاهي نَوْعَانِ. محرم وَهِي الْآلَات المطربة كالمزامير، ومباح وَهُوَ الدُّف والغناء فِي الْوَلِيمَة وَنَحْوهمَا من حَادث سرُور.
وَأما الحداء فَهُوَ فِي الأَصْل مَا يقْصد بِهِ تهيج الابل، لَكِن المُرَاد هُنَا مُطلق النشيد مَعَ تأليف الألحان والإيقاع فَهُوَ مُبَاح فَإِنَّهُ من المباسطات دون المسليات.
وَأما اللّعب بآلات كالمناضلة. وتأديب الْفرس. واللعب بِالرِّمَاحِ فَلَيْسَ من اللّعب فِي الْحَقِيقَة لما فِيهِ من مَقْصُود شَرْعِي، وَقد لعبت الْحَبَشَة بالحراب والدرق بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجده ".
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لرجل يتبع حمامة:
" شَيْطَان يتبع شَيْطَانه " وَنهى عليه السلام صلى الله عليه وسلم عَن التحريش بَين الْبَهَائِم.
وَمِنْهَا اقتناء عدد كثير من الدَّوَابّ والفرش لَا يقْصد بذلك كِفَايَة الْحَاجة بل مراءاة النَّاس وَالْفَخْر عَلَيْهِم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
" فرَاش للرجل. وفراش لامْرَأَته. وَالثَّالِث للضيف. وَالرَّابِع للشَّيْطَان " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" يكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة
رضي الله عنه: أما أبل الشَّيَاطِين فقد رَأَيْتهَا يخرج أحدكُم بنجيبات مَعَه قد أسمنها وَلَا يعلوا بَعِيرًا آمنها ويمر بأَخيه قد انْقَطع بِهِ فَلَا يحملهُ ".
وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة مولعين باقتناء الْكلاب - جمع كلب - وَهُوَ حَيَوَان مَلْعُون تتأذى مِنْهُ الْمَلَائِكَة فَإِن لَهُ مُنَاسبَة بالشياطين كَمَا قُلْنَا فِي الوزغ، فَحرم النَّبِي صلى الله عليه وسلم اقتناءها، وَقَالَ:
" من اتخذ كَلْبا إِلَّا كلب مَاشِيَة أَو صيدا أَو زرع انْتقصَ من أجره كل يَوْم قِيرَاط " وَفِي رِوَايَة قيراطان " وَفِي حكم الْكلاب القردة والخنازير.
أَقُول: السِّرّ فِي انتقاص أجره أَنه يمد البهيمية ويقهر الملكية، والقيراط خرج مخرج الْمثل، يُرِيد بِهِ الْجَزَاء الْقَلِيل وَلذَلِك لم يكن بَين قَوْله صلى الله عليه وسلم. قيراطان. وَقَوله قِيرَاط مناقضة.
وَمِنْهَا اسْتِعْمَال أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة، قَالَ صلى الله عليه وسلم: " الَّذِي يشرب فِي إِنَاء الْفضة إِنَّمَا
يجر جر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم ".
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها فانها لَهُم فِي الدُّنْيَا وَلكم فِي الْآخِرَة " وَقد ذكرنَا من قبل مَا ينْكَشف بِهِ سره.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم خمروا الْآنِية وأوكلوا الأسقية وأجيفوا الْأَبْوَاب واكفتوا صِبْيَانكُمْ عِنْد الْمسَاء فان للجن انتشارا وخطفة وأطفئوا المصابيح عِنْد الرقاد فان الفويسقة رُبمَا اجْتَرَّتْ الفتيلة فأحرقت أهل الْبَيْت " وَفِي رِوَايَة فان الشَّيْطَان " لَا يحل سقا وَلَا يفتح بَاب وَلَا يكْشف إِنَاء " وَفِي رِوَايَة " فان فِي السّنة لَيْلَة ينزل فِيهَا وباء لَا يمر بِإِنَاء لَيْسَ عَلَيْهِ غطاء أَو سقاء لَيْسَ عَلَيْهِ وكاء إِلَّا نزل فِيهِ من ذَلِك الوباء ".
أَقُول: أما انتشار الْجِنّ عِنْد الْمسَاء فلكونهم ظلمانيين فِي أصل الْفطْرَة فَيحصل لَهُم عَن انتشار الظلمَة ابتهاج وسرور فينتشرون، وَأما إِن الشَّيْطَان لَا يحل وكاء فَلِأَن اكثر تأثيراتها على مَا أدركنا فِي ضمن الْأَفْعَال الطبيعية كَمَا أَن الْهَوَاء إِذا دخل فِي الْبَيْت دخل الجني مَعَه وَإِذا تدهده الْحجر وأمد فِي تدهده تدهده أَكثر مِمَّا تَقْتَضِيه الْعَادة وَنَحْو ذَلِك، وَأما إِن فِي السّنة لَيْلَة ينزل فِيهَا الوباء، فَمَعْنَاه أَنه يَجِيء بعد زمَان طَوِيل وَقت يفْسد فِيهِ الْهَوَاء.
وَقد شاهدت ذَلِك مرّة أحسست بهواء خَبِيث أصابني صداع فِي سَاعَة مَا وصل إِلَيّ ثمَّ رَأَيْت كثيرا من النَّاس قد مرضوا واستعدوا لحَدث وَمرض فِي تِلْكَ اللَّيْلَة.
وَمِنْهَا التطاول فِي الْبُنيان وتزويق الْبيُوت وزخرفتها فَكَانُوا يتكلفون فِي ذَلِك غَايَة التَّكَلُّف ويبذلون أَمْوَالًا خطيرة فعالجه النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالتغليظ الشَّديد، فَقَالَ:
" مَا أنْفق الْمُؤمن من نَفَقَة إِلَّا أجر فِيهَا إِلَّا نَفَقَته فِي هَذَا التُّرَاب "، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" إِن كل بِنَاء وبال على صَاحبه إِلَّا مَا لَا إِلَّا مَا لَا " يَعْنِي إِلَّا مَا لَا بُد مِنْهُ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" لَيْسَ لوَلِيّ - أَو لَيْسَ لنَبِيّ - أَن يدْخل بَيْتا مزوقا "، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:" إِن الله لم يَأْمُرنَا أَن نكسوا الْحِجَارَة والطين ".
وَكَانَ النَّاس قبل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يتمسكون فِي أمراضهم وعاهاتهم بالطب والرقى، وَفِي تقدمة الْمعرفَة بالفأل. والطيرة، والحظ - وَهُوَ الرمل - وَالْكهَانَة. والنجوم. وتعبير الرُّؤْيَا، وَكَانَ فِي بعض ذَلِك مَا لَا يَنْبَغِي، فَنهى عَنهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأباح الْبَاقِي.
فالطب حَقِيقَته التَّمَسُّك بطبائع الْأَدْوِيَة الحيوانية أَو والنباتية أوالمعدنية. وَالتَّصَرُّف
فِي الأخلاط نقصا وَزِيَادَة، وَالْقَوَاعِد الملية تصحح إِذْ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَة شرك وَلَا فَسَاد فِي الدّين وَالدُّنْيَا بل فِيهِ نفع كَبِير، وَجمع لشمل
النَّاس إِلَّا المداداة بِالْخمرِ إِذْ للخمر ضراوة لَا تَنْقَطِع، والمداواة بالخبيث أَي السم مَا أمكن العلاج بِغَيْرِهِ فانه رُبمَا أفْضى إِلَى الْقَتْل، والمداواة بالكي مَا أمكن بِغَيْرِهِ لِأَن الحرق بالنَّار أحد الْأَسْبَاب الَّتِي تنفر مِنْهَا الْمَلَائِكَة، وَالْأَصْل فِيمَا روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من المعالجات التجربة الَّتِي كَانَت عِنْد الْعَرَب.
وَأما الرقي فحقيقتها التَّمَسُّك بِكَلِمَات لَهَا تحقق فِي الْمثل وَأثر، وَالْقَوَاعِد الملية لَا تدفعها مَا لم يكن فِيهَا شرك لَا سِيمَا إِذا كَانَ من الْقُرْآن أَو السّنة أَو مِمَّا يشبههما من التضرعات إِلَى الله.
وَالْعين حق وحقيقتها تَأْثِير إِلْمَام نفس العائن وصدمة تحصل من إلمامها بالمعين، وَكَذَا نظرة الْجِنّ وكل حَدِيث فِيهِ نهي عَن الرقى والتمائم والتولة مَحْمُولَة على مَا فِيهِ شرك أَو انهماك فِي التَّسَبُّب بِحَيْثُ يغْفل عَن البارى جلّ شَأْنه.
وأمال الفأل والطيرة فحقيقتهما أَن الْأَمر إِذا قضى بِهِ فِي الْمَلأ الْأَعْلَى رُبمَا تلونت بلونه وقائع جبلت على سرعَة الانعكاس، فَمِنْهَا الخواطر، وَمِنْهَا الْأَلْفَاظ الَّتِي يتفوه بهَا من غير قصد مُتَعَدٍّ بِهِ وَهِي أشباح الخواطر الْخفية الَّتِي يقْصد إِلَيْهَا بِالذَّاتِ، وَمِنْهَا الوقائع الجوية فَإِن أَسبَابهَا فِي الْأَكْثَر من الطبيعة ضَعِيفَة وَإِنَّمَا تخْتَص بِصُورَة دون صُورَة بِأَسْبَاب فلكية أَو انْعِقَاد أَمر فِي الْمَلأ الْأَعْلَى وَكَانَ الْعَرَب يستدلون بهَا على مَا يَأْتِي وَكَانَ فِيهِ تخمين وإثارة وسواس بل رُبمَا كَانَت مَظَنَّة للكفر بِاللَّه وَإِن لم كطمح الهمة إِلَى الْحق فَنهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الطَّيرَة، وَقَالَ:
" خَيرهَا الفأل " يعْنى كلمة صَالِحَة يتَكَلَّم بهَا إِنْسَان صَالح فَإِنَّهَا أبعد من تِلْكَ القبائح، وَنفي الْعَدْوى لَا بِمَعْنى نفي أَصْلهَا لَكِن الْعَرَب يظنونها سَببا مُسْتقِلّا وينسبون التَّوَكُّل رَأْسا، وَالْحق
أَن سَبَبِيَّة هَذِه الْأَسْبَاب إِنَّمَا تتمّ إِذا لم ينْعَقد قَضَاء الله على خِلَافه لِأَنَّهُ إِذا انْعَقَد أئمه الله من غير أَن ينخرم النظام، وَالتَّعْبِير عَن هَذِه النُّكْتَة بِلِسَان الشَّرْع أَنَّهَا أَسبَاب عَادِية لَا عقلية، والهامة تفتح بَاب الشّرك غَالِبا، وَكَذَلِكَ الغول فَهَذَا عَن الِاشْتِغَال بِهَذِهِ الْأُمُور لِأَن هَذِه لَيست حَقِيقَة أَلْبَتَّة، كَيفَ وَالْأَحَادِيث متظاهرة على ثُبُوت الْجِنّ وتردده فِي الْعَالم.
وعَلى ثُبُوت اصل الْعَدْوى. وعَلى ثُبُوت اصل الشؤم فِي الْمَرْأَة وَالْفرس وَالدَّار، فَلَا جرم أَن المُرَاد نَفيهَا من حَيْثُ جَوَاز الِاشْتِغَال بهَا وَمن حَيْثُ أَنه لَا يجوز الْمُخَاصمَة فِي ذَلِك فَلَا يسمع خُصُومَة من ادّعى على أحد على أَنه قتل إبِله وأمرضها بادخال الابل الْمَرِيضَة عَلَيْهَا وَنَحْو ذَلِك كَيفَ وَأَنت خَبِير بِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن الكهانة وَهِي الاخبار عَن الْجِنّ أَشد نهي وَبرئ مِمَّن أَتَى كَاهِنًا، ثمَّ لما سُئِلَ عَن حَال الْكُهَّان أخبر. أَن الْمَلَائِكَة تنزل فِي الْعَنَان فَتذكر الْأَمر قد قضي فِي السَّمَاء فتسترق الشَّيَاطِين السّمع فتسمعه فتوحيه إِلَى الْكُهَّان فيكذبون مَعهَا مائَة كذبة، يَعْنِي أَن الْأَمر إِذا تقرر فِي الْمَلأ الْأَعْلَى ترشح مِنْهُ رشحات على الْمَلَائِكَة السافلة الَّتِي استعدت للإلهام فَرُبمَا أَخذ مِنْهُم بعض أذكياء الْجِنّ، ثمَّ تتلقى الْكُهَّان مِنْهُم بِحَسب مناسبات جبلية وكسبية فَلَا [تشكن أَن النَّهْي لَيْسَ مُعْتَمدًا على عدمهَا فِي الْخَارِج بل على كَونهَا مَظَنَّة للخطأ والشرك وَالْفساد] كَمَا قَالَ عز من قَائِل:
{قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} .
أما الأنواء والنجوم فَلَا يبعد أَن يكون لَهما حَقِيقَة مَا فَإِن الشَّرْع إِنَّمَا
أَتَى بِالنَّهْي عَن الِاشْتِغَال بِهِ لانفى الْحَقِيقَة أَلْبَتَّة وَإِنَّمَا توارث السّلف الصَّالح ترك الأشتغال بِهِ وذم المشتغلين وَعدم الْقبُول بِتِلْكَ التأثيرات لَا القَوْل بِالْعدمِ أصلا، وَإِن مِنْهَا مَا يلْحق البديهيات الأولية كاختلاف الْفُصُول باخْتلَاف أَحْوَال الشَّمْس وَالْقَمَر وَنَحْو ذَلِك.
وَمِنْهَا مَا يدل عَلَيْهِ الحدس والتجربة والرصد كَمثل مَا تدل هَذِه على حرارة الزنجبيل وبرودة الكافور، وَلَا يبعد أَن يكون تأثيرها على وَجْهَيْن: وَجه يشبه الطبائع فَكَمَا أَن لكل نوع طبائع مُخْتَصَّة بِهِ من الْحر وَالْبرد واليبوسة والرطوبة بهَا يتَمَسَّك فِي دفع الْأَمْرَاض فَكَذَلِك للأفلاك وَالْكَوَاكِب طبائع وخواص كحر الشَّمْس ورطوبة الْقَمَر فَإِذا جَاءَ ذَلِك الْكَوْكَب فِي مَحَله ظَهرت قُوَّة فِي الأَرْض أَلا تعلم أَن الْمَرْأَة إِنَّمَا اخْتصّت بعادات النِّسَاء وأخلاقهن الشَّيْء يرجع إِلَى طبيعتها وَإِن خَفِي إِدْرَاكهَا، وَالرجل إِنَّمَا اخْتصَّ بالجراءة والجهورية وَنَحْوهمَا لِمَعْنى فِي من مزاجه " فَلَا تنكر أَن يكون لحلول قوى الزهرة والمريخ وبالأرض أثر كأثر هَذِه الطبائع الْخفية ".
وَثَانِيهمَا وَجه يشبه قُوَّة روحانية متركبة مَعَ الطبيعة وَذَلِكَ مثل قُوَّة نفسانية فِي الْجَنِين من قبل أمه وَأَبِيهِ، والمواليد بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّمَوَات والأرضيين كالجنين بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَبِيه وَأمه فَتلك الْقُوَّة تهيئ الْعَالم لفيضان صُورَة حيوانية ثمَّ إنسانية.
ولحلول تِلْكَ القوى بِحَسب الاتصالات الفلكية أَنْوَاع وَلكُل نوع خَواص فأمعن
قوم فِي هَذَا الْعلم فَحصل لَهُم علم النُّجُوم يتعرفون لَهُ الوقائع الْآتِيَة غير أَن الْقَضَاء إِذا انْعَقَد على خِلَافه جعل قُوَّة الْكَوْكَب متصورة بِصُورَة أُخْرَى قريبَة من تِلْكَ الصُّورَة وَأتم الله قَضَاءَهُ من غير أَن ينخرم نظام الْكَوَاكِب فِي خواصها ويعبر عَن هَذِه النُّكْتَة بِأَن الْكَوَاكِب خواصها يجْرِي عَادَة الله لَا باللزوم الْعقلِيّ، وَيُشبه بالأمارات والعلامات، وَلَكِن
النَّاس جَمِيعًا توغلوا فِي هَذَا الْعلم توغلا شَدِيدا حَتَّى صَار مَظَنَّة لكفر الله وَعدم الْإِيمَان فَعَسَى أَلا يَقُول صَاحب توغل هَذَا الْعلم: مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته من صميم قلبه بل يَقُول: مُطِرْنَا بَنو كَذَا وَكَذَا فَيكون ذَلِك صادا عَن تحَققه الْإِيمَان الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي النجَاة.
وَأما علم النُّجُوم فَإِنَّهُ لَا يضر جَهله إِذْ الله مُدبر للْعَالم على حسب حكمته على علم أحد أَو لم يعلم فَلذَلِك وَجب فِي الْملَّة أَن يخمل ذكره وَينْهى عَن تعلمه ويجهر بِأَن " من اقتبس علما من النُّجُوم اقتبس شُعْبَة من السحر زَاد مَا زَاد " وَمثل ذَلِك مثل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل شدد النَّبِي صلى الله عليه وسلم على من من أَرَادَ أَن ينظر فيهمَا لِكَوْنِهِمَا محرفين ومظنة لعدم الانقياد لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم وَلذَلِك نهوا عَنهُ.
هَذَا مَا أدّى إِلَيْهِ رَأينَا وتفحصنا فَإِن ثَبت من السّنة مَا يدل على خلاف ذَلِك فَالْأَمْر على مَا فِي السّنة.
وَأما الرُّؤْيَا فَهِيَ على خمس أَقسَام: بشرى من الله. وتمثل نوراني من للحمائد والرذائل المندرجة من النَّفس على وَجه ملكي وتخويف من الشَّيْطَان. وَحَدِيث نفس من قبل الْعَادة الَّتِي اعتادتها النَّفس فِي الْيَقَظَة تحفها المتخيلة وَيظْهر فِي الْحس الْمُشْتَرك مَا اختزن فِيهَا. وخيالات طبيعية لغَلَبَة الاخلاط وتنبه النَّفس بأذاها فِي الْبدن
أما الْبُشْرَى من الله فحقيقتها أَن النَّفس الناطقة إِذا انتهزت فرْصَة عَن
غواشي الْبدن بِأَسْبَاب خُفْيَة إِلَّا يكَاد يتفطن لَهَا لآ بعد تَأمل واف استعدت لِأَن يفِيض عَلَيْهَا من منبع الْخَيْر والجود كَمَال علمي فأفيض عَلَيْهِ شَيْء على حسب استعداده ومادته الْعُلُوم المخزونة عِنْده.
وَهَذِه الرُّؤْيَا تَعْلِيم إلهي كالمعراج المنامي الَّذِي رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ ربه فِي أحسن صُورَة فَعلمه الْكَفَّارَات والدرجات وكالمعراج المنامي الَّذِي انْكَشَفَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم أَحْوَال
الْمَوْتَى بعد انفكاكهم عَن الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَا رَوَاهُ جَابر بن سَمُرَة رضي الله عنه وكعلم مَا سَيكون من الوقائع الْآتِيَة فِي الدُّنْيَا.
وَأما الروؤيا الملكية فيحققها أَن فِي الْإِنْسَان ملكمات حَسَنَة وملكات قبيحة وَلَكِن لَا يعرف حسنها وقبحها إِلَّا المتجرد إِلَى الصُّورَة الملكية فَمن تجرد إِلَيْهَا تظهر حَسَنَاته وسيآته فِي صُورَة مثالية فَصَاحب هَذَا يرى الله تَعَالَى، وَأَصله الانقياد للبارى، وَيرى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، وَأَصله الانقياد للرسول المركوز فِي صَدره، وَيرى الْأَنْوَار وَأَصلهَا الطَّاعَات المكتسبة فِي صَدره وجوارحه تظهر فِي صُورَة الْأَنْوَار والطيبات كالعسل وَالسمن وَاللَّبن، فَمن رأى الله أَو الرَّسُول أَو الْمَلَائِكَة فِي صُورَة قبيحة أَو فِي صُورَة الْغَضَب فليعرف أَن فِي اعْتِقَاده خللا وضعفا وَأَن نَفسه لم تتكمل، وَكَذَلِكَ الْأَنْوَار الَّتِي حصلت بِسَبَب الطَّهَارَة تظهر فِي صُورَة الشَّمْس وَالْقَمَر.
وَأما التخويف من الشَّيْطَان فوحشه وَخَوف من الْحَيَوَانَات الملعونة كالقرد، والفيل. وَالْكلاب. والسودان من النَّاس فَإِذا رأى ذَلِك فليتعوذ بِاللَّه وليتفل ثَلَاثًا على يسَاره وليتحول عَن جنبه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ.
وَأما الْبُشْرَى فلهَا تَعْبِير والعمدة فِيهِ معرفَة الخيال أَي شَيْء مَظَنَّة لأي معنى فقد ينْتَقل الذِّهْن من الْمُسَمّى إِلَى الِاسْم كرؤية النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ فِي دَار عقبَة بن رَافع فَأتى برطب ابْن طَابَ " قَالَ
عليه الصلاة والسلام: " فأولت أَن الرّفْعَة لنا فِي الدُّنْيَا والعافية فِي الْآخِرَة وَأَن ديننَا قد طَابَ.
وَقد ينْتَقل الذِّهْن من الملابس إِلَى مَا يلابسه كالسيف لِلْقِتَالِ، وَقد ينْتَقل الذِّهْن من الْوَصْف إِلَى جَوْهَر مُنَاسِب لَهُ كمن غلب عَلَيْهِ حب المَال رَآهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي صُورَة سوار من ذهب.
وَبِالْجُمْلَةِ فللانتقال من شَيْء إِلَى شَيْء صور شَتَّى، وَهَذِه الرُّؤْيَا شُعْبَة من النُّبُوَّة لِأَنَّهَا ضرب من إفَاضَة غيبية وتدل من الْحق إِلَى الْخلق وَهُوَ أصل النُّبُوَّة، وَأما سَائِر أَنْوَاع الرُّؤْيَا فَلَا تَعْبِير لَهَا.