الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(آدَاب الطَّعَام)
وَاعْلَم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم علم آدابا يتأدبون فِيهَا فِي الطَّعَام.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " بركَة الطَّعَام والضوء قبله وَالْوُضُوء بعده " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" كيلوا طَعَامكُمْ يُبَارك لكم " وَقَالَ عليه السلام: " إِذا أكل أحدكُم طَعَاما فَلَا يَأْكُل من أَعلَى الصحفة وَلَكِن ليَأْكُل من أَسْفَلهَا فان الْبركَة تنزل من أَعْلَاهَا ".
أَقُول: من الْبركَة أَن تشبع النَّفس، وتقر الْعين، وينجمع الخاطر، وَلَا يكون هاعا لاعا كَالَّذي يَأْكُل وَلَا يشْبع.
تَفْصِيل ذَلِك أَنه رُبمَا يكون رجلَانِ عِنْد كل مِنْهُمَا مائَة دِرْهَم، وَأَحَدهمَا يخْشَى الْعيلَة ويطمع فِي أَمْوَال النَّاس وَلَا يَهْتَدِي لصرف مَاله فِيمَا يَنْفَعهُ فِي دينه ودنياه، وَالْآخر متعفف يحسبه الْجَاهِل غَنِيا مقتصدا فِي معيشته منجمعا فِي نَفسه.
فَالثَّانِي بورك لَهُ فِي مَاله، وَالْأول لم يُبَارك لَهُ، وَمن الْبركَة أَن يصرف الشَّيْء فِي الْحَاجة وَيَكْفِي عَن أَمْثَاله.
تَفْصِيله أَنه رُبمَا يكون رجلَانِ يَأْكُل كل وَاحِد رطلا يصرف طبيعة أَحدهمَا إِلَى تغذية الْبدن وَيحدث فِي معدة الآخر آفَة فَلَا يَنْفَعهُ مَا أكل بل رُبمَا صَار ضارا، وَرُبمَا يكون لكل مِنْهُمَا مَال فَيصْرف أَحدهمَا فِي مثل ضَيْعَة كَثِيرَة الرِّيف ويهتدي لتدبير المعاش، وَالثَّانِي يبذر تبذيرا فَلَا يَقع من حَاجته فِي شَيْء.
وَإِن لهيآت النَّفس وعقائدها مدخلًا فِي ظُهُور الْبركَة، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم
: " فَمن اخذه بإشراف نفس لم يُبَارك لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذي لَا يَأْكُل وَلَا يشْبع " وَلذَلِك تزلق رجل الْمَاشِي على الْجذع فِي الجو دون الأَرْض فَإِذا أقبل على شَيْء بالهمة وَأَرَادَ بِهِ أَن يَقع كِفَايَة عَن حَاجته وَجمع نَفسه فِي ذَلِك كَانَ سَبَب قوه عينه وانجماع خاطره وتعفف نَفسه، وَرُبمَا يسري ذَلِك إِلَى الطبيعة فصرفت فِيمَا لَا بُد مِنْهُ، فَإِذا عسل يَدَيْهِ قبل الطَّعَام وَنزع النَّعْلَيْنِ وَاطْمَأَنَّ فِي مَجْلِسه وَأَخذه اعتدادا بِهِ وَذكر اسْم الله أفيضت عَلَيْهِ الْبركَة، وَإِذا كال الطَّعَام وَعرف مِقْدَاره واقتصد فِي صرفه وَصَرفه على عينه كَانَ أدنى أَن يَكْفِيهِ اقل مِمَّا لَا يَكْفِي الآخرين، وَإِذا جعل الطَّعَام بهيئة مُنكرَة تعافها الْأَنْفس وَلَا تَعْتَد بِهِ لأَجلهَا كَانَ أدنى أَلا يكفى أَكثر مِمَّا يَكْفِي الآخرين كَيفَ وَلَا أَظن أَن أحدا يخفى عَلَيْهِ أَن الْإِنْسَان رُبمَا يَأْكُل الرَّغِيف
كَهَيئَةِ المتفكه أَو يَأْكُلهُ وَهُوَ يمشي وَيحدث فَلَا يجد لَهُ بَالا وَلَا يرى نَفسه قد اغتدت وَلَا تشبع بِهِ نَفسه وَإِن امْتَلَأت الْمعدة وَرُبمَا يَأْخُذ مِقْدَار الرطل جزَافا فَيكون الزَّائِد يَسْتَوِي وجوده وَعَدَمه وَلَا يَقع من الْحَاجة فِي شَيْء ويجد الطَّعَام بعد حِين وَقد ظهر فِيهِ النُّقْصَان.
وَبِالْجُمْلَةِ لوُجُود الْبركَة وَعدمهَا أَسبَاب طبيعية يمد فِي ضمنهَا ملك كريم أَو شَيْطَان رجيم، وينفخ فِي هيكلها روح ملكي أَو شيطاني، وَالله أعلم.
أما غسل الْيَد قبل الطَّعَام فَفِيهِ إِزَالَة الْوَسخ، وَأما غسلهَا بعده فَفِيهِ إِزَالَة الْغمر وكراهية ان يفْسد عَلَيْهِ ثِيَابه، أَو يخدشه سبع أَو تلدغه هَامة، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" من بَات وَفِي يَده غمر لم يغسلهُ فَأَصَابَهُ شَيْء فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه ".
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" إِذا أكل أحدكُم فَليَأْكُل بِيَمِينِهِ وَإِذا شرب فليشرب بِيَمِينِهِ "، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" لَا يَأْكُل أحدكُم بِشمَالِهِ وَلَا يشرب بِشمَالِهِ فَإِن الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ وَيشْرب بِشمَالِهِ ".
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِن الشَّيْطَان يسْتَحل الطَّعَام إِلَّا يذكر اسْم الله عَلَيْهِ:.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِذا أكل أحدكُم فنسي أَن يذكر اسْم الله على طَعَامه فَلْيقل بِسم الله أَوله وَآخره " وَقَالَ فِيمَن فعل ذَلِك: " مَا زَالَ الشَّيْطَان يَأْكُل مَعَه فَلَمَّا ذكر اسْم الله استقاء مَا فِي بَطْنه " وَقَالَ عليه السلام: " إِن الشَّيْطَان يحضر أحدكُم عِنْد كل شَيْء من شَأْنه حَتَّى يحضر عِنْد طَعَامه فَإِذا سَقَطت من أحدكُم اللُّقْمَة فليمط مَا كَانَ بهَا من أَذَى ثمَّ ليأكلها وَلَا يَدعهَا للشَّيْطَان ".
أَقُول من الْعلم الَّذِي أعطَاهُ الله نبيه حَال الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وانتشارهم فِي الأَرْض يتلَقَّى هَؤُلَاءِ من الْمَلأ الْأَعْلَى إلهامات خير فيوحونه إِلَى بني آدم، وينبجس من مزاج الشَّيَاطِين آراء فَاسِدَة تميل إِلَى فَسَاد النظامات الفاضلة ومعصية حكم الْوَقار وَمَا تَقْتَضِيه الطبيعة السليمة فيفعلون ذَلِك ويوحونه إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ من الْأنس.
فَمن حَال الشَّيَاطِين أَنهم إِذا تمثلوا فِي الْمَنَام أَو الْيَقَظَة تمثلوا فِي بهيآت مُنكرَة تنفر مِنْهَا الطبائع السليمة كَالْأَكْلِ بالشمال، وكصورة الأجدع وَنَحْو ذَلِك.
وَمِنْهَا أَنه قد تنطبع فِي نُفُوسهم هيآت دنية تنبجس فِي بني آدم من البهيمية كالجوع والشبق، فَإِذا حدثت فيهم انْدَفَعُوا إِلَى اخْتِلَاط بِتِلْكَ الْحَاجَات وتلفع بهَا ومحاكاة مَا يَفْعَله الْأنس عِنْدهَا ويتخيلون فِي ذَلِك
قَضَاء تِلْكَ الشَّهْوَة يقضون بذلك أوطارهم، فَيصير
الْوَلَد الَّذِي حصل من جماع اشْترك فِيهِ الشَّيَاطِين وقضوا عِنْده وطرهم قَلِيل الْبركَة مائلا إِلَى الشيطنة، وَالطَّعَام الَّذِي باشروه وقضوا بِهِ وطرهم قَلِيل الْبركَة لَا ينفع النَّاس بل رُبمَا يضرهم وَذكر اسْم الله والتعوذ بِاللَّه مضاد بالطبع لَهُم، وَلذَلِك ينخنسون عَمَّن ذكر الله وتعوذ بِهِ
وَقد اتّفق لنا أَنه زارنا ذَات يَوْم رجل من أَصْحَابنَا فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ شَيْئا، فَبينا يَأْكُل إِذا سَقَطت كسرة من يَده وتدهدهت فِي الأَرْض فَجعل يتبعهَا وَجعلت تتباعد عَنهُ حَتَّى تعجب الْحَاضِرُونَ بعض الْعجب وكابد هُوَ فِي تتبعها بعض الْجهد، ثمَّ إِنَّه أَخذهَا فَأكلهَا فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام تخبط الشَّيْطَان إنْسَانا وَتكلم على لِسَانه فَكَانَ فِيمَا تكلم أَنِّي مَرَرْت بفلان وَهُوَ يَأْكُل فَأَعْجَبَنِي ذَلِك الطَّعَام فَلم يطعمني شَيْئا فخطفته من يَده فنازعني حَتَّى أَخذه مني.
وَبينا يَأْكُل أهل بيتنا أصُول الجزر إِذا تدهده بَعْضهَا فَوَثَبَ عَلَيْهِ إِنْسَان فَأَخذه وَأكله فَأَصَابَهُ وجع فِي صَدره ومعدته ثمَّ تخبطه الشَّيْطَان فَأخْبر على لِسَانه أَنه كَانَ أَخذ ذَلِك المتدهدة، وَقد قرع أسماعنا شَيْء كثير من هَذَا النَّوْع حَتَّى علمنَا أَن هَذِه الْأَحَادِيث لَيست من بَاب إِرَادَة الْمجَاز وَإِنَّمَا أُرِيد بهَا حَقِيقَتهَا، وَالله أعلم.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فليغمسه كُله ثمَّ ليطرحه فَإِن فِي أحد جناحيه شِفَاء وَفِي الآخر دَاء " وَفِي رِوَايَة " وَإنَّهُ يتقى بجناحيه الَّذِي فِيهِ الدَّاء " وَأعلم أَن الله تَعَالَى خلق الطبيعة فِي الْحَيَوَان مُدبرَة لبدنه فَرُبمَا دفعت الْموَاد المؤذية الَّتِي لَا تصلح أَن تصير جُزْء الْبدن من أعماق الْبدن إِلَى أَطْرَافه وَلذَلِك نهى الْأَطِبَّاء عَن أكل أَذْنَاب الدَّوَابّ
فالذباب كثيرا مَا يتَنَاوَل أغذية فَاسِدَة لَا تصلح جُزْءا للبدن فتدفعها الطبيعة إِلَى أخس عُضْو مِنْهُ كالجناح، ثمَّ إِن ذَلِك الْعُضْو لما فِيهِ من الْمَادَّة السمية ينْدَفع إِلَى الحك وَيكون أقدم أَعْضَائِهِ عِنْد الهجوم فِي المضايق، وَمن حِكْمَة الله تَعَالَى أَنه لم يَجْعَل فِي شَيْء سما إِلَّا جعل فِيهِ ترياقيه لتحفظ بهَا بَينه الْحَيَوَان، وَلَو ذكرنَا هَذَا المبحث من الطِّبّ لطال الْكَلَام. وَبِالْجُمْلَةِ فسم لسع الذُّبَاب فِي بعض الْأَزْمِنَة وَعند تنَاول بعض الأغذية محسوس مَعْلُوم وتحرك الْعُضْو الَّذِي تنْدَفع إِلَيْهِ الْمَادَّة اللذاعة مَعْلُوم، وَأَن الطبيعة يختفي فِيهَا مَا يُقَاوم مثل هَذِه الْموَاد المؤذية مَعْلُوم فَمَا الَّذِي يستبعد من هَذَا المبحث.
وَمَا أكل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على خوان وَلَا فِي سكرجة وَلَا خبز لَهُ مرقق وَلَا رأى
شَاة سميطا بِعَيْنِه قطّ. وَلَا أكل مُتكئا. وَمَا رأى منخلا كَانُوا يَأْكُلُون الشّعير غير منخول.
اعْلَم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعث فِي الْعَرَب وعاداتهم أَوسط الْعَادَات وَلم يَكُونُوا يتكلفون تكلّف الْعَجم وَالْأَخْذ بهَا أحسن وَأدنى أَلا يتعمقوا فِي الدُّنْيَا وَلَا يعرضُوا عَن ذكر الله، وَأَيْضًا أحسن لأَصْحَاب الْملَّة من أَن يتبعوا إمامها فِي كل نقير وقطمير.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: إِن الْمُؤمن يَأْكُل فِي معى وَاحِد وَالْكَافِر يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء ".
أَقُول: مَعْنَاهُ أَن الْكَافِر همه بَطْنه وَالْمُؤمن همه آخرته وَأَن الحرى
بِالْمُؤمنِ أَن يقلل الطَّعَام وَأَن تقليله خصْلَة من خِصَال الْإِيمَان وَأَن شرة الْأكل خصْلَة من خِصَال الْكفْر.
وَنهى صلى الله عليه وسلم أَن يقرن الرجل بَين تمرتين.
أَقُول: النَّهْي عَن الْقرَان يحْتَمل وُجُوهًا: مِنْهَا أَنه لَا يحسن المضع عِنْد جمع تمرتين وَأَنه أدنى أَن تؤذيه إِحْدَى النواتين لنُقْصَان ضبطهما بِخِلَاف النواة الْوَاحِدَة.
وَمِنْهَا أَن ذَلِك هَيْئَة من هيآت الشره والحرص.
وَمِنْهَا أَنه استئثار على أَصْحَابه ومظنة أَن يكرههُ أَصْحَابه وَيَزُول هَذَا الْمَعْنى بالاذن.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لَا يجوع أهل بَيت عِنْدهم تمر "، وَقَالَ عليه السلام:" بَيت لَا تمر فِيهِ جِيَاع أَهله " وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: " نعم الادام الْخلّ ".
أَقُول من تَدْبِير الْمنزل أَن يدّخر فِي بَيته شَيْئا تافها يجده رخيصا فِي السُّوق كالتمر فِي الْمَدِينَة وأصول الجزر وَنَحْوهَا فِي سَواد بِلَادنَا فَإِن وجد طَعَاما يشتهيه فِيهَا إِلَّا كَانَ الَّذِي عِنْده كفافا لَهُم وسترا فان لم يَفْعَلُوا ذَلِك كَانُوا على شرف الْجُوع وَكَذَلِكَ حَال الادام.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: " من أكل ثوما أَو بصلا فليعتزلنا " وأتى بِقدر فِيهِ خضرات لَهَا رَائِحَة فَقَالَ، لبَعض اصحابة:" كل فَانِي أُنَاجِي من لَا تناجي ".
أَقُول: الْمَلَائِكَة تحب من النَّاس النَّظَافَة وَالطّيب وكل شَيْء يهيج خلق
التَّنْظِيف وتتنفر من أضداد ذَلِك، وَفرق النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَين مَا كَانَ هُوَ شَرِيعَة الْمُحْسِنِينَ المتلعلع فيهم أنوار الملكية وَبَين غَيرهم.