الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهَا " أَقُول السرفية أَن طلب طَلاقهَا اقتضاب عَلَيْهَا وسعى فِي إبِْطَال معيشتها، وَمن أعظم أَسبَاب فَسَاد الْمَدِينَة أَن يقتضب وَاحِد على الآخر وَجه معيشته، وَإِنَّمَا المرضى عِنْد الله أَن يطْلب كل وَاحِد معيشته بِمَا يسر الله لَهُ من غير أَن يسْعَى فِي إِزَالَة معيشة الآخر.
(ذكر العورات)
اعْلَم أَنه لما كَانَ الرِّجَال يهيجهم النّظر إِلَى النِّسَاء على عشقهن والتوله بِهن، وَيفْعل بِالنسَاء مثل ذَلِك، وَكَانَ كثيرا مَا يكون ذَلِك سَببا لِأَن يَبْتَغِي قَضَاء الشَّهْوَة مِنْهُنَّ على غير السّنة الراشدة، كإتباع من هِيَ فِي عصمَة غَيره، أَو بِلَا نِكَاح، أَو غير اعْتِبَار كفاءة - وَالَّذِي شوهد فِي هَذَا الْبَاب يُغني عَمَّا سطر فِي الدفاتر - اقْتَضَت الْحِكْمَة أَن يسد هَذَا الْبَاب، وَلما كَانَت الْحَاجَات متنازعة محوجة إِلَى المخالطة وَجب أَن يَجْعَل ذَلِك على مَرَاتِب بِحَسب الْحَاجَات فشرع النَّبِي صلى الله عليه وسلم وُجُوهًا من السّنَن.
أَحدهَا أَلا تخرج الْمَرْأَة من بَيتهَا إِلَّا لحَاجَة لَا تَجِد مِنْهَا بدا.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: "
الْمَرْأَة عَورَة فَإِذا خرجت استشرفها الشَّيْطَان ".
أَقُول: مَعْنَاهُ استشرف حزبه، أَو هُوَ كِنَايَة عَن تهيئ أَسبَاب الْفِتْنَة، وَقَالَ الله تَعَالَى:
وَكَانَ عمر رضي الله عنه لما أُوتِيَ من علم أسرار الدّين - حَرِيصًا على أَن ينزل هَذَا الْحجاب حَتَّى نَادَى: يَا سَوْدَة إِنَّك لَا تخفين علينا لكنه صلى الله عليه وسلم رأى أَن سد هَذَا الْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ حرج عَظِيم فندب إِلَى ذَلِك من غير إِيجَاب، وَقَالَ:
{أذن لَكِن أَن تخرجن إِلَى حوائجكن}
الثَّانِي أَن تلقي عَلَيْهَا جلبابها، وَلَا تظهر مَوَاضِع الزِّينَة مِنْهَا إِلَّا لزَوجهَا أَو لذِي رحم محرم، قَالَ تَعَالَى:
{وَقل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا فروجهم ذَلِك أزكى لَهُم إِن الله خَبِير بِمَا يصنعون}
فَرخص فِيمَا يَقع بِهِ الْمعرفَة من الْوَجْه، وَفِيمَا يَقع بِهِ الْبَطْش فِي غَالب الْأَمر وَهُوَ اليدان، وَأوجب ستر مَا سوى ذَلِك إِلَّا من بعولتهن والمحارم وَمَا ملكت أيمانهن من العبيد، وَرخّص للقواعد من النِّسَاء أَن يَضعن ثيابهن.
الثَّالِث أَلا يَخْلُو رجل مَعَ امْرَأَة فِي بَيت لَيْسَ مَعَهُمَا من يهابانه، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" أَلا لَا يبيتن رجل عِنْد امْرَأَة ثيب إِلَّا أَن يكون ناكحا أَو ذَا رحم "، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا يخلون رجل بِامْرَأَة فان الشَّيْطَان ثالثهما ".
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا تجلوا على المغيبات فَإِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم ".
الرَّابِع أَلا ينظر أحد امْرَأَة كَانَ أَو رجلا إِلَى عَورَة الآخر امْرَأَة كَانَ أَو رجلا إِلَّا الزَّوْجَانِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا ينظر الرجل إِلَى عَورَة الرجل وَلَا الْمَرْأَة إِلَى عَورَة الْمَرْأَة ".
أَقُول: ذَلِك لِأَن النّظر إِلَى الْعَوْرَة يهيج الشَّهْوَة، وَالنِّسَاء رُبمَا يتعاشقن
فِيمَا بَينهُنَّ، وَكَذَلِكَ الرِّجَال فِيمَا بَينهم، وَلَا حرج فِي ترك النّظر إِلَى السوءة، وَأَيْضًا فَستر الْعَوْرَة من أصُول الارتفاقات لَا بُد مِنْهَا.
الْخَامِس أَن لَا يكامع أحد أحدا فِي ثوب وَاحِد، وَفِي مَعْنَاهُ أَن يبيتا على سَرِير وَاحِد مثلا، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا يُفْضِي الرجل إِلَى الرجل فِي ثوب وَاحِد، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي ثوب وَاحِد ".
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
" لَا تباشر الْمَرْأَة الْمَرْأَة لتنعتها لزَوجهَا كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا " أَقُول: السَّبَب أَنه أَشد شَيْء فِي تهيج الشَّهْوَة وَالرَّغْبَة، وَيُورث شَهْوَة السحاق واللواطة، وَقَوله: كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا مَعْنَاهُ أَن مُبَاشرَة الْمَرْأَة رُبمَا كَانَت سَببا لاضمار حبها، فَيجْرِي على لسانها ذكر مَا وجدت فِيهِ من اللَّذَّة عِنْد زَوجهَا أَو ذِي رحم مِنْهَا، فَيكون سَببا لتولههم، وأعم الْمَفَاسِد أَن تنْعَت امْرَأَة عبد رجل لَيْسَ زوجا لَهَا، وَهُوَ سَبَب إِخْرَاج هيت المخنث من الْبيُوت.
وَاعْلَم أَن ستر الْعَوْرَة أَعنِي الْأَعْضَاء الَّتِي يحصل الْعَار بانكشافها بَين النَّاس فِي الْعَادَات المتوسطة كَالَّتِي كَانَت فِي قُرَيْش مثلا يَوْمئِذٍ - من أصل الارتفاقات الْمسلمَة عِنْد كل من يُسمى بشرا، وَهُوَ مِمَّا امتاز بِهِ الْإِنْسَان من سَائِر أَنْوَاع الْحَيَوَانَات، فَلذَلِك أوجبه الشَّرْع، والسوأتان، والخصيتان، والعانة، وَمَا وَليهَا من أصُول الفخذين من أجلى بديهيات الدّين أَنَّهَا من الْعَوْرَة، لَا حَاجَة إِلَى الِاسْتِدْلَال فِي ذَلِك، وَدلّ قَوْله صلى الله عليه وسلم:
" إِذا زوج
أحدكُم عَبده أمته فَلَا ينظر إِلَى، عورتها " وَفِي رِوَايَة " فَلَا ينظر إِلَى مادون السُّرَّة وَفَوق الرّكْبَة "، وَقَوله عليه السلام: " أما علمت أَن الْفَخْذ عَورَة " على أَن الفخذين عَورَة، وَقد تَعَارَضَت الْأَحَادِيث فِي الْمَسْأَلَة لَكِن الْأَخْذ بِهَذَا أحوط وَأقرب من قوانين الشَّرْع.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم
" إيَّاكُمْ والتعري فَإِن مَعكُمْ من لَا يفارقكم إِلَّا عِنْد الْغَائِط وَحين يُفْضِي الرجل إِلَى أَهله فاستحيوهم وأكرموهم " وَقَالَ: " فَالله أَحَق أَن تستحيا مِنْهُ " أَقُول: التعري لَا يجوز إِن كَانَ خَالِيا إِلَّا عِنْد ضَرُورَة لَا تَجِد مِنْهَا بدا؛ فَإِنَّهُ كثيرا مَا يهجم الْإِنْسَان عَلَيْهِ، والأعمال إِنَّمَا تعْتَبر بالأخلاق الَّتِي تنشأ مِنْهَا، ومنشأ السّتْر الْحيَاء، وَأَن يغلب على النَّفس هَيْئَة التحفظ والتقيد، وَأَن يتْرك الوقاحة، وَألا يسترسل، وَإِذا أَمر الشَّارِع أحدا بِشَيْء اقْتضى ذَلِك أَن يُؤمر الآخر أَن يفعل مَعَه حسب ذَلِك، فَلَمَّا أمرت النِّسَاء بالتستر وَجب أَن يرغب الرِّجَال فِي غض الْبَصَر، وَأَيْضًا فَإِن فتهذيب نفوس الرِّجَال لَا يتَحَقَّق إِلَّا بغض الْأَبْصَار ومؤاخذة أنفسهم بذلك
…
قَالَ صلى الله عليه وسلم:
" الأولى لَك وَلَيْسَت لَك الْآخِرَة ".
أَقُول: يُشِير أَن حَالَة الْبَقَاء بِمَنْزِلَة الْإِنْشَاء، وَحين دخل أعمى، وَقيل:" أَلَيْسَ هُوَ أعمى لَا يُبصرنَا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: أفعميان أَنْتُمَا ألستما تبصرانه " أَقُول: السِّرّ فِي ذَلِك أَن النِّسَاء يرغبن فِي الرِّجَال كَمَا يرغب الرِّجَال فِيهِنَّ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها:
" إِنَّه لَيْسَ عَلَيْك بَأْس إِنَّمَا هُوَ أَبوك وغلامك " أَقُول: إِنَّمَا كَانَ العَبْد بِمَنْزِلَة الْمَحَارِم لِأَنَّهُ لَا رَغْبَة لَهُ فِي سيدته لجلالتها فِي عنيه، وَلَا لسيدته فِيهِ لحقارته عِنْدهَا، ويعسر التستر بَينهمَا، وَهَذِه الصِّفَات كلهَا مُعْتَبرَة فِي الْمَحَارِم فان الْقَرَابَة الْقَرِيبَة الْمُحرمَة مَظَنَّة قلَّة الرَّغْبَة، واليأس أحد أَسبَاب قطع الطمع،