المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: التنزيه عن النقص النسبي: - حقيقة المثل الأعلى وآثاره

[عيسى السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌حقيقة المثل الأعلى

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولمعنى المثل الأعلى

- ‌معنى المثل لغة:

- ‌المراد بالمثل الأعلى:

- ‌المبحث الثانيمدلولات المثل الأعلى

- ‌توطئة

- ‌أولا: إمكان وجود الصفة:

- ‌ثانيا: ثبوت الكمال المطلق:

- ‌ثالثا: التنزيه عن النقص النسبي:

- ‌رابعا: التنزيه عن السلب المحض:

- ‌خامسا: التنزيه عن النقائص المطلقة:

- ‌سادسا: التنزيه عن المثل:

- ‌الخاتمة

- ‌آثار المثل الأعلى

- ‌ملخص البحث

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأولمعرفة الرب وعبادته

- ‌فطرة المعرفة والتوحيد:

- ‌أدلة وجود الله وتوحيده:

- ‌دلالة المثل الأعلى على وجود الله وتوحيده:

- ‌ثمرات المثل الأعلى الخاصة:

- ‌براهين التوحيد:

- ‌جناية التعطيل:

- ‌المطلب الثانيقياس الأولى

- ‌معنى القياس وإطلاقاته:

- ‌استعمال القياس بين صفات الله تعالى:

- ‌حكم القياس بين صفات الخالق والمخلوق:

- ‌تطبيق قياس الأولى:

- ‌الخاتمة

- ‌نبذة في معنى التعطيل وأنواعه

- ‌معنى التعطيل

- ‌تعطيل الجهمية الأولى:

- ‌تعطيل المعتزلة:

- ‌تعطيل الكلابية:

- ‌خطورة التعطيل وبطلانه:

- ‌مراجع البحث

الفصل: ‌ثالثا: التنزيه عن النقص النسبي:

وقال: {ذُو الْقُوَّةِ} [الذاريات: 58]، وقال:{ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58]، وفي ذلك دلالة على أن أسماء الرب مشتقة من صفاته ـ بمعنى أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله، بحيث يسوغ إثبات ما لم يرد من الأسماء اشتقاقا من صفات الرب وأفعاله ـ فالعليم مشتق من العلم، والقوي من القوة، والرحيم من الرحمة، ولولا ثبوت مصادر ما ورد من الأسماء الحسنى لانتفت حقيقتها، بل لانتفت حقيقة الذات، لأنه لا يمكن في الوجود الخارجي وجود ذات بلا صفات، إذ قيام الصفات بالذات مقتضى الذاتية لا يختلف شاهدا ولا غائبا! (1).

وقد اعتبر علماء السلف إنكار حقائق الأسماء الحسنى ومعانيها من أعظم أنواع الإلحاد فيها، ورأوا فيه مخالفة ظاهرة لما هو معلوم من الدين بالضرورة، إذ لو كانت أعلاما جامدة لكفى أحدها في الدلالة على الذات، واعتبر سائرها لغوًا لا فائدة منه، ولما شرع في التوسل مراعاة الأسماء المناسبة للأدعية، ولجاز أن يسمى الله بما اتفق من الأسماء حتى لو تضمن نقصا! (2).

‌ثالثا: التنزيه عن النقص النسبي:

ثبوت المثل الأعلى والكمال المطلق يعني تنزيه الرب عن

(1) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/ 95 - 105، شفاء العليل لابن القيم ص448، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص16.

(2)

انظر: شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ص76، 77، بدائع الفوائد لابن القيم 1/ 169، ابن حزم وموقفه من الإلهيات للدكتور أحمد الحمد ص188 - 203.

ص: 25

جميع صفات النقص النسبي، وهي ما كانت نقصا في الخالق كمالا في المخلوق، كالأكل والشرب والصاحبة والولد وأدوات ذلك كله، وذلك لأن هذه الصفات وإن كانت كمالا في حق المخلوق إلا أنها نقص في الخالق، لدلالتها على الحدوث والعدم والافتقار وعلى وجود النظير المشارك في الكمالات والحقوق، وكل هذه المعاني تنافي ما تفرد به الرب في السماوات والأرض من المثل الأعلى والكمال المطلق المنزه عن جميع النقائص وعن وجود الأمثال والنظراء (1).

وقد نزه الله نفسه عن صفات النقص النسبي بأعيانها في نصوص كثيرة، كقوله تعالى:{وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14]، وهي قراءة سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش، أي لا يأكل، لأنه لا يحتاج إلى ما يحتاجه المخلوق من الغذاء (2)، وقوله:{اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2]، وهو الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب (3)، وقوله:{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَاكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75]، فأبطل دعوى ألوهيته بصفة الأكل، لأن الإله الحق منزه عن الأكل والشرب وآلاته وأسبابه (4)، وقوله:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [الأنعام: 101]، وقوله:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: 3]،

(1) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/ 87.

(2)

انظر: تفسير القرطبي 6/ 397، تفسير ابن كثير 2/ 125.

(3)

انظر: تفسير ابن كثير 4/ 570.

(4)

انظر: الرسالة التدمرية لابن تيمية ص143، 144.

ص: 26

فنزه نفسه عن الصاحبة والولد، لأنهما ينافيان مثله الأعلى (كماله المطلق)، ويدلان على وجود النظير، إذ الفرع يماثل أصله، ولا يكون إلا بين أصلين متماثلين (1).

وقد كان أكثر ضلال الأمم في صفة الولد، فقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقال مشركو العرب: الملائكة بنات الله، وأمهاتهن سروات الجن، وقال بها من قبل: الهنادك والبوذيون وغيرهم من يطول المقام بذكرهم (2). ولهذا كثر في النصوص تنزيه الله عن صفة الولد، والرد على من افتراها بطرق متعددة، منها:

1 -

التشنيع بأهل هذه الفرية، وتقبيح مقالتهم، ووعيدهم بأعظم العقوبات، قال تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 88 - 91]، وقال:{وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 4، 5]، وقال:{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس: 68 - 70]، فأوعد من كذب عليه بدعوى الولد بعدم الفلاح في الدارين، وذلك

(1) انظر: درء التعارض لابن تيمية 7/ 369.

(2)

انظر: العقائد الوثنية في الديانة النصرانية لمحمد التنير ص60 - 74.

ص: 27

باستدراجهم في الدنيا، وتقليل مدة متاعهم فيها، حتى يضطرهم إلى أعظم العقوبات في الآخرة (1).

2 -

تكذيب مقالتهم، لأنها دعوى بلا برهان، وقول على الله بلا علم، اعتقدوها مضاهاة لمن سبقهم من كفرة الهنادك وغيرهم. قال تعالى:{وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 4، 5]، وقال:{أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الصافات: 151، 152]، وقال:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 30، 31]، أي أن وصفهم لله بالولد قول مجرد عن الحجة قالوه تقليدا لفعل الهنادك بكرشنا، والبوذيين ببوذا، وذلك بتزيين رؤسائهم الذين أطاعوهم فيما ينافي الإخلاص الذي جاءت به رسلهم وأنبياؤهم (2).

3 -

بيان ما ترتب على فريتهم من مشاركة الرب في خالص حقه على عباده، وذلك بعبادة الأولاد المزعومين من دون الله، قال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَاوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}

(1) انظر: تفسير ابن كثير 2/ 425.

(2)

انظر: تفسير ابن كثير 2/ 348، تفسير السعدي 3/ 223، 224، العقائد الوثنية في الديانة النصرانية لمحمد التنير ص119 - 147.

ص: 28

[المائدة: 72]، وقال:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: 100]، أي أنهم عبدوا الملائكة من دون الله بناء على أنهم بنات الله وأمهاتهن سروات الجن، وأطلق على الملائكة اسم الجن لاجتنانهم واستتارهم عن الأعين. يقول ابن كثير:"ذكر الله عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب: فأولا جعلوهم بنات الله، فجعلوا لله ولدا تعالى وتقدس، وجعلوا ذلك الولد أنثى، ثم عبدوهم من دون الله تعالى وتقدس، وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم"(1).

4 -

نفي الولد والحكم باستحالته، قال تعالى:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111]، وقال:{مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} [مريم: 35]، وقال:{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92].

وبراهين الاستحالة مبنية على منافاة الولد لما تفرد به الرب من المثل الأعلى، وهي على ثلاثة أنواع:

أ - ما بني على منافاة المثل الأعلى عموما، أي بما يشمل الكمال المطلق والنزاهة عن المثل، قال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ

(1) تفسير ابن كثير 4/ 22، 23، وانظر: تفسير الطبري 5/ 7/296، 12/ 23/108، تفسير القرطبي 7/ 52، 53، روح المعاني للآلوسي 7/ 240، 241، تفسير السعدي 6/ 400.

ص: 29

وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 57 - 60]، فالتفرد بالمثل الأعلى يقتضي نزاهة الرب عن النقائص والنظراء، بما في ذلك الأولاد عامة، والأنثى خاصة، وهي التي تناقض المفترون في أمرها، فنزهوا عنها أنفسهم الجديرة بكل نقص، وأضافوها إلى ربهم المستحق لكل كمال!.

ب - ما بني على منافاة الكمال خاصة، قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 1 - 3]، وقال:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 171]، وقال:{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر: 4]، وقال:{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [يونس: 68]، وقال ـ حكاية عن الجن ـ:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: 3]، أي تعالت عظمته، فبني التنزيه عن الولد على منافاته لكمالات الرب التي تجمعها صمديته وعظمته، كالوحدانية والغنى والقهر، إذ الولد يبطل الوحدانية، وينافي الغنى لدلالته على القصور والاحتياج، ويبطل عموم القهر لما في العالم العلوي والسفلي، لأن الولد سيكون إلها قاهرا لا مقهورا! (1).

ج - ما بني على منافاة النزاهة عن المثل، قال تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 116 - 117]، وقال: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا

(1) انظر: بدائع الفوائد لابن القيم 1/ 160، 168، تفسير السعدي 6/ 448، 489.

ص: 30

سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]، وقال:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101]، فبني التنزيه عن الولد على استحالة أن يكون لرب العالم وخالقه مماثل من عباده المخلوقين المملوكين المحتاجين، لأن الولد يماثل أصله، ولا يكون إلا بين أصلين متماثلين، ولهذا أبطل أهل العلم بهذه النصوص حتى نظرية الفيض عند الفلاسفة. يقول ابن تيمية: "هؤلاء الآيات تضمنت إبطال ما كان يقوله مشركو العرب، وما يقوله أهل الكتاب، وما يقوله مشركو الصابئة وفلاسفتهم، الذين يقولون بتولد العقول والنفوس عنه، فقد بَيَّن سبحانه أنه مبدع السماوات والأرض، والإبداع خلق الشيء على غير مثال، بخلاف التولد الذي يقتضي تناسب الأصل والفرع وتجانسهما.

والإبداع خلق الشيء بمشيئة الخالق وقدرته مع استقلال الخالق به، وعدم وجود شريك له، والتولد لا يكون إلا بجزء من المولد بدون مشيئته وقدرته، ولا يكون إلا بانضمام أصل آخر إليه، قال تعالى:{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101]، فبَيَّن بطلان كون الولد له من غير صاحبة، لأن التولد لا يكون إلا من أصلين، وليس في الموجودات ما يكون وحده مولدا لشيء، بل قد خلق الله من كل شيء زوجين، وهو سبحانه الفرد الذي لا زوج له" (1).

(1) درء التعارض لابن تيمية 7/ 369 (بتصرف يسير)، وانظر: تفسير القرطبي 7/ 53، 54، تفسير ابن كثير 2/ 160، 570، تفسير السعدي 1/ 129، 130، 2/ 226، 326، 327، 345، 346، 5/ 139، 456.

ص: 31