المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تطبيق قياس الأولى: - حقيقة المثل الأعلى وآثاره

[عيسى السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌حقيقة المثل الأعلى

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولمعنى المثل الأعلى

- ‌معنى المثل لغة:

- ‌المراد بالمثل الأعلى:

- ‌المبحث الثانيمدلولات المثل الأعلى

- ‌توطئة

- ‌أولا: إمكان وجود الصفة:

- ‌ثانيا: ثبوت الكمال المطلق:

- ‌ثالثا: التنزيه عن النقص النسبي:

- ‌رابعا: التنزيه عن السلب المحض:

- ‌خامسا: التنزيه عن النقائص المطلقة:

- ‌سادسا: التنزيه عن المثل:

- ‌الخاتمة

- ‌آثار المثل الأعلى

- ‌ملخص البحث

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأولمعرفة الرب وعبادته

- ‌فطرة المعرفة والتوحيد:

- ‌أدلة وجود الله وتوحيده:

- ‌دلالة المثل الأعلى على وجود الله وتوحيده:

- ‌ثمرات المثل الأعلى الخاصة:

- ‌براهين التوحيد:

- ‌جناية التعطيل:

- ‌المطلب الثانيقياس الأولى

- ‌معنى القياس وإطلاقاته:

- ‌استعمال القياس بين صفات الله تعالى:

- ‌حكم القياس بين صفات الخالق والمخلوق:

- ‌تطبيق قياس الأولى:

- ‌الخاتمة

- ‌نبذة في معنى التعطيل وأنواعه

- ‌معنى التعطيل

- ‌تعطيل الجهمية الأولى:

- ‌تعطيل المعتزلة:

- ‌تعطيل الكلابية:

- ‌خطورة التعطيل وبطلانه:

- ‌مراجع البحث

الفصل: ‌تطبيق قياس الأولى:

5 -

قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 28]، فنزه نفسه عن الشريك بمثل مضروب بطريق الأولى، فالسيد من الخلق يتنزه عن مشاركة مماليكه في حقوقه على الرغم من قصور ملكه، فيكون المالك الكامل أولى بالنزاهة عن الشركاء، لأن المخلوق لا يملك إلا بعض منافع عبيده، والخالق يملك أعيان عباده وأفعالهم، فلا يخرج عن ملكه شيء البتة (1).

6 -

روى ابن أبي عاصم بسنده عن أبي رزين رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أكلنا يرى ربه يوم القيامة؟ قال: «أكلكم يرى القمر مخليا به؟» قال: نعم، قال:«الله أعظم» (2)، فأثبت الرؤية لجميع المؤمنين دون تضام وازدحام وقت النظر بالقياس على رؤية القمر، فإنه إذ كان ذلك ممكنا في رؤية المخلوق فإمكانه في رؤية الخالق أولى، لأنه أعظم وأولى بالكمال من كل موجود.

‌تطبيق قياس الأولى:

استعمل علماء السلف قياس الأولى في الاعتبار بين صفات الخالق، وفي الاعتبار بين صفات الخالق والمخلوق، فمن الاعتبار الأول إثبات المباينة قياسا على الرؤية والكلام، فإذا كان الرب لا

(1) انظر: درء التعارض لابن تيمية 1/ 37، 7/ 389، 390، تفسير ابن كثير 3/ 431.

(2)

كتاب السنة 1/ 200، وهو حديث حسن كما نص على ذلك الألباني في تخريج الكتاب.

ص: 114

يراه ناسوت في الدنيا، ولا يكلمه بشر إلا من وراء حجاب، كما صرح بذلك المسيح وسائر الأنبياء ـ صلى الله عليهم وسلم ـ فلأن لا يستطيع ملابسته ناسوت بطريق الأولى، لأن ملابسة الشيء أبلغ من رؤيته (1).

ومن هذا الاعتبار أيضا إثبات الإنباء قياسا على التعليم، فإن قدرة الرب على تعليم بني آدم بعد الجهل دليل على قدرته على إنباء أكملهم من باب أولى، لأن من قدر على تعليم الناقص فقدرته على تعليم الأكمل أولى وأحرى. وهذا دليل عقلي على إمكان النبوة، وأما وجود الأنبياء وآياتهم فتعلم بالنقل المتواتر (2).

والاعتبار بين صفات الخالق بابه واسع، فإنه يجوز فيه استعمال قياس الأولى والمساواة، لأنه لا يتضمن محذورا ولا يفضي إليه بوجه من الوجوه، وقد تضمنت النصوص كلا النوعين، فمن قياس المساواة بين صفات الله تعالى قياس البعث على إحياء الأرض الموات، ومن قياس الأولى بينها قياس الإعادة على ابتداء الخلق.

أما الاعتبار بين صفات الخالق والمخلوق فقد احتاط فيه علماء السلف حيطة تامة، فمنعوه إذا كان قياس مساواة سواء أكان تمثيلا أم شمولا، لما يتضمنه من التمثيل والشرك، والعدل بالله، وهو ضرب الأمثال لله. وأجازوه إذا كان على وجه الأولى، جريا على طريقة القرآن والسنة، واعتمادا على ما تقدم ذكره آنفا من أدلة، ولهذا استعملوه في تقرير وتقريب أصول الإثبات والتنزيه، وفي الاستدلال

(1) انظر: الجواب الصحيح لابن تيمية 3/ 148 - 318 - 322، 4/ 10.

(2)

انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 16/ 362.

ص: 115

على أعيان الصفات نفيا وإثباتا، ومن ذلك الأمور التالية:

1 -

وجوب الإثبات بلا تمثيل والتنزيه بلا تعطيل، فقد استدلوا على هذا الأصل بمثالين من قياس الأولى:

أ - أن ما في الجنة من المطاعم والمشارب والمساكن وغيرها يوافق ما في الدنيا اسما ويخالفه حقيقة، فإذا كان المخلوق منزها عن مماثلة المخلوق مع توافق الاسم فالخالق أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق وإن حصل توافق في ألفاظ الصفات (1).

ب - أن الروح ثابتة لا يشك عاقل في وجودها، وقد وصفت في النصوص بصفات ثبوتية وسلبية، كالعروج والقبض، والعقول مع ذلك قاصرة عن تكييفها وتحديدها، لأنهم لم يشاهدوها أو يشاهدوا نظيرها، فإذا كانت صفات الروح ثابتة حقيقة دون تمثيل أو تعطيل فإن صفات الخالق أولى بذلك الإثبات، وإذا عجز الخلق عن إدراك كيفية صفات الروح فإن عجزهم عن إدراك صفات الخالق أولى (2).

2 -

صفة العلو والمباينة: يؤمن أهل السنة والجماعة بصفة العلو، علو الذات والقدر والقهر، وأن الله مستو على عرشه بائن من خلقه، وأن علو الرب لا يناقض معيته، لأنها تعني مطلق المصاحبة من غير إشعار بمخالطة أو حلول، ولهم على ذلك أدلة كثيرة من جملتها قياس الأولى، ودلالتهم على ذلك من وجوه:

أ - أن العلو كمال مطلق، وكل ما كان كذلك فإن الله أحق به من كل موجود.

(1) انظر: الرسالة التدمرية لابن تيمية ص46 - 51.

(2)

المرجع السابق ص50 - 58.

ص: 116

ب - أن العلو ضده السفل، وهو نقص يتنزه عنه المخلوق، ويوصف به المعيب من المخلوقات، فالخالق أحق بالنزاهة عنه، وعدم الاتصاف به (1).

ج - أن القول بالحلول يعني أن يكون الرب في كل مكان بما في ذلك الأماكن التي يتنزه عنها المخلوق فيكون تنزه الرب عنها من باب أولى، ولهذا وصف نفسه بالقداسة والطهارة! (2).

د - أن المخلوق يمكنه الإحاطة بما في يده دون محايثة فإمكان ذلك في حق الخالق أولى. يقول الإمام أحمد: "لو أن رجلا كان في يديه قدح من قوارير صاف، وفيه شراب صاف، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح، فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه"(3).

هـ - أن المخلوق يعلم تفصيل مصنوعاته دون محايثة لها، فالخالق لكل شيء أولى بأن يعلم مخلوقاته، وهو مستو على عرشه، بائن من خلقه. يقول الإمام أحمد: "لو أن رجلا بنى دارا بجميع مرافقها، ثم أغلق بابها، وخرج منها، كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيت في داره، وكم سعة كل بيت من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار، فالله وله

(1) انظر: الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد بن حنبل ص93 (ضمن سلسلة عقائد السلف)، نقض التأسيس لابن تيمية 2/ 543، الرسالة التدمرية ص256، فتح رب البرية لابن عثيمين ص21.

(2)

انظر: أساس التقديس 2/ 537.

(3)

الرد على الزنادقة والجهمية ص94.

ص: 117

المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه، وعلم كيف هو، وما هو، من غير أن يكون في شيء من خلقه" (1).

3 -

صفة الرؤية، فإن الرؤية من الأمور الوجودية المحضة، فالرؤية في ذاتها وجود محض فلا تستلزم أمرا عدميا، وشروط صحتها أمور وجودية محضة، هي القيام بالنفس، وكون المرئي بجهة من الرائي، وقوة البصر. وآخر الشروط منتف الآن، ولهذا لا نراه في الدنيا، وإذا كانت الرؤية وجودا محضا من كل جهة فإن الله أحق بها من كل موجود، لكمال وجوده (2).

وكذلك استدل علماء السلف بقياس الأولى على إمكان الرؤية دون إحاطة. روى ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: "إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقال له رجل عند ذلك: أليس قال الله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}؟ [الأنعام: 103]، فقال له عكرمة: ألست ترى السماء؟ قال: بلى. قال: فكلها ترى؟ "(3).

4 -

كمال العلم والإرادة، فإن الفعل المحكم المتقن يدل على علم فاعله وقدرته في الشاهد، فيكون دليلا عليها في الغائب من باب أولى، لكمال الإحكام والإتقان في المخلوقات (4).

5 -

كمال الغنى، فإن كمال خلق الملائكة، واستغناءهم عن الأكل والشرب وأدواتهما يدل بطريق الأولى على كمال غنى الرب، واستغنائه عن ذلك، لأن كل كمال ثبت للمخلوق فالخالق أولى به،

(1) المرجع السابق.

(2)

انظر: نقض التأسيس 1/ 357 - 361، درء التعارض 7/ 324.

(3)

الدر المنثور للسيوطي 3/ 37.

(4)

انظر: مختصر الصواعق المرسلة ص302.

ص: 118

لكمال ذاته وصفاته، واستحالة أن يكون واهب الكمال متجردا عنه (1).

6 -

صفة الكلام، فالكلام من صفات الكمال، وعدمه نقص ينافي الألوهية، ولهذا أبطل الله ألوهية العجل المزعومة بعدم الكلام، قال تعالى:{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف: 148]؟. فإذا كان الكلام كمالا مطلقا فإن الله أحق به من كل موجود، لكمال وجوده، ولأن من جعل غيره متكلما فهو الأحق بالكلام.

وسائر صفات الكمال تجري مجرى هذه الصفة، لكمال وجود الرب، ولأن انتفاءها يناقض حقيقة الألوهية، ولهذا أبطل الله الشرك بانتفاء صفات الكمال عن المعبودات الباطلة، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 194، 195]، وقال:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 20، 21]، وقال ـ حكاية عن الخليل ـ:{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42]، فجعل دليل بطلان الشرك انتفاء صفات الكمال، لأن الإله الحق لابد أن يكون له المثل الأعلى، وذلك باتصافه بأعلى الصفات التي يستحيل معها وجود المثل حتى تألهه القلوب محبة ورغبة ورهبة (2).

(1) انظر: الرسالة التدمرية ص142.

(2)

انظر: الفوائد لابن القيم ص95 - 98، شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص123، 124.

ص: 119