المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المراد بالمثل الأعلى: - حقيقة المثل الأعلى وآثاره

[عيسى السعدي]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌حقيقة المثل الأعلى

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأولمعنى المثل الأعلى

- ‌معنى المثل لغة:

- ‌المراد بالمثل الأعلى:

- ‌المبحث الثانيمدلولات المثل الأعلى

- ‌توطئة

- ‌أولا: إمكان وجود الصفة:

- ‌ثانيا: ثبوت الكمال المطلق:

- ‌ثالثا: التنزيه عن النقص النسبي:

- ‌رابعا: التنزيه عن السلب المحض:

- ‌خامسا: التنزيه عن النقائص المطلقة:

- ‌سادسا: التنزيه عن المثل:

- ‌الخاتمة

- ‌آثار المثل الأعلى

- ‌ملخص البحث

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأولمعرفة الرب وعبادته

- ‌فطرة المعرفة والتوحيد:

- ‌أدلة وجود الله وتوحيده:

- ‌دلالة المثل الأعلى على وجود الله وتوحيده:

- ‌ثمرات المثل الأعلى الخاصة:

- ‌براهين التوحيد:

- ‌جناية التعطيل:

- ‌المطلب الثانيقياس الأولى

- ‌معنى القياس وإطلاقاته:

- ‌استعمال القياس بين صفات الله تعالى:

- ‌حكم القياس بين صفات الخالق والمخلوق:

- ‌تطبيق قياس الأولى:

- ‌الخاتمة

- ‌نبذة في معنى التعطيل وأنواعه

- ‌معنى التعطيل

- ‌تعطيل الجهمية الأولى:

- ‌تعطيل المعتزلة:

- ‌تعطيل الكلابية:

- ‌خطورة التعطيل وبطلانه:

- ‌مراجع البحث

الفصل: ‌المراد بالمثل الأعلى:

وقد رأى الزمخشري ومن وافقه أن لفظ المثل استعمل في هذه المعاني تدريجيا، ووفق مراحل زمنية محددة، فكان أولا بمعنى الشبيه، ثم أطلق على المثل المضروب، ثم استعير لكل صفة فيها غرابة المثل من غير اعتبار تشبيه، ولهذا اعتبروا المعنى الأول أصل اللفظ لغة، والثاني معناه في عرف اللغة، والثالث معناه في مجاز اللغة (1).

وهذا الرأي مبني على وجود مواضعة متقدمة على استعمال اللفظ، وهو أمر يعسر إثباته، ويستلزم أن تكون اللغات اصطلاحية، والحق أنها إلهامية، بمعنى أن الله تعالى ألهم الإنسان أن يعبر عما يتصوره ويريده من غير مواضعة متقدمة (2).

‌المراد بالمثل الأعلى:

اختلف العلماء في تفسير المثل الأعلى على أربعة أقوال:

الأول: أن المثل الأعلى بمعنى الصفة العليا، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، وكثير من أئمة التفسير (3). والمراد بالصفة الجنس فتعم جميع صفات الكمال (4). والتفرد بصفات الكمال يستلزم بطلان التمثيل، ولهذا قال ابن القيم: "المثل الأعلى .... هو الكمال

(1) انظر: الكشاف 1/ 195، تفسير أبي السعود 1/ 160، روح المعاني للآلوسي 1/ 163، 7/ 13/162، 163.

(2)

انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/ 90 - 97.

(3)

انظر: تفسير البغوي 3/ 73، 481، تفسير القرطبي 9/ 324، 10/ 119، 14/ 22، زاد المسير لابن الجوزي 4/ 459، 6/ 298.

(4)

انظر: تفسير ابن كثير 2/ 573، تفسير السعدي 4/ 213.

ص: 12

المطلق، المتضمن للأمور الوجودية، والمعاني الثبوتية، التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كان أعلى من غيره، ولما كان الرب تعالى هو الأعلى، ووجهه الأعلى، وكلامه الأعلى، وسمعه الأعلى، وبصره وسائر صفاته عليا كان له المثل الأعلى، وكان أحق به من كل ما سواه، بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان، لأنهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحده، يستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير، وهذا برهان قاطع من إثبات صفات الكمال على استحالة التمثيل والتشبيه" (1).

الثاني: أن المثل الأعلى بمعنى: شهادة أن لا إله إلا الله، أو التوحيد، أو الإخلاص والتوحيد أو ما يكون في قلوب أولياء الله من معاني الإيمان، أو ما ضربه الله للتوحيد والشرك من الأمثال، وتؤثر هذه الأقوال ونحوها عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة ومجاهد ومحمد بن المنكدر وغيرهم (2)، ويجمعها تفسير المثل الأعلى بكلمة التوحيد، أو بما دلت عليه من معاني الإيمان، أو بما يدل على التوحيد من الأمثال، ومؤداها شيء واحد، لأن مقصود المثل الدعوة للتوحيد، والتوحيد على قواعد أهل السنة والجماعة قول وعمل، لا يقبل أحدهما دون الآخر.

(1) الصواعق المرسلة 3/ 1032، وانظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/ 139، الرسالة التدمرية لابن تيمية أيضا ص124.

(2)

انظر: تفسير الطبري 8/ 14/125، 11/ 21/38، معاني القرآن للنحاس 4/ 77، تفسير البغوي 3/ 73، 481، تفسير القرطبي 10/ 119، 14/ 22، الصواعق المرسلة لابن القيم 3/ 1033، 1034، تفسير ابن كثير 3/ 431، الدر المنثور للسيوطي 4/ 121.

ص: 13

وقد رأى القرطبي ومن وافقه أن المراد من تفسير المثل الأعلى بالشهادة الوصف بالوحدانية، أي وحدانية الذات والصفات (1). وهذا غير مسلم، لأن الشهادة إنما تدل مطابقة على إفراد الرب بالعبادة، لأن الإله بمعنى المعبود، كما نص على ذلك علماء السلف وعلماء اللغة (2). والظاهر أن تفسير المثل الأعلى بكلمة التوحيد، أو بمعناها وما يدل عليها من باب تفسير اللفظ بمقتضاه، لأن التفرد بالكمال المطلق يستلزم إفراد الموصوف به بجميع أنواع العبادة، وعلى ذلك يكون مرادهم أنه المعبود في السماوات والأرض، لما تفرد به من الكمال المطلق الذي يستحيل معه المثل، والله أعلم.

الثالث: أن المثل الأعلى بمعنى النزاهة عن المثل إما مطلقا، كما يؤثر عن ابن عباس (3)، أو مقيدا بصفة الولد، كما ذهب إليه ابن الجوزي ومن وافقه (4)، اعتمادا على سباق المثل الأعلى في قوله تعالى:{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 57 - 60].

(1) انظر: تفسير القرطبي 14/ 22، تفسير أبي السعود 4/ 277، روح المعاني للآلوسي 11/ 21/37.

(2)

انظر: تفسير الطبري 1/ 54، معجم مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 127، الرسالة التدمرية لابن تيمية ص185، 186.

(3)

انظر: تفسير الطبري 11/ 21/38، الدر المنثور للسيوطي 4/ 121.

(4)

انظر: زاد المسير لابن الجوزي 4/ 459، الصواعق المرسلة لابن القيم 3/ 1033.

ص: 14

ونفي المثل محقق لإثبات الكمال المطلق، كما أن إثبات الكمال المطلق محقق لنفي المثل، ولذلك أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير المثل الأعلى بالصفة العليا، كما تقدم في القول الأول وأثر عنه أيضا تفسيره بانتفاء المثل كما في هذا القول، وذلك لأن نفي المثل وما في معناه، كالكفء والند، إذا ورد في سياق المدح والثناء دل على التفرد بصفات الكمال المطلق. يقول الإمام الدرامي رحمه الله:"قولنا: ليس كمثله شيء، أنه أعظم الأشياء، وخالق الأشياء، وأحسن الأشياء، نور السماوات والأرض. وقول الجهمية: ليس كمثله شيء يعنون: أنه لا شيء"(1). وفي هذه القاعدة رد على من فسر المثل الأعلى بالنزاهة عن صفات المخلوقين من المعتزلة والأشاعرة ومن وافقهم (2)، لأن مرادهم نفي الصفات كليا أو جزئيا، لأن إثباتها في نظرهم يستلزم التمثيل الممنوع (3).

الرابع: أن المثل الأعلى بمعنى الصفة العليا وما تستلزمه من معاني الإيمان قولا وعملا. يقول ابن القيم رحمه الله: "المثل الأعلى يتضمن الصفة العليا، وعلم العالمين بها، ووجودها العلمي، والخبر عنها وذكرها، وعبادة الرب سبحانه بواسطة العلم والمعرفة القائمة بقلوب عابديه وذاكريه"(4).

(1) النقض على المريسي (ضمن عقائد السلف) ص564، وانظر: الصواعق المرسلة 3/ 1019 - 1033.

(2)

انظر: الكشاف للزمخشري 2/ 415، تفسير النسفي 2/ 290، تفسير أبي السعود 3/ 273، روح المعاني للآلوسي 7/ 14/170.

(3)

انظر: شرح المقاصد للتفتازاني 4/ 43 - 47.

(4)

الصواعق المرسلة 3/ 1034، وانظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص86، تفسير السعدي 6/ 122، 123.

ص: 15

وهذا القول يعم جميع الأقوال المتقدمة في تفسير المثل الأعلى، ولا محذور في ذلك، لأن اختلاف عبارات السلف في هذا المقام اختلاف تنوع، فمن نظر منهم لحقيقة المثل الأعلى فسره بالصفة العليا التي يستحيل معها وجود المثل، أو بانتفاء المثل المستلزم للتفرد بصفات الكمال المطلق، ومن نظر لأثر المثل الأعلى ومقتضاه فسره بالتوحيد، وما يكون في قلوب المؤمنين من حقائق الإيمان ومعاني التوحيد.

ص: 16