الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
انتهيت من دراسة آثار المثل الأعلى إلى جملة من النتائج أهمها الأمور الآتية:
1 -
معرفة المثل الأعلى من مهمات العقيدة، لأن الرب تبارك وتعالى تمدح بالتفرد به، وجعله طريقا لمعرفته، وبرهانا على توحيده. وقد فسره علماء السلف من حيث حقيقته بصفات الكمال التي يستحيل معها وجود المثل، وفسروه من حيث آثاره بكلمة التوحيد وما تدل عليه من حقائق الإيمان، وكلاهما تفسيران صحيحان ومترابطان ومتكاملان إلا أن الغالب على عبارات السلف تفسيره بالتوحيد، لقرينة اللحاق في آية الروم، ولأنه المقصود الأعظم من معرفة المثل الأعلى.
2 -
معرفة الرب وعبادته هي الثمرة العظمى للمثل الأعلى، وهي ثمرة فطرية عقلية، فالإيمان بها مستقر في قرارة القلوب، وأدلتها ظاهرة في الأنفس والآفاق، وهي كلها تستلزم معرفة الرب وعبادته، إلا أنها معرفة مجملة، وتأله ناقص، إذ المعرفة المفصلة والتأله التام طريقهما العلم بما يجمعه المثل الأعلى من صفات الكمال الواردة في القرآن وصحيح السنة، ولهذا يستحيل استغناء العباد بدلالة العقل عن نور الوحي.
3 -
المعرفة المفصلة تحصل عن طريق العلم بما ورد في القرآن والسنة من أخبار عن أسماء الرب وأفعاله ومثله الأعلى
الجامع لكمالاته، وقد تواطأت النصوص على بيان هذه الأخبار حتى كأن العباد ينظرون إلى ربهم فوق سماواته، مستو على عرشه، يسمع أصوات خلقه، ويرى ظواهرهم وبواطنهم، ويدبر أمورهم، ويقضي حاجاتهم. وقد قعدت المعطلة على رأس هذا الطريق تنفر الناس عنه بألفاظ ظاهرها التنزيه وباطنها التعطيل حتى راجت مقالاتهم على كثير من الناس، وحيل بينهم وبين أعظم طرق المعرفة، ولهذا قال علماء السلف: إن المعطلة قطاع الطريق على القلوب!.
4 -
كمال العلم بمثل الرب الأعلى وصفات كماله يثمر في حياة المؤمن صدق العبادة والاستعانة، وهما أصلا السعادة في الدنيا والآخرة، وكل نوع من صفات الكمال يثمر عبادات قلبية خاصة تدفع الجوارح لفعل الطاعة وترك المعصية، وتصونها عن الشرك بمظاهره وأنواعه، فصفات الرحمة مثلا تورث القلب الرجاء المحمود، وتصونه من التعلق بالخلق رجاء كشف الضر أو تحويله، وتدفع المؤمن إلى التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة، رجاء القبول وتحقق الوعد بالجنة.
5 -
براهين التوحيد وأمثاله يجمعها الاستدلال على التوحيد بتجرد الآلهة الباطلة عن معاني الربوبية وصفات الكمال وتفرد الإله الحق بتلك المعاني والصفات، أي أن أدلة التوحيد دائرة مع المثل الأعلى وجودا وعدما، ولهذا جعل الله مثل السوق المتضمن لكل عيب ونقص للمشركين وآلهتهم المزعومة، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لجميع صفات الكمال لله وحده، وهذا التلازم يدل على بطلان الشرك وصحة التوحيد ضرورة.
6 -
يجوز الاعتبار بين صفات الخالق والمخلوق بقياس الأولى تمثيلا أو شمولا، لأن الله تمدح في كتابه بمثله الأعلى، واستحقاقه لأعلى صفات الكمال المنافية لجميع النقائص، ودل على مشروعيته بما ضربه من الأمثال، وما ذكره من وجوه الاعتبار، ولهذا استعمله العلماء في تقرير وتقريب أصول الإثبات والتنزيه، وفي الاستدلال على أعيان الصفات نفيا وإثباتا، كإثبات العلو والمباينة وتنزيه الرب عن الحلول والاتحاد.
أما إذا كان الاعتبار بقياس المساواة فإنه لا يجوز البتة سواء أكان بصورة التمثيل أم الشمول، لما يتضمنه من التمثيل والتنديد والعدل بالله وضرب الأمثال له.
وهذا التفصيل محله الاعتبار بين صفات الرب والعبد، لأن الاعتبار بين صفات الرب يجوز فيه استعمال كلا النوعين، كما أرشد الله لذلك في كتابه، فمن قياس المساواة الاستدلال على البعث بإحياء الأرض بالنبات، ومن قياس الأولى الاستدلال بالقدرة على الخلق من التراب على القدرة على الخلق بلا أب. والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.