الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل ظاهر على فضل نبيِّنا [محمد](1) صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وإشارة بيِّنة إلى أن كل فضيلةٍ لنبي من الأنبياء قد شاركه فيها وزاد عليه فيما يشابهها ويُقاربُها مما تظاهرت به الأخبار وتواطئت عليه الآثار عن علماء الأمصار.
فصل
اعلم أن التفضيل إنما يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لايوجد للمفضول مثلُه
، فإذا استويا في أسباب الفضل وانفرد أحدهما بخصائص لم يَشْرَكْه فيها الآخر كان أفضل منه ، وأمَّا ماكان مشتركاً بين الرجل وغيره من المحاسن فتلك مناقب وفضائل ومآثر لكن لاتُوجب تفضيله على غيره إذا كانت مشتركة ليست من خصائصه ، وإذا اتَّحَدت الفضيلتان فكانتا من جنسٍ واحد لكن كانت إحداهما أكمل من الأخرى وأعظم أو أعجب أو أبلغ فلا ريب أنَّ صاحب ذلك أفضل في ذلك ، ومحمد صلى الله عليه وسلم قد امتاز عن غيره بأمور لم يشركه (2) فيها غيرُه وشارك غيرَه في أمور كثيرة على الوجه الأكمل فظهرت مزيَّته على مزية غيره وفضيلتُه على مَن عداه كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ونحن نذكر إن شاء الله تعالى مانُقل عن كل نبيّ من المعجزات وماثبت لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم من الخصائص وماله من الفضائل الفواضل وما أُوتي من المناقب العجائب على جميع الأنبياء عليهم السلام ، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم من خصائصه أنه أُرسِل إلى جميع الخلق أسودهم وأحمرهم وجنِّهم وإنسهم وأن الله تعالى أخذ العهد على جميع النبيين لئن بُعث وهم
أحياء ليؤمننَّ به ولينصرنَّه وخَتم به النَّبيِّين وجعل أمَّته خير أمة أُخرجت للناس وآتاه السبعَ المثاني والقرآن العظيم وأُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به إلى فوق سبع سموات وإلى سدرة المنتهى وإلى ماشاء الله تعالى مما فوق ذلك وأشياء
(1)"محمد" زيادة من ب.
(2)
كذا في أونسخة بهامش ب ، وفي ب "يشاركه".
غير ذلك نذكرها فيما [ق 4/و] بعد إن شاء الله تعالى في مواضعها يتبيَّن بها فضله على غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ، ونذكر من معجزاته وما آتاه الله تعالى من الكرامات والمزايا الكريمة والعطايا العظيمة ممَّا فاق به عليهم من الآيات البيِّنات والمفاخر الظاهرات ، فمن ذلك: أولو العزم (1) من الرسل وهم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى [ابن مريم](2) ومحمد صلى الله عليهم وسلم ، فمحمد صلى الله عليه وسلم آخرهم بعْثاً وأوّلهم في الذّكْر والفضيلة قال الله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7].
(1) قال ابن عباس: معنى أولي العزم: ذوو الحزم ، وقال الضحاك: ذوو الجد والصبر.
انظر: الكشف والبيان (9/ 24) ، لأبي إسحاق الثعلبي ، تحقيق: ابن عاشور ، الطبعة الأولى 1422 ، دار إحياء التراث ، بيروت؛ الجدول في إعراب القرآن (26/ 204) ، لمحمود صافي؛ وقد اختلف العلماء فيمن هم أولي العزم من الرسل ، فقال ابن زيد: كل الرسل كانوا أولي عزم، وكل الأنبياء ذوو حزم وصبر ورأي وكمال وعقل ، وهذا القول هو اختيار فخر الدين الرازي ، وفسرت (من) في قوله:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] للتبيين لا للتبعيض، كما تقول ثوب من خز ، وقال قوم: هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ، وهم ثمانية عشر لقوله بعد ذكرهم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: من الآية 90]، وقال الكلبي: هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشرة لأعداء الله ، وقيل: هم ستة: نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء ، وقال مقاتل: هم ستة: نوح صبر على أذى قومه، وإبراهيم صبر على النار، ويعقوب صبر على فقد ولده وغشاوة بصره، ويوسف صبر على الجب والسجن، وأيوب صبر على الضر ، وقال ابن عباس وقتادة: هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين، فهم أصحاب الشرائع، وقد ذكرهم الله على التخصيص والتعيين في قوله:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: من الآية 7] ، ولعله الراجح ، والله أعلم.
انظر: الكشف والبيان (9/ 25 - 26) للثعلبي ، الجدول في إعراب القرآن (26/ 204) لمحمود صافي.
(2)
"ابن مريم" زيادة من ب.