الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولينصرنه فكيف بأمته الذين قال فيهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ
…
} (الآية)(1)[الفتح: 29].
فصل
وأما عيسى صلى الله عليه وسلم فَرُوح الله ، وكلمته
ألقاها إلى مريم ، أعطاه (الله)(2) تعالى الآيات البينات ، والمعجزات الباهرات ، كلّم الناس في المهد وكهلاً ، وأنطقه الله تعالى بالعبوديّة والنبوّة طفلاً ، وآتاه الإنجيل ، وجعله يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، وجعله مباركاً أينما كان ، وله معجزات كثيرة ، ومنقبات منيرة ، منها قوله تعالى في حقّه:{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا [ق 27/و] وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران: 45](فقد أعطي محمد صلى الله عليه وسلم من الوَجاهة في الدنيا والآخرة)(3) حتى قبل أن يبعث صلى الله عليه وسلم كما أشرنا إليه ونبّهنا عليه من أن قريشاً كانت تسمّيه الأمين ، ولمّا اختلفوا في وَضع الحجر الأسود مكانه عند عمارة الكعبة اجتمعوا على أن يضعه أوّل من يخرج عليهم ، فخرج محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين (4) ، فرَضُوا كلّهم به لِما جمع الله تعالى (فيه)(5) من الخصال المحمودة ، والسيرة المرضية ، والنسب الشريف ، والحسب المنيف ، (والبيت)(6) ، والجاه ، والمنصب ، والعشيرة ، فلم يكن بمكة في زمانه أَوْجَه منه في جميع أموره ، فلما بُعث صلى الله عليه وسلم بالرسالة فلا يخفى ما ازداد من الوَجاهة ، ولا يخفى ما أعطي من النّباهة ، وأمّا في
(1)"الآية" ليس في ب.
(2)
لفظ "الله" ليس في ب.
(3)
ما بين القوسين ليس في ب.
(4)
أخرجه البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 5) من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقال:"مدار حديث علي بن أبي طالب على خالد بن عرعرة ، وهو مجهول". إتحاف الخيرة (2/ 6).
(5)
"فيه" ليس في ب.
(6)
"والبيت" ليس في ب.
الآخرة فله الجاه الأعظم والمقام الأكرم في محل الشفاعة حين يُدعا إليها (1) آدمُ فمن دونه من الأنبياء وكُلٌّ يقول: لست (2) لها ، فإذا أفضت إليْه قال: أنا لها ، فيَسأل اللهَ ثم يسأله فيعطيه ما طلب ويُشَفِّعُه في أهل المحشر فيحاسَبون ويَستريحون من شدّة ما كانوا فيه فيُشَفَّعُ فيهم ، ثم إذا صار العصاة من أمّته إلى النار يُشَفَّع فيهم مرّةً بعد مرّة حتى لا يبقى في النار من قال: لا إله إلا الله إلا أُخرج بشفاعته (3)، وذلك المقام المحمود الذي وُعِدَه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: من الآية 79] فيَغبِطُهُ بهذا المقام الأوّلون والآخرون ، فأيّ جاه في الدنيا والآخرة أعظم من هذا الجاه ، وقد قال قوم من أهل العلم في قوله:{يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: من الآية 79] هو أن يُجلسه معه على العرش كما سيأتي (4) ، وأما القرب فأيّ منزلة أقرب من منزلة الحبيب (5) ، وهل نال أحد ما نال محمد صلى الله عليه وسلم من التقريب ، أمَا هو الذي خُصّ بدرجة دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى حتى أوحى الله إليه ما أوحى.
وأما قوله في عيسى عليه السلام: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ [ق 27/ظ] الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ
لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ
(1) في ب "إليه".
(2)
في ب "ولست" بزيادة الواو ، وهو خطأ.
(3)
أخرج حديث الشفاعة البخاري (9/ 146) ، كتاب التوحيد ، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم ، ح 7510؛ وأخرجه مسلم (1/ 182) ، كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ، ح 193 ، من طريق معبد بن هلال العنزي.
(4)
سيأتي التعليق على المسألة في موضعها -إن شاء الله-.
(5)
تقدم التعليق على تفضيل وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالحبيب على الخليل ، انظر: ص 320 - 321.
اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 48 - 51] قلنا: هذه معجزات عظيمة ، وآيات كريمة ، ومرتبة جسيمة ، ولنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم مثلها وأعظم ، وزاد عليها في الفضل وتمّم ، فإن الله تعالى أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم كتاباً مصَدِّقاً لما جاء به موسى ، ومقرِّراً لما أنزل على عيسى ، وشاهداً للنبيّين بالصّدق والنّبوة ، ولولا كتابه لما ظهرت (لنا)(1) لنبوتهم قوّة ، فكتابه فيه ما في كتبهم وزيادة ، ولِصدْقهم فيما ادعوه أكبر شهادة ، ونسَخ الله تعالى به من شرائع مَن قبله ماشاء ، وأحلّ ما شاء ، وحرّم ما شاء ، ورفع (فيه)(2) عن أمّته ما كان من الآصار والأغلال على من قبلهم ، وجَمع فيه نَبَأ ما كان وما يكون ، وجعله يُحفظ ويتلى بخلاف غيره من الكتب المنزلة فإنها كانت تكتب في الصحف ولا تحفظ في الصدور ، وتكفّل الله تعالى بحفظ هذا الكتاب بنفسه فقال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحِجر: 9] ، فكتاب محمد صلى الله عليه وسلم القرآن أعظم معجزاته ، فليس لنبيّ معجزة مثله ، وقد تحدّى الله عز وجل به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله (3)(4) فلم يقدروا ، وعلى سورة من مثله فلم يستطيعوا (5) ، فهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، لاتفنى عجائبه ، ولا يَخلقُ على كثرة الرّدّ ، فهو معجزة قائمة إلى يوم القيامة ، كل نبيّ انقضت معجزته بموته ومعجزة محمّد صلى الله عليه وسلم قائمة إلى يوم الدين ، شاهدة بمعجزة مَن قبله ، ولولا ذلك لم يمكن أحداً من أهل الأديان إقامة دليل على نبوّةٍ ولا معجزة لتبديل الكتب وانقطاع السَّند الصحيح لمن قبل هذه الأمّة ، فرسالة محمّد صلى الله عليه وسلم كما ذكرها الله تعالى رحمة للعالمين؛ وأما الحكمة فكان [ق 28/و] كلام محمّد صلى الله عليه وسلم كلّه حِكَم حتى ما يفاوض به الأطفال
(1)"لنا" ليس في ب.
(2)
"فيه" ليس في ب.
(3)
في ب "بمثل هذا القرآن".
(4)
قال تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: 34].
(5)
قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)} [البقرة: 23].
كقوله: «يا (أبا) (1) عُمَير ما فَعل النُّغَير (2)» (3) لنُغَرٍ كان يلعب به فمات فرآه حزيناً فقال له ذلك ، فكُتب عنه ودُوّن وصُحّح ، فاعترض بعض الزنادقة والملحدين وقال: وأيّ فائدة في هذا الكلام حتى نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! فانتدب له بعضُ من نوّر الله قلبه بالإيمان وملأه من الحكمة فاستخرج (4) من هذا الحديث ما يزيد على مائة حُكم من أحكام الشريعة المحمّديّة (5)، و [قد] (6) قال الله تعالى لأزواج محمد صلى الله عليه وسلم:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: من الآية 34] فالآيات: القرآن ، والحكمة: كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا باب واسع تكلّ الألسنة
(1)"أبا" ليس في ب.
(2)
النغير: تصغير النُّغَر وهو طائر يُشبه العصفور ، أحمر المنقار. النهاية (5/ 190).
(3)
أخرجه البخاري (8/ 30) ، كتاب الأدب ، باب الانبساط إلى الناس ، ح 6129.
(4)
في ب "فاستخرجه".
(5)
قال الحافظ في فتح الباري (10/ 584): "وفي هذا الحديث عدة فوائد جمعها أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص الفقيه الشافعي صاحب التصانيف في جزء مفرد بعد أن أخرجه من وجهين عن شعبة عن أبي التياح ومن وجهين عن حميد عن أنس ومن طريق محمد بن سيرين ، وقد جمعت في هذا الموضع طرقه وتتبعت ما في رواية كل منهم من فائدة زائدة ، وذكر بن القاص في أول كتابه أن بعض الناس عاب على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها ومَثَّل ذلك بحديث أبي عمير هذا ، قال: وما درى أن في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجهًا ثم ساقها مبسوطة فلخصتها مستوفيا مقاصدة ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه" ، وجزء ابن القاص مطبوع ، قال في مقدمته:"وأما قصة أبي عمير ، فأنا ذاكرها بروايتها ، وملطف القول في تخريج ما فيها من وجوه الفقه والسنة وفنون الفائدة والحكمة ، ليعلم الزاري على أهل الحديث به أنهم بالمدح به أولى ، وأن السكوت كان به أحرى ، وذلك أن فيه ستين وجهاً من الفقه ، وسنأتي إن شاء الله وبعون الله وتوفيقه على بيان ذلك وتفصيله". جزء فيه فوائد حديث أبي عمير ، تحقيق: صابر البطاوي ، الطبعة الأولى 1413 ، مكتبة السنة ، القاهرة.
وقد ذكر بعضهم من فوائد هذا الحديث أكثر من هذا ، ففي نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (6/ 215) ، لأحمد بن محمد المقري التلمساني ، تحقيق: د. إحسان عباس ، 1388 ، دار صادر ، بيروت: أن الفقيه ابن الصباغ - وهو من العلماء الذين غرقوا في نكبة السلطان أبي الحسن المريني- أملى في مجلس درسه بمكناسة على حديث «يا أبا عمير ما فعل النغير» أربعمائة فائدة.
وقال ابن غازي المكناسي في حواشيه على الصحيح أنه أوصلها إلى أكثر من مائتين. انظر: التراتيب الإدارية (2/ 150) ، لعبد الحي الكتاني ، دار الكتاب العربي ، بيروت.
(6)
"قد" زيادة من ب.
والخواطر عن إدراك ما اشتمل عليه كلامه من الحكم ، فكان ما أوتي (عيسى)(1) عليه السلام بل وغيره من النبيين عليهم السلام من الحِكَم داخل فيما أوتي نبينا صلى الله عليه وسلم من الحكم ، وكان أمره بالتبليغ للأمّة بالحكمة والموعظة الحسنة ، هذا مع ما أوتي [رسول الله](2) صلى الله عليه وسلم من الفصاحة ، والبلاغة ، وجوامع الكلم ، وفواتحه ، وخواتمه ، وما اختُصر له من الحكمة ، وما أوتي عيسى من تعليمه التوراة ، والإنجيل ، وإرساله إلى بني إسرائيل ، فإن نبيّنا صلى الله عليه وسلم أوتي القرآن المجيد الذي استوعب مافي الكتب كلّها وزاد عليها كما تقدّم ، وأرسل إلى الخلق (3) كافة ، وكان الأنبياء قبله يبعث النبي إلى قومه خاصّةً ، وقال الله تعالى لمحمّد صلى الله عليه وسلم:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: من الآية 28].
وأما خَلق عيسى عليه السلام للطير بإذن الله ونفخه (4) فيه فيصير طيراً يطير ، فليس ذلك بأعظم من حنين الجذع وهو خشبة يابسة (5) ، وتسليم الأحجار والأشجار عليه وهي من الجمادات (6) ، وقلب الأعيان وصَيُّورُهَا إلى حالة أخرى ، كما ذكر أبو نعيم في كتابه (7) دلائل النبوة: أن عكاشة بن محصن انقطع سيفه يوم بدر فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلاً من حطبٍ وقال: «قاتلْ بهذا» فعاد في يده سيفاً شديد المتن ، أبيض الحديدة ، طويل القامة ، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين [ق 28/ظ] ثم لم يزل يشهد به المشاهد إلى أيّام الردّة (8). وأمّا ما كان عيسى عليه السلام يخلق من الطين كهيئة الطير فإنه كان يطير حتى يغيب عن العيون ويعود إلى ما كان أوّلاً في ساعته ، والجذع الذي حَنّ إلى محمّد
(1)"عيسى" ليس في ب.
(2)
"رسول الله" زيادة من ب.
(3)
في ب "الحق" ، وهو خطأ.
(4)
في ب "ونفخ" بدون الهاء.
(5)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 372.
(6)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 374.
(7)
في ب "كتاب" بدون الهاء.
(8)
دلائل النبوة (2/ 184) ، ذكره أبو نعيم بلا سند.
- صلى الله عليه وسلم حتى جاء فاحتضنه فسكن قال: «لو لم أحتضنه لَحَنّ إلى يوم القيامة» (1) فهذا أبلغ وأعظم في إحياء الميت ، وكذلك التّسبيح والتقديس والتهليل من الحجر الأصمّ في يده (2) ، وشهادة (3) الأحجار والأشجار له بالنبوّة كلّما مرّ بها وتسليمها عليه بالرسالة (4) ، وطاعة الأشجار له في المجيء إليه لما دعاها ورجوعها إلى محلها حين أمرها بالرجوع (5) ، ونزول العذق من النخلة عن أمره وصعوده إلى محلّه كما كان بقوله (6) أبلغ من إحياء ميتٍ قد كان عهد منه حياة ، وأيضاً فإن الصُوَر أدخل في باب الحياة وما يترتب عليها من الحركة والكلام وغير ذلك من الأشجار والجمادات ، ولهذا نهى عن التصوير لما فيه الروح خوفاً من الفتنة به كما عُبدت الصُّور التي صَورها قوم نوح ومن بعدهم لدخول الشياطين فيها ، وعيسى عليه السلام إنما أذن له في ذلك لإظهار معجزته التي يدعو إلى الله تعالى وإلى توحيده وعبادته بها ، فجريان الأرواح في الصُّوَر أمر معهود ، فأمّا في الأحجار والأشجار فلا ، وأما إحياء عيسى عليه السلام الموتى بإذن الله فإنه كان يمر بالميت أو بالقبر (7) فيصلي ويسأل الله أن [يحييه](8) فيحييه ويكلّمه ما أراد ثم يعود ميتاً كما كان (9) ، ففضيلة محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أعظم ، فإن قتادة بن النعمان لما أصيبت [عينه يوم أحد فجاء وهي في يده] (10) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم[فقال: يارسول الله إني رجل
(1) تقدم تخريجه ، انظر: ص 372.
(2)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 393.
(3)
في ب "شهادة" بدون الواو.
(4)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 374.
(5)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 373 - 374.
(6)
تقدم تخريجه ، انظر:373.
(7)
في ب "القبر" بدون الباء.
(8)
مابين المعقوفتين خرم في الأصل ، وما ذكرته من ب.
(9)
قال ابن الجوزي: "ذكر المفسرون أنه أحيا أربعة أنفس من الموت ، وعن ابن عباس: أن الاربعة كلهم بقي حتى ولد له إلا سام بن نوح". زاد المسير في علم التفسير (1/ 392) ، لان الجوزي ، الطبعة الثالثة 1404 ، المكتب الإسلامية ، بيروت؛ وانظر: تفسير البغوي (2/ 40) ، تفسير القرطبي (4/ 94).
(10)
مابين المعقوفتين خرم في الأصل ، وما ذكرته من ب.
مبتلى بحب النساء و] (1) أخاف [أن يقلن بأعور فلا يردنني فادع الله تعالى لي أن يردها علي ، فقال: «إن شئت صبرت واحتسبت فلك الجنة ، وإن دعوت الله تعالى فكانت كما كانت» فقال](2): بل ادعُ لي بالجنّة وأن يردّها عليّ ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فردّها إلى مكانها فعادت أحسن عينيه وأحدّهما -: يعني نظراً- (3)(4)؛ فإنّ إحياء العضو الواحد الذي بان عن الجسد وانفصل عنه زماناً وأُيس من عوده غير معهود ولا جرت عادة بذلك ، بخلاف ما (إذا)(5) أصيب العضو وهو قائم بالجسد فإن تلافيَه بالمداواة معتاد معهود ، والصرع الذي يعم البدن فيبقى صاحبه ميتاً أو كالميت يمكن تلافيه بالأدوية والرُّقا (6) ونحو ذلك ، ولا يمكن إلصاق اليد إذا بانت وبردت ولا إلصاق الرِجل ولا الرأس ولا نحو ذلك من سائر الأطراف ، فكان إعادة مالم تجر العادة بإعادة مثله أبلغ في المعجز؛ وكان نظير تكليم عيسى عليه الصلاة والسلام للموتى وأبلغ منه ذِراع الشاة التي أخبَرت النبي صلى الله عليه وسلم بأنّها مسمومة وكانت مشويّةً قد قُدمت ليأكلها ، فكلمته وقالت: إنّي مسمومة فلا تأكلني (7) ، ولم تجر العادة من عضو حيوان (8) بهيم أن يتكلم ، بل ولا
(1) مابين المعقوفتين خرم في الأصل ، وما ذكرته من ب.
(2)
مابين المعقوفتين خرم في الأصل ، وما ذكرته من ب.
(3)
ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (1/ 463) ، وذكره المقريزي في إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع (22/ 335)، تحقيق: محمد عبدالحميد النميسي ، الطبعة الأولى 1420 ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
(4)
في هامش أ "ولما دخل عاصم بن عمر بن قتادة على عمر بن عبدالعزيز سأل عمر عنه فقال عاصم:
أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه
…
فرُدْت بكفّ المصطفى أحسن الردِّ
فعادت كما كانت لأوّل أمرها
…
فيا حُسْن ما عينٍ ويا حسن ما خدِّ
فقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى:
تلك المكارم لا قعبان من لبن
…
شيباً
…
بماء
…
فعادا بَعْدُ أبوالا".
(5)
"إذا" ليس في ب.
(6)
في ب "الرقاء".
(7)
أخرجه البزار في مسنده (2/ 303) ح 6675 ، من طريق أنس رضي الله عنه ، بلفظ: "وأهدت امرأة يهودية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة سميطًا فلما مد يده ليأكل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عضوًا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة» فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتنع من معه
…
" الحديث ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 295): "رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة وهو ثقة وهو ضعيف"؛ وقد ورد حديث إخبار الشاة للنبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ أخرى صحيحة ، ومن ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه (4/ 174) ، كتاب الديات ، باب فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات أيقاد منه ، ح 4512 ، من طريق محمد بن عمر عن أبي سلمة ، بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقات ، فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصليَّة سمَّتها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال: «ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة
…
» الحديث ، قال الألباني:"حسن صحيح". صحيح وضعيف سنن أبي ادود (10/ 12).
(8)
في ب "وحيوان" بزيادة واو.
يتكلم حيوانُه وهو حيّ ، فكان تكليم عضو واحد منه بعد ذبحه وشيّه أبلغ من تكليم ميت قد وردت السُنّة الثّابتة بوقوعه (1)، وذلك «أن الميت [إذا] (2) وضع في قبره جاءه ملكان فيُقعدانِه ويسألانه: من ربك ، ومن نبيك ، وما دينك ، [فأما المؤمن فيقول: ربي] (3) الله ونبيّي محمد وديني الإسلام ، وأما الكافر أو (4) المنافق [فيقول: هاه هاه لا أدري ، سمعت الناس يقولون] (5) شيئاً فقلته
…
» (6) الحديث بطوله وهو صحيح [مشهور ، ونحو ذلك ما روى أبو نعيم عن حبيب بن فويك (7) عن أبيه أنه](8) خرج به إلى [النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئاً فسأله: «ما أصابك» ، قال: كنت أمرن جملي فوضعت رجلي على بيض حية فأصابت بصري ، فنفث النبي صلى الله عليه وسلم على عينيه فأبصر قال:
(1) في ب "بجوازه".
(2)
مابين المعقوفتين خرم في الأصل ، وما ذكرته من ب.
(3)
مابين المعقوفتين خرم في الأصل ، وما ذكرته من ب.
(4)
في ب "والمنافق".
(5)
مابين المعقوفتين خرم في الأصل ، وما ذكرته من ب.
(6)
أخرجه البخاري (2/ 90) ، كتاب الجنائز ، باب الميت يسمع خفق النعال ، ح 1338 ، بلفظ: «العبد إذا وضع في قبره ، وتُولِّي وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان ، فأقعده ، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة ، -قال النبي صلى الله عليه وسلم: - فيراهما جميعاً ، وأما الكافر أو المنافق: فيقول: لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس
…
» الحديث.
(7)
هو حبيب بن فويك، ويقال: بدل الواو: دال: فديك -وهو المذكور في الدلائل لأبي نعيم-، ويقال: فريك بالراء، ابن عمرو السلاماني، أبو فديك، وهو من بني سلامان بن سعد، وقد قدم في وفد بني سلامان على النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة عشر من الهجرة. الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 22 ، 23).
(8)
مابين المعقوفتين خرم في الأصل ، وما ذكرته من ب.
فرأيته يدخل الخيط في الإبرة وأنه ابن ثمانين سنة وأن عينيه لمبيضتان] (1)(2) وهذا إحياء لبعض عضو ميتٍ من جسَدٍ كلّه حَيّ ، وهو غاية في عظم المعجز؛ فأما إحياء ميتٍ بجملته فقد روى أبو نعيم في كتابه "دلائل النبوة" بإسناده في إحياء شاة جابر رضي الله عنه ، فإنه ذبح شاة له ودعا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم والأنصارَ وقدم الطعام ، فكان يدخل قوم ويخرج قوم ويأكلون والطعام على هيئته ، وكان قال لهم:«كلوا ولاتكسروا عظماً» ، ثم إنّ (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع العِظام في وسط الجفنة فوضع عليها يده وتكلم بكلام لم أفهمه إلا أنّي أرى شفتيه تتحرّك ، فإذا الشاة قد قامت تنفُضُ ذَنَبها ، فقال لي:«خذ شاتك يا جابر بارك الله لك فيها» ، فأخذتها ومضيت ، وإنها لتنازعني أذنها حتى أتيت بها البيتَ ، فقالت لي المرأة: ما هذا يا جابر؟ قلت: هذه واللهِ شاتُنا التي ذبحناها لرسول صلى الله عليه وسلم (فأحْياها لنا ، قالت: أنا)(4) أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم)(5)(6).
وروى فيه أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ، فلم نبرح حتى قضى فبسطنا عليه ثوباً وأمّ له عجوز كبيرة عند رأسه فقلنا: يا هذه احتسبي مصيبتك على الله عز وجل ، قالت: ومات ابني ، قلنا: نعم ، قالت: حقّاً تقولون ، قلنا: نعم ، قال: فمدّت يديها فقالت: اللهم إنك تعلم أنّي أسلمت لك ، وهاجرت إلى رسولك ، رجاء أن تغيثني عند كلّ شدّة ورخاءٍ ، فلا تحمل عليّ هذه المصيبة اليوم ، فكشف الثوب عن وجهه ، ثم ما برحنا حتّى طعمنا معه"(7).
(1) مابين المعقوفتين خرم في الأصل ، وما ذكرته من ب.
(2)
أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (2/ 614) ح 556 ، وقال البوصيري:"هذا إسناد ضعيف ، لجهالة بعض رواته". إتحاف الخيرة المهرة (7/ 105) ح 6472.
(3)
في ب "فإن".
(4)
مابين القوسين ليس في ب.
(5)
قول "أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " الثالثة ليس في ب.
(6)
انظر: دلائل النبوة (2/ 616) ح 560.
(7)
انظر: دلائل النبوة (2/ 617) ح 561.
وروى أيضاً عن ربعي بن حراش قال: "مات أخي فسجّيناه ، فذهبت في التماس كفنه ، فرجعت وقد كشف الثوب عن وجهه وهو يقول: ألا إنّي لقيت ربّي بعدكم فتلقاني بروح وريحان وربّ غير غضبان ، وأنه كساني ثياباً خضراً من سندس وإستبرق ، وأنّ الأمر أيسر مما في أنفسكم فلا تغتروا ، وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَذهب حتى أُدركه ، قال (1): فما شبّهت خروج نفسه إلا بحصاةٍ أُلقِيَتْ في ماءٍ فرسَبت ، فذُكر ذلك لعائشة رضي الله عنها فصَدّقت بذلك وقالت: قد كنّا نتحدّث أنّ [ق 30/و] رجلاً من هذه الأُمّة يتكلّم بعد موته قال: وكان أقْوَمَنا في الليلة الباردة وأصْوَمَنا في اليوم الحارّ"(2) فهذه الثلاثة (3) أحاديث رواها بمعناها الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه دلائل النبوة في إحياء الموتى بدعائه وفي دعاء بعض أصحابه بإحيائها وفي حياة بعض أمّته الصالحين بعد موته من غير دعاء أحَدٍ حتى أخبر عن حاله مع ربّه سبحانه ثم مات؛ وروى أبو نعيم أيضاً بإسناده عن عُتبَة بن ضَمْرة (4) قال سمعت والدي (5) يقول: كان لرجل صِرْمَةٌ من غنم وكان له ابن يأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن إذا حَلَب ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم افتقده فجاء أبوه فأخبره أنّ ابنه هلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أتريد أن أدعو الله أن يَنشره لك أو تَصبِرَ فَيدّخره لك إلى يوم القيامة فيأتيك ابنك فيأخذ بيدك فينطلق بك إلى باب الجنة فيدخلك من أيّ أبواب الجنة شئت» ، فقال الرجل: ومَن لي بذلك يا نبيّ الله قال: «هو لك ولكلّ مؤمن» (6)؛ فلو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم واثقاً من ربّه تعالى بإجابة دعوته في إحياء الموتى لما تهَجّم وضمن ذلك للرجل ولا يليق بعاقل أن يدخل تحت هذا الدّرك العظيم إلا بأوثق ضمان.
(1) في ب "فقال" بزيادة الفاء.
(2)
انظر: دلائل النبوة (2/ 584) ح 536؛ وأخرجه البيهقي في الدلائل (7/ 338) ح 2781 ، وقال:"هذا إسناد صحيح لا يشك حديثي في صحته".
(3)
في ب "ثلاثة".
(4)
هو عتبة بن ضمرة بن حبيب بن صهيب الزُبيدي ، من أهل الشام ، يروي عن أبيه ، روى عنه أحمد الموصلي ، صدوق ، من السابعة. الثقات لابن حبان (8/ 507) ، تقريب التهذيب ص 381.
(5)
هو ضمرة بن حبيب بن صهيب الزُبيدي ، أبو عتبة الحمصي ، ثقة ، من الرابعة. تقريب التهذيب ص 280.
(6)
لم أقف على الحديث في كتب أبي نعيم ، ولعله سقط من نسختي المطبوعة عن كتاب الدلائل ، وقد ذكره السيوطي في الخصائص الكبرى (2/ 107) وعزاه أيضاً لأبي نعيم.
وأما إبراء عيسى عليه السلام الأكمهَ والأبرصَ قيل المراد بالأكمه: الذي خلق لا نظر له (1)، والأبرص: الذي قد أُيس من بُرئه ، ولا ريب في أن ذلك معجز عظيم وخطْب جسيم وليس ذلك بأعجب من إحياء الموتى وهو شئ قد أُعْطِيَهُ عيسى عليه الصلاة والسلام إكراماً له وإظهاراً لمعجزته وزيادة في إقامة برهانه ولكن لنبيّنا صلى الله عليه وسلم أعظم منه من إحياء الموتى كما ذكرنا وكما سيأتي ، ومن إبراء الأدواء التي لا يمكن تلافيها بالأدوية المقدورة للبشر مما هو مُدَوَّن في كتب الحديث والسِّيَر وغيرها ، فمن ذلك مسحه وتفلُه ولمسه على أدواء تبرأ في الحال كائنةً ما كانت ، فإنه تَفَل في عين علي رضي الله عنه وهو أرمد فبرأ في الحال وما اشتكاهما بعد ذلك (2) ، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يُؤتى بالمَرْضى والمُصابين فيَدعو [الله](3) لهم ويمسحهم فيردّون أصحّاء ، وأتي بصبيّ يأخذه الشيطان فقال:«اخسأ (4) عدوّ الله أنا رسول الله» فثَعَّ ثَعَّةً (5) فخرج منه [ق 30/ظ] كالجرو الأسود (6)؛ وعاد مريضاً كان قد صار مثل الفرخ المنتوف فدعا له فكأنّما نُشِط من عقال (7)؛ وله صلى الله عليه وسلم في
(1) قال ابن الجوزي في زاد المسير (1/ 392): "في الأكمه أربعة أقوال: أحدها: أنه الذي يولد أعمى رواه الضحاك عن ابن عباس ، وسعيد عن قتادة ، وبه قال اليزيدي وابن قتيبة والزجاج؛ والثاني: أنه الأعمى ذكره ابن جريج عن ابن عباس ، ومعمر عن قتادة ، وبه قال الحسن والسدي؛ وحكى الزجاج عن الخليل أن الأكمه: هو الذي يولد أعمى وهو الذي يعمى ، وإن كان بصيراً؛ والثالث: أنه الأعمش قاله عكرمة؛ والرابع: أنه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل قاله مجاهد والضحاك".
(2)
أخرجه البخاري (4/ 47) ، كتاب الجهاد والسير ، باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله ، ح 2942 ، من طريق سهل بن سعد رضي الله عنه؛ وأخرجه مسلم (4/ 1871) ، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، باب من فضائل على بن أبي طالب رضي الله عنه ، ح 2404 ، من طريق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(3)
لفظ "الله" زيادة من ب.
(4)
في أ "اخسَ".
(5)
الثعُّ: القيء ، والثعة: المرة الواحدة. النهاية (1/ 609).
(6)
أخرجه أحمد في مسنده (4/ 241) ح 2418 ، من طريق ابن عباس رضي الله عنه ، بلفظ:"أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها ، فقالت: إن ابني هذا به جنون ، يأخذه عند غدائنا وعشائنا ، فيخبث علينا ، فمسح النبي صدره ودعا ، فثع ثعةً فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود"، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 57) ح 12490؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 2):"رواه أحمد والطبراني ، وفيه فرقد السبخي ، وثقه ابن معين والعجلي ، وضعفه غيرهما".
(7)
أخرجه أبو يعلى في مسنده (6/ 448) ح 3837 ، من طريق أنس رضي الله عنه؛ قال البوصيري في إتحاف الخيرة (4/ 420 - 421) ح 3866:"هذا حديث صحيح"؛ وأخرجه بنحوه مسلم (4/ 2068) ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا ، ح 2688.
إبراء الأسقام وإزالة الأمراض والآلام ممن استشفى وشكى إليه وَصَبَهُ وألَمَهُ فدعا له فَعُوفي أمورٌ يطول ذكْرها ويشق حَصْرها ومن ذلك أنّ عائذ بن عمرو (1) قال: أصابتني رَمْية وأنا أقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في وجنتي فأسَالت الدم على وجهي ولحيتي وصدري فتناول النبي صلى الله عليه وسلم بيده فسَلت الدم عن وجهي وصدري إلى ثُنْدُؤتَيَّ (2) ثم دعا لي ، فلمّا مات وغسلوه نظروا إلى ما كان يصف من أثرِ يَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا في صدره كغُرة الفرس سائلة (3)؛ وكان بوجه أبيض بن حمّال المأرِبي (4) حَزازة -يعني: القُوباء (5) - قد التمعَتْ أنفَه فدعاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فمسح على وجهه فلم يُمْسِ من ذلك اليوم وفيه أثر (6)؛ ودخل رافع بن خديج (7) يوماً على النبي صلى الله عليه وسلم وعندهم قِدْر تفور لحماً ، قال: فأعجبتني شحمة فأخذتها فازدردتها فاشتكيت عليها سنةً ثم ذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه كان فيها نَفْسُ سَبْعَةِ أناسِي» ثم مسح بطني فألقيتها خَضْراء فوالذي بعثه بالحق ما اشتكيت بطني حتى السّاعة (8)؛ وعبدالله بن عَتيك لما ذهب ليقتل أبا رافع
(1) هو عائذ بن عمرو بن هلال المزني ، أبو هبيرة البصري ، صحابي شهد الحديبية ، مات في ولاية عبيد الله بن زياد سنة إحدى وستين. تقريب التهذيب ص 298.
(2)
الثندؤة: لحم الثدي. تاج العروس (7/ 470).
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 20) ح 14741 ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 412):"رواه الطبراني ، وفيه من لم أعرفهم" ، وأخرجه الحاكم في مستدركه (3/ 677) ح 6486 ، وقال:"وإسناده فيه مجهولان". انظر: مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبدالله الحاكم (5/ 2297) ح 790 ، لابن الملقن ، تحقيق: سعد آل حميد ، الطبعة الأولى 1411 ، دار العاصمة ، الرياض.
(4)
هو أبيض بن حمال بن مرثد بم ذي لُحيان -بضم اللام- المأربي السبائي ، قال البخاري وابن السكن: له صحبة وأحاديث ، يعد في أهل اليمن. الإصابة (1/ 14).
(5)
القوباء: داء في الجسد يتقشر منه الجلد ، وينجرد منه الشعر. المعجم الوسيط (2/ 765).
(6)
أخرجه أبو نعيم في الدلائل (2/ 615) ح 558؛ وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/ 279) ح 816 ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 412):"رواه الطبراني ورجاله ثقات ، وثقهم ابن حبان".
(7)
هو رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد الأنصاري الأوسي الحارثي ، مات سنة أربع وسبعين. انظر: أسد الغابة (2/ 232).
(8)
أخرجه الطبراني (4/ 282) ح 4430 ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 203):"رواه الطبراني ، وفيه أبو أمية الأنصاري ولم أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا".
اليهوديَّ وقصته مشهورة في الصحاح وغيرها فوقع فانكسرت رجْله فعصّبها بعمامته وأتى النّبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «ابسُط رجلك» فبسطها فمسحها قال فكأنما لم اشتكها قط (1)؛ وقد أبرأ صلى الله عليه وسلم من الجنون كما في حديث المرأة التي رفعت إليه ولدها وذكرت أن الشيطان يُلم به منذ سبع سنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اخرُجْ عدوّ الله فأنا رسول الله» (2) فخرج ولم يعاوده وقد سبق ذلك (3)؛ وحديث المرأة التي كانت تصرع وتنكشف فقال لها: «إن شئتِ دعوتُ اللهَ لكِ وإن شئتِ صَبرتِ واحتسبتِ ولكِ الجنّة» فقالت: أصبرُ وأحتسِبُ ولكن ادع الله لي أن [ق 31/و] لا أنكشف ، فدعا لها ، فلم تنكشف (4)؛ وأبلغ من ذلك أنّ (في)(5) أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم من كان به برص فدعا الله تعالى (6)(فبرأ وهو أويس القرني كان به برص فدعا الله)(7) فأذهبه الله عنه إلا موضع درهم ليذكر به نعمة الله تعالى عليه (8).
(1) أخرجه البخاري (5/ 91) ، كتاب المغازي ، باب قتل أبي رافع عبدالله بن أبي الحقيق ، ح 4039.
(2)
أخرجه الحاكم في مستدركه (2/ 674) ح 4232 ، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة" ، وأخرجه البيهقي في الدلائل (6/ 147) ح 2269.
(3)
تقدم تخريج هذا الحديث بألفاظ أخرى ، انظر: ص 415 - 416.
(4)
أخرجه البخاري (7/ 116) ، كتاب المرضى ، باب فضل من يصرع من الريح ، ح 5652 ، وأخرجه مسلم (4/ 1994) ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها ، ح 2576 ، من طريق عطاء بن أبي رباح ، بلفظ:"قال لي ابن ابن عباس: ألا أُريك امرأة من أهل الجنة ، قلت: بلى ، قال: هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي ، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ، فقالت: أصبر ، فقالت: إني أتكشف ، فادع الله لي أن لا أتكشف ، فدعا لها".
(5)
"في" ليس في ب ، وهو خطأ.
(6)
في ب زيادة "به" بعد "فدعا الله تعالى".
(7)
مابين القوسين ليس في ب.
(8)
أخرجه مسلم (4/ 1969) ، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه ، ح 2542 ، من طريق أسير بن جابر ، بلفظ: "كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن ، سألهم: أفيكم أويس بن عامر ، حتى أتى على أويس ، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم ، قال: مِن مُراد ثم من قرن؟ قال: نعم ، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم ، قال: لك والدة؟ قال: نعم ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن ، من مُراد ثم من قرن ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم
…
» الحديث؛ وأخرجه أبو يعلى في مسنده (1/ 187) ح 212 ، من طريق صعصعة بن معاوية ، بلفظ: "كان أويس بن عامر رجل من قرن وكان من أهل الكوفة وكان من التابعين فخرج به وضح فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه فقال: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمك علي فترك له منه ما يذكر به نعمه عليه
…
" ، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/ 26): "هذا حديث غريب تفرد به مبارك بن فضالة عن أبي الأصفر ، وأبو الأصفر ليس بمعروف".
وأما إخبار عيسى عليه السلام بالغيوب في قوله (1): {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} [آل عمران: 49] ، فلمحمّد صلى الله عليه وسلم من هذا الجنس عجائب يحار فيها عقول الألبّاء فمن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه بالحبشة ومحمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة (2)، وإخباره بمن استشهد بمؤتةَ من أرض الشام زيد وجعفر وابن رواحة رضي الله عنهم يوم استشهدوا قبل أن يأتي خبرهم (3) وكان السائل يأتيه ليسأله فيقول:«إن شئت أخبرتك عما جئت تسألني وإن شئت تسأل فأُخبرك» فيقول: لا بل أخبرني فيخبره بما كان في نفسه من سؤاله إياه (4) ، وأخبر عُميْرَ بن وهب الجمحي بما تواطأ (5) عليه هو وصفوان بن أمية لما قعدا في الحجر من الفَتْك برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مصاب أهل بدر حتى أسلم عمير (6) ، ومنها إخبارُه عمَّه العباسَ بن عبدالمطلب لمّا أُسِر ببدر وأراد (7) أن يفاديه
(1) في ب "بقوله".
(2)
أخرجه البخاري (2/ 89) ، كتاب الجنائز ، باب التكبير على الجنازة أربعاً ، ح 1333 ، من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، بلفظ:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى ، فصف بهم ، وكبر عليه أربع تكبيرات"؛ قال المباركفوري في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (4/ 115) ، دار الكتب العلمية ، بيروت:"وفيه علم من أعلام النبوة لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة".
(3)
أخرجه البخاري (5/ 27) ، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب مناقب خالد بن الوليد رضي الله عنه ، من طريق أنس رضي الله عنه ، بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ، نعى زيداً ، وجعفراً ، وابن رواحة للناس ، قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال: «أخذ الراية زيد ، فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ، وعيناه تذرفان
…
» الحديث.
(4)
أخرجه ابن حبان في صحيحه (5/ 205) ح 1887؛ وذكره المنذري في الترغيب والترهيب من الحديث الشريف ، تحقيق: إبراهيم شمس الدين ، الطبعة الأولى 1417 ، دار الكتب العلمية ، بيروت؛ قال الألباني:"حسن". صحيح الترغيب والترهيب (2/ 34) 1155 ، لمحمد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الأولى 1421 ، مكتبة المعارف ، الرياض.
(5)
في ب "تواطأه".
(6)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (17/ 58) ح 13806 ، من طريق محمد بن جعفر بن الزبير؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 286):"رواه الطبراني مرسلاً وإسناده جيد".
(7)
في ب "وأفاد".
فقال: ليس لي مال ، قال:«فأين المال الذي أودعته لأمّ الفضل لما أردت الخروج وعهدت إليها فيه» فقال العباس: والذي بعثك بالحق ما علم به أحد غيري وغيرها (1) ، ومنها قصّة المرأة التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة فبَعث صلى الله عليه وسلم عليّاً والزّبير رضي الله عنهما فأدركاها بروضة خاخ فجحدت أنّ معها كتاباً ، فقال عليّ رضي الله عنه: والله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجِنَّ الكتابَ أو لأجرّدنّك فخافت فأخرجته من عقاصها كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم (2)، ومنها لما ضلّت راحلته (3) منصرفة من تبوك فقال بعض المنافقين: ألا حدثه الله بمكانها ، فأطلعه الله عليها وعلى مافي نفس المنافق فأسلم وفارق النفاق (4)، ومنها: إخباره لرسولَي فيروز لما قدما عليه المدينة من اليمن حين كتب إليه كسرى فقال لهما: «إنّ ربي قد قَتل ربّكما البارحة» فكتبا تلك الليلة [ق 31/ظ] فلما رجعا إلى اليمن أتى فيروزَ الخَبرُ أن شيرويه بن كسرى قتل أباه تلك الليلة (5) ، فهذه أشياء وقعت وهو غائب عنها فأخبر بها كما وقعت وهذا باب واسع نبّهنا به على ما وراءه إذ حصر ما ورد في ذلك عزيز أو متعذّر؛ وأما الأشياء التي أخبر بها مما لم يكن أنه سيكون فهذا أيضاً باب واسع وطريق شاسع وفيه من العجائب ما يَدْهَشُ العقولَ فمن
(1) أخرجه أحمد في مسنده (5/ 335) ح 3310 ، بلفظ:«فأين المال الذي وضعته بمكة ، حيث خرجت عند أم الفضل ، وليس معكما أحد غيركما ، فقلت إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ولقثم كذا ولعبد الله كذا؟ » قال: فوالذي بعثك بالحق ، ما علم بهذا أحد من الناس غيري وغيرها ، وإني لأعلم أنك رسول الله" ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 86): "رواه أحمد ، وفيه راوٍ لم يُسم ، وبقية رجاله ثقات".
(2)
أخرجه البخاري (8/ 57) ، كتاب الاستئذان ، باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره ، ح 6259؛ وأخرجه بنحوه مسلم (4/ 1941) ، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة ، ح 2494.
(3)
في ب "راحاته".
(4)
أخرجه البيهقي (4/ 118) ح 1408 ، وأخرجه أبو نعيم في الدلائل (2/ 515) ح 443 ، من طريق عروة بن الزبير.
(5)
أخرجه أبو نعيم بنحوه في الدلائل (1/ 346) ح 240 ، من طريق دحية الكلبي؛ قال الألباني:"صحيح". صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 210) ح 861 ، لمحمد ناصر الدين الألباني ، تحقيق: زهير الشاويش ، الطبعة الثالثة 1408 ، المكتب الإسلامي، بيروت.
ذلك ما أخبره (1) الله تعالى به في القرآن كقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} [آل عمران: من الآية 12] فكان الغلب كما ذكر (2) وتقريراً للعذاب (3) إذا حشروا ، فإنهم قاتلوا وغُلِبوا وسيحشرون إلى النار كما وُعِدُوا ، ومن ذلك قوله تعالى:{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ (4)} [الأنفال: من الآية 7] فهزم الله المشركين (5)، ومن ذلك قوله:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: من الآية 40] فَنَصَر الله حزبه على حزب الشيطان وأظهر دينه على الأديان ، ومن ذلك قوله
(1) في ب "أحيره" ، وهو خطأ.
(2)
قال الشيخ السعدي: " قد وقع كما أخبر الله، فغلبوا غلبة لم يكن لها مثيل ولا نظير ،وجعل الله تعالى ما وقع في "بدر" من آياته الدالة على صدق رسوله، وأنه على الحق، وأعداءه على الباطل، حيث التقت فئتان، فئة المؤمنين لا يبلغون إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً مع قلة عددهم، وفئة الكافرين، يناهزون الألف، مع استعدادهم التام في السلاح وغيره، فأيد الله المؤمنين بنصره، فهزموهم بإذن الله، ففي هذا عبرة لأهل البصائر". تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 963 ، لعبدالرحمن السعدي ، تحقيق: عبدالرحمن اللويحق ، الطبعة الأولى 1420 ، مؤسسة الرسالة.
(3)
في ب "وتقرير العذاب".
(4)
في ب زيادة {وَتَوَدُّونَ} ، وهي زيادة على الشاهد غير مرادة.
(5)
قال الثعلبي في تفسيره (4/ 331): " قال ابن عباس وابن الزبير وابن يسار والسدي: أغار كرز بن جابر القرشي على سرح المدينة حتّى بلغ الصفراء فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فركب في أثره فسبقه كرز فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فأقام سنة وكان أبو سفيان أقبل من الشام في عير لقريش فيها عمرو بن العاص وعمرو بن هشام ومخرمة بن نوفل الزهري في أربعين راكباً من كبار قريش وفيها تجارة عظيمة وهي اللطيمة حتى إذا كان قريباً من بدر بلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه إليهم وأخبرهم بكثرة المال وقلّة الجنود فقال: «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلّ الله عز وجل ينفلكموها» فخرجوا لا يُريدون إلاّ أبا سفيان والركب لا يرونها إلا غنيمة لهم وخف بعضهم وثقل بعض ، وذلك أنهم كانوا لم يظنّوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُلقي حرباً فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي صلى الله عليه وسلم استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم ويخبرهم أن محمداً قد عرض لعيرهم وأصحابه. فخرج ضمضم سريعاً إلى مكّة وخرج الشيطان معه في صورة سراقة بن خعشم فأتى مكّة فقال: إنّ محمداً وأصحابه قد عرضوا لعيركم فلا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فغضب أهل مكّة وانتدبوا وتنادوا لا يتخلف عنا أحد إلاّ هدمنا داره واستبحناه، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتّى بلغ وادياً يقال له: وفران، فأتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عيرهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى إذا كانوا بالروحاء أخذ عيناً للقوم فأخبره بهم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً عيناً له من جهينة حليفاً للأنصار يدعى ابن الاريقط فأتاه بخبر القوم، وسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبرئيل فقال: إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إمّا العير وإمّا قريش
…
".
تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: من الآية 55] فكان الاستخلاف والتمكين في الأرض والأمن كما وعد ، ومن ذلك قوله تعالى:{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 1 - 4] فَراهَنَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه على وقوعه ووقع كما وعد (1)، ومن ذلك قوله [سبحانه] (2) تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ] مُحَلِّقِينَ [(3)} [الفتح: من الآية 27] فدخلوه (4) كذلك ، ومن ذلك قوله تعالى:{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} [الفتح: من الآية 21] يعني العجم وفارس فملكها المسلمون كما أخبر ، ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بغزو فارس والروم والعجم وبني حَنيفة وأصحاب مسيلمة فقاتلهم أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما ، ومن ذلك أنه وعَد المسلمين بأخْذِ أبيضِ كسْرى فأخذوه كما قدّمنا ذكره ، ومن ذلك أنه وعَد أن تَخرُجَ الظّعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار أحَدٍ فوقع ذلك (5) ، ومن
ذلك قوله سبحانه: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً (6)} [الممتحنة: من
(1) أخرجه أحمد في مسنده (4/ 491) ح 2270 ، من طريق ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
(2)
"سبحانه" زيادة من ب.
(3)
{مُحَلِّقِينَ} زيادة من ب.
(4)
في ب "فدخلوا" بدون الضمير.
(5)
أخرجه البخاري (4/ 197) ، كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام ، ح 3595 ، من طريق عدي بن حاتم رضي الله عنه ، بلفظ: " بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال:«يا عدي، هل رأيت الحيرة» . قلت: لم أرها، وقد أنبئت عليها، قال: «فإن طالت بك الحياة، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله - قُلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيء الذين قد سعروا في البلاد -
…
قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله
…
".
(6)
في ب زيادة "ورحمة" بعد "مودة" ، وهو خطأ.
الآية 7] فكان من ذلك أن تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان واستكتب أخاها معاوية وأسلم أبوه وصارت مودّة ومصاهرة ، ومن [ق 32/و] ذلك إخباره بالفتن الكائنة بعده وردّةِ جماعة ممن شاهده وما يجري على عمر (1) وعثمان (2) وعلي (3) والحسين (4)
(1) أخرج البخاري في صحيحه (5/ 9) ، في كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «لو كنت متخذاً خليلاً» ، ح 3675 ، من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه ،: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فرجف بهم ، فقال:«اثبت أحد فإنما عليك نبي ، وصديق ، وشهيدان» ، وأخرج أحمد في مسنده (9/ 441) ح 5620 ، من طريق ابن عمر رضي الله عنه قال:"رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر ثوباً أبيض ، فقال: «أجديد ثوبك أم غسيل؟ » فقال: فلا أدي ما رد عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «البس جديداً ، وعش حميداً ومت شهيداً» ، قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "رجاله ثقات رجال الشيخين ، لكن أعله الأئمة الحفاظ" ، وأخرجه ابن ماجه (2/ 1178) ، بنحوه في كتاب اللباس ، باب ما يقول الرجل إذا لبس جديداً ، ح 3558 ، قال الألباني: "صحيح". السلسلة الصحيحة (1/ 687) ح 352.
(2)
أخرج الإمام أحمد في مسنده (41/ 13) ح 24466 ، من طريق عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله عز وجل مقمصك قميصاً ، فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه ، فلا تخلعه لهم ولا كرامة -يقولها مرتين أو ثلاثاً-» ، وأخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 41) ، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في فضل عثمان رضي الله عنه ، ح 112 ، بلفظ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عثمان ، إن ولاك الله هذا الأمر يوماً ، فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله ، فلا تخلعه -يقول ذلك ثلاث مرات-
…
" ، وأخرجه الحاكم في مستدركه (3/ 106) ، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم ، في فضائل أمير المؤمنين ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ، ح 4544 ، بلفظ: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان: «إن الله مقمصك قميصاً ، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه» ، قال الألباني:"صحيح". صحيح وضعيف الجامع الصغير (28/ 407) ح 13907.
(3)
أخرج البزار في مسنده (4/ 254) ح 1424 ، من حديث عمار رضي الله عنه ،:"أن النبي قال لعلي أن أشقى الأولين عاقر الناقة وأن أشقى الآخرين لمن يضربك ضربة على هذه وأومأ إلى رأسه يخضب هذه وأومأ إلى لحيته"، قال الألباني:"الحديث صحيح، فقد جاءت له شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة منهم علي نفسه وعمار بن ياسر وصهيب الرومي". السلسلة الصحيحة (3/ 162) ح 1088.
(4)
أخرج أحمد في مسنده (2/ 78) ح 649 ، عن علي رضي الله عنه ، من طريق عبدالله بن نجي عن أبيه:" أنه سار مع علي وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: أصبر أبا عبد الله: أصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: وماذا؟ قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: «بل قام قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات»
…
" ، قال الألباني: " هذا إسناد ضعيف، نجي والد عبد الله لا يدرى من هو كما قال الذهبي ولم يوثقه غير ابن حبان وابنه أشهر منه، فمن صحح هذا الإسناد فقد وهم. والحديث قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا. قلت: يعني أن له شواهد تقويه وهو كذلك". السلسلة الصحيحة (2/ 245) ح 1171؛ وأخرج أحمد في مسنده (21/ 308) ح 13793 ، وأبو نعيم في =
وعمار بن ياسر (1) وما يُصلح الله بالحسن بين الأمّة (2) وافتتاح البلدان والأمصار الممصرة (3)(4) كالكوفة والبصرة وبغداد على أمّته إلى غير ذلك مما يطول ذكره ويَعَزّ (5) حصرُه وأمّا ما أكنّتْه الصدور وأضمرته القلوب فأطلع الله تعالى عليه محمداً صلى الله عليه وسلم وجعله من معجزاته الباهرة وشواهد رسالته الظاهرة فكثير واستيعابه خطب خطير [و](6) من ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}
[المائدة: من الآية 13] وقوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا
= الدلائل (2/ 553) ح 492 ، والبيهقي في الدلائل (7/ 396) ح 2806 ، من طريق أنس رضي الله عنه ، بلفظ:"استأذن ملك المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأُذن له ، فقال لأم سلمة ، «احفظي علينا الباب لا يدخل أحد» ، فجاء الحسين بن علي رضي الله عنه ، فوثب حتى دخل ، فجعل يصعد على منكب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له الملك: أتحبه؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم» ، قال: فإن أمتك تقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يُقتل فيه ، قال: فضرب بيده فأراه تراباً أحمر ، فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها ، قال: فكنا نسمع يُقتل بكربلاء" ، قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "إسناده ضعيف". انظر: هامش مسند الإمام أحمد (21/ 308).
(1)
أخرجه البخاري (4/ 21) ، كتاب الجهاد والسير ، باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله ، ح 2812 ، من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، بلفظ:"كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة ، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ومسح عن رأسه الغبار ، وقال: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، عمار يدعوهم إلى الله ، ويدعونه إلى النار» ، وأخرجه مسلم (4/ 2236) ، كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ، ح 2916 ، من طريق أم سلمة رضي الله عنها ، بلفظ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقتل عماراً الفئة الباغية» .
(2)
أخرج البخاري (4/ 204) ، في كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام ، من طريق أبي بكرة رضي الله عنه ، بلفظ: "أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الحسن ، فصعد به على المنبر ، فقال:«ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» .
(3)
في ب "المحصرة".
(4)
أخرج مسلم (2/ 1008) ، في كتاب الحج ، باب في الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار ، ح 1388 ، من طريق سفيان بن أبي زهير ، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُفتح الشام ، فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبُسُّون ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ثم تفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون ، ثم تفتح العراق ، فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون» .
(5)
في نسخة بهامش أ "ويعسر".
(6)
حرف العطف "و" زيادة من ب.
أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: من الآية 76] يعني من بعث محمد صلى الله عليه وسلم {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [البقرة: من الآية 76] فأعلمه الله تعالى بذلك فقال: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77] ومن ذلك قوله: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: من الآية 18] وذلك أنّ اليهود قالوا للمنَافقين سراً يوم الخندق: على ما تقتلون أنفسكم ، هلموا إلينا ، ما ترجون من محمد ، والله ما تجدون عنده خيراً؛ ومن ذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ} [محمد: من الآية 25] إلى قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: من الآية 26] وذلك أنهم قالوا: أن قريظة والنضير ستُطيعكم في بعض الأمر فأظهر الله تعالى إسرارهم لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ونظائر ذلك في القرآن كثيرة نبهنا ببعضها على ما فيها؛ فأمّا إخبارهُ صلى الله عليه وسلم بالغائبات من غير القرآن فكثير أيضاً كإخباره بأمر الخلافة وأنها تكون كذلك ثلاثين سنة ثم تصير مُلْكاً (1) ، وبأن عثمان سَيُقمص قميصاً ويُراد على خلعه وأوصاه أن لا يخلعه (2) ، وأن أشقى الآخِرين سَيخضِب لحية عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه من رأسه (3) ، وأن الحسين رضي الله عنه سَيُقتل (4) ، وأن فاطمة رضي الله عنها أول أهله به لحُوقاً (5) ، وأخبر بخروج الخوارج (6) ، وبأنّ عمّاراً رضي الله عنه تقتله الفئة الباغية (7) ، وأنه يخرج من ثقيفٍ
(1) أخرجه أحمد في مسنده (36/ 248) ح 21919 ، من طريق سفينة رضي الله عنه ، بلفظ: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الخلافة ثلاثون عاماً ، ثم يكون بعد ذلك الملك»
…
" ، قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "إسناده حسن" ، وقال الألباني: "حسن صحيح". انظر: السلسة الصحيحة (1/ 820) ح 459.
(2)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 422.
(3)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 422.
(4)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 422 - 423.
(5)
أخرجه مسلم (4/ 1905) ، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، باب فضائل فاطمة بنت النبي رضي الله عنها ، ح 2450 ، من طريق عائشة رضي الله عنها.
(6)
أخرج البخاري (9/ 16) ، في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم ، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم؛ وأخرج مسلم (2/ 743) ، في كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم ، من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج في هذا الأمة -ولم يقل منها- قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، يقرءون القرآن لا يُجاوز حلوقهم -أو حناجرهم- يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، فينظر الرامي إلى سهمه ، إلى نصله ، إلى رصافه ، فيتمارى في الفوقة ، هل علق بها من الدم شيء»
(7)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 423.
كذّابٌ ومُبير فخرج المختار والحجّاج (1) ، وأخبر أن أصحابه سَيَلقون بعده أثَرةً وأموراً عظاماً (2) ، وأن أمته ستفترق [ق 32/ظ] ، وأنّ بني أمّية سيملكون (3) ، وأن بني العباس يملكون الملك (4) ، وأنه يكون مَلك (5) يحثوا المال حَثْياً لا يعدّه عَدّاً (6) ، وأنّ
مُلك أمّته
(1) أخرج الترمذي في سننه (4/ 499) ، في أبواب الفتن ، باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير ، ح 2220 ، من طريق عبدالله بن عصم عن ابن عمر رضي الله عنه ، قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في ثقيف كذاب ومبير» يُقال: الكذاب المختار بن أبي عبيد ، والمبير الحجاج بن يوسف"، قال الترمذي:"حديث حسن غريب".
(2)
أخرج مسلم (3/ 1472) ، في كتاب الإمارة ، باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول ، ح 1843 ، من طريق عبدالله بن مسعود ، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها»
…
".
(3)
أخرج أبو يعلى في مسنده (11/ 348) ح 6461 ، من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون فأصبح كالمتغيط وقال:«مالي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة؟ » قال: فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتى مات صلى الله عليه وسلم " ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 244): "رواه أبو يعلى ، ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبدالله بن الزبير ، وهو ثقة"؛ وأخرج الترمذي (5/ 444) ، في أبواب تفسير القرآن ، باب ومن سورة ليلة القدر ، ح 3350 ، من طريق القاسم بن فضل الحداني عن يوسف بن سعد ، قال: "قام رجل إلى الحسن بن علي ، بعد ما بايع معاوية ، فقال: سوَّدت وجوه المؤمنين ، أو يا مسود وجوه المؤمنين ، فقال: لا تؤنبني رحمك الله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أُري بني أمية على منبره فساءه ذلك ، فنزلت {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] يا محمد ، يعني نهراً في الجنة ، ونزلت {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدْر: 1 - 3] يمكلها بنو أمية يا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص" ، قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل ، وقد قيل عن القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن ، والقاسم بن الفضل الحداني هو ثقة ، وثقه يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي ، ويوسف بن سعد رجل مجهول ولا نعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه" ، قال الألباني: "ضعيف الاسناد مضطرب ، ومتنه منكر". ضعيف سنن الترمذي ص 436 ، لمحمد ناصر الدين الألباني ، ، الطبعة الأولى 1411 ، المكتب الإسلامي ، بيروت؛ وأخرجه بنحوه الطبري في تفسيره (24/ 556) ، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 89) ح 2755 ، والبيهقي في الدلائل (7/ 448) ح 2871 ، والحاكم في مستدركه (3/ 186) ح 4796 ، كلهم من طريق يوسف بن مازن الراسبي.
(4)
أخرج أحمد في مسنده (3/ 305) ح 1786 ، من طريق العباس رضي الله عنه ، قال:"كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقال: «انظر هل ترى في السماء من نجم؟ » قال: قلت: نعم ، قال: «ما ترى؟ » قال: قلت: أرى الثريا ، قال: «أما إنه يلي هذه الامة بعددها من صلبك اثنين في فتنة» ، قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "إسناده ضعيف جداً" ، وأخرجه الحاكم في مستدركه (3/ 368) ح 5414 ، وقال: "هذا حديث تفرد به عبيد بن أبي قرة عن الليث ، وإمامنا أبو زكريا رحمه الله لو لم يرضه لما حدث عنه بمثل هذا الحديث" ، وأخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (3/ 364) ، تحقيق: عبدالملك بن دهيش ، الطبعة الأولى 1410 ، مكتبة النهضة ، مكة ، وقال في إسناده: "لا بأس به"؛ وأخرج البزار في مسنده (16/ 60) ح 9103 ، من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: «فيكم النبوة والمملكة» ، قال البزار في سنده:"محمد بن عبدالرحمن ضعيف لم يرو إلا هذا الحديث" ، وأخرجه البيهقي في الدلائل (7/ 463) ح 2885 ، وقال:"تفرد به محمد بن عبدالرحمن العامري عن سهيل ، وليس بالقوي".
(5)
في ب "الملك" بزيادة أل.
(6)
أخرجه مسلم (4/ 2234) ،كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ، ح 2913 ، من طريق جابر بن عبدالله رضي الله عنه ، بلفظ:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً» ، أما معنى الحديث فقد قال النووي في شرحه (18/ 39 - 40): "وهذا الحثوا الذي فعله هذا الخليفة يكون لكثرة المال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه".
ينتهي إلى مشارق الأرض ومغاربها (1) ، وأن أمّته تقاتل قوماً نعالهم الشعر صغار الأعين ذلف الأنوف (2) ، وكل واحد من هذه الأمور فيه حديث صحيح أوحسن مشهور مُدَوّن في كتب الحديث والسِّيَرِ والتّاريخ وغير ذلك ، قد استقرّ في القلوب تصديقه لِتَلَقِي الأمّة له بالقبول وتدوينهم إيّاه في دواوين الإسلام (3) نبّهنا بذكر كل نوع منه على ما وراءه ، وهذه الأمور من أقوى الأدلة وأعدل الشهود على (4) صدق ما أخبر به من أمور الآخرة وشأن البرزخ كعذاب القبر والحشر والنّشر والحساب والشفاعة والميزان والجنّة والنّار والصّراط وغير ذلك مما هو من شأن اليوم (5) الآخر ، والله تعالى الموفق.
(1) أخرجه مسلم (4/ 2215) ، كتاب الفتن وأشلااط الساعة ، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض ، ح 2889 ، من طريق ثوبان رضي الله عنه ، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها
…
».
(2)
أخرجه البخاري (4/ 43) ، كتاب الجهاد والسير ،باب قتال الترك ، ح 2928 ، من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك ، صغار الأعين ، حمر الوجوه ، ذلف الأنوف ، كأن وجوههم المجام المطرق ، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر» .
(3)
في ب "إسلام" بدون أل ، وهو خطأ.
(4)
في ب "وعلى" بزيادة واو ، وهو خطأ.
(5)
في ب "يوم" بدون أل.
فإن قيل: قد أتيح لعيسى عليه السلام حواريون (1) كانوا أنصارَه وأعوانه ، قد (2) ذكرهم الله تعالى ومدحهم بذلك في قوله سبحانه عن عيسى:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [آل عمران: من الآية 52 ، الصف: من الآية 14] قلنا قد أعطي محمد صلى الله عليه وسلم أنصاراً قد أشرنا إلى ذكرهم وأنهم قالوا له: واللهِ لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها (3) ، وظهر من صدقهم ونصرهم إيّاه ومنعهم مَن أرادَهُ بسوء وإجلالهم له وتوقيرهم إياه وامتثال أمره أمورٌ يطول ذكرها ولا يمكن حصرها من خلوص الطاعة وصحّة النيّة وحسن المؤازرة وبذل النفوس في نصره ومجاهدتها في إقامة دينه ، فإن الله امتحن قلوبهم للتقوى وكانوا لا يُحدّون النظر إليه إعظاماً له ، ولا يرفعون أصواتهم عنده إجلالاً له وإكراماً ، ولا يتنخم نخامة إلا ابتدروها يتمسّحون بها (4) ولا سقطت من شعره شعرة إلا تنافسوا فيها (5) حتى إن معاوية أوصى أن يدفن معه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم (6)، وشرب عبدالله بن الزُّبير محجمةً مِن دَمِهِ كان أمره أن يهريقها فأودعها جوفه (7) وكان إذا حضره من لا يوقّره ولا يعظّمه من جفاة العرب استأذنوه في ضرب عنقه [ق 33/و] كما لقي عروةَ بن مسعود يوم الحديبية من ابن أخيه المغيرة بن شعبة لمّا قَرَع يدَه بنعل السيف وقال له: أكفف يدك قبل أن لا ترجع إليك فرجع عروة إلى قريش
فأخبرهم بما
(1) في ب "الحواريون" بزيادة أل.
(2)
في ب "كانوا".
(3)
تقدم تخريجه ، انظر:360.
(4)
تقدم تخريجه انظر: ص 400.
(5)
أخرج مسلم (4/ 1812) ، في كتاب الفضائل ، باب قرب النبي عليه السلام من الناس وتبركهم به ، من طريق أنس رضي الله عنه ، قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه ، وأطاف به أصحابه ، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل".
(6)
ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (3/ 15) ، وابن عبدالبر في الاستيعاب (1/ 445) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 217 ، 229 - 230) ، وابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (5/ 333).
(7)
أخرج خبر شرب عبدالله بن الزبير دم الرسول صلى الله عليه وسلم: الحاكم في مستدركه ، في كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم ، ذكر عبدالله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما ، ح 6343 ، من طريق عامر بن عبدالله بن الزبير؛ وأخرجه البزار في مسنده مختصراً (6/ 169) ح 2210 ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 270):"رجال البزار رجال الصحيح غير الجنيد بن القاسم وهو ثقة".
أعجبهم من تعظيمهم له (1)، وواسَوه بأموالهم ووَقَوْه (2) بأنفسهم وقاتلوا عنه حتى أهلَهُم وعشيراتِهم وعادَوا فيه حتى قومَه الذين خالفوه وعصوه وقد قال صلى الله عليه وسلم:«إن لكل نبيّ حوارياً وحواري الزبير بن العوام» وكان أولَّ من سَلّ سيفاً في سبيل الله وكان في شِعْبِ المَطابخ فسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل فأخذ السّيف وخرج عرياناً في يده السيف صلتاً فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم كِفَّةَ كِفَّةَ ، فقال:«مالك؟ » ، قال: سمعت أنك قُتلت ، قال:«فما كنت صانعاً؟ » ، قال: أردت أن أستعرض أهلَ مكّة ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
فإن قيل: إن عيسى عليه السلام طلب الحواريون منه أن يدْعو ربَّه أن ينزل عليهم (4) مائدة من السماء تكون لهم عيداً يأكلون منها لتطمئن قلوبهم ويعلموا أنه قد صَدَقهم ويشهدوا له بذلك، قيل: قد أعطى الله محمداً صلى الله عليه وسلم ماهو أفضل من ذلك من غير هذه الشروط وذلك ما روى سَمُرَة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بقصعة من ثريد فَوُضِعَتْ بين يدي القوم فتعاقبوها من غدوة إلى الظهر يقوم قوم ويجلس آخرون ، فقال رجل لسمرة: أما كانت تُمدّ؟ ، قال: من أي شيء تَعجَبُ ما كانت تُمَدّ إلا من هاهنا وأشار بيده إلى السماء (5)؛ وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لمّا أسلموا كان منهم من عُذِّبَ كبلال وصهيب وعمّارٍ وأبويه ، فعُذِّبوا أشد العذاب ولم يُزحزِحهم ذلك عن دينهم شيئاً ، وفيهم من أُسِر وقُتِل كَخُبَيْب وغيره ، ولم يتزلزل إيمانهم ولم يقترحوا على نبيّهم مثلَ هذه الاقتراحات وقصصهم معروفة وسيرهم مشهورة؛ وأما حواريّو عيسى عليه السلام فغايتهم أن قالوا له: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا [ق 33/ظ] مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ
…
} الآية
(1) أخرجه البخاري (5/ 21) ، في كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب مناقب الزبير بن العوام ، ح 3719 ، من طريق جابر رضي الله عنه.
(2)
في ب "وركوه".
(3)
أخرجه أحمد بنحوه في فضائل الصحابة (2/ 733) ح 1260 ، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس ، الطبعة الأولى 1403 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت.
(4)
في ب "علينا" ، وهو خطأ.
(5)
أخرجه الترمذي (5/ 593) ، بنحوه في أبواب المناقب ، باب في آيات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وما قد خصه الله عز وجل به ، ح 3625؛ وقال:"هذا حديث حسن صحيح"؛ وأخرجه البيهقي بنحوه في الدلائل (6/ 248) ح 2343؛ وقال: "هذا إسناد صحيح".
[المائدة: 112]، فإن قيل: كان (عيسى)(1) سياحاً جَوَّاباً جَوّالاً في البراري وسواحل البحار ، قلنا: قد أشرنا قبلُ إلى سياحة نبينا صلى الله عليه وسلم وأمّته وأنّ منها الجهاد برّاً وبحراً وقد كان منهم ما أشرنا إليه وأضعاف ذلك ، فكانت سياحة محمد صلى الله عليه وسلم وبارك أفضل وأكمل ، ونفعها أعم وأحسن وأجمل ، لأنه حصل في سياحته فتح البلاد وقتل الكفار الذين أظهروا في الأرض الفساد حتى استنفَد عشر سنين في إقامة الدين فتابَعه مالم يُتابِع نبياً قبله في أضعاف تلك المدّة ولا يقاربه ، فإن نوحاً لبث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فما بلغ من كان معه من المؤمنين في السفينة مائة نفس (2) ، فكان محمد صلى الله عليه وسلم في مدّة نبوّته إمّا مجاهداً وإمّا مجهّزاً جيشاً أو سريةً أو باعِثاً بَعْثاً في إقامة الدين وإعلاء الكلمة وإبلاغ الرسالة وإسماع الدعوة حتى طبّق الأرض دينُه وذكْرُه وعَمّ البسيطةَ ظُهوره وقهرُه.
فإن قيل: إن عيسى عليه [الصلاة و](3) السلام كان زاهداً في الدنيا يُقنِعه اليسيرُ منها ويجتزي بالطفيف من البلغة حتى خرج من الدنيا كفافاً فلا له ولا عليه ، قلنا: كذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم كان يطوي اليومين والثلاثة لايجد من الدقل (4) ما يملأ به بطنه (5)
(1)"عيسى" ليس في ب.
(2)
قال الثعلبي في تفسيره ص 1127: " اختلفوا في عددهم، فقال قتادة والحكم وابن جريج ومحمد بن كعب القرضي: لم يكن في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنيه، سام وحام ويافث إخوة كنعان وزوجاتهم ورحلهم فجميعهم ثمانية
…
، وقال الأعمش: كانوا سبعة: نوح وثلاث كنائن وثلاثة بنين له ، وقال ابن إسحاق: كانوا عشرة سوى نسائهم: نوح وبنوه حام وسام ويافث وستة أناس ممن كان آمن معه وأزواجهم جميعاً ، وقال مقاتل: كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة وبنيه الثلاثة ونساءهم، فكان الجميع ثمانية وسبعين نفساً، نصفهم رجال ونصفهم الآخر نساء ، قال ابن عباس: كان في سفينة نوح ثمانون إنساناً" ، قال الطبري: " والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: من الآية 40]، يصفهم بأنهم كانوا قليلاً ولم يحُدّ عددهم بمقدار، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح، فلا ينبغي أن يُتَجاوز في ذلك حدُّ الله، إذ لم يكن لمبلغ عدد ذلك حدٌّ من كتاب الله، أو أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ". تفسير الطبري (15/ 327) ، ولعل هذا هو سبب عدم تحديد السرمري لعددهم بمقدار معين ، وإنما ذكر أنهم دون المائة جمعاً بين الأقوال كلها.
(3)
"الصلاة و" زيادة من ب.
(4)
الدقل: هو رديء التمر ويابسه ، وما ليس له اسم خاص ، فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً. النهاية في غريب الأثر (2/ 299).
(5)
أخرجه مسلم (4/ 2284) ، كتاب الزهد والرقائق ، ح 2297 ، من طريق النعمان بن بشير ، بلفظ:"ألستم في طعم وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل ، ما يملأ به بطنه".
ويمكث الهلال إلى الهلال إلى الهلال ثلاثة أهلّه في شهرين ما تُوقَد في بيت من بيوته نار وإنما كان يتقوّتون بالأسودين التمر والماء (1) إذا حصل وهم مع ذلك تسعة أهل أبيات ومات ودرعه مرهونة على أوساق شعير إدَّانَها قُوتاً لأهله (2) ولم يترك إلا سلاحه وبغلته ، وعيسى عليه السلام كان وحده لا ولد يجوع ولا بيت يخرب على أن الله تعالى قد كان عرض (على) (3) محمد صلى الله عليه وسلم مفاتيح كنوز الأرض فأبى أن يقبلها وقال:«أجوع يوماً فأذكرك وأشبع يوماً فأشكرك» (4) فمحمد صلى الله عليه وسلم أزهَدُ الأنبياء طُرّاً وأعظمهم فيه فضيلةً وفخْراً فإنه خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز بُرٍّ ثلاثة أيّام تباعاً (5) وكان يربط الحجر على بطنه من الجوع (6) ويطوي اللّيالي ما يجد ما يقتات (7) وله ثلاث عشرة امرأة يَزِدن
(1) أخرجه البخاري (3/ 153) ، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها ، ح 2567 ، وأخرجه مسلم (4/ 2283) ، كتاب الزهد والقدر ، ح 2972 ، من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده (4/ 18) ح 2109 ، من طريق ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "إسناده صحيح على شرط البخاري"؛ وأخرجه الطبراني مطولاً في المعجم الكبير (11/ 268) ح 11723 ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 123):"رواه الطبراني في الكبير ، ورجاله ثقات".
(3)
"على" ليس في ب.
(4)
أخرجه أحمد في مسنده (36/ 528) ح 22190 ، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 60) ، في حب النبي صلى الله عليه وسلم ، فصل في زهد النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على شدائد الدنيا ، ح 1394 ، من طريق أبي أمامة ، بلفظ:"عرض علي ربي أن يجعل بطحاء مكة ذهباً ، فقلت: «لا يارب ، ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً ، فإذا جعت تضرعت ، وإذا شبعت حمدتك وذكرتك» ، وأخرجه أبو نعيم في الدلائل (2/ 595) ح 540 ، والطبراني في المعجم الكبير (8/ 207) ح 7851 ، بلفظ: «عرض علي ربي عز وجل؛ ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً ، فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع ثلاثاً وإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» ، قال الألباني: "ضعيف جداً". ضعيف الجامع الصغير وزيادته ص 543.
(5)
أخرج البخاري (7/ 75) ، في كتاب الأطعمة ، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون ، ح 5416 ، من طريق عائشة رضي الله عنها ، قالت:"ماشبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة ، من طعام البر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض".
(6)
أخرج ابن الأعرابي في معجمه (1/ 36) ح 21 ، تحقيق عبدالمحسن الحسيني ، الطبعة الأولى 1418 ، دار ابن الجوزي ، الدمام ، من طريق أبي هريرة رضي الله عنه:"أن رسول الله كان يربط الحجر على بطنه من الغرث -الجوع-"، قال الألباني: الحديث حسن بشواهده. انظر: السلسلة الصحيحة (4/ 189) ح 1615.
(7)
أخرج الترمذي (4/ 580) ، في أبواب الزهد ، باب ما جاء في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله ، ح 2360 ، من طريق ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كان رسول صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء ، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير"، قال الترمذي:"حديث حسن صحيح".
تارة ويَنقُصن
[ق 34/و] أخرى سوى من يَطْرَأ عليه من خارج (1) ، وكان يلبس الصوف وينتعل المخصوف (2) ويفترش إهاب شاة (3) وكانت وسادته من أدَم (4) حشوُها ليفٌ (5) وكان لا يدّخر شيئاً لغدٍ (6) و [كان](7) زهده في الدنيا وفقره معروف مشهور ، ولمّا فتح الله تعالى عليه خزائن الملوك ووطّأ له أعناق الجبابرة ومكّن له في البلاد وأعطي من غنائم العباد ، كان يقسم في اليوم الواحد ثلاثمائة ألف ويعطي الرجل المائة من الإبل (8)
(1) أي من منائح جيرانه من الأنصار التي كانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها ، كما تقدم تخريجه.
(2)
أخرج ابن ماجه (2/ 1111) ، في كتاب الأطعمة ، باب خبز الشعير ، ح 3348 ، من طريق أنس رضي الله عنه ، قال:"لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف ، واحتذى المخصوف"، قال الألباني:"ضعيف". ضعيف ابن ماجه ص 272 - 273؛ وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق (4/ 77) ، من طريق أبي أيوب الأنصاري ، قال:"كان رسول الله يلبس الصوف ويخصف النعل ويركب الحمار ويقول من رغب عن سنتي فليس مني"، قال الألباني:"حسن". صحيح الجامع الصغير وزياداته (2/ 887) ح 4944.
(3)
إهاب الشاة: جلدها. انظر: النهاية (1/ 198).
(4)
الأدم -بفتح الهمزة والدال-: جمع أديم وهو الجلد الذي تم دبغه. شرح النووي على مسلم (1/ 192).
(5)
أخرج البخاري (6/ 156) ، في كتاب تفسير القرآن ، باب {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: من الآية 1] ، ح 4913 ، ومسلم (2/ 1108) ، في كتاب الطلاق ، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن وقوله تعالى:{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم: من الآية 4] ، ح 1479 ، من حديث ابن عباس الطويل عن عمر رضي الله عنه ، وفيه: "حتى جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة له يرتقى إليها بعجلة ، وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس الدرجة ، فقلت له: قل: هذا عمر بن الخطاب ، فأذن لي ، قال عمر: فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ، فلما بلغت حديث أم سلمة ، تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لعلي حصير ما بينه وبينه شيء ، وتحت رأسه وسادة من أدم ، حشوها ليف ، وإن عند رجليه قرظاً مضبوراً ، وعند رأسه أهبًا معلقةً ، فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكيت ، فقال:«ما يبكيك؟ » فقلت: يا رسول الله ، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه ، وأنت رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة» ، واللفظ للبخاري.
(6)
أخرجه ابن حبان في صحيحه (14/ 270) ، في كتاب التاريخ ، باب من صفته صلى الله عليه وسلم وأخباره ، ح 6356؛ والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 59) ، في حب النبي صلى الله عليه وسلم ، فصل في زهد النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على شدائد الدنيا ، ح 1391؛ من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال الألباني:"صحيح". صحيح الترغيب والترهيب (1/ 553) ح 930.
(7)
"كان" زيادة من ب.
(8)
أخرج البخاري (4/ 94) ، في كتاب فرض الخمس ، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ، ح 3147 ، ومسلم (3/ 733) ، في كتاب الزكاة ، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر على من قوي إيمانه ، ح 1059 ، من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن أناساً من الأنصار ، قالوا: يوم حنين ، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل
…
" ، واللفظ لمسلم.
والخمسين
وما بين جبلين من الغنم (1)، ويُمسي فيأتي السائل فيقول:«والذي بعثني بالحق ما أمسى في بيت من بيوت آل محمد صاع من شعيرٍ ولا تمرٍ» (2) ولم يكن لعيسى عليه السلام من (3) يطالبه بشيء لا زوجة ولا ولد ولا يحتاج إلى ما كان يحتاج إلى مثله محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: إن عيسى عليه السلام قد كان في حياطة وحرز من ربّه تعالى (4) أن يعدوَ عليه ظالم وأن يُنال بسوء كما قال تعالى: {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
…
} الآية [المائدة: من الآية 110] وأيّده بروح القدس فكان يمسي ويُصبح آمناً ساكن القلب ثابت الجأش لما كان الله يتولّاه ، قيل: قد كان لمحمد صلى الله عليه وسلم أبلغ من ذلك ، فإن العجم والعرب انتصبت لمعاداته والجن والإنس استعدّوا لمناصبته فأيده الله بروح منه ونصره عليهم وأنزل عليه:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: من الآية 67] وأنزل عليه المعوّذات والقرآن الذي كان يقرأه فيجعل الله بينه وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً ، وقصدوه بالأذى (5) عوداً على بدْءٍ ويردّ الله كيدهم في نحورهم ويحفظه من شرورهم كما أشرنا إليه من قصة أبي جهل وما أراده سُراقة في سفر
الهجرة وأشباه ذلك كثير (6) ، والشياطين تدلّت عليه من رؤوس الجبال بالشعل من النار
(1) أخرج مسلم (4/ 1806) ، في كتاب الفضائل ، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال لا وكثرة عطائه ، ح 2312 ، من طريق من أنس رضي الله عنه ، قال:"ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه ، قال: فجاءه رجلٌ فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه ، فقال: يا قوم أسلموا ، فإن محمداً يعطي عطاءً من لا يخشى الفاقة".
(2)
أخرجه الترمذي (3/ 511) ، في أبواب البيوع ، باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل ، ح 1215 ، من طريق أنس رضي الله عنه ، بلفظ:" ولقد سمعته ذات يوم ، يقول: «ما أمسى في آل محمد صلى الله عليه وسلم صاع تمر ، ولا صاع حبٍّ» ، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
(3)
في ب "أن" ، وهو خطأ.
(4)
في ب تكرار "تعالى" ، وهو خطأ ظاهر.
(5)
في ب "في الأذى".
(6)
في ب "كثيرة" بزيادة التاء المربوطة ، وهو خطأ.
فعلّمه جبرئيل ما يتعوّذ منهم ففعل فكفِيَ شرهم وطَفِئت نيرانهم (1) ، واعترض عليه شيطان في المحراب وهو يصلي فأمكنه الله تعالى منه فخنقه وأراد أن [ق 34/ظ] يربطه بسارية من سواري المسجد فذكر دعوة سليمان فأطلقه ولولا ذلك لأصبح مُوثَقاّ يلعب به الغلمان (2) ، وهذا باب واسع لا يمكن استيفاء ما ورد فيه لكثرته على أن أعداء نبيّنا صلى الله عليه وسلم كانوا أشدّ شكيمة (3) وأعظم عداوة ، وأكبر حقْداً ، وأكثر عَدداً وعُدَداً ، أهل جاهليّة
(1) أخرج أحمد في مسنده (24/ 200) ح 15460 ، من طريق جعفر الضبعي عن أبي التياح ، قال:"قال: قلت لعبد الرحمن بن خنبش التميمي ، وكان كبيراً ، أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ، قال: قلت كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين ، فقال: إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشعاب، وفيهم شيطان بيده شعلة نار، يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهبط إليه جبريل ، فقال: يا محمد قل ، قال: «وما أقول؟ » قال: «قل: أعوذ بكلمات الله التامات، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن». قال: فطفئت نار الشيطان، وهزمهم الله تبارك وتعالى" ، وأخرجه بنحوه البيهقي في الدلائل (8/ 153) ح 3019، وأبو نعيم في الدلائل (1/ 191) ح 137 ، قال الألباني:"إسناده صحيح". انظر: السلسلة الصحيحة (2/ 495) ح 840.
(2)
أخرج البخاري (1/ 99) ، في كتاب الصلاة ، باب الأسير -أو الغريم- يربط في المسجد ، ح 461 ، ومسلم (1/ 384) ، في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه والعمل القليل في الصلاة ، ح 541 ، من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عفريتاً من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع الصلاة ، وإن الله أمكنني منه فذعته ، فقلد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد ، حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون -أو كلكم- ثم ذكرت قول أخي سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: من الآية 35] فرده الله خاسئًا» واللفظ لمسلم؛ وأخرج مسلم (1/ 385) ، في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة والتعوذ منه والعمل القليل في الصلاة ، ح 542 ، من طريق أبي الدراداء رضي الله عنه ، قال: " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: «أعوذ بالله منك» ثم قال: «ألعنك بلعنة الله» -ثلاثاً- ، وبسط يده كأنه يتناول شيئًا ، فلما فرغ من الصلاة ، قلنا: يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك ، قال:«إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر ثلاث مرات ، ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة»
(3)
يقال: فلان شديد الشكيمة: أي شديد النفس ، والشكيمة فى الأصل: حديدة اللجام المعترضة فى الفم التى عليها الفأس وهى التى تمنع الفرس من جماحه فشبه بها أنفة الرجل وتصلّبه في الأمور وما يمنعه من الهوادة وترك الجد والإنكماش فقالوا: فلان شديد الشكيمة لأنه إذا اشتدت تلك الحديدة كانت عن الجماح أمنع. انظر: تاج العروس (32/ 470) ، الفائق في غريب الحديث (2/ 114) ، لمحمود الزمخشري ، تحقيق: علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الثانية ، دار المعرفة ، لبنان.
جهلاء حتّى رمته العرب عن قوسٍ واحدة ، حتى أهْلُه وبنو عمّه وعشيرته ، وهو مع ذلك من قوّة القلب وثبوت الجأش بالمنزلة التي لا يَجهلها من وقف على سيرته ، وتدبّر أحواله مع قومه ، بما ألقى الله في قلوب أعدائه من الرهبة والجَزَع أن يهجموا عليه ، ولقد (1) تَمالَأ عليه القبائل ليقتلوه كما قال (الله) (2) تعالى مخبراً عنهم:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} [الأنفال: 30] فقد كان الله سبحانه يحفظه ويصونه ويصرف عنه من أراده بالسّوء من كفّار قريش حتى صرف عنه شتمهم وسبّهم (كما أخبر صلى الله عليه وسلم في قوله: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش وسبهم)(3) ولعنهم فإنهم يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمّد» (4)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر ، فتعاقدوا باللات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى وإسافَ ونائلة: لو رأينا محمّداً قمنا إليه قيام رجل واحد ، فلم نفارقه حتى نقتله ، فدخلت فاطمة عليها السلام (5) على (6) أبيها صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقالت له: إن الملأ من قومك اجتمعوا في الحجْر فتعاقدوا [على](7) أن لو رأوك قاموا إليك فقتلوك ، وقد عرف كل رجل منهم نصيبه من دمك ، فقال:«يا بُنَيَّة أدْنِي وَضُوءاً» فتوضّأ ثم دخل عليهم المسجد فلمّا رأوه قالوا هاهو هذا
، فَعَقِروا في مجالسهم ، وخفضوا رؤسهم ، ولم يقم إليه منهم رجل واحد ، فأقبل رسول
(1) في ب "وقد".
(2)
لفظ "الله" ليس في ب.
(3)
مابين القوسين من قوله: "كما أخبر صلى الله عليه وسلم " إلى قوله "شتم قريش وسبهم" ليس في ب.
(4)
أخرجه البخاري (4/ 185) ، بنحوه في كتاب المناقب ، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ح 3533.
(5)
قال ابن كثير في استعمال السلام على غير الأنبياء: "وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب، أن يفرد علي رضي الله عنه، بأن يقال: "عليه السلام"، من دون سائر الصحابة، أو "كرم الله وجهه" ، وهذا وإن كان معناه صحيحاً، لكن ينبغي أن يُساوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان بن عفان أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين". تفسير ابن كثير (6/ 479).
(6)
في ب "وعلى" بزيادة واو.
(7)
"على" زيادة من ب.
الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤسهم فأخذ قبضة من التراب فحصَبَهُ عليهم وقال: «شاهت الوجوه» فما أصابت رجلاً منهم حصاة إلا قتله الله يوم بدر كافراً (1)؛ وعن أنس رضي الله عنه[ق 35/و] قال: "إن إبليس ما بين قدميه إلى كعبيه كذا وكذا وأنّ عرشه لعلى البحر ولو ظهر للناس لعُبد ، قال: فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم أتاه وهو بجَمْعٍ يكيده فانقَضَّ عليه جبرئيل عليه السلام فدفعه بمنكبه فألقاه بوادِي الأُرْدُنّ"(2)؛ وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: من الآية 1] جاءت امرأة أبي لهب إلى أبي بكر رضي الله عنه ، وأبو بكر جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله إنها امرأة بذيئة فلو قمت فإني أخاف عليك أن تؤذيك ، فقال:«إنها لن تراني» ، فجاءت فقالت: يا أبا بكر هجاني صاحبك ، فقال لها أبو بكر: لا وما يقول الشعر ، قالت: إنك عندي لمصدَّق (3) وانصرفت ، فقال أبو بكر: يارسول الله وما رأتك ، قال:«إنه نزل ملك فسترني منها بجناحه» (4)؛ وروى أبو مصعب المكي قال: أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يحدثون: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمر الله سبحانه شجرةً ليلة الغار فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمَر العنكبوت فنسجت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترتْه ، وأمر الله حمامتين وحشيّتين فوقعتا بفم الغار ، وأقبل فتيان من قريش من كل بطن رجل بِعِصِيّهم وهراواتهم وسيوفهم حتى كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعاً فجعل كذا بعضهم ينظر في الغار فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا له: مالك
لم (5) تنظر في الغار ، فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد ، فسمع
(1) أخرجه أحمد بنحوه في مسنده (5/ 442) ح 3485 ، قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "إسناده قوي على شطر مسلم".
(2)
أخرجه أبو نعيم في الدلائل (1/ 228) ح 181 ، ونقله عنه السيوطي في الخصائص الكبرى ص 184.
(3)
في ب "مصدق" بدون لام التوكيد.
(4)
أخرجه بنحوه ابن حبان في صحيحه (14/ 440) ، في باب المعجزات ، ذكر ما ستر الله جلا وعلا صفيه صلى الله عليه وسلم ، ح 6511؛ وأبو يعلى في مسنده (1/ 33) ح 25؛ والبزار في مسنده (1/ 212 - 213)، قال الألباني:"حسن لغيره". صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 307) ، ، لمحمد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الأولى 1422 ، دار الصميعي ، الرياض.
(5)
في ب "لا".
النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، فعرف أن الله قد [تعالى] (1) قد درأ (2) عنه بهما فدعا لهنّ وسَمَّتَ (3) عليهن وفرض جزاءهن وأُقرِرن في الحرم (4)؛ ولما ظهر الخوف من أبي بكر رضي الله عنه على (5) النبي صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» (6) ولمّا لحقهم سراقة بن مالك قال أبو بكر: يا رسول الله أُدركنا ، قال له النبي (7) صلى الله عليه وسلم:«لاتحزن إنّ الله معنا» (8)؛ ولما قدم المدينة قالت له اليهودُ: يا محمد إنّا ذَوُو عدّة وبأس شديد فاحذر أن نقتلك ، فكان جماعة من المهاجرين والأنصار يحرسونه مُسْتلْئمين في السلاح يخافون عليه [ق 35/ظ] اليهودَ حتى أنزل (9) الله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: من الآية 67] يعني من اليهود ، أي: أنا أمنعك منهم ، فرَدّ الحرسَ إلى منازلهم وكان يبرز وحده في سواد الليل وبالأسحار إلى البقيع والأودية (10) ممنوعاً منهم لا يَصِلون إليه بسوء ، وكانت هذه العصمة زيادة في عزيمته وتقوية لقلوب أصحابه وتخفيفاً عنهم وتطيباً لقلوبهم وتبييناً لصدق خبره لأنه أخبر بالعصمة في المستقبل من أيامه
والمستأنف من زمانه وذلك غيب لا يعلمه إلا الله ولا يخبر به عنه محتجّاً به مستميتاً إليه إلا رسول مبين يعلم أنه على بينة من ربه وبصيرة من أمره.
(1)"تعالى" زيادة من ب.
(2)
في ب "دفع".
(3)
التسميت: الدعاء. النهاية (2/ 988).
(4)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 443) ح 17837 ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 231) ح 5419:"رواه الطبراني في الكبير ، ومصعب المكي والذي روى عنه لم أجد من ترجمهما ، وبقية رجاله ثقات".
(5)
في ب "عن".
(6)
أخرجه البخاري (5/ 4) ، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب مناقب المهاجرين وفضلهم ، ح 3653 ، وأخرجه مسلم (4/ 1854) ، بتقديم وتأخير في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم ، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ح 2381.
(7)
في ب "رسول الله".
(8)
أخرجه البخاري (4/ 201) ، كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام ، ح 3615 ، ومسلم (4/ 2309) ، كتاب الزهد والرقائق ، باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء ، ح 2009.
(9)
في ب "فأنزل".
(10)
في ب "الأروية".
فإن قيل: إن عيسى عليه السلام رفع إلى السماء كما قال تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: من الآية 55]، قلنا: قد أعطى محمداً صلى الله عليه وسلم ذلك على أكمل الوجوه فإن الله رفع محمداً صلى الله عليه وسلم إلى فوق سبع سموات ، وإلى سدرة المنتهى ، وخرق من الحجب ما شاء الله ، ورأى من آيات (1) ربه الكبرى ولم يُتوفه ، وسأله عما يختصم فيه الملأ الأعلى فأخبره وعلّمه مالم يعلّمه غيرَه وعاد ببشرى من الله تعالى وقد أعطاه مالم يعط أحداً من النبيين الأولين والآخرين مع أن بعض أصحابه قد رفع إلى السماء فإن جعفر بن أبي طالب لما قاتل يوم مُؤتَة وقُطِعت يداه وقُتل جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة (2) ، وعن عامر بن الطُّفَيل (3) أنه رأى عامر بن فُهيرة (4) يوم بئر مَعُونة (5) حين قتل
رفع إلى السماء حتى إني لأنظر السماء بينه وبين الأرض (6) ، ومما يدخل في هذا الباب
(1) في ب "الآيات" ، وهو خطأ.
(2)
أخرج الطبراني في المعجم الكبير (2/ 107) ح 1468 ، (11/ 396) ح 12141 ، من طريق ابن عباس رضي الله عنهما قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا يطير في الجنة ذا جناحين يطير بهما حيث يشاء مقصوصة قوادمه بالدماء» ، قال الهيمثي في مجمع الزوائد (9/ 273) ح 15496: "رواه الطبراني بإسنادين وأحدهما حسن ، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 134) ح 1362:"صحيح لغيره".
(3)
قال ابن حجر: "عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري ، الفارس المشهور ، ذكره جعفر المستغفري في الصحابة وهو غلط ، وموت عامر المذكور على الكفر اشهر عند أهل السير أن يتردد فيه". الإصابة (5/ 172).
(4)
هو عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق ، أبو عمرو ، كان مولداً من مولدي الأزد ، أسود اللون مملوكاً للطفيل بن عبد الله بن سخبرة ، فأسلم وهو مملوك فاشتراه أبو بكر من الطفيل فأعتقه ، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها إلى إلى الإسلام ، وكان حسن الإسلام وكان يرعى الغنم في ثور ثم يروح بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار ، وكان رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في هجرتهما إلى المدينة وشهد بدراً وأحداً ثم قتل يوم بئر معونة سنة أربعة ، وهو ابن أربعين سنة قتله عامر بن الطفيل. انظر: الاستيعاب (1/ 240).
(5)
بئر مَعُونة -بفتح الميم وضم العين-: في أرض بني سليم فيما بين مكة والمدينة. النهاية (4/ 751).
(6)
أخرجه البخاري (5/ 106) ، كتاب المغازي ، باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه ، ح 4093 ، من طريق هشام بن عروة عن عروة بن الزبير.
حديث حنظلة بن (أبي)(1) عامر الرّاهب (2) فإنه يوم تزوج بِجَميلَة بنت عبدالله بن أبيّ ابن سلول دخل بها بعد أن صلى الصبح وذلك يوم أُحُد ، ثم خرج يريد النبي صلى الله عليه وسلم بأُحُد ، فأرسلت إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها ، فقيل لها في ذلك ، فقالت: رأيت كأنّ السماء فُرجت له فدخل فيها ثم أطبقت فقلت: هذه [ق 36/و] الشهادة وعلقت بعبدالله بن حنظلة ، فلمّا قتل حنظلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض (بماء) (3) المزن في صحاف الفضّة» ، قال أبو أسيد الساعديّ (4): فذهبنا فنظرنا فإذا رأسه يقطر ماء (5)
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى امرأته يسألها فأخبرته (6) أنه خرج وهو جنب (7) فولده يقال لهم بنو غسيل الملائكة (8)؛ وقد طهّر الله تعالى محمّداً صلى الله عليه وسلم من كل
(1)"أبي" ليس في ب.
(2)
هو حنظلة الغسيل وهو حنظلة بن أبي عامر الراهب والأنصاري الأوسي من بن عمرو بن عوف ، وأبوه أبو عامر كان يعرف بالراهب في الجاهلية ، وكانت وفاة أبي عامر الراهب عند هرقل في سنة تسع وقيل في سنة عشرة من الهجرة ، وأما حنظلة ابنة فهو المعروف بغسيل الملائكة قتل يوم أحد شهيداً قتله أبو سفيان بن حرب. الاستيعاب (1/ 112).
(3)
"بماء" ليس في ب.
(4)
هو مالك بن ربيعة ، وقيل: هلال بن ربيعة ، والأكثر يقولون: مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج ، أبو أسيد الأنصاري الساعدي الخزرجي ، وهو مشهور بكنيته ، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اختلف في وفاته اختلافاً متبايناً فقيل: توفي سنة ثلاثين وهذا وهم ، وقيل: بل توفي سنة ستين قاله المدايني ، وقيل توفي سنة خمس وستين ، ومات بالمدينة وهو آخر من مات من البدريين. انظر: الاستيعاب (1/ 420) ، (2/ 7).
(5)
في ب "الماء".
(6)
في ب "فأخبرت" بدون الضمير.
(7)
ذكره الواقدي في المغازي (1/ 273)، تحقيق: مارسدن جونس ، الطبعة الثالثة 1409 ، دار الأعلمي ، بيروت ، ونقله عنه أبو نعيم في الدلائل (2/ 485 - 486) ح 419 ، وذكره ابن سعد في الطبقات الكبير (4/ 291)، تحقيق: علي محمد عمر ، الطبعة الأولى 2001 ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ونقله عنه السيوطي في الخصائص الكبرى ص 365 ، وفي الجامع الصغير مختصراً (1/ 226)، قال الألباني:"ضعيف". الجامع الصغير وزايادته ص 490 ح 4897.
(8)
أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 324) ، من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال:"" افتخر الحيان من الأوس والخزرج ، فقال الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة ابن الراهب
…
" ، وقال: " هذا حديث حسن صحيح".
شين ، وخصّه وجمّله بكل زين ، وقد جعل الذين اتبعوه فوق جميع الخلق منزلةً وقدراً إلى يوم القيامة كما أشرنا إليه من حديثه صلى الله عليه وسلم (أنه قال) (1): «لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق إلى يوم القيامة
…
» الحديث (2).
فإن قيل: عيسى عليه السلام دعا فنزلت المائدة وعليها أنواع من الطعام ، قيل: دعاء محمد صلى الله عليه وسلم (كان)(3) أعظم نفعاً وأكثر بركة وأحسن عاقبة ، فإن المائدة كان فيها طعام مخصوص لقوم مخصوصين لم يكن عامّاً لجميع المخلوقين مع أن عاقبة نزول المائدة كان شراً على من طلبها من عيسى عليه السلام ، فإنهم عُوقبوا إذ لم يشكروا ومُسِخوا خنازير إذ عَصَوا وادخروا ، فكانت المائدة عقوبة لهم إذ عذّبهم الله تعالى عذاباً لم يعذب به من كان قبلهم ، ثم ارتفعت هذا إن صحّ أنّها نزلت (4)، فأما محمد صلى الله عليه وسلم فإن أمّته لما شكَوا إليه الجدب واستئخار المطر عن إبّانِ زمانه فقالوا له: ادع اللهَ يُغيثنا وكان يخطب على المنبر يوم الجمعة فرفع يديه ودعا فما نزل حتى جاء المطر وجاش كل ميزاب فلم يزالوا يُمطَرُون إلى الجمعة الأخرى ، فقالوا: يا رسول الله تهدمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله (تعالى)(5) يحبسها عنا فدعا فأقلعت وانجابت عن (6) المدينة انجياب
الثوب وسالَ وادي قناةَ (7) شهراً ولم يجئ أحد من ناحيةٍ إلا أخبر بالجَوْد (8) ، فدعوة
(1)"أنه قال" ليس في ب.
(2)
تقدم تخريجه ، انظر:360.
(3)
"كان" ليس في ب.
(4)
اختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟ قال مجاهد: ما نزلت وإنما هو ضرب مثل ضربه الله تعالى لخلقه فنهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه؛ وقال الحسن: وعدهم بالإجابة فلما قال لهم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ} [المائدة: من الآية 115] استعفوا منها، واستغفروا الله وقالوا: لا نريد هذا؛ والذي عليه الجمهور وهو الحق نزولها لقوله تعالى: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} [المائدة: من الآية 115]. انظر: الجامع لأحكام القرآن (6/ 369) ، الكشف والبيان للثعلبي (4/ 127).
(5)
"تعالى" ليس في ب.
(6)
في ب "على" ، وهو خطأ.
(7)
وادي قناة: هو الوادي الذي يمر بين المدينة وأُحُد أعلاه الخَنَق ، والخنق يأخذ سيل الشُّعبة ، وسيل الشعبة: هو وادٍ يأتي من شرف نجد من جهات ضريّة ، ويأخذ كل مياه أبلى الشمالية ، ومياه حرة النقيع الشرقية ويجتمع مع أودية نخل ونجار والنُّخَيل ، والشعبة وأخرى عديدة ثم يدفع في الخَنَق ، ومنه إلى سد العاقول ، ومن العاقول في قناة ثم في الغابة من إضم مجتمعاً مع العقيق وبطحان ، وهي أودية المدينة الثلاثة؛ وذكر محمد بن الحسن المخزومي في أخبار المدينة بإسناد له أن أول من سماه وادي قناة تبع اليماني لما قدم يثرب قبل الإسلام. انظر: فتح الباري (2/ 506) ، معجم معالم الحجاز (7/ 1405) ، د. عاتق البلادي ، الطبعة الثانية 1431 ، دار مكة ، مكة.
(8)
أخرج البخاري (2/ 32) ، في أبواب الاستسقاء ، باب من تمطر حتى يتحادر على لحيته ، ح 1033 ، ومسلم (2/ 614) ، في كتاب صلاة الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء ، ح 897 ، من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال:"أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي ، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المال ، وجاع العيال ، فادع الله لنا أن يسقينا ، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة ، قال: فثار سحاب أمثال الجبال ، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته ، قال: فمطرنا يومنا ذلك ، وفي الغد ، ومن بعد الغد ، والذي يليه إلى الجمعة الأخرى ، فقام ذلك الأعرابي -أو رجل غيره- ، فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال ، فادع الله لنا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» ، قال: فما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت ، حتى صارت المدينة في مثل الجوبة ، حتى سال الوادي وادي قناة شهراً ، فلم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود" ، واللفظ للبخاري.
محمد صلى الله عليه وسلم كانت نعمة ورحمة وبركة فإن المطر (1) خير الأرزاق لجميع المخلوقات بل هو أصل الأرزاق كلها وأساس النعم جميعها وقد أنزل الله تعالى [ق 36/ظ] على جماعة من أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم من السّماء طعاماً وشراباً عند حاجتهم إليه ، وبُورِك لآخرين في قليل الطعام والشراب حتى سَدّ مسدّ الكثير وهذا أمر معلوم معهود في أمّته ، وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما فرغت مما أمرني الله تعالى به من أمر السموات والأرض يعني ليلة المعراج قلت: يا ربّ إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد كرّمته ، (جعلت إبراهيم) (2) خليلاً ، وموسى كليماً ، وسخرت لداود الجبال يسبحن والطير ، ولسليمان الريح والشياطين ، وأحييت لعيسى الموتى ، فما جعلت لي ، قال: أوليس قد أعطيتك (3) أفضل من ذلك كله أن لا أُذكَر إلا ذُكِرتَ معي وجَعلت صدور أمّتك أناجيل يقرؤن القرآنَ ظاهراً ولم أُعطها أمّةً ، وأنزلت عليك كلمة من كنوز عرشي لا حول ولا قوة إلا بالله» (4) وقد أشرنا إلى هذا وسيأتي حديث الإسراء فيما بعد إن شاء الله تعالى ، فقد
(1) في ب "الرحمة".
(2)
"جعلت إبراهيم" ليس في ب.
(3)
في ب "أعطيتكه".
(4)
نقله ابن كثير في تفسيره (8/ 430) والسيوطي في الدر المنثور (15/ 499) عن أبي نعيم في دلائل النبوة ، وسقط من نسختي المطبوعة عن كتاب الدلائل ، وقال ابن كثير في البداية والنهاية في إسناده (6/ 315): "وهذا إسناد فيه غرابة ، ولكن أورد له شاهداً
…
".