الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه لم يذكر السماء لأن الكفار كانوا ينكرون الجميع فأخبرهم بما يمكنه إقامة الدلالة والبرهان في الحال على صدقه وصحة رؤيته ، وقد أخبر الله بأمر السماء في آية النجم وأقسم على صدقه بأنه {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 2 - 3]؛ وجواب آخر [ق 77/و]: وهو أن الأمور يتوصل إلى علمها بالأسهل فالأسهل شيئاً فشيئاً ، فلما كان الإسراء إلى بيت المقدس أسهل من الإسراء إلى السماء أخبرهم به ، فلما استقر عندهم أخبرهم بالمعراج فكان أسهل للقبول (1) والتصديق ، والله أعلم.
فصل
وفي حديث الإسراء والمعراج فوائد جليلة
، وإشارات نبيلة ، منها: أن الله تعالى سيّره في الأرض ليستأنس ثم دَرّجَهُ إلى الصعود إلى السماء فهو نظير قوله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى} [طه: 17] فلما أنِسَ بالخطاب حمّله الرسالة ، ومنها: أن الأنبياء جُمِعُوا له هنالك فصلى (2) بهم فبان فضله بالتقدم عليهم في دار التكليف وكان ائتمامهم به مشيراً إلى نسخ شرائعهم بشريعته ، ولهذا إذا نزل عيسى عليه السلام صلى خلف المهدي من أمة محمد ، وقال: إمامكم منكم (3)، ومنها: أنه مرّ بالنواحي التي كلم الله عز وجل عندها موسى ثم صعد فكُلّم في السماء ليظهر التفاوت بينهما في الفضل؛ ومنها: أن ترتيب الأنبياء في السموات مناسب لأحوالهم فآدم في السماء الدنيا لأنه يُعرض عليه المؤمنون والكفار من ذريته أعني الأرواح ولا يمكن صعود أرواح الكفار إلى السماء قال الله تعالى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: من الآية 40] ، وعيسى عليه السلام في السماء الثانية لأنه لم يكن مستقراً بل جلوسُه هناك ينتظر النزول فكان أقربَ إلى الأرض ، وإبراهيم فهو مناسب لحاله لأنه في السماء السابعة وهو أعظم الأنبياء وأفضلهم بعد
(1) في ب "بالقبول".
(2)
في ب "فصل".
(3)
أخرج البخاري (4/ 168) ، في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ، ح 3449 ، ومسلم (1/ 136) ، في كتاب الإيمان ، باب نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ح 155 ، من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم» .
محمّد ، وموسى في السماء السادسة لأنه أفضلهم بعد إبراهيم ، و (في)(1) روايَة أنه كان في السماء السابعة وهي غلط (والله أعلم)(2)، وكذلك قوله عن إدريس أنه قال:«مرحباً بالأخ الصالح» (3) قد يكون غلطاً من الراوي لأنه أب بلا شك لأن النبي صلى الله عليه وسلم من ذرّية نوح ونوح من ذرية إدريس قاله شيخ الإسلام ابن تيمية قال: ولا يتنبّه لمثل هذا إلا النحرير؛ قلت: وقد وقع لي في هذا محمل لا بأسَ به يُقرُّ (4) الروايةَ الصحيحة على ماهي علَيه ويبين عذر إدريس إذ لم يقل: والابن الصالح ، وذلك أن ما ظهر من عظم شأن محمد [ق 77/ظ]صلى الله عليه وسلم في هذا المقام أجل من منزلة الأبوة فكيف بمنزلة البنوة فلم يتهجّم لما رأى من علوّ الرتبة أن يجعل نفسه أباً له فيكون أرفع
منه ولا سيما (و)(5) لم يَذكرُ له جبريل ما ذكر لآدم ولإبراهيم (6) من قوله: «هذا أبوك آدم فسلم عليه» (7) ، «هذا أبوك إبراهيم فسلّم عليه» (8)، فإنه لما أنَّسَ آدم بأن قال لمحمد:«هذا أبوك آدم فسلم عليه» حَسُن أن يقول له آدم: «مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح» وكذلك لما قال له: «هذا أبوك إبراهيم فسلّم عليه» حَسُن أن يقول له إبراهيم: «مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح» فأما إدريس فقال له عنه: «هذا إدريس فسلم عليه» ولم يقل له: هذا أبوك إدريس ، فلم يحسن التهجم عليه بمزيّة الأبوة مع ما هنالك من علوِّ الدَّرجة وعظيم المنزلة وما أكرم به من القرب ، فلم يجد إدريس ما يُمِتُّ به مِمّا لا عَتبَ فيه إلا الأخوّة في النبوة التي رُفع بها مكاناً علياً فقال ما يناسِبُ حالَه:«مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح» ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء إخوة أولاد علّاتٍ دينهم واحد وأمهاتهم
(1)"في" ليس في ب.
(2)
"والله أعلم" ليس في ب.
(3)
أخرجه البخاري (5/ 52) ، كتاب مناقب الأنصار ، باب المعراج ، ح 3887.
(4)
في ب "بقرار".
(5)
"و" ليس في ب.
(6)
في ب "إبراهيم".
(7)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 534.
(8)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 536.
شتى» (1) على أن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ [وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] (2)} [آل عمران: 33 - 34](فبعض الأنبياء من نسل بعض)(3) وقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم إخوةً ، فيكون قول إدريس «الأخ الصالح» من هذا القبيل ، ولا يَضُرّ قول إدريس بالأخ الصالح ، فالأخوّة في الدين والنبوة صادقة عليهما ، كما أن النبوة والأخوّة صادقة عليه وعلى إبراهيم عليهما [الصلاة و](4) السلام ، وكما لم يَضُرّ سارة عليها (5) السلام حين أوصاها إبراهيم عليه السلام أن تقول للجبّار الذي دَعاها أن تقول (6):«إنه أخي» (7)، وهي زوجته فالأخوّة صادقة عليهما بالإيمان كما قال إبراهيم: فإني لا أعلم على وجه الأرض مؤمناً غيري وغيرك ، لكن قصّة سارة كانت من باب المعاريض وقصّة إدريس من باب الأدب والله أعلم ، إذ كان ذلك المقام لا يقتضي غيره لما رأى من عظم العناية (8) الإلهيّة والوِلاية الربانية وهذا تأويل لا بأسَ به إن شاء الله تعالى ، وإن جعلنا رَدّ السلام والترحيب بلفظ الأخوّة [ق 78/و] والخلافة من خزنة السموات لم يبق إشكال فإن في سياق حديث الثعلبي أن كل باب يُفتح لهم يقال له: «حياه (الله)(9) من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة
(1) أخرجه البخاري (4/ 167) ، بنحوه في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: من الآية 16] ، ح 3443 ، ومسلم (4/ 1837) ، في كتاب الفضائل ، باب فضائل عيسى عليه السلام ، ح 2365.
(2)
{
…
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} زيادة من ب.
(3)
ما بين القوسين ليس في ب.
(4)
"الصلاة و" زيادة من ب.
(5)
في ب "عليهما".
(6)
في ب تكرار الجملة السابقة "أن تقول للجبار الذي دعاها".
(7)
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 82) ح 2790 ، تحقيق: حمدي السلفي ، الطبعة الأولى 1416 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت.
(8)
في ب "عناية".
(9)
لفظ "الله" ليس في ب.
ونعم المجيء جاء» (1) لكن الروايات الأخرى لا تساعد على هذا المعنى وكذلك يَردُ قولُ (2) آدم وإبراهيم: «مرحباً بالابن الصالح» والله تعالى أعلم؛ وفي هذا السياق لطيفة أخرى: وهي قول خَزَنة أبواب السموات: «حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة» فإنه مشعر بالاعتذار (3) عن قولهم (4) حين قال الله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: من الآية 30] فلمّا رأوا سيّدَ الخُلفاء على تلك المنزلة وشاهَدُوا ماشاهدوا له من الكرامات قالوا: «حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاءَ» فكان ذلك تَنَصُّلاً منهم مما سَبَق من شهادتهم على ما (لم)(5) يعلموا عاقبته ، وشهادةً محققة عن
عيان وعلمٍ لِما شاهدوا (من)(6) حاله صلى الله عليه وسلم ، ومِن فَوائد حديث الإسراء: أنه كان يقظة لا مناماً كما قاله من قاله ، وأنه كان بروحه وبجسده جميعاً ، لأنه لو كان مناماً لم ينكره المشركون ولا (7) ارتدّ أحد من العرب الذين كانوا أسلموا ، فإن الإنسان يرى في منامه أشياء ويحدث بها تكون غايةً في البُعد عن شأن اليقظة فلا ينكرها عليه منكر ، ولو كان عند وصوله إلى المسجد الأقصى قد نام لأخبر بذلك كما أخبر عن ما (8) رأى من العجائب ، وقد زيّف الحفاظ وغلطوا الرواية التي وقعت عند البخاري التي ذكر في آخرها «فاستيقظ فإذا هو في مسجد الحرام» (9) وبينوا وجه الغلط وهذه (10) الرواية هي من كلام أنَسٍ نفسه لا من روايته
(1) تقدم تخريجه ، انظر: ص 541 - 559.
(2)
في ب "فعل".
(3)
في ب "عن الاعتذار".
(4)
في ب "بقولهم".
(5)
"لم" ليس في ب.
(6)
"من" ليس في ب.
(7)
في ب "ولم".
(8)
في ب "عما" بالوصل.
(9)
أخرجه البخاري (9/ 149) ، كتاب التوحيد ، باب قوله:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: من الآية 164] ، ح 7517 ، بلفظ:«واستيقظ وهو في مسجد الحرام» .
(10)
في ب "وهمذه".
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره ، والروايات التي في حديث الإسراء عن أنس نفسه عند البخاريّ وعند مسلم في بعض ألفاظها مَقالٌ قد تكلموا على الغلط فيها ، وتكلف (1) بعض الناس لأصل هذه الرواية أن الإسراء كان مراراً وذلك أيضاً غلط ، وكذا (2) من ادّعى أن المعراج كان قبل النبوة [ق 78/ظ] وإنما كان بعد الرسالة بمكة ، ومن فوائده في عرض الخمر واللّبن عليه ليلتئذ ، واختياره اللبن ، وقول جبريل له أصبت الفطرة ، فالفطرة فطرة الإسلام وهي التي فطر الله عليها الناس كما قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ (3)
…
النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: من الآية 30]، وتسمية اللبن بالفطرة لمناسَبة وقعت فيه وهي: أنه أول ما يقع في جوف المولود وأول ما يتغذى به فكان بفطوره عليه أولاً مناسباً لتسميته بفطرة الإسلام ، وأما الخمر فإنها لما كانت تفسدُ العقل
وتغيّر الفطرة تركَها لأنّها تُغوي كما قال في الحديث: «لو أخذت الخمر لغوت (4) أمتك» ، ومنها: فرض الصلاة خمسين أولاً ثم ردت إلى خمسٍ فيه حُجَّة لمن يُجوّز النسخ قبل التمكين من الفعل ، فإن الله تعالى فرضها خمسين ثم نسخها إلى خمس قبل أن يُمكنهم من العمل ، ومنها: مراجعة موسى دون إبراهيم لأنه كان له شريعة بأحكام التوراة كما قال: {وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: من الآية 65] ورأى موسى من بني إسرائيل ما أخبر به حيث خبَرهم وجَرَّبهم وعالجهم أشد المعالجة وقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام إمام الملة وموسى إمام الشريعة ، ومنها: أن في قوله عليه الصلاة والسلام: «فرجعتُ إلى ربي» ، وقول موسى:«فارجع إلى ربك» ، وقوله:«فلم أزل أتردد بين موسى وبين ربي» حجة قاطعة على إثبات علوّ الربّ سبحانه [وتعالى](5) على خلقه وأنه يصعد إليه الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وأن الملائكة تعرج إليه وتنزل
(1) في ب "وتكلم".
(2)
في ب "وكذلك".
(3)
في ب زيادة لفظ "الله" ، وهو خطأ.
(4)
في أ "غوت" بدون اللام.
(5)
"وتعالى" زيادة من ب.
من عنده ، ومنها:[أنه](1) في تردّده بين ربه وبين موسى فيقول: «فحَطّ عني عشراً
…
ثم عشراً
…
ثم عشراً» (2) وكذلك هو في الصحيحين من حديث أنس بن مالك من رواية شريك عنه ، وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه قال:«فحَطّ عني خَمساً» (3) وهو في أفراد مسلم والأوّل أصح لأنه المتفق عليه عن أنس عن مالك بن صعصعة ومن حديث أنس نفسِه أيضاً «عشراً عشراً» فرواية الحط خمساً غلط من الراوي والله أعلم ، وقد يُقالُ لفظ حديث أنسٍ لا يقتضي أن التردد كان كله بخمس خمس وإنما فيه أنه [ق 79/و] قال بعد حط الخمس أنه قال: «فلم أزل ارجع بين ربي وبين موسى (4) حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات
…
» الحديث ، وليس في هذا ما يدل على أن [هذا](5) التردد كان بخمس خمس (6) ، ولا يمنع أن التردد كان قبل الخمس بعشر عشر ثم بالخمس والله أعلم ، ومنها: الخبر عن شرح صدره في بعض أحاديث الإسراء ، وقد قيل في قوله:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشَّرح: 1] هو هذا الشرح في هذه الأحاديث وقيل: بل هو الشرح المعنوي كقوله تعالى عن موسى: {اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: من الآية 25] وكقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام: من الآية 125] وشرح صدره صلى الله عليه وسلم كان مرتين وقيل: ثلاثاً: مرّة هذه أعني المعنوي ، ومرة هو مع الغلمان كما ذكره مسلم في حديثه وبيّن فيه أنه أخرَج منه علقة فألقاها وقال:«هذا حظ الشيطان منك» (7) ، والعلقة قطعةُ دم تكون في تجويف القلب وتسمّى السُويداء ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ومن القلب تَجري الحياةُ في البدن وهي التي يقول لها (8) الأطباء: الروح والقوة والشهوة ، والحياة تنبعث من
(1)"أنه" زيادة من ب.
(2)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 538.
(3)
أخرجه مسلم (1/ 145) ، في كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، ح 162.
(4)
في ب "بين موسى وبين ربي" بتقديم وتأخير.
(5)
"هذا" زيادة من ب.
(6)
في ب "بخمس".
(7)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 533.
(8)
في ب "أنها".
القلب ، ولهذا كان القلب ملك البدن وكان إذا صلح صلح الجسد كله (وإذا فسد فسد الجسد كله)(1) ، والقلب ما دامت فيه تلك العَلقَة يدخل الشيطان فيه فهي بَيْتُه منها يتصرف بالوسوسة ، فأُخرِجت من النبي صلى الله عليه وسلم وغُسل مكانها فلم يبق للشيطان عليه سبيل أصلاً ، ولا بقي له بيت يدخل فيه ولا مسكن وكان يقول صلى الله عليه وسلم:«ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه ، قالوا: وأنتَ يا رسول الله ، قال: وأنا لكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» وليس المراد أسلمُ أنا بل أسلمَ هو من الاستسلام لا من إيمان لأنه قال: «فلا يأمرني إلا بخير» (2) لأنه (3) انقاد وانطاعَ فبقي لا يأمره إلا بما يناسبُ حاله [ق 79/ظ] من الخير صلى الله عليه وسلم ، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام:«ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام» (4) المستوى: المكان العالي ، وصريف الأقلام: صوتها على اللوح المحفوظ ، وقوله:«سِدرة المنتهى» سميت سدرة (5) المنتهى لأن (6) إليها ينتهي ما ينزل من فوقها وإليها ينتهي ما يصعد من تحتها؛ تنبيهٌ لطيف في حديث المعراج أيضاً: وهو قوله عن عيسى ويحيى «وهما ابنا خالةٍ» قال ابن السكيت (7): يقال: هما ابنا خالة ولا يقال: هما ابنا خال ، ويقال: هما ابنا عم ولا يقال: هما (8) ابنا عمّة (9)، قلت: وعليه في هذا الكلام شيء ، وقد اغترّ بأن غالب ما يقع أن ابني العمة وابني الخال غير متفق
(1) ما بين القوسين ليس في ب.
(2)
تقدم تخريجه ، انظر: ص 522.
(3)
في ب "أنه".
(4)
تقدم تخريجه ، انظر:537.
(5)
في ب "صدرة".
(6)
في ب "لأنها".
(7)
يعقوب بن إسحاق، أبو يوسف، ابن السكيت ، إمام في اللغة والادب ، ولد سنة 186 ، أصله من خوزستان (بين البصرة وفارس) تعلم ببغداد. واتصل بالمتوكل العباسي، فعهد إليه بتأديب أولاده، وجعله في عداد ندمائه، ثم قتله، لسبب مجهول، قيل: سأله عن ابنيه المعتز والمؤيد: أهما أحب إليه أم الحسن والحسين؟ فقال ابن السكيت: والله إن قنبرا خادم علي خير منك ومن ابنيك! فأمر الأتراك فداسوا بطنه، أو سلوا لسانه، وحمل إلى داره فمات ببغداد سنة 205. انظر: الأعلام للزركلي (8/ 195).
(8)
في ب "لهما".
(9)
شرح النووي على مسلم (2/ 213).
وأن ابني (1) العم وابني الخالة لازم الوقوع لكن وقوع الأوّل غير ممتنع ، بل وقوعه ممكن (واقع) (2) كثيراً وصورتُه: أن يتزوّج رجلان كل (3) منهما بأخت الآخر فيولد لكل منهما ولدٌ ، فلا ريب أن ولد كل منهما ابن عَمّةِ الآخر وابن خالة أيضاً ، (ثم)(4) هُما ابنا خال وابنا عمةٍ كما ترى.
فصل
واختلف السلف والخلف رضي الله عنهم في رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربَّه تعالى ليلة المعراج فممن أثبتها (5) ابن عباس رضي الله عنهما ، وممن نفاها (6) عائشة رضي الله عنها ، وقال قوم: رآه بقلبه ، وكل منهم احتج لما قال بحجة ، فابن عباس روى فيها حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«رأيت ربي» (7)، وعائشة قالت: ثلاثٌ م (8) تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفِرية -فذكرت منها: - من زَعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية (9)، وقال بعض (10) [من] (11) نفاةُ الرؤية: أن الله تعالى امتنّ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم
(1) في ب "ابن".
(2)
"واقع" ليس في ب.
(3)
في ب "كمل" ، وهو خطأ.
(4)
في ب "فهما".
(5)
في ب "فمن إثباتها".
(6)
في ب "فمن أنفاها".
(7)
أخرجه أحمد (4/ 351) ح 2580 ، قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "صحيح موقوفاً ، وهذا إسناده رجاله رجال الصحيح".
(8)
في ب "ممن" بالوصل.
(9)
أخرجه مسلم (1/ 159) ، كتاب الإيمان ، باب معنى قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء ، ح 177.
(10)
في ب "بعضهم".
(11)
"من" زيادة من ب.
بأن أراهُ (1) من آياته الكبرى ليلة المعراج ولا يُمتنّ بالأدنى مع وجود الأعلى فإن رؤية الله تعالى أعلى النعم وأكبر المنح وأعظم المطالب (2) كما في صحيح مسلم عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة ، نودوا: يا أهل الجنة إنّ لكم عند الله موعداً لم تروه - (قال: )(3) - فيقولون [ق 80/و] ماهو؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ويزحزحنا عن النار؟ ويدخلنا الجنّة -قال: - فيكشف الحجاب (4) فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئاً هو أحبّ إليهم مما هم فيه -
يعني: النظر إليه- ثم قرأ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: من الآية 26]» (5) وأخرج مسلم أيضاً من حديث صهيب قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: من الآية 26] قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون: ماهو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله [تعالى] (6) فما شيء أُعطُوه أحبَّ إليهم من النظر إليه وهي الزيادة» (7) ، فإذا كانت الرؤية أعظم المطالب و (8) قد أُعطِيَهَا محمَّد صلى الله عليه وسلم فكيف يمتنّ عليه برُؤية جبريل وغيره من الملائكة والجنة والنار وما في ملكوت السموات والأرض الذي جميعه في جانب (9) النظر إلى الله [تعالى](10) العظيم أدنى من الخردلة الملقاة في أرضٍ فلاة ، بل وذلك كلّه عند الكرسي كخردلة ملقاة
(1) في ب "رآه".
(2)
في ب "أكبر المطالب وأعظم المنح" بتقديم المطالب وتأخير المنح.
(3)
"قال" ليس في ب.
(4)
في ب زيادة "فيقولون" بعد "الحجاب".
(5)
أخرجه مسلم (1/ 163) ، بنحوه في كتاب الإيمان ، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم ، ح 181.
(6)
"تعالى" زيادة من ب.
(7)
أخرجه مسلم (1/ 163) ، بنحوه في كتاب الإيمان ، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم ، ح 181.
(8)
في ب "أو".
(9)
في ب "جنب".
(10)
"تعالى" زيادة من ب.