المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفيما خصه الله تعالى به في الآخرة - خصائص سيد العالمين وما له من المناقب العجائب

[السرمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌المبحث الأولالتعريف بالكتاب

- ‌المطلب الأول: اسم الكتاب:

- ‌المطلب الثاني: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف:

- ‌المطلب الثالث: موضوع الكتاب ، ومجمل مباحثه:

- ‌المطلب الرابع: أهمية الكتاب ، وقيمته العلمية:

- ‌المطلب الخامس: منهج المؤلف فيه:

- ‌المطلب السادس: مصادره في الكتاب:

- ‌المطلب السابع: تقويم الكتاب:

- ‌المبحث الثانيالتعريف بالخصائص والمناقب والمعجزات

- ‌المطلب الأول: التعريف بالخصائص:

- ‌المطلب الثاني: التعريف بالمناقب:

- ‌المطلب الثالث: التعريف بالمعجزات:

- ‌المبحث الثالثوصف النسخ الخطية

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌نماذج من النسختين الخطية

- ‌فصلاعلم أن التفضيل إنما يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لايوجد للمفضول مثلُه

- ‌فصلفأمّا فضيلة نوح عليه السلام فظاهرة

- ‌الكلام على تفضيل هذه الأشياء وأنَّ ما أوتي محمد صلى الله عليه وسلم منها مثلُها أو ما يوازيها على أتم مما أوتيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأكمل وأفضل

- ‌فصلوأما عيسى صلى الله عليه وسلم فَرُوح الله ، وكلمته

- ‌فصلقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [

- ‌فصلوأما صالح عليه السلام

- ‌فصلوأما ردّ الشمس ليوشع بن نون عليه السلام

- ‌فصلوأما داود عليه السلام

- ‌فصلوأما ما أوتي سليمان عليه الصلاة والسلام

- ‌فصلوأمّا الخصائص التي اختصّ بها محمد صلى الله عليه وسلم دون غيره

- ‌فصلومن خصائص محمد صلى الله عليه وسلم أيضاً تضاعُف الصلاة على من صلى عليه

- ‌ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنّه لما ولد فخرج من بطن أمّه [ق 62/و] وقع صلى الله عليه وسلم على الأرض ساجداً

- ‌فصلومن خصائصه صلى الله عليه وسلم التي اختصّ بها دون الأمّة أنه لم يكن يحتلم قط

- ‌فصلفي طيب ريحه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلومن خصائصه أنه لم يكن أحَدٌ يَغلِبه بالقوّة

- ‌فصلومن خصائصه صلى الله عليه وسلم في أسمائه

- ‌فصلومن خصائصه صلى الله عليه وسلم الإسراء

- ‌فصلواختص بأن جمع فيه معاني وصفات لم تجتمع في غيره

- ‌فصلوفي حديث الإسراء والمعراج فوائد جليلة

- ‌فصل جامع لمقاصد الكتاب

- ‌فصلفيما خصه الله تعالى به في الآخرة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌فصلفيما خصه الله تعالى به في الآخرة

‌فصل

فيما خصه الله تعالى به في الآخرة

من ذلك ما صح وثبت عنه أنه قال: «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» (1) وأنه قال: «أنا أول شافعٍ وأول مشفع» (2) ، وأنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة (3) ، وأنه أول من يأتي المحشر ، وأنه قال: «آدم ومن دونه تحت

= كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان نائبه على المدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز وكانت حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم شرقي المسجد وقبليه فأمره أن يشتريها من ملاكها ورثة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاشتراها وأدخلها في المسجد فزاد في قبلي المسجد وشرقيه ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد وإلا فهي قبل ذلك كانت خارجة عن المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد موته ثم إنه بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جدار عال وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف ، وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بين ولو صح ذلك لكان حجة ودليلاً على أن القوم لم يكونوا يقسمون على الله بمخلوق ولا يتوسلون في دعائهم بميت ولا يسألون الله به وإنما فتحوا على القبر لتنزل الرحمة عليه ولم يكن هناك دعاء يقسمون به عليه فأين هذا من هذا والمخلوق إنما ينفع المخلوق بدعائه أو بعمله فإن الله تعالى يحب أن نتوسل إليه بالإيمان والعمل والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم ومحبته وطاعته وموالاته فهذه الأمور التي يحب الله أن نتوسل بها إليه وإن أريد أن نتوسل إليه بما تحب ذاته وإن لم يكن هناك ما يحب الله أن نتوسل به من الإيمان والعمل الصالح فهذا باطل عقلاً وشرعاً ، أما عقلاً: فلأنه ليس في كون الشخص المعين محبوباً له ما يوجب كون حاجتي تقضي بالتوسل بذاته إذا لم يكن مني ولا منه سبب تقضي به حاجتي فإن كان منه دعاء لي أو كان مني إيمان به وطاعة له فلا ريب أن هذه وسيلة وأما نفس ذاته المحبوبة فأي وسيلة لي فيها إذا لم يحصل لي السبب الذي أمرت به فيها ولهذا لو توسل به من كفر به مع محبته له لم ينفعه والمؤمن به ينفعه الإيمان به وهو أعظم الوسائل فتبين أن الوسيلة بين العباد وبين ربهم عز وجل الإيمان بالرسل وطاعتهم ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً ، وأما الشرع فيقال العبادات كلها مبناها على الإتباع لا على الابتداع فليس لأحد أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله فليس لأحد أن يصلى إلى قبره ويقول هو أحق بالصلاة إليه من الكعبة ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال:«لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها»

" وليراجع أيضاً مطلب: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الألوهية ، فقرة: التوسل الممنوع.

(1)

تقدم تخريجه ، انظر: ص 347.

(2)

أخرجه مسلم (4/ 1782) ، بنحوه في كتاب الفضائل ، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق ، ح 2278.

(3)

أخرجه البخاري (3/ 121) ، كتاب الخصومات ، باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهود ، ح 2412.

ص: 575

لوائي يوم القيامة» (1) ، وأنه أكرم بني آدم على ربه (2) ، وأنه صاحب المقام المحمُود (3) ، وأن لواء الحمد بيده يوم القيامة يقوم على يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيره (4)، ومن ذلك: أن اسمه مكتوب على العرش مع اسمِ ربّه تبارك وتعالى لا إله إلا الله محمد رسول الله (5)[صلى الله عليه وسلم](6)، ومن ذلك: الشفاعة العامة العُظمى التي يتخلف

عنها إبراهيم الخليل وموسى الكليم فمن دونهما من الأنبياء ويُحْجِمُونَ عنها وكلٌ يقول: نفسي نفسي ، وذلك ما روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من حديث أبي هريرة قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلحم فرُفعَ إليه الذِراع وكانت تعجبه فنهسَ منها نهسة ، ثم قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرونَ لِمَ ذاك؟ يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فيسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، وتدنو الشمسُ ، فيبلغ الناسَ من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون ، فيقول بعض الناس لبعضٍ: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم عز وجل؟ فيقول بعضُ الناس لبعض: أبوكم آدم ، فيأتون آدم ، فيقولون: يا آدمُ أنت أبو البشر ، خلقك الله تعالى بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، فاشفع لنا إلى ربك عز وجل ، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته ، نفسي نفسي ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحاً عليه السلام[ق 82/ظ] فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عز وجل عبداً شكوراً ، فاشفع لنا إلى ربّك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا (7) ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح: إن

(1) تقدم تخريجه ، انظر: ص 327.

(2)

تقدم تخريجه ، انظر: ص 347.

(3)

تقدم تخريجه ، انظر: 506؛ وانظر القول في تفسيرها: ص 518.

(4)

أخرجه الترمذي (5/ 586) ح 3611 ، قال الألباني في ضعيف سنن الترمذي (1/ 482) ح 742:"ضعيف".

(5)

ذكره ابن تيمية في منهاج السنة (7/ 137)، وقال:"إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث". منهاج السنة (7/ 139).

(6)

" صلى الله عليه وسلم " زيادة من ب.

(7)

في ب "إلى" ، وهو خطأ ظاهر.

ص: 576

ربّي قد غضب اليوم غضباً [شديداً](1) لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه كانت لي دعوة على قومي ، نفسي نفسي ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى إبراهيم ، فيأتون إبراهيم عليه السلام ، فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض ، اشفع لنا إلى ربك ، أما ترى ما نحن عليه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، فذكر كذباته ، نفسي نفسي ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى موسى ، فيأتون موسى عليه السلام ، فيقولون: يا موسى أنت رسول الله تعالى ، اصطفاك الله برسالاته وبتكليمه على الناس ، اشفع لنا إلى ربك ألا (2) ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟

فيقول لهم موسى: إن رَبّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها ، نفسي نفسي ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى عيسى ، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمتُهُ ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد ، فاشفع لنا إلى ربك عز وجل ، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، ولم يذكر له ذنباً ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمّد صلى الله عليه وسلم ، فيأتوني (3)، فيقولون: يا محمّد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء ، غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فاشفع لنا إلى [ق 83/و] ربك عز وجل ، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأقوم فآتي تحت العرش ، فأقع ساجداً لربي عز وجل ، ثم يفتح الله تعالى علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبل ، فيقال: يا محمد ارفع رأسك ، سَل تعطه ، اشفع تشفع ، فأقول: أمتي أمتي يا رب ، أمتي أمتي يا رب ، أمتي أمتي يا رب ، أمتي أمتي يا رب ، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب ،

(1)"شديداً" زيادة من ب.

(2)

في ب "إلى" ، وهو خطأ ظاهر.

(3)

في ب "فيأتون" بدون الياء.

ص: 577

ثم قال: والذي نفسُ محمد بيده لما بين المصراعيْن (1) من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر (2) أو كما بين مكة وبصرى (3)» (4)، وفي رواية أخرى:«حتى يأتوني فإذا جاءوني انطلقت حتى آتي الفحْصَ فأخِرّ قدام العرش لربي ساجداً ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبلي حتى يبعث الله إليّ ملكاً فيأخذ بعضدي فيرفعني» فقال أبو هريرة: قلت يا رسول الله وما الفحص ، قال:«قدام العرش» (5)، «فيقول (لي) (6) إذا رفعني الملك: ما شأنك يا محمد وهو أعلم ، فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة فشفِّعني في خلقك فأقض بينهم ، فيقول الله تعالى: قد شفعتك ، أنا آتيكم فأقضي بينكم - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - فأرجع فأقف مع الناس» (7)، وفي رواية أخرى: «فيقول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم: عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيأتوني ولي عند الله ثلاث شفاعات وعدنيهن ، فأنطلق حتى آتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فأستفتح فيفتح لي فأُحيَّا ويُرَحّبُ بي ، فإذا دخلت ونظرت إلى ربي عز وجل على عرشه خررت له ساجداً فأسجد ما شاء الله أن أسجد ويأذن لي في محامده وتمجيده وحسن الثناء عليه ما لم يأذن به (8) لأحد من خلقه حتى يقول: ارفع رأسك (يا محمد)(9) اشفع تشفع وسل

(1) المصراعان -بكسر الميم-: جانبا الباب. شرح النووي على مسلم (3/ 69).

(2)

هجر -بفتح الهاء والجيم-: قال محمد بن محمد حسن شراب: "عند ياقوت: هجر: مدينة ، وهي قاعدة البحرين .. أقول: وليست من البحرين المعروفة الآن سياسياً ، في داخل الخليج العربي ، ولكن البحرين كانت تطلق على المنطقة الشرقية من السعودية وقاعدتها هجر: وهي الأحساء". المعالم الأثيرة ص 293.

(3)

بُصرى -فبضم الباء-: كانت كبرى مدن حوران ، وهي معروفة اليوم في أراضي الجمهورية السورية ، وبها آثار. انظر: شرح النووي على مسلم (3/ 69) ، المعالم الأثيرة ص 49.

(4)

أخرجه البخاري (6/ 84) ، كتاب تفسير القرآن ، باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3] ، ح 4712؛ ومسلم (1/ 184) ، كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ، ح 194؛ والترمذي (4/ 622) ح 2434.

(5)

قال ابن الأثير في النهاية (3/ 791): "هكذا فُسّر في الحديث ولعله من الفحص: البسط والكشف".

(6)

"لي" ليس في ب.

(7)

أخرجه الطبري في تفسيره (4/ 266 - 267).

(8)

في ب "ربي".

(9)

"يا محمد" ليس في ب.

ص: 578

تعطه - قال: - فأرفع رأسي فإذا نظرت إلى ربّي خررت (1) له ساجداً قال: فأفعل مثل ما فعلت في السجدة الأولى ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد اشفع تشفع وسل تعطه (2)[ق 83/ظ] ، فأفعل ذلك ثلاث مرات ، فيقول: ما شأنك يا محمد ، وهو أعلم ، فأقول: أي رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة ، فيقول: قد شفعتك قد أذنت لهم في دخول الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بمنازلكم وأزواجكم منكم في الجنة إذا دخلتموها ثم أشفع فأقول (3): أي رب فمن وقع في النار من أمتي ، فيقول: اذهبوا فمن عرفتم صورته فأخرجوه من النار ، فيخرج أولئك حتى لا يبقى أحد ثم يأذن في الشفاعة فلا يبقى نبي ولا شهيد ولا مؤمن

إلا اللعّان فإنه لا يكتب شهيداً ولا يؤذن له في الشفاعة» (4)، فهؤلاء أكابر الأنبياء الذين هم أولو العزم من الرسل نَكَلُوا عن الشفاعة واعتَذَروا وكل يقول: نفسي ، ومحمد صلى الله عليه وسلم انتدب لها وقام ذلك المقام وقال: أنا لها وشفع وشُفعَ.

فإن قيل: عذر من لم يقم بها منهم ما ذكر من ذنبه ومحمد عرف أن أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قلنا (5): ليس العلة في تأخّرهم ذلك وإنما هو لأن محمداً صلى الله عليه وسلم كان مختصاً بها ، ألا ترى أن عيسى عليه السلام لما نُدب إليها امتنع ولم يذكر لنفسه ذنباً ، فدل ذلك على عظم منزلة محمد صلى الله عليه وسلم واختصاصه وحده بالشفاعة ، ومن كبار خصائصه صلى الله عليه وسلم ما قاله عبدالله بن سلام قال: إذا كان يوم القيامة جاء نبيكم صلى الله عليه وسلم فيقعد بين يدي الله عز وجل على كرسيّه (6)، وعن مجاهد في قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: من الآية 79] قال: يُقعده على العرش ، قال أبو بكر

(1) في ب "فخررت" بزيادة الفاء.

(2)

في أ "تعط" بدون الهاء.

(3)

في ب "فيقول".

(4)

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (1/ 84) ح 10 ، تحقيق: د. عبدالغفور البلوشي ، الطبعة الأولى 1412 ، مكتبة الإيمان ، المدينة.

(5)

في ب "قلت".

(6)

أخرجه الخلال في السنة (1/ 211).

ص: 579

محمد بن الحسين الآجريّ (1): حديث مجاهد في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم تفسيره لهذه الآية أنه يقعده على العرش تلقاها الشيوخ من أهل العلم والنقل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلوها أحسن قبول ولم ينكروها (2) ، وصنف في ذلك الإمام أبو بكر (أحمد)(3) بن محمد بن الحجاج المروذي (4) رحمه الله كتاباً (5) سمعناه [ق 84/و] ببغداد على بعض شيوخنا ذكر فيه ما وقع إليه من الأحاديث المتضمنة لذلك ، ومنها ما رواه أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أولهم خروجاً (من الأرض) (6) إذا بعثوا وأنا قائدهم إذا وَافدوا وأنا خطيبُهم إذا أنصَتوا وأنا مُستَشفَعُهم (7) ، إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا ، الكرامَةُ والمنائحُ بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي يطوف عليّ خدّام كأنهنّ بَيْضٌ مكنون أو (8) لؤلؤٌ منثور» (9)، ومنها في حديث ابن عباس قال فيه: ثم يقال (10): «يا محمد استَبِقْ إلى الجنة بأمّتك فأستفتح الباب فيقال: من أنت ، فأقول: أنا محمد بن عبدالله ، فيقول: بك أُمِرتُ لا أفتح لأحد قبلك فإن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك» (11) وذكر أبو الربيع السِبُتِي سليمان بن سَبُعٍ (12) في كتابه

(1) هو محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري ، فقيه شافعي محدث ، نسبته إلى آجر من قرى بغداد ، ولد فيها، وحدث ببغداد، قبل سنة 330 ثم انتقل إلى مكة، وتوفي فيها سنة 360. انظر: الأعلام (6/ 97).

(2)

انظر: الشريعة للأجري (4/ 1612 - 1613).

(3)

"أحمد" ليس في ب.

(4)

تقدم ترجمته ، انظر: ص 518.

(5)

واسمه: (المقام المحمود) وقد تقدم التعليق عليه ، انظر: ص 518.

(6)

"من الأرض" ليس في ب.

(7)

في ب "مشفعهم".

(8)

في ب "و".

(9)

تقدم تخريجه ، انظر: ص 504.

(10)

في ب "يقول".

(11)

ذكره الدليمي في الفردوس بمأثور الخطاب (1/ 33)، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول ، 1406 ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

(12)

هو أبو الربيع سليمان بن سبع -بإسكان الباء وضمها- العجميسي أو العجيسي ، ويلقب بالخطيب ، ولد بسبتة ، وبها نشأ وتعلم ، ولم أقف على من ترجم له ترجمة مستوفية فذكر ولادته ووفاته وشيوخه وتلاميذه ، ويشير ابن الأبار في كتابه التكملة - وهو يتحدث عن ترجمة أبي عبد الله محمد بن حسين بن عطية، المعروف بابن الغازي- =

ص: 580

خصائص محمد صلى الله عليه وسلم (1) قال: ورد حديثُ الشفاعة من طرق كثيرة ، وفي كل طريق منها فائدة لم يتضمنها الطريق الأخرى ، وهي مشتملة على أزيد من ثلاثين فضيلة ، وذكر منها: المقام المحمود ، ولواء الحمد بيده ، تحته آدم فمن دونه ، وأنه (2) أول من يؤذن له في الكلام فيتكلم - يعني: قوله: {لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: من الآية 38] وقوله: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109]- وهو أول شفيع فيَشفَع ، وأول من تنشق عنه الأرض ، وأول من يكسى من حُلل الجنة ، وأول من يركب البراق ، وأول من يقرع باب الجنة فيفتح له ، و (3) أول من ينظر إلى رب العالمين ، واختصاصه بالسجود لرب العزة أمام العرش وبديع ما يفتح الله عليه من تحميد ربه في سجوده والثناء عليه بما لم يفتحه على أحد قبله ولا بعده ، وقد تقدم أشياء من ذلك ، ومنها قول الله سبحانه: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع مرة بعد مرة في تكرار الشفاعة ، ومنها: أن الأنبياء يؤتون

= إلى أنه روى عن جده لأمه سليمان بن سبع الخطيب، كما أخذ عن جماعة من شيوخ الأندلس والعدوة وأنه توفي في بضع وتسعين وخمسمائة.

ويمكن أن نستخلص من هذا النص ما يلي:

أن ابن سبع عمر طويلاً حتى ألحق الأحفاد بالأجداد ، فهو قد عاش النصف الأخير من المائة الخامسة للهجرة ، وأوائل السادسة ، وإذا كان حفيده وتلميذه ابن الغازي قد ولد في حدود أوائل المائة السادسة، وتوفي في بضع وتسعين منها، أو على الأصح سنة 591، فلا يجوز أن يسمع من جده ابن سبع إلا بعد أن تصل سنه 16 على الأقل ، فإذا أضفنا إلى ذلك ما يذكره ابن سبع نفسه في مقدمة كتابه (شفاء الصدور) من أنه قضى في جمعه قرابة ثلاثين سنة أو تزيد، والشأن أن لا يتصدى العلماء للتأليف، إلا بعد أن تصل أعمارهم نحو الأربعين؛ فيجوز لنا أن نزعم بأن ابن سبع، ولد في حدود 440 هـ، وتوفي في نحو 520 هـ، وقد عاش نيفاً وثمانين سنة؛ ويذكر الأنصاري في اختصار الأخبار أنه دفن في الربض الأسفل من سبتة - بصحن جامع التبانين - حيث تقام الجمعة ، وربما كان خطيباً هناك. انظر: أقدم عالم مغربي وصلنا تراثه: أبو الربيع سليمان ابن سبع السبتي -1 - ، سعيد أحمد عراب ، مجلة دعوة الحق - العدد 200 ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المملكة المغربية.

(1)

اسم كتابه (شفاء الصدور في أعلام نبوة الرسول وخصائصه). انظر: المصدر السابق.

(2)

في ب "ولأنه".

(3)

في ب "في" ، وهو خطأ.

ص: 581

فيُسألون (1) أن يشفع لهم إلى ربهم ليريحهم من غمهم وعرقهم وطول وقوفهم في المحشر فيجاب إلى ذلك ، وقد تبرَّأ منها كل نبي وأحال بها على غيره حتى تصل إليه [ق 84/ظ] فيقول:«أنا لها» (2)، ومنها: شفاعته فيمن لا حساب عليه كما في الحديث يقول له: «يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن ثم هم شركاء الناس فيما سوى ذلك» (3)، ومنها: شفاعته فيمن أدخل النار مرة بعد مرة ، ثم يشفع فيمن عرفت صورته ، ثم فيمن كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان ، ومثقال ثلثي دينار ، ومثقال نصف دينار ، ومثقال (4) ثلث دينار ، وقيراط (5) ودانق (6)

وشعيرة وحبة وخردلة وبعوضة وذرة وأدنى أدنى (أدنى)(7) حبة خردل من الإيمان إلى غير ذلك ، وكل ذلك يُجاب ويشفّع فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنة ، فجملة الشفاعة خمسة مقامات: المقام الأول: في أهل الموقف لفصل القضاء وهي الشفاعة العظمى وهي من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، والمقام الثاني: في من يدخل الجنة بغير حساب وهي من خصائصه أيضاً صلى الله عليه وسلم ، [و] (8) المقام الثالث: فيمن يخرج من النّار وابتداؤها له صلى الله عليه وسلم فإنه أول شافع وأول مشفع كما سَبَق ، المقام الرابع: فيمن يدخل الجنة واختصاصه منها أنه لا يدخل

(1) في ب "يأتونه فيسألونه" بزيادة الهاء ، وهو خطأ.

(2)

تقدم تخريجه ، انظر: ص 406.

(3)

تقدم تخريجه ، انظر: 577 - 578.

(4)

في ب "مقدار".

(5)

القيراط: جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عُشْره في أكثر البلاد ، وأهل الشام يجعلونه جُزءًا من أربعة وعشرين ، ونظراً إلى أن أكثر أهل العلم يعتبرون القيراط نصف عشر الدينار فجرى الأخذ بذلك ، وذكر الدكتور محمد الخاروف في تحقيقه لكتاب ابن رفعه أن وزن الدينار = 4،25 جراماً ، فيكون وزن القيراط = 0،2125 جرام من الذهب. انظر: النهاية (4/ 64) ، مجلة البحوث الإسلامية - العدد 59 ، ص 192 ، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ، المملكة العربية السعودية.

(6)

الدانق -بفتح النون وكسرها- معرَّب من الأوزان ، وهو سدس الدينار والدرهم ، ويكون وزنه في المقادير المعاصرة =0،708 جراماً من الذهب. انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 201) ، لسان العرب (10/ 105) ، مجلة البحوث الإسلامية -العدد 39 ، ص 280 ، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ، المملكة العربية السعودية.

(7)

"أدنى" الثالث ليس في ب.

(8)

"و" زيادة من ب.

ص: 582

الجنة أحد بالشفاعة أكثر ممن يدخلها بشفاعته ، المقام الخامس: شفاعته في قوم لرفع درجاتهم من الجنة ، ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أعظم الخلق ثواباً ، وذلك أنه أكثر الأنبياء تابعاً واهتدى به من الخلق أكثر ممن اهتدى بغيره من الأنبياء ، فإن أمته ثلثا أهل الجنة كما في الحديث أن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً منها هذه الأمة ثمانون صفاً (1)، فله أجره المختصّ به ويضاف إليه مثل أجر من تبعه كما في الحديث الصحيح: من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من تبعه (2) ، فهو أعظم الأنبياء أجراً وأكثرهم تابعاً وأوفرهم ثواباً صلى الله عليه وسلم ، وموضوع هذا الكتاب أنه لم يكن لنبي من الأنبياء معجزة أو فضيلة إلا ولمحمد [ق 85/و]صلى الله عليه وسلم من جنسها ما هو أكمل منها أو مثلها ، وأنه اختص بأشياء

لم يشركه فيها غيره كما قد ذكرناه (3) في أماكنه والله يختص بفضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

فصل

كُلُما في هذا الكتاب من حديث فيه ضعف أو وهن فالعمدة إنما (4)(هي)(5) على ما ثبت من جنسه من آيةٍ أو خبر ، وإنما ذكرناه (6) لما عساه يكون فيه من فائدة إما توضيح معنى أو زيادة بيان كما يذكره أهل الحديث من الشواهد والمُتابَعات ، أو كما يقول الفقهاء في مثله: هذا سند الدليل ، على أنّا لو أتينا بكل ما ورد في خصائصه وفضائله صلى الله عليه وسلم من ذلك لاجتمع عنه مجلدات لكن نبهنا بهذا القدر على ما وراءهُ ، والله أعلم.

(1) أخرجه أحمد (7/ 349) ح 4328 ، قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "حديث صحيح لغيره".

(2)

أخرجه مسلم (4/ 2059) ، بنحوه في كتاب العلم ، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة ، ح 1017.

(3)

في ب "ذكرنا" بدون الهاء.

(4)

في ب "لهما".

(5)

"هي" ليس في ب.

(6)

في ب "ذكرنا" بدون الهاء.

ص: 583

فصل

وقد قدّمنا فصلاً لطيفاً في ذكر الصلاة عليه وفضلها ، ونذكر هاهنا طرفاً آخر (1) نختم به الكتاب ليكون مشحوناً بذكر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، فقد روي عنه أنه قال:«لا تجعلوني كقدح الراكب - يعني: آخر الكلام - ولكن في أوله وأوسطه وآخره» (2) أو (3) كما جاء ، فمن ذلك ما رَوَى عامر بن ربيعة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي فليقلّ عبد من ذلك أو ليكثر» (4).

فأما صفة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ففيها عدة أحاديث بصفات متنوعة منها ما روى ابن أبي ليلى قال: لقيني كعبُ بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هديةً ، خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ قال:«قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على (آل) (5) إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على (آل) (6) إبراهيم إنك حميد مجيد» أخرجاه في الصحيحين على هذا اللفظ (7)، وعن كعب بن عجرة أيضاً قال: لما نزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: من الآية 56] قلنا: «يا رسول الله قد علمنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة [ق 85/ظ] عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل

(1) في ب "أطرافاً أخر".

(2)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (2/ 215) ح 3117 ، والبيهقي في الشعب (3/ 137) ح 1476 ، قال الألباني:"منكر". انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (12/ 621) ح 5783.

(3)

في ب "و".

(4)

أخرجه أحمد (24/ 451) ح 15680 ، قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "حديث حسن".

(5)

"آل" ليس في ب.

(6)

"آل" ليس في ب.

(7)

صحيح البخاري (8/ 77) ، كاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ح 6357؛ صحيح مسلم (1/ 305) ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ، ح 406.

ص: 584

إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» (1)، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من سَرّهُ أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهلَ البيت فليقل: اللهم صَل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذرّيته وأهل بيته كما صليتَ على إبراهيم إنك حميد مجيد» رواه أبو داود (2)؛ وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال: جزى الله محمداً نبينا ما هو أهله أتعبَ سبعين كاتباً ألف صباح ، وما صَلى عليّ أحد إلا صلى عليه سبعون ألف ملك ، ومن صلى عليّ في كل يوم مائة مرة قضيت له مائةُ حاجة منها ثلاثون للدنيا وسائرها للآخرة ، وما من مسلم صلى علي إلا رَدّ الله علي روحي حتى أرُد عليه السلام ، ومن صلى علي عشراً في أول النهار وعشراً في آخره نالته شفاعتي يوم القيامة» (3)، وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:«أكثر من الصلاة عليّ إذا مت» قال علي: فقلت (4) يا رسول الله وهل تبلغك الصلاة منا عليك بعد أن صرت رميماً ، قال:«إن الله حرم لحوم الأنبياء على الأرض أن تأكلها وأنا أكرم على الله أن يُسلطها علي ، وإن الله عز وجل قد وكل بقبري ملكاً اسمه صَلْ صائل وهو في صورة الديك مَثْنِيٌ عُنقُه تحت العرش ومَخَالِيبُه في تخوم الأرض السابعة له ثلاثة أجنحة جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وجناح يُرَفْرِفُ به على قبري فإذا صلى عليّ العبدُ حيث كان بلّغها إليّ» وفي لفظ آخر قال: «فإذا قال العبد: اللهم صل على محمد - إلى قوله: - حميد مجيد التَقَطَها مِن فيه كما يلتَقِطُ الطَيرُ الحَبَّ ثم يقول [ق 86/و]: يا محمد إن فلان بن فلان من موضع كذا وكذا صلى عليك ويقرئك السلام ثم يكتبها في رق من نور بالمسك الأذفر الأبيض ويضعها عند رأسي حتى أشفع له بها يوم القيامة ويرفع له

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13/ 485) ح 15611.

(2)

سنن أبي داود (1/ 258) ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ، ح 982 ، قال الألباني: ضعيف". ضعيف سنن أبي داود ص 78 ، محمد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الأولى 1419 ، مكتبة المعارف ، الرياض.

(3)

أخرج الجملة الأولى منه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 206) ح 11534 ، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (3/ 192) ح 1077:"ضعيف جداً".

(4)

في ب "فقل".

ص: 585

عشرون ألف درجة ويكتب له عشرون ألف حسنة ويمحو عنه عشرون ألف سيئة ويغرس له عشرون ألف شجرة على شاطئ الكوثر» وفي الحديث طُولٌ ذكَره أبو الربيع سليمان بن سبع السبتي في كتاب الخصائص له والله أعلم بحال هذا الحديث ، وفي كتابه هذا أحاديث فيها ما فيها ، وفضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم لا شك فيها وخصائصه لا مِرية يَعتَريها ، وعن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل أعطاني مَلَكاً يقوم على قبري إذا أنا مت فلا يصلي عليّ عبد إلا قال لي: يا محمد فلان بن فلان يصلي عليك باسمه واسم أبيه فيصلي الله عليه مكانها عشراً» (1)، وفي حديث آخر أنه قال:«إن لله تعالى ملكاً أعطاه سمع العباد فليس من عبد يصلي عليّ صلاة إلا صلّى الله عليه عشر أمثالها (2)» (3)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

الأكابر سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مراراً: «من صلّى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً ومن صلى علي عشراً صلى الله عليه مائةً [مرة] (4) ، ومن صلى علي مائة صلى الله عليه ألفاً ، ومن صلى علي ألفاً زاحمت كتفه كتفي على باب الجنة» (5)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«صلوا عليّ فإن تلك زكاة لَكُم وسَلوا لي الوسيلة» قالوا: وما الوسيلة يا رسول الله ، قال:«أعلى درجة في الجنة لا يدخلها إلا رجلٌ واحدٌ وأنا أرجو أن أكون ذلك الرجل» (6)، وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من صلى [ق 86/ظ] علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمي في ذلك الكتاب» (7) ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

(1) نقله الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 162) ح 17292 عن الطبراني ، قال الألباني:"حسن". السلسة الصحيحة (4/ 104) ح 1530.

(2)

في ب "إلا صلى الله عليه عشراً".

(3)

نقله السيوطي بنحوه عن الطبراني في المعجم الكبير ، وقال الألباني:"حسن". انظر: صحيح الجامع الصغير وزياداته (1/ 434 - 435) ح 2176.

(4)

"مرة" زيادة من ب.

(5)

ذكره السخاوي في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ص 115 ، دار الريان للتراث ، الجيزة ، وقال:"ذكره صاحب الدر لمنظم لكني لم أقف على أصله إلى الآن وأحسبه موضوعاً والله أعلم".

(6)

أخرجه البزار (16/ 218 - 219) ح 9370.

(7)

ذكره السخاوي في القول البديع ص 248 ، وقال:" رواه الطبراني في الأوسط والخطيب في شرف أصحاب الحديث وابن بشكوال وأبو الشيخ في الثواب والمستغفري في الدعوات والتيمي في الترغيب بسند ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال ابن كثير أنه لا يصح".

ص: 586

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أكثروا من الصلاة علي في الليلة الزهراء واليوم الأغر فإن صلاتكم تعرض علي فأدعو واستغفر لكم» (1) يعني: ليلة الجمعة ويوم الجمعة؛ وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصلاة عليّ نور يوم القيامة على الصراط ، فمن صلى علي يوم جمعة ثمانين مرة غُفرت ذنوبه» (2)، وروى البزار عن [رويفع] (3) بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى على محمدٍ وقال: اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي» ، وعنه أنه قال:«من الجفاء أن أُذكَر عند الرجل ولا يصلي عليّ» (4)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عنه قال: «من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن

صلى علي نائياً بُلِّغتُه» (5)، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتى يصلي على محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا صلّى على محمد صلى الله عليه وسلم انخرق الحجاب واستجيب له ، وإذا لم يُصَل على محمد صلى الله عليه وسلم رَجَع الدعاء» (6)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم صلاةً عليّ في الدنيا» (7)، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاتكم علي مُحرِزَةٌ لدعائكم ومرضاة لربكم وزكاة لأبدانكم» (8)، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من نَسِي

(1) ذكره السخاوي في القول البديع ص 164 وعزاه إلى ابن بشكوال ، وقال عن سنده:"ضعيف".

(2)

أخرجه الدليمي في الفردوس بمأثور الخطاب (2/ 408) ح 3813 ، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (8/ 274) ح 3804:"ضعيف".

(3)

في أ ، ب "ربيع بن ثابت" ، وما أثبته من مسند البزار (6/ 299).

(4)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (2/ 217) ح 3121 ، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (10/ 22) ح 4516:"ضعيف".

(5)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 140) ح 1481 ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وهذا إنما يرويه محمد بن مروان السدي عن الأعمش ، وهو كذاب بالاتفاق ، وهذا الحديث موضوع على الأعمش بإجماعهم". مجموع الفتاوى (27/ 241).

(6)

ذكره المقريزي في إمتاع الأسماع (11/ 54) ، والسخاوي في القول البديع ص 223.

(7)

ذكره ابن الجوزي في بستان الواعظين ورياض السامعين ، تحقيق: أيمن البحيري ، الطبعة الثانية 1419 ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت.

(8)

ذكره السخاوي بنحوه في القول البديع ص 133.

ص: 587

الصلاة عليّ نُسّي طريق الجنة» (1)، وقال:«إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة وما جلس قوم مجلساً لا يصلون فيه علي إلا كان عليهم ترة يوم القيامة إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم» (2)، وعنه صلى الله عليه وسلم قال:«ما جلس قوم مجلساً [ق 87/و] فتفرقوا على غير الصلاة علي إلا تفرقوا عن أنتن من جيفة حمار» (3)، وعنه أنه قال:«أكثركم صلاة علي أقربكم مني غداً» (4)، وفي حديث آخر أنه قال: «لا

يجلس قوم مجلساً لا يصلون فيه على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب» (5)، وعن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربُع الليل قال: «أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه» قال أبي: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ، قال:«ما شئت» قال: الربع ، قال:«ما شئت وإن زدتَ فهو خير» قال: النصف ، قال:«ما شئت وإن زدت فهو خير» قال: الثلثين ، قال:«ما شئت وإن زدتَ فهو خير» قال: يا رسول الله فأجعل صلاتي كلها لك ، قال:«إذاً تُكْفَى هَمك ويغفر لك ذنبك» (6)، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من صلى علي كنت شفيعه يوم القيامة» (7) ، وروي أنه إذا كان يوم

(1) أخرجه ابن الأعرابي في معجمه (1/ 200) ح 355 ، تحقيق وتخريج: عبدالمحسن الحسيني ، الطبعة الأولى 1418 ، دار ابن الجوزي ، الدمام؛ وأخرجه بنحوه ابن ماجه (1/ 294) ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ح 908 ، قال الألباني:"حسن صحيح". صحيح سنن ابن ماجه (1/ 273) ح 794.

(2)

أخرجه الترمذي بنحوه (5/ 461) ح 3380 ، وأحمد (16/ 193 - 194) ح 10277 ، قال الألباني:"صحيح". صحيح سنن الترمذي (3/ 388).

(3)

أخرجه البيهقي بنحوه في الشعب (3/ 133) ح 1469 ، وذكره السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى الطيالسي ، والبيهقي في الشعب ، والضياء -أي: ضياء الدين المقدسي في المختارة- ، من طريق جابر رضي الله عنه ، قال الألباني:"صحيح". انظر: صحيح الجامع الصغير (2/ 967) ح 5506.

(4)

أخرجه بنحوه البيهقي في الشعب (4/ 435) ح 2773 ، وابن عساكر في تاريخه (54/ 301) من طريق أنس رضي الله عنه.

(5)

أخرجه أحمد بنحوه (16/ 43) ح 9964 من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، قال محققوا المسند -شعيب الأرنؤوط ، عادل المرشد ، وآخرون ، بإشراف: د. عبدالله التركي-: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".

(6)

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 457) ح 3578 ، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، والبيهقي في الشعب (3/ 84 - 85) ح 1418 ، وأخرجه الترمذي (4/ 636) ح 2457 ، بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام

الحديث" ، وقال: "هذا حديث حسن".

(7)

أخرجه قاضي المارستان في أحاديث الشيوخ الثقات (3/ 1191) ح 589 ، تحقيق: الشريف حاتم بن عارف العوني ، الطبعة الأولى 1422 ، دار عالم الفوائد.

ص: 588

القيامة وضعت حسنات المؤمن وسيئاته فتنزل صُحفٌ من عند الله عز وجل بيضٌ على حسناته فتَرجُح حسناته على سيئاته فيقول الربّ: عز وجل هذه صلاتك على نبيّي ثقّلتُ بها ميزانك وجعلتها لك ذخيرة وقربة؛ وحكي عن الشبلي (1) أنه قال: مات رجل من جيراني فرأيته في المنام فسألته عن حاله ، فقال: يا شبلي مرّت بي أهوال عظيمة وذلك أنه ارتج عليّ عندَ السُؤال فقلت في نفسي: من أين أُتي عليَّ ، ألم أمُتْ على الإسلام ، فنوديت هذه عثرةُ إهمالِك للسائل في الدنيا ، فلما همّ بي الملكان حال

بيني وبينهما رجل جميل الشخص طيب الرائحة فذكّرني (حجتي)(2) فذكرتها فقلتُ: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا شخص خلقت من كثرة صلاتك على محمد (3) صلى الله عليه وسلم وأُمرت أن أنصُرك في كل كرب (4)؛ وروي عن سفيان الثوري قال: خرجت حاجاً إلى بيت (الله)(5) الحرام فبينا أنا أطوف إذا (6) أنا بشاب متعلق بأستار الكعبة فقال: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ، فأكثر في ذلك ، قال (سفيان) (7): فما زلت أطوف حول البيت لا أسمع منه إلا الصلاة [ق 87/ظ] على محمد صلى الله عليه وسلم حتى قضيت أسبُوعاً من الطواف فقلت: أيها الشاب اعلم رحمك الله أن هذا بيت الله وحرمه وأمنُه وقد أمر الله تعالى بمناسكه (8) وأنا اليوم لم أفْتُرْ مِنَ الطواف ولم أسمع منك غير الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم فأخبرني بقصتك فرفع الشاب بصره إليّ وقال: من أنت أيها الشيخ؟ فقلت: أنا سفيان بن سعيد الثوري ،

(1) هو دلف بن جحدر الشبلي ، ناسك ، كان في مبدأ أمره والياً في دنباوند ، وولي الحجابة للموفق العباسي، وكان أبوه حاجب الحجاب، ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، فاشتهر بالصلاح ، له شعر سلك به مسالك المتصوفة ، أصله من خراسان، ونسبته إلى قرية (شبلة) من قرى ما وراء النهر، ومولده بسر من رأى، ووفاته ببغداد ، اشتهر بكنيته، واختلف في اسمه ونسبه ، ولد سنة سنة 247 وتوفي سنة 334. انظر: الأعلام (2/ 341).

(2)

"حجتي" ليس في ب.

(3)

في ب "النبي".

(4)

ذكره السخاوي في القول البديع ص 127 وعزاه إلى ابن بشكوال.

(5)

لفظ "الله" ليس في ب.

(6)

في ب "فإذا" بزيادة الفاء.

(7)

"سفيان" ليس في ب.

(8)

في ب "لمناسكه".

ص: 589

فقال الشابُ: لولا أنك من عظماء علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما أخبرتك ، وإنها لفضيلة (1) خصّني الله بها ، أخبرك يا سفيان أني كنتُ مع أبي في حياته ، فخرجنا إلى بيت الله الحرام فبينا نحن في بعض المنازل إذ (2) مرض أبي فمات وكان ذا بَهاء ونورٍ فلم يلبث أن اسوَدَّ وجهُه وأزرَقت (3) عيناه وصار رأسه رأس حمارٍ فبقيت باهتاً حيران متعجباً أُفكر في حالِه فأقول كيف أكفنه وأدفنه في هذه الحال؟ ! إذ غلبتني عيناي فنمت فبينا أنا في نومي إذا بشاب قد دَخَل عليَّ بابَ البيت لا بالطويل ولا بالقصير كث اللحية سَبط الشعر واضح الجبين رَقيق الغرتين أبيض الثياب طيب الرائحة فجلس عند رأس أبي وكشف الغطاء عن وجهه وأمدّ يده اليُمنى على رأسه ووجهه وعينيه

، فأذهب الله السواد والزرقة وعاد كما كان ورجع إلى حاله ، ثم قام الشابُ ليخرج فضربت بيدي عليه وقلت: من أنت؟ قد مَن الله عليّ وعلى أبي بك اليوم ، فقال الشاب: أنا سيد ولد آدم ولا فخر أنا محمد بن عبدالله ، يا شاب إن أباك كان بينه وبين الله سرٌ استحق تعجيل العقوبة في دار الدنيا والعذاب في الآخرة ولكن والدك كان لا يفتر في قيامه وقعوده وطعامه وشرابه في ليله ونهاره من الصلاة عليَّ فلما نزلت ملائكة العذاب وكان من أمره ما صار تسارعت إليَّ ملائكة الرحمة الموكلون بي وقالوا: يا محمد إن فلان بن فلان قد نزلت به ملائكة العذاب فعساك أن تشفع له إلى ربّك فاستشفعت فيه فشفعني فيه ربّي بفضله وكرمه ، أفتلومني يا سفيان في إكثار الصلاة عليه وعلى أهل بيته في جميع المواطن؟ ! قال سفيان [ق 88/و]: لا والله لا ألُومُك وإنها لفضيلة خصّك الله بها وإنّي بعد هذا لفاعلٌ مثل ما فعلت؛ وحكي عن القواريري قال: كان لنا جار ورّاق فمات فرؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك قال: قد غفر لي ، فقيل: بماذا ، قال: كنت إذا كتبت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث كتبتُ: صلى الله عليه وسلم (4)، وحكي عن محمد بن أبي سليمان قال: رأيت أبي في النوم فقلت: يا أبت ما فعل الله بك ، قال: غفر لي ، فقلت:

(1) في ب "الفضيلة".

(2)

في ب "إذا" بزيادة الألف ، وهو خطأ.

(3)

في ب "وأن رقت".

(4)

ذكره ابن بشكوال في القربة إلى رب العالمين بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين ص 121 ، تحقيق: حسين محمد علي شكري ، الطبعة الأولى 2010 ، دار الكتب العلمية.

ص: 590

بماذا ، قال: بكتابتي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حديثٍ (1)؛ ويحكى عن عبدالله بن عبدالحكم قال: رأيت الشافعي رحمه الله في النوم فقلتُ له: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي وزُفَّتْ إليّ الجنة كما تُزَف العروس ، فقلت: بما بلغتُ هذه الحال؟ فقال لي قائل: بقولك بما في كتاب الرسالة من الصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فقلت: وكيف ذلك؟ قال: قال لي: وصلى الله على محمد عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عنهُ الغافلون ، فلما أصبحت نظرت إلى الرسالة فوجدت الأمر كذلك (2)، وحكى المروزي قال: كنتُ أنا وأبي نتقابل بالليل (3)

الحديث فرؤي في الموضع الذي كنا نتقابل فيه عمودَ نور بلغ عنان السماء ، فقيل: ما

هذا النور؟ فقيل: صلاتهما (4) على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تقابلا (5)، ويحكى أن خلفاً صاحب الخلقاني قال: كان لي صَديق يطلب الحديث فتوفي فرأيته في منامي عليه ثيابٌ خُضر يَرْفُل فيها ، فقلت له: أليس كنتَ يا فلان صَدِيقاً لي وطلبَت (معي)(6) الحديث؟ قال: بلى ، قلت: بم نلتَ هذا؟ قال: لم يكن يَمُرُّ بي حديثٌ فيه ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا قلت فيه: صلى الله عليه وسلم ، فكافأني ربي بهذا (7)؛ والأحاديثُ والآثار والحكايات والأشعار في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة في كتب الحديث وكتب الفضائل والسير والرقائق والزهد وغيرها ، مشحونةٌ من ذلك بما لا يكاد ينحصر ، وحقوقه صلى الله عليه وسلم[ق 88/ظ] عظيمة ، وخصائصه جسيمة ، ومعجزاته كبيرة ، وفضائله كثيرة.

(1) ذكره ابن بشكوال في القربة ص 122.

(2)

ذكره ابن بشكوال في القربة ص 129.

(3)

في ب "في الليل".

(4)

في ب "صلاتها".

(5)

ذكره ابن بشكوال في القربة ص 122.

(6)

"معي" ليس في ب.

(7)

ذكره ابن بشكوال في القربة ص 121.

ص: 591

(فصل)(1)

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم في ذكر اسمه والصلاة عليه

من ذلك أن الرِّجل إذا خَدِرت فذُكر اسمه زال خدَرها رَوى الهيثم بن حَنَشِ قال: كنا عند ابن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله ، فقال له رَجُلٌ: اذكر أحبّ الناس إليك ، فقال: يا محمد ، فكأنما نُشِطَ مِن عقال (2)، وعن مجاهد قال: خدرت رِجْلُ رَجُل عند ابن عباس ، فقال: اذكر أحب الناس إليك ، فقال: محمد صلى الله عليه وسلم ، فذهب خَدَرهُ (3) ، وذكر (4) بعض شيوخنا أن من صلى

على محمد صلى الله عليه وسلم عند أول عَضّةٍ يأكلُها من الفجل لم تخرج منه له في الجُشاء ريح كريهة وجرّبنا نحنُ ذلك مراراً فوجدناه كذلك.

(1) ما بين القوسين بياض في ب.

(2)

أخرجه ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة ص 89 ح 170 ، تحقيق: بشير محمد عيون ، الطبعة الأولى 1407 ، مكتبة المؤيد ، الطائف؛ قال الألباني:"ضعيف". انظر: الكلم الطيب ص 173 ح 236 ، لابن تيمية ، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الأولى 1422 ، مكتبة المعارف ، الرياض.

(3)

أخرجه ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة ص 88 - 89 ح 169 ، ، قال الألباني في تحقيق الكلم الطيب ص 174 ح 237:"موضوع ، أخرجه ابن السني ، فيه غياث بن إبراهيم ، قال ابن معين: كذاب خبيث ، ولذلك فإني استقبحت إيراد المؤلف إياه ، ولكنه جرى على سنن من قبله من المؤلفين في الأوراد كالإمام النووي رحمه الله تعالى ، ثم تتابع المؤلفون على ذلك كابن القيم وابن الجزري وصديق حسن خان وغيرهم ، بل لم أستحسن إيرادهم للأثر الذي قبله ، وإن كان سنده أحسن حالاً من هذا ، لأنه موقوف ، ولا هو في حكم المرفوع لما يأتي ، فلا يحتج به لو صح ، ولا سيما وبعض المبتدعة يستدلون به على جواز الاستغاثة بغير الله تبارك وتعالى! ولقد قارب الصواب الإمام الشوكاني حين قال في تحفة الذاكرين: وليس في هذا ما يفيد أن لذلك حكم الرفع ، فقد يكون مرجع مثل هذا التجريب -ثم قال: - والمحبوب الأعظم لكل مسلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فينبغي ذكره كما ورد ما يفيد ذلك في كتاب الله سبحانه مثل قوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] ، وكما في حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين» ، قلت: لا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المحبوب الأعظم لكل مسلم ، لكن هل شرع الله لنا أن نذكره أو نناديه عند الخدر حتى يكون فعل ذلك دليلاً على حبه تعالى؟ إن قيل: نعم ، فأين الدليل؟ ! وإن قيل: لا ، فما ذكره الشوكاني من الآية والحديث حجة عليه لا له ، والله المستعان".

(4)

في أ "فذكر".

ص: 592

(فصل)(1)

محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق أجراً ، وذلك أنه أكثر الأنبياء تبعاً فإن من الأنبياء من لا يتبَعه إلا الرجل و [إلا] (2) الرجلان كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«عُرِضَت علي الأمم فرأيتُ النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد ، إذ رفع لي سواد عظيم فقلت: هذه أمتي ، فقيل: هذا موسى (عليه السلام وقومُه) (3) ، ولكن انظر إلى الأفق فإذا سَواد عظيم ، ثم قيل لي: انظر إلى (هذا) (4) الجانب الآخر فإذا سواد عظيم ، فقيل: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب» ثم نهض النبي صلى الله عليه وسلم فدخل منزله فخاض القوم في ذلك فقالوا: مَن هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذابٍ ، فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم: لعلهم الذين وُلِدُوا في الإسلام ولم

يُشركوا بالله شيئاً قط ، وذكروا أشياء ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«ماهذا الذي كنتم تخوضون فيه؟ » فأخبروه ، فقال: «هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون

» الحديث (5)، وعن المختار بن فلفل عن أنس قال: قال رسول الله [ق 89/و]صلى الله عليه وسلم: «يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويجيء النبي ومعه الرجلان ، وأنا أكثر الناس تبعاً يوم القيامة» (6)، وبحَسَبِ ما يكون له من الأتباع يكون له من الأجر مضافاً إلى أجره المختص به لأنه صلى الله عليه وسلم قال:«من دَعا إلى هُدًى فله أجره وأجر من تبعه من غير أن ينقص من أجر من تبعه شيء» (7) ، وله مثل أجر الأنبياء قبله لأن الله تعالى

(1) ما بين القوسين بياض في ب.

(2)

"إلا" زيادة من ب.

(3)

ما بين القوسين ليس في ب.

(4)

"هذا" ليس في ب.

(5)

أخرجه البخاري (7/ 126) ، في كتاب الطب ، باب من اكتوى أو كوى غيره من لم يكتو ، ح 5705؛ ومسلم (1/ 199) ، في كتاب الإيمان ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب ، ح 220.

(6)

أخرج الشطر الثاني منه مسلم (1/ 188) ، في كتاب الإيمان ، باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعاً» ، ح 196.

(7)

أخرجه مسلم (4/ 2060) ، في كتاب العلم ، باب من سن حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة ، ح 2674.

ص: 593

أخذ عليهم العهد لأن بُعث وهم أحياء ليَتبِعُنَّه ، فهو أعظم الأنبياء أجراً ، وأكبرهم قدراً ، وأحسنهم في الخلائق ذكراً ، وأعلاهم في الدنيا والآخرة فخراً ، وأمته أكثر الأمم يوم القيامة فإنهم ثُلثا أهل الجنة ، وله مثل أجورهم مضافاً إلى أجره المختص به ، وقد تقدم هذا المعنى غير مرة.

(فصل)(1)

قد ذكرنا من خصائصه في هذا المختصر ما اشتهر ، ومن معجزاته الغُرَر ما أنافَ على الشمس والقمر ، ومن كرامة منزلته عند ربه ما حيّر البشر ، ومن جلالة قدره عند بارئه ما أذهل وبَهَر ، على أنّ وَصْفَ ما فيه من المعجزات العجيبة ، ورصف ما جمَع من المنقبات الغريبة ، لا يمكن جمعه في الدفاتر ، ويعجز حَصرُه أصحابَ المحابر ، ثم

لابد من سياق معجزاته لتَثبُت النبوة وتقوم الحجة (2) ، ولا غنى عن ذكر شمائله وأخلاقه

(1) ما بين القوسين بياض في ب.

(2)

قد أشار الإمام جمال الدين السرمري رحمه الله إلى نحو هذه الجملة في كتابه المولد الكبير (مخطوط) ورقة: 5 ب ، فقال:"إذ لابد من ذكر المعجزات لتثبيت النبوة وقيام الحجة" ، وهذه من الجمل المشتبهة ، والتي قد يفهم منها حصر دلالة النبوة في المعجزة وهذا باطل ، بل طرق الدلالة على النبوة كثيرة متنوعة، وهي من مقتضى رحمة الله بعباده ، ولا يلزم من أهمية دلالة المعجزة على النبوة ألا يكون في غيرها الدلالة ، وفي نقد هذا المعنى وبيان موقف أهل السنة من هذه المسألة يقول الإمام ابن أبي العز رحمه الله:"الطريقة المشهورة عند أهل الكلام والنظر تقرير نبوة الأنبياء بالمعجزات، لكن كثيرًا منهم لا يعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات، وقرروا ذلك بطرق مضطربة ، والتزم كثير منهم إنكار خرق العادات لغير الأنبياء ، حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر ، ونحو ذلك ، ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح، لكن الدليل غير محصور في المعجزات، فإن النبوة إنما يدعيها أصدق الصادقين، أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين، بل قرائن أحوالهما تعرب عنهما، وتعرف بهما، والتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما دون دعوى النبوة، فكيف بدعوى النبوة" إلى أن قال: "ونحن اليوم إذا علمنا بالتواتر من أحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم، علمنا يقينًا أنهم كانوا صادقين على الحق ومن وجوه متعدِّدة:

منها: أنهم أخبروا الأمم بما سيكون من انتصارهم، وخذلان أولئك، وبقاء العاقبة لهم.

ومنها: ما أحدثه الله لهم من نصرهم، وإهلاك عدوهم، إذا عرف الوجه الذي حصل عليه، كغرق فرعون، وغرق قوم نوح، وبقية أحوالهم، عرف صدق الرسل.

ومنها: أن من عرف ما جاءت به الرسل من الشرائع وتفاصيل أحوالها، تبين له أنهم أعلم الخلق، وأنه لا يحصل مثل ذلك من كذاب جاهل، وأن فيما جاؤوا به من المصلحة والرحمة والهدى والخير ودلالة الخلق على ما ينفعهم ومنع ما يضرُّهم ما يبين أنه لا يصدر إلا عن راحم بر يقصد غاية الخير والمنفعة للخلق". انظر: "شرح الطحاوية ص 109 - 116.

ص: 594

ليُقتدى به ، ولابدّ من تبليغ أوامره ونواهيه ليطاع ، ويتم به الانتفاع ، فقد ظهرت آياته وثبتت معجزاته ، وتجلّت أقمار أخلاقه في بروج سعود سماء سماته ، وظهرت ظهورَ النيْرين أعلامُ أوامره ونواهيه في أرض الله وسماواته ، ولم يبق إلا التصديق برسالته ، والانقياد لإيالته (1) ، والاقتفاء لآدابه وسيرته ، والقيام بأعْبَاء شريعته ، والدخول في طاعته؛ وأنشد لسان الحال بالحَقّ لا المحال:

فالآن قد تمّ هلال العلى

وصار في مطلعه بَدراً (2)

هو النبي المصطفى ، والصفي المرتضى [ق 89/ظ] ، أصفى الخلائق سرّاً ، وأعلاهم قدراً ، وأنقاهم صدراً ، وأنورهم وجهاً ولوناً ، وأحسنهم عرنيناً (3) وعيناً ، وجبيناً وجفناً ، وأجملهم هامة وخدّاً ، وأكملهم قامة وقدّاً (4) ، وأرجحهم ميزاناً ، وأوضحهم بياناً ، وأفصحهم لساناً ، وأنورهم برهاناً ، وأوفرهم إحساناً ، وأعظمهم إيماناً ، له الأسماء المعروفة بالجمال ، والأفعال الموصوفة بالكمال ، والحركات المبنية على العدل ، والسكنات الممالة عن الطيش الرَّذل ، ماضي أمره كالمستقبل ، ووجهه لمنادي نداه يتهلَّل ، لا تنصرف فوارس نصره إلا بإضافة الأنفال ، ولا ترفع أعلام رماحه وسيوفه إلا عن دم الأبطال ، فهي من تأييد الله منصوبة على الحال ، وله ابتداء غايَةِ الاختصاص في المعرفة بالتصريف (5) والإبدال ، فالمعرفة شعاره ، والنكرة انتهاره ، والتعجُب من طيِّ بشره ، والحكاية المستغربة رَدُّه السائل على فقره ، لقد تميّز شأنه وقصّته عن الشؤون والقصص ، وتأكّد نعته المختص بلزوم ما تمّ وإلغاءِ ما نقص ، فهو على هذا (النحو)(6)

(1) الإيالة: السياسة ، يقال فلان حسن الإيالة وسيئ الإيالة. النهاية (1/ 206).

(2)

ذكره الرسعني في رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 414)، تحقيق: أ. د. عبدالملك بن دهيش ، الطبعة الأولى 1429 ، مكتبة الأسدي ، مكة المكرمة.

(3)

تقدم التعليق عليه ، انظر: ص 474.

(4)

حسن القد: أي الاعتدال والجسم. انظر: لسان العرب (3/ 343).

(5)

في ب "بالتصرف".

(6)

"النحو" ليس في ب.

ص: 595

سالم الأفعال ، منزّه عن التصغير بالنسب الشريف العال (1) ، فقد ثبت له الفضل واستقرّ واستمرّ ، أليس اسمُه أحمد عند أهل المعرفة لا ينصرف ولا يُجَرّ ، ألقابه أجمل الألقاب وأحلاها (2) ، كما أنّ أسماءه أحسن أسماء المخلوقين (3) وأسماها ، فهو مذكور في السموات والأرض بالتبجيل ، معروف في التوارة والزبور والإنجيل ، محمد وحامد ومحمود وفاتح وخاتم وهادي ومهتدي وصفي وخليل وكليم وحبيب ومختار وناصر وقائم وحافظ وعدل وحليم وحجة وبيان ومهيمن وبرهان ومطيع وواعظ وأمين ومكين وناطق وصادق أمّي عربيّ هاشميّ قرشي مضريّ أبطحيّ تهاميّ مكّيّ مدنيّ عائل غني جواد [ق 90/و] سخي طيب طاهر زكيّ خطيب أريب فصيح صبيح سيد إمام بَطَلٌ هُمَامٌ بارٌّ

سابق مقتصد أول آخر شفيع مشفَّع محلّل محَرِّم آمِرٌ ناهٍ مبلّغ ناصح مؤدّي وليّ متوكّل ، صاحب الّلواء والتّاج ، والإسراء والمعراج ، الكريم المنتجب ، سيد العجم والعرب ، المبعوث بالتوحيد والشهادة ، والصلاة والزهد والعبادة ، والدّين الحنيف والهداية ، والدعوة العامة والرعاية ، المنعوت بالقوّة والشجاعة ، الموصوف بالنجدة والبراعة ، صاحب الحوض المورود ، والمقام المحمود ، والكرم والجود ، وهو خير والد وأشرف مولود ، وأفضل موجود في الخلق وأعز مفقود ، ذو الأصل اللُباب ، والدعاء المستجاب ، الناطق بالصواب ، الخاشع الأوّاب ، قامع الأباطيل ، وموضح الدليل ، الإسلام ملّته ، والكعبة قبلته ، والحنيفيّة السمحة شريعته ، وخير أمّة أخرجت للناس أمّته ، عند ذكره ترتاح الأرواح ، وعند رؤيته تحدث الأفراح ، وبمجالسته تنزل الرحمة ، وبمحادثته تتمّ النّعمة ، وبمتابعته تكمل العبادة ، وبطاعته تحصل السّعادة ، والأمن كُلُّه في جنابه (4) ،

(1) في ب "العالي" بزيادة الياء.

(2)

في ب "وأحلى".

(3)

في ب "الأسماء" بدون "المخلوقين".

(4)

لعله يقصد بمحبته صلى الله عليه وسلم أو باتباع سنته، فمن رد على تقي الدين السبكي في مسألة شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم دون الصلاة في مسجده ، ومن قرر أن خلاف السلف في تأريخ ميلاده صلى الله عليه وسلم يدل على أنهم لم يكونوا يجعلون ذلك موسماً للاجتماع والولائم والاحتفال في صُنع الأطعمة والأشربة والسماعات، يبعد أن يصدر منه التوسل الممنوع بالنبي صلى الله عليه وسلم ، كيف وقد كتب بخط يده في الرؤيا التي فيها الثناء على منهج ابن تيمية في الاعتقاد ما يأتي:"وقد كنت أنكرت على بعض الفقراء التوسل بغير الله من المخلوقين" ، والله أعلم.

ص: 596

واليمن جميعه في انتآبه (1) ، والسلامة في التّمسّك بهديه ، والهلاك في مخالفة أمره ونهيه ، رسالته عامّة ، وإيالته تامّة ، ودعوته شاملة ، ومرتبته كاملة ، وأموره كلّها على النّظام ، وشؤونه جميعها على التّمام ، أحكامه قاطعة ، وسيوف عدله لامعة ، وآراؤه صائبة ، وآلاؤه دائبة ، وقضاياه مسدّدة ، وسراياه مؤيّدة ، وعساكره منصورة ، ومعاقلة معمورة ، أخرست فصاحتُه الألسنة ، وملأت سماحته الأمكنة ، فآياته باهرة ، ومعجزاته ظاهرة ، أكبر معجزاته القرآن ، الذي عجر عن الإتيان [ق 90/ظ] بسورة من مثله الثَّقلان ، ثم مسراه ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، المتضمِّن من المفاخر ما لا يُعَدُّ ولا يُحصَى ، يكفي من الإشارة فيه والذكرى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] ، سلّمت عليه الأحجار ، ولبَّت دعوته الأشجار ، وانشقّ له

القمر المنير ، ونبع من بين أصابعه الماء النمير (2) ، وكلمته الشاة المسمومة ونطق البعير ، وسلم عليه الضب والظّبي والذئب المغير ، وحنَّ الجذع اليابس إليه ، وسبَّح الحصى في كفَّيه ، وأطعم الجيش الكثير من الطعام اليسير ، وروَّى بالماء القليل الحقير الجمَّ العظيم الغفير ، وبَركته في تمر جابر ظاهرة ، ومعجزته في سمن أمّ سُليم باهرة ، تحرّك الجبل لهيبته ، وسَكن بإشارته عن حركته ، شكى الجمل السانئ (3) إليه فشكَّاه ، ورحم تضرَّعه بين يديه وبكاه ، ضَرْعُ الشاة الحائلة بيمن (4) يمينه دَرَّ ، والبعير الحاسر (5) ببركته سَرى ومَرَّ ، ملأ بقبضةٍ من ترابٍ أعينَ الكفرة ، وأشار إلى الأصنام فخرَّت منعفرة ، أخبر بالغائبات فوقعت كما قال ، وضَرب الحجر الصلد الجلمد فانهال ، أراد الكفار قتله فما أطاقوا ، وقَصَدوا أذَاهُ فاعتاقوا ، وعمدوا إلى غرته فمُنعوا ، وبَغى السَّاحرون مضرَّتَه فدُفِعوا ، وُقي من شرِّ الإنس والجان ، وكُفي معرَّة (6) الهوام والحيوان ، رَدَّ عين قتادة

(1) هذه العبارة كسابقتها.

(2)

الماء النمير: الناجع في الري. النهاية (5/ 249).

(3)

جاء في لسان العرب: "وتسنَّى البعير: الناقة إذا تسدَّاها وقاع عليها ليضربها". لسان العرب (14/ 403).

(4)

في ب "من".

(5)

جاء في المعجم الوسيط: "حسر الدابة: أتعبها". انظر: المعجم الوسيط (1/ 172).

(6)

المعرة: الأذى. انظر: النهاية (3/ 434).

ص: 597

بعدما قلعت ، وعين عليٍّ بعدما رمدت ودمعت ، لقد كان يرى في الظلام كما يرى في الضِّياء ، وينظر مَن ورائه كما ينظر من تلقاء ، وأمَّهات هذه المفاخر قد سبقت ، وارتفعت أفنانها في مكانها وبسَقت ، وجملة القول في أحواله ، وفصل الخطاب في أقواله وأفعاله ، أنّه خير من أقلَّت الغبراء ، وأشرفُ مَن أظلَّت الخضراء

ماذا يقول الواصفون له

وصفاته جلّت عن الحَصْر

الأنبياء كأنجم زُهُرٍ

ومحمّد أبْهى من البدر [ق 91/و]

سبحان من جَمع المحاسن في هذا النّبيِّ الكريم ، سبحان من منحه بالخُلق العظيم ، سبحان من نحله الجمال والجلال ، سبحان من طبعه على أكمل الخلال وأجمل الأحوال ، فلقد كان أكرمَ الناس وأجود الناس وأحلمَ الناس وأعلمَ الناس وأشرفَ الناس ، وأطيبَهم نفساً وأحسنهم عشرة ، وأعظمهم صفحاً وأكملهم فِطرة ، وأحياهم طَرفاً ،

وأعطرهم عَرْفاً (1) ، لم يُؤتَ أحد من الخلق خصلة جميلة إلا وهي فيه أجمل ، ولا خُصَّ أحد بخصيصة جليلة إلا وهي عنده أجلُّ وأكمل ، مولدُه بمكة ، ومهاجَره بطَيْبة ، أُرسِل ليُتمِّم مكارم الأخلاق ، ويُبلِّغ الرسالةَ إلى الخلق في جميع الآفاق ، فقام بأعْباء الرسالة ، ونهض بأثقالها وما هالَه ، وبَلَّغ ما أُرسل به كما أُمر ، وأدَّى الأمانة إلى الخلق وما حُصِر ، ونصح الأمَّة وكشف الغُمَّة ، ودعا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وعَبَد ربَّه حتى أتاه اليقين ، وقد أكمل الله تعالى له الدّين وأتَمّ عليه النّعمة ، حتى استقرّ الإيمان في نِصابه ، وحفظ الإسلام في إهابه (2) ، وضَرَب الدِّين بِجِرَانِه (3) ، وثبت على أركانه ، ثم مضى لسبيله طيّباً طاهراً نقيّاً زكيّاً ، وترك الخلق على بيضاء نقيّة ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولا يحيد عنها إلا ملحد ، فصلوات الله وسلامه عليه ، وتحيّاته وبركاته واصلةً إليه ، وإلى صاحبيه ، وإلى من جاهد بين يديه ، صلاةً دائمة إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين.

آخرُ الكتاب ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(1) العَرْف: الريح. النهاية (3/ 442).

(2)

الإهاب: الجلد. انظر: لسان العرب (1/ 217).

(3)

ضرب الدين بجرانه: أي قر قراره واستقام. انظر: النهاية (1/ 738).

ص: 598

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وله الحمد أولاً وآخراً.

وفي ختام هذا البحث، ومن خلال دراسة منهج جمال الدين السرمري في تقرير العقيدة، يمكن استخلاص النتائج التالية:

1 -

نبغ جمال الدين السرمري في ظروف سياسية مضطربة من تسلط العدو والنزاعات الداخلية؛ فقد عاش في العراق ما يقارب الاثنين والأربعين سنة تحت حكم التتار، ثم عاش في دمشق في فترة تولي أولاد وأحفاد الناصر محمد، وهي الفترة التي كان الصراع على السلطة فيها على أشده.

2 -

تعد الحالة الاجتماعية لعصر جمال الدين السرمري من الأحوال السيئة، فقد شهدت

فوضى اجتماعية تأثراً بالحالة السياسية، ووقعت عدة مجاعات، وتفشت كثير من المنكرات بشكل علني.

3 -

لم تتأثر الحالة الثقافية والعلمية في القطر العراقي رغم مافيه من زوابع وغوائل، وأما في مصر والشام فقد وجدت نهضة علمية مباركة متميزة.

4 -

تبوأ الإمام جمال الدين السرمري مكانة رفيعة عند كثير ممن ترجم له، إذ نبغ في علوم شتى ، وصنَّف في أنواع كثيرة نثراً ونظماً، وخرَّج وأفاد وأملى رواية وعلماً، فخلد الأئمة ذكرَه، وأثنوا عليه ثناء عاطراً.

5 -

اعتمد جمال الدين السرمري في التلقي والاستدلال اعتماداً مباشراً على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فهو يعتبر الصراط المستقيم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح.

6 -

حذر جمال الدين السرمري من علم الكلام وذم أهله وبيَّن أن مصدرهم آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فتململ من موقفه المتهالكون من أهل البدع والأهواء، ورموه بالشناعات.

ص: 599

7 -

منهج جمال الدين السرمري في التوحيد منهج من ذهب إلى القسمة الثلاثية (الربوبية، الألوهية، الأسماء والصفات).

8 -

قرر جمال الدين السرمري أن الإيمان بوجود الله قد دلت عليه بعثة الأنبياء وآياتهم، ونفى أن يكون الدليل العقلي متقدم عليها كما يزعم أهل الكلام، وأبطل دلالة العقل من القياس في الرب على معرفة الله، وقرر أن لا يحصل للعقل من القياس في الرب إلا العلم بالسلب والعدم إذا كان القياس صحيحاً.

9 -

قرر جمال الدين السرمري قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة تسلسل الحوادث، وقال بأن جنس الحوادث لا أول لها، وأن القول بأن جنس الحوادث لها أول يلزم منه أنه سبحانه كان معطلاً عن الصنع.

10 -

أجمل القول في القسم الثاني من أقسام التوحيد (الألوهية) -فيما وقفت عليه من كتبه-.

11 -

وافق جمال الدين السرمري مذهب السلف في توحيد الألوهية سوى ثلاثة نصوص له في الاستشفاء بتربة قبور الصالحين وبركة الأتربة المضافة إليهم قد ذكرها في سياق حديثه عن التداوي بالأتربة وهذا من التبرك الممنوع؛ وأما مسألة التوسل الممنوع فقد كان منهجه فيها مضطرب بين منع التوسل بذوات الأولياء وذم مسلك الصوفية في ذلك على منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ، وبين الاستعمال بأبيات في ظاهرها التوسل الممنوع بالنبي صلى الله عليه وسلم وآله رضي الله عنهم والاستعانة بهم في حصول المنفعة ودفع المضرة.

12 -

قرر جمال الدين السرمري أن خلاف السلف في أيّ شهر ولد النبي صلى الله عليه وسلم وفيما مضى من الشهر يدل على أن السلف لم يكونوا يجعلون ذلك موسماً للاجتماع والولائم والاحتفال في صُنع الأطعمة والأشربة والسماعات، إذ السلف كانوا أعظم الناس توقيراً ومحبة وتعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص الخلق على نشر محاسنه.

ص: 600

13 -

وافق جمال الدين السرمري مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في النهي عن شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم دون الصلاة في مسجده.

14 -

توسع كثيراً في (توحيد الأسماء والصفات) وبسط القول في هذا النوع، بسبب أن أهل البدع في عصره قد استشرى شرهم وانتشر مذهبهم.

15 -

نهج في تقرير الأسماء والصفات تفصيلاً منهج السلف.

16 -

أجمل القول كثيراً في مسألة الإيمان بالملائكة والإيمان بالرسل -فيما وقفت عليه من كتبه-.

17 -

قرر جمال الدين السرمري الإيمان باليوم الآخر جملة وتفصيلاً، فقرر الإيمان بكل ما ورد في الكتاب والسنة من التفصيلات المتعلقة باليوم الآخر، من حياة البرزخ،

والنفخ في الصور، والبعث، والحشر، والميزان، والحوض، والصراط، والجنة والنار، والشفاعة، ورؤية المؤمنين لربهم.

18 -

قرر الأصلين الذين بسبب عدم فهمهما نشأ الضلال في القدر:

-الأول: التفريق بين صفة المشيئة وصفة المحبة، وأنهما ليسا واحداً، ولا هما متلازمان.

- الثاني: التفريق بين فعل الله ومفعوله وخلقه ومخلوقه.

19 -

قرر مذهب أهل السنة والجماعة في الجمع بين الإيمان بالأحكام الشرعية والأحكام القدرية والتسليم لهما.

20 -

قرر تأثير الأسباب في المسبَّبات وأن الله هو خالقهما، وأنه لا يجوز نسبة الانفراد بالخلق في صفة الفعل لغير الله تعالى، كما أنه لا يجوز على الضد من ذلك نفي التأثير للأشياء التي جعلها الله تعالى أسباباً ووسائط على المسبّبات.

21 -

قرر أن المقتول مات بأجله.

22 -

منهجه في القدر التسليم والاستسلام لله تعالى في كل ما يقضيه ويقدره، وفي كل ما

ص: 601

يشرعه ويأمر به وينهى عنه، والتحذير من الاحتجاج بالقدر.

23 -

حدد مفهوم الإيمان بأنه تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بكثرة العمل والطاعة، وينقص بترك العمل والمعصية.

24 -

قرر أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بمطلق المعصية، ولا يسلب الفاسق الملِّي الإيمان بالكلية ، وأنه يُرجى للمحسن، ويُخاف على المسيء.

25 -

قرر تولِّي جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومحبتهم، والترضي عنهم، وأنهم خير القرون، أما على وجه الخصوص فمعرفة لكل فضله ومنزلته بحسب ورود النص فيه على خصوصه ، والشهادة له وفق ما جاء في هذا النص.

26 -

قرر الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم مع سلامة القلوب وكف الألسن عن

الخوض في ذلك.

27 -

قرر أن ترتيب الخلفاء الأربعة في الفضل كترتيبهم في الخلافة.

28 -

قرر وجوب طاعة الأئمة في غير معصية الله، ووجوب إقامة الشعائر العامة معهم، وعدم جواز الخروج على ولاة الأمر حتى ولو جاروا وظلموا، مالم يُرَ كفراً بواحاً فيه من الله برهان.

29 -

قرر وجوب لزوم الجماعة والنهي عن الفرقة.

30 -

منهجه في التعامل مع أهل الأهواء والبدع يتلخص في ضابطين:

- الأول: حراسة الدين وإبطال البدع والنفير الدائم في ذلك، وأن هذا الضابط داخل دخولاً أولياً في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

-الثاني: مخاصمة أهل البدع وترك مجالستهم عموماً لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة.

وختاماً؛ فإن الإمام جمال الدين السرمري يعد من أئمة أهل السنة الذين كان لهم دور بارز في تقرير العقيدة الصحيحة وفق قواعد وأصول سلف الأمة، كما أنه بهذا

ص: 602

المنهج صار سداً منيعاً في وجه من أراد النيل من تلك العقيدة أو تكدير نقائها.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته، وأن يجمعنا به في بحبوحة جنانه، إنه جواد كريم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 603