المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلام ابن سينا عن الصفات الذاتية والعرضية تعليق ابن تيمية عليه - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٥

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌الوجه العشرون

- ‌متابعة الملاحدة للنفاة في إنكار النصوص وتأويلها

- ‌كلام الأشعري في الإبانة عن متابعته للإمام أحمد

- ‌كلام ابن سينا في الرسالة الأضحوية

- ‌كلام أبي الحسين البصري في عيون الأدلة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام أبي الحسن التميمي في جامع الأصول

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن سينا في الرسالة الأضحوية في مسألة الصفات وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل

- ‌كلام ابن سينا عن الصفات الذاتية والعرضية تعليق ابن تيمية عليه

- ‌تابع كلام ابن سينا وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌قول الآمدي في الحقائق

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌قول الآمدي في الإحكام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌قول ابن سينا في الإشارات عن الكليات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌عدم فصل الرازي العلة من الشرط

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الإمام أحمد عن تعلق الصفات بذت الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌تابع كلام الإمام أحمد

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الإمام أحمد

- ‌كلام الجويني عن صفات الله تعالى

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الجويني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه الحادي والعشرون

- ‌الوجه الثاني والعشرون

- ‌الوجه الثالث والعشرون

- ‌الوجه الرابع والعشرون

- ‌الوجه الخامس والعشرون

- ‌الوجه السادس والعشرون

- ‌الوجه السابع والعشرون

- ‌الوجه الثامن والعشرون

- ‌الوجه التاسع والعشرون

- ‌الوجه الثلاثون

- ‌الوجه الواحد والثلاثون

- ‌اعتراض: إن عارضت الدليل العقلي الذي يعرف صحة الشرع

- ‌الجواب عنه من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌كلام الدارمي في كتاب الرد على الجهمية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام الدارمي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الثاني والثلاثون

- ‌كلام الرازي في نهاية المعقول عن الأدلة السمعية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه الثالث والثلاثون

- ‌الوجه الرابع والثلاثون

- ‌الوجه الخامس والثلاثون

- ‌الوجه السادس والثلاثون

- ‌فصل: كلام الغزالي عن التأويل وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الوجه السابع والثلاثون

- ‌الوجه الثامن والثلاثون

- ‌الوجه التاسع والثلاثون

- ‌الوجه الأربعون

- ‌الوجه الحادي والأربعون

- ‌الوجه الثاني والأربعون

الفصل: ‌كلام ابن سينا عن الصفات الذاتية والعرضية تعليق ابن تيمية عليه

وقول ابن سينا هو الإقرار بالصانع مقدساً عن الكم، والكيف، والأين، ومتى، والوضع والتغير حتى يصير الاعتقاد أنه ذات واحدة، لا يمكن أن يكون له شريك في النوع، أو يكون له جزء وجودي كمي او معنوي

إلى آخره.

فكلامه هذا يتوهم الجاهل أنه تعظيم لله تعالى ومراده انه ليس لله علم، ولا قدرة ولا إرادة، ولا كلام، ولا محبة، وأنه لا يرى ولا يباين المخلوقات.

قلت: وقد تكلمنا على هذا وعلى ثبوت الكليات في الخارج التي ذكرها في إشارته وشرحها شارحو إشاراته، كالرازي والطوسي وابن كمونه اليهودي وأمثالهم فإنه ذكر دليل توحيدهم وقدم قبله مقدمات.

‌كلام ابن سينا عن الصفات الذاتية والعرضية تعليق ابن تيمية عليه

قال في الإشارات: كل أشياء تختلف بأعيانها وتتفق في أمر مقوم لها: فإما أن يكون ما تتفق فيه لازماً من لوازم ما تختلف فيه،

ص: 87

فيكون للمختلفات لازم واحد، وهذا غير منكر.

وإما أن يكون ما تختلف فيه لازماً لما تتفق فيه، فيكون الذي يلزم الواحد مختلفاً متقابلاً، وهذا منكر وإما أن يكون ما تتفق فيه عارضاً عرض لما تختلف فيه، وهذا غير منكر.

وغما أن يكون ما تختلف فيه عارضاً عرض لما تتفق فيه، وهذا أيضاً غير منكر.

قال الشارحون لكلامه: كل شيئين فلا بد أن يكونا متخالفين في هويتهما وتشخصهما، لأن تشخص هذا لو كان حاصلاً لذاك، لكان هذا ذاك لا غيره، والأشياء قد تكون متوافقة في شيء من المقومات، كالأجناس العالية، فإنها لا تكون متوافقة في شيء من المقومات، وإن كانت ربما توافقت في شيء من الصفات العرضية.

وإذا كان كذلك، فإذا اتفقت في أمر مقوم لها، كان ما به الاختلاف مغايراً لما به الاشتراك لا محالة، فتكون هوية كل واحد منهما مركبة مما به شارك الآخر، ومما به امتاز عن الآخر، وعند ذلك فإما أن يكون ما به الاشتراك لازماً لما به الاختلاف أو بالعكس، أو يكون ما به الاشتراك عارضاً لما به الاختلاف أو بالعكس.

فأما الأول فهو غير منكر، كفصول الأنواع الداخلة تحت جنس، فإن طبيعة ذلك الجنس لازمة لطبائع تلك الفصول، وكالوجود

ص: 88

اللازمين للمقولات، والتماثل والاختلاف والتضاد والتغاير اللوازم للحقائق الكثيرة المختلفة، فإن السواد والبياض وإن كانا مختلفين لكنهما مشتركان في كون كل منهما ضد الآخر.

وأما الثاني، وهو كون ما به الاختلاف لازماً لما به الاشتراك فهو محال، كالناطق مع الحيوان لو كان لازماً له لكان كل حيوان ناطقاً.

وأما الثالث والرابع فهما جائزان.

قلت: وهذا الكلام مبني على أصول سلمها لهم من لم يفهمها، مثل كلامهم في الفرق بين الذاتيات المقومة والعرضية اللازمة، وكلامهم في تركب الأنواع من الأجناس والفصول ونحو ذلك.

ونحن نبين ما يعرف الحق به.

فنقول: معلوم أن هذا الإنسان يشابه غيره في الإنسانية، ويشابه سائر الحيوانات في الحيوانية، وهذا معنى قولهم: متفقان في مسمى الإنسانية أو الحيوانية، أو يشتركان في ذلك، لكن نفس إنسانيته التي تخصه، وحيوانيته التي تخصه، لم يشركه فيها غيره أصلا، وإن كان قد ماثله فيها وشابهه، فمشابهة الشيء الشيء ومماثلته لا تقتضي أن يكون عين أحدهما يشاركه الآخر فيها، أو في شيء من صفاتها القائمة بها، فزيد المعين ليس فيه شيء من غيره أصلا، ولا في شيء من صفاته القائمة به.

فقول القائل: اشتركا في الإنسانية أو اتفقا فيها، ونحو ذلك، فيه إجمال فإن الاشتراك يراد به الاشتراك في الأمور الموجودة في الخارج،

ص: 89

كاشتراك الشركاء في العقار، بحيث يكون لهذا بعضه ولهذا بعضه، مشاعاً أو مقسوماً، وإذا اقتسما ذلك كان لهذا بعضه ولهذا بعضه، والمقسوم لا يصدق على كل من القسمين ولا يعمهما، فهذا اشتراك في الكل وقسمة للكل إلى أجزائه، كالقسمة التي ذكرها الفقهاء في كتبهم، وقسمة النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم والمواريث.

ومنه انقسام الكلام إلى اسم وفعل وحرف.

ومعلوم أن اشتراك الأعيان ف بالنوع أو الجنس.

وانقسام الأجناس إلى الأنواع والأشخاص ليس من هذا فإن هذا قسمة الكلي إلى جزئياته واشتراك الجزئيات في كلي يتناولها، فالكليات لا توجد في الخارج كليات، فلا بد إلا مشخصة معينة.

وإذا قال القائل: الكلي الطبيعي موجود في الخارج، وهو المطلق لا بشرط كالإنسان من حيث هو هو، والحيوان من حيث هو هو، فإن أراد بذلك أنه يوجد ما يصدق عليه المعنى الذي يقال له إذا كان في الذهن كلياً، مثل أن يوجد الشخص الذي يقال له إنسان وحيوان وجسم ونحو ذلك فقد صدق، وإن أراد أنه يوجد الكلي كلياً فقد أخطأ، فإن الكلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، والمعين يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، فكيف يكون ذاك جزءاً من هذا، منحصراً في هذا؟ وهو يصلح لأن يدخل فيه من الأعيان أضعاف هذا؟ وكيف يكون الكبير جزءاً من لا قليل، والعظيم جزءاً من الصغير؟ ولا ريب أن الذهن يتصور إنساناً مطلقاً، لا يمنع تصوره من وقوع

ص: 90

الشركة فيه، فيكون كليا في التصور والذهن، فإذا وجد فلا يوجد إلا معينا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه.

فمن أراد بقوله: الكلي يوجد في الأعيان، ما يراد بوجود الصور الذهنية في الخارج، مثل قول القائل: ما كان في نفسي فقد حصل ولله الحمد، وما كان في نفسي فقد فعله زيد، ونحو ذلك، فإن أول الفكرة آخر العمل.

والإنسانية يتصور في نفسه أشياء ثم يفعل ما تصوره، ولا يريد بذلك أن نفس الصورة الذهنية التي تصورها وقصدها وجدت في الخارج بعينها، ولكن وجد في الخارج ما هو مطابق لها موافق لها.

وقد يقال: إن هذا هو هذا، كما يقال للمكتوب أنه الملفوظ، وللملفوظ إنه المعلوم، وللمعلوم إنه الموجود، فإن الأشياء لها وجود في الأعيان ووجود في الأذهان، ووجود في اللسان ووجود في البيان: وجود عيني وعلمي ولفظي ورسمي، فإذا كتب اسم زيد وقيل إن هذا هو زيد لم يرد بذلك أن الخط هو الصوت، ولا أن الصوت هو العلم، ولا أن العلم هو الشخص المعين، بل الناس يعلمون أن القائل إذا قال: هذا هو زيد، فالمراد هذا المكتوب اسمه زيد، ونظائر هذا كثيرة.

فإذا قيل: إن الكلي وجد في الخارج بهذا الاعتبار فهو صحيح، لأن الكلي يتصوره الذهن مطلقاً غير مشروط بشرط، فيوجد في الخارج ما يطابقه، بمعنى انه يصدق عليه المطلق الذي لا يشترط فيه شرط، فيوجد في الخارج ما يطابقه، بمعنى انه يصدق عليه المطلق الذي لا يشترط فيه شرط، إذا قيل: هذا حيوان، هذا إنسان، لكن إذا صدق عليه المطلق لا بشرط لم يلزم أن يكون قد وجد المطلق مطلقاً لا بشرط، فإن صدقه عليه

ص: 91

يقتضي أن يكون صفة له ومحمولاً عليه، وهذا عين التقييد والتخصيص.

وهذا كما إذا قلنا: هذا حيوان، هذا جسم لم يلزم من ذلك أن يكون قد وجد حيوان مطلق، فضلا عن أن يكون إنسانا أو فرساً أو نحو ذلك من الأنواع، أو جسم معين مجرد عن أن يكون معيناً من الأجسام المعينة.

وقول القائل: المطلق لا بشرط ينفي اشتراط الإطلاق، فإن ذلك هو المطلق بشرط الإطلاق، وذاك ليس بموجود في الخارج، بلا نزاع من هؤلاء المنطقيين أتباع أرسطو فإن المنطق اليوناني يضاف إليه ولهذا لا يذكرون فيه نزاعاً وإنما يثبته في الخارج أصحاب أفلاطون، وإذا لم يكن الإطلاق شرطاً فيه، لم يمتنع اقتران القيد به، فيكون وجوده مقيداً، وإذا كان وجوده مقيداً امتنع أن يكون مطلقاً فإن الإطلاق ينافي التقييد.

وإن قلت: المقيد يدخل في المطلق بلا شرط.

قلت: وإذا دخل فيه هو إياه في الذات، مغايراً له في الصفات.

كما إذا قلت: الناطق حيوان، لم يكن هناك جوهران: أحدهما مطلق، والآخر مقيد.

وهذا أمر يشهد به الحس، ولا ينازع فيه من تصوره، فليس في الموجودات المعينة إلا صفاتها المعينة القائمة بها، وكل ذلك مشخص

ص: 92

معين، وما ثم إلا عين قائمة بنفسها، سواء سميت جوهراً، أو جسماً أو غير ذلك، أو صفة لها: سواء سميت عرضاً أو لم تسم بذلك.

والمقصود أن الشيئين إذا اتفقا واشتركا في شيء، كالإنسانية والحيوانية، واختلفا وامتاز كل منهما عن الآخر بشيء كتعينة وتخصصه، فكل ما اتفقا فيه واختلفا فيه يمكن أخذه مطلقا ومعينا، فإذا أخذ معينا لم يكن واحد منهما شارك الآخر ووافقه في ما تعين فيه، وإذا أخذ مطلقا أو كلياً، كان كل منهما قد شارك الآخر ووافقه في الكلي المطلق الذي يصدق عليهما، ولكن الكليات في الأذهان، وليس ف بالأعيان إلا ما هو معين مختص.

لكن بين المعينات تشابه واختلاف وتضاد.

فإذا قيل: هذا الإنسان يشارك هذا في الإنسانية ويمتاز عنه بالتعين.

قيل له: يشاركه في إنسانيته التي تخصه أو في مطلق الإنسانية؟ فالأول باطل ومخالف لقوله: ويمتاز عنه بالتعيين، وإن أراد الثاني.

قيل له: وكذلك التعين، فإنه يشاركه في مطلق التعين، فلكل منهما تعين يخصه، ويشتركان في مطلق التعين، كما قلنا في الإنسانية.

فقول هؤلاء: كل أشياء تختلف بأعيانها وتتفق في أمر مقوم لها، فإما أن يكون ما تتفق فيه لازماً لما تختلف فيه أو ملزوما له أو عارضا له أو معروضا له.

فالأول والثالث والرابع جائز، والثاني يمتنع.

ص: 93

يقال لهم: الأشياء المعينة كالإنسانيين والموجودين سواء قدرا واجبين أو ممكنين أو قدر أحدهما كذلك لم تتفق في أمر هو بعينه في هذا وفي هذا، سواء سمي مقوماً أو لم يسم، فهذا الإنسان لم يوافق هذا في نفس إنسانيته، وإنما وافقه في إنسانية مطلقة، وتلك المطلقة يمتنع أن تقوم بالمعين، فالتي وافقه فيها يمتنع أن تكون بعينها موجودة في الخارج، فضلا عن أن تكون مقومة لشيء من الأشياء والأشياء المعينة لا تقوم بها، ولا يقومها إلا ما هو مختص بها، لا يشركها فيه غيره.

فهذا الإنسان المعين لا يقومه ولا يقوم به ولا يلزمه ولا يعرض له قط إلا ما هو مختص به سواء كان جوهراً أو عرضا كما أن يده ورجله ورأسه مختصة به، فما يقوم ببدنه ونفسه من الحياة والنطق والحس والحركة والجسمية وغير ذلك، كل ذلك مختص به، ليس بقائم بغيره.

فليتدبر العاقل اللبيب هذا المكان الذي حصل بسبب الضلال فيه من فساد العقول والأديان ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

وباشتباه هذا اشتبه الأمر على هؤلاء المنطقيين، وعلى من قلدهم وأتبعهم، فضلوا في العقليات المنطقيات والإلهيات ضلالاً بعيداً،

ص: 94

وجعلوا الصور الذهنية الخيالية حقائق موجودة في الخارج، حتى آل بهم الأمر إلى أن جعلوا لواجب الوجود الخالق للسماوات والأرض رب العالمين وجوداً مطلقاً في إذ انهم، وعرضا ثابتاً في نفوسهم، ليس له حقيقة في الخارج، ولا وجود، ولا ثبوت ويقولون: وجوده معقول لا محسوس، وإنما هو معقول في عقولهم، كما يعقلون الكليات الثابتة في العقول، فالوجود المطلق: كالحيوان المطلق، والإنسان والجسم المطلق، والشمس المطلقة، والقمر المطلق، والفالك المطلق ونحو ذلك مما لا يكون إلا في الأذهان لا في الأعيان.

وهذا هو نهاية التوحيد، الذي زعموا أن الرسل جاءت به ولا ريب أن أقل أتباع الرسل أصح وأكمل عقلاً من أن يجعل هذا ثابتاً ف بالوجود الخارج، فضلاً عن أن يجعله رب العالمين، مالك يوم الدين، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

وقوله إما أن يكون المتفق لازماً أو ملزوماً أو عارضاً أو معروضاً.

فيقال: ما سميته متفقا ومشتركاً، هو ما جعلته مختلفاً مميزاً لازماً له

ص: 95

وملزوماً، يشتركان في العموم والخصوص والإطلاق والتعيين، فالاشتراك والامتياز والاتفاق والاختلاف إذا أخذته باعتبار الذهن والخارج، فكل شيئين اشتركا في أمر فذلك المشترك هو في الذهن، وكل منهما هو في الخارج متميز، فالحيوانان المشتركان في الحيوانية هما مشتركا في الحيوانية المطلقة، ويمتاز أحدهما عن الآخر بالحيوانية الموجودة التي تخصه، كما يشترك الناطقان في الناطقية، ويمتاز أحدهما عن الآخر بالناطقية التي تخصه.

وأما الأمور الموجودة في الخارج فبينها تشابه وتماثل، واختلاف وتضاد، ليس فيها شيء يشارك شيئاً لا في ذاته ولا في صفة من صفاته.

فقولهم في القسم الأول هو مثل فصول الأنواع الداخلة تحت جنس واحد، فإن طبيعة ذلك الجنس لازمة لطبائع الفصول، كالوجود والوجود والوحدة، والتماثل والاختلاف، والتضاد والتغاير، اللوازم للحقائق الكثيرة.

يقال لهم: فصول الأنواع: كالناطقية والصاهلية ونحوهما، التي هي فصول أنواع الحيوان كالفرس والإنسان وغيرهما مما يدخل تحت جنس الحيوان إذا قيل طبيعة الجنس وهو الحيوان لازمة

ص: 96

لطبائع هذه الفصول، كما هو لازم لهذه الأنواع، فإذا أخذت عين اللازم والملزوم في الخارج، كان التلازم من الطرفين يلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر، ومن انتفائه انتفاؤه فلا يقال إن أحدهما أعم من الآخر ولا أخص.

وإذا قيل: إنهما يشتركان في الحيوانية، وكل منهما متميز عن الآخر بالناطقية والصاهلية، فكل من هذه الموجودات متميزعن غيره بحيوانيته، كما هو متميز بناطقيته وصاهليته، ونوع الناطقية لا يميز معينا عن معين، وإنما يميز نوعاً عن نوع، والأنواع إنما هي في الأذهان لا في الأعيان، فإن الحيوان إذا لزم الناطق والصاهل، فنفس الحيوان هو نفس الصاهل ونفس الناطق ليس الحيوان فيه.

وهم قد يقولون: إن في الناطق والصاهل حيواناً وهذا غلط، فإن الحيوان هو الموصوف بأنه صاهل وأنه ناطق وليس في الجوهر المعين جوهر آخر: لا مطلقاً ولا معينا بل هو جوهر واحد موصوف بهذا وبهذا بل وهذا الصاهل المعين هو حيوان وليس هو هذا الصاهل المعين الذي هو حيوان، فضلاً عن أن يكون هذا الناطق المعين.

ص: 97

ولو قيل: إن هذا الصاهل المعين فيه حيوان، فليس الحيوان الذي فيه هو الحيوان الذي فيه الصاهل المعين، فكيف بما في الناطق وأمثاله؟

وإذا أراد أن الطبيعة العامة أو المطلقة أو الكلية لازمة لهذه الطبائع الخاصة، فالمعنى الصحيح: أن هذا المعنى الذي يوجد في الذهن عاماً مطلقاً كلياً، والذي يوجد أعيانه في الخارج أكثر من أعيان الطبيعة الخاصة هو لازم للطبيعة الخاصة، فحيث كان ناطق أو صاهل كان هناك ما هو حيوان وليس إذا كان حيوان يلزم أن يكون هناك ناطق أو صاهل.

وهنا كلام ليس هذا موضعه وهو أن الحيوانية التي للإنسان مثلاً، هي مماثلة للتي للفرس مخالفة لها، فهؤلاء يقولون: هي مماثلة والمختلفات يلزمها امور متماثلة، وغيرهم يقولون: بل لوازم المختلفات مختلفة، وليست الحيوانية التي في هذا النوع مثل الحيوانية التي في النوع الآخر.

وهذا نظير اختلافهم في الحكم الواحد بالنوع: هل يجوز تعليله بعلتين مختلفتين؟ فمن قال بالأول جوز ذلك.

ومن قال بالثاني منع ذلك، وقال: اختلاف العلل يقتضي

ص: 98

اختلاف الأحكام ويجيبون عن قول من يقول إن الملك نوع واحد وهو يستفاد بالبيع والإرث والاتهاب ونحو ذلك بأن الملك أنواع مختلفة، وليس هذا مثل هذا، وإن اشتركا في كثير في كثير من الأحكام، وكذلك حل الدم الثابت بالردة والقتل والزنا.

وقد عورضوا بنقض الوضوء الثابت بأسباب مختلفة فأجابوا بأنه قد يختلف الحكم بالقوة والضعف.

وهذا الآن كلام في تماثل الأحكام والعلل المختلفة وتماثل لوازم الأنواع المختلفة، وأما كون هذا المعين ليس هو هذا المعين فهذا مما لا نزاع فيه.

والمقصود هنا أن المتفقات في أنر من الأمور، إذا قيل: إن ما به الاشتراك لازم لما به الامتياز فما اشتركا فيه لا يفارق ما به من الامتياز من جهة كونه مشتركا ولا يوجد معه، فضلا عن أن يلزمه، إذ الاشتراك إنما هو فيه إذا كان في الذهن، وهو من هذه الجهة لا يوجد في الخارج، ولكن الوصف الذي يقال إنهما تشاركا فيه، معناه انه يوجد لهذا معينا، ويوجد لهذا من نوعه آخر معين والمعين لا اشتراك فيه، فلا يظن انه وجد في الخارج ما اشتركا فيه في الخارج، وإن كان مشتركا فيه في الذهن.

ص: 99

واعتبر عموم المعاني والاشتراك فيهما، بعموم الألفاظ والاشتراك فيهما، فإذا قلت: لفظ إنسان يشترك فيه هذا وهذا ويعمها ولفظ حيوان يشترك فيه أكثر مما يشترك في لفظ إنسان لم يكن بين المسميات في الخارج شيء اشتركت فيه، فليس بين هذا الإنسان وهذا الإنسان، ولا بينهما وبين الفرس في الخارج شيء مشترك بينهما لأجل الاشتراك والاتفاق في لفظ إنسان ولفظ حيوان فكذلك اتفاقهما واشتراكهما في المعنى المدلول عليه بهذا اللفظ.

وكذلك اتفاقهم واشتراكهم في الخط المرقوم المطابق لهذا اللفظ، فالخط يطابق اللفظ واللفظ يطابق المعنى والثلاثة تتناول الأفراد الموجودة في الخارج وتعمها، والأعيان متفقة فيها مشتركة، من غير أن يكون بين الأعيان في الخارج شيء اشتركت فيه لكن بينها تشابه بحسب ذلك المعنى الشامل لها، واللفظ المطابق له، والخط المطابق للفظ.

وبذلك يتبين الكلام في القسم الثاني وهو أن ما به الاختلاف لازم لما به الاشتراك انه قسم ممتنع فإنه ليس في الخارج إلا ما به الاختلاف الذي هو ضد الاشتراك إذ ليس في الخارج مشترك بل كل شيء فهو نفسه، ليس مشاركا لغيره في شيء فيكون مخالفاً له إذا جعل الاختلاف قسم الاشتراك، وأما الاختلاف الذي هو قسيم التشابه ن فهذا قد يكون في الخارج وقد لا يكون.

فالبياضان المتماثلان هما غير مختلفين بهذا الاصطلاح، وهما مختلفان بالاصطلاح

ص: 100