الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا قول جميع من آمن بالله ورسوله، فتبين أن قول الذين يعرضون عن طلب الهدى والعلم في كلام الله ورسوله، ويطلبونه في كلام غيره، من أصناف أهل الكلام والفلسفة والتصوف وغيرهم، هم من أجهل الناس وأضلهم بطريق العلم، فكيف بمن يعارض كلامه بكلام الذين عارضوه، وناقضوه، ويقول أن الحق الصريح والعلم والهدى إنما هو في كلام هؤلاء المناقضين، المعارضين لكلام رسول رب العالمين، دون ما أنزله الله من الكتاب والحكمة، وبعث هـ رسوله من العلم والرحمة.
الوجه الحادي والأربعون
أن يقال: كل من سمع القرآن من مسلم وكافر، علم بالضرورة أنه قد ضمن الهدى والفلاح لمن اتبعه، دون من خالفه، كما قال تعالى:{الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة: 1-2] .
وقال تعالى: {المص * كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين * اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} [الأعراف: 1-2] .
وقال: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال
كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} [طه: 123-127] .
وقال تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} [الأنعام: 155] .
وقال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى: 52] .
وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد * الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} [إبراهيم: [1-2] .
وكذلك نعلم انه ذم من عارضه وخالفه، وجادل بما يناقضه، كقوله تعالى:{ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} [غافر: 4] .
وقال تعالى: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه} [غافر: 56] ، وأمثال ذلك.
وإذا كان كذلك، فقد علم بالاضطرار أن من جاء بالقرآن، أخبر أن من صدق بمضمون أخباره فقد علم الحق واهتدى، ومن أعرض عن ذلك كان جاهلاً ضالاً، فكيف بمن عارض ذلك وناقضه.
وحينئذ فكل من لم يقل بما أخبر به القرآن عن صفات الله واليوم الآخر، كان عند من جاء بالقرآن جاهلاً، ضالاً، فكيف بمن قال بنقيض ذلك؟.
فلأول عند من جاء بالقرآن في الجهل البسيط، وهؤلاء في الجهل المركب.
ولهذا ضرب الله تعالى مثلاً لهؤلاء، ومثلا لهؤلاء، فقال:{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب} [النور: 39] ، فهذا مثل أهل الجهل المركب.
وقال تعالى: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} [النور: 40] ، فهذا مثل أهل الجهل البسيط.
ومن تمام ذلك أن يعرف أن للضلال تشابهاً في شيئين،: أحدهما الإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني معارضته بما يناقضه، فمن الثاني الاعتقادات المخالفة للكتاب والسنة.
فكل من أخبر بخلاف ما أخبر به الرسول عن شيء من أمر الإيمان بالله
واليوم الآخر أن غير ذلك فقد ناقضه وعارضه، سواء اعتقد ذلك بقلبه، أو قال بلسانه.
وهذا حال كل بدعة تخالف الكتاب والسنة، وهؤلاء من أهل الجهل المركب، الذين أعمالهم كسراب بقيعة.
ومن لم يفهم خبر الرسول ويعرفه بقلبه، فهو من أهل الجهل البسيط، وهؤلاء من أهل الظلمات.
وأصل الجهل المركب هو الجهل البسيط، فإن القلب إذا كان خالياً من معرفة الحق، واعتقاده والتصديق به، كان معرضاً لأن يعتقد نقيضه ويصدق به، لا سيما في الأمور الإلهية، التي هي غاية مطالب البرية، وهي أفضل العلوم وأعلاها، وأشرفها وأسماها، والناس الأكابر لهم إليه غاية التشوف والاشتياق، وإلى جهته تمتد الأعناق، فالمهتدون فيه أئمة الهدى، كإبراهيم الخليل وأهل بيته، وأهل الكذب فيه أئمة الضلال، كفرعون وقومه.
وقال تعالى في أولئك: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} [الأنبياء: 73] .
وقال تعالى في الآخرين: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون} [القصص: 41] .
فمن لم يكن فيه على طريق أئمة الهدى، كان ثغر قلبه مفتوحاً لأئمة الضلال.
ومصداق هذا أن ما وقع في هذه الأمة من البدع والضلال، كان من أسبابه تقصير من قصر في إظهار السنة والهدى، مثل ما وقع في هذا الباب، فإن الجهل المركب الذي وقع فيه أهل التكذيب والجحود في توحيد الله تعالى وصفاته، كان من أسبابه التقصير في إثبات ما جاء به الرسول عن الله، وفي معرفة معاني أسمائه وآياته، حتى أن كثيراً من المنتسبين إلى الكتاب والسنة يريدون أن طريقة السلف والأئمة إنما هو الإيمان بألفاظ النصوص، والإعراض عن تدبر معانيها وفقهها وعقلها.
ومن هنا قال من قال من النفاة: (إن طريقة الخلف أعلم وأحكم، وطريقة السلف أسلم) لأنه ظن أن طريقة الخلف فيها معرفة النفي، الذي هو عنده الحق، وفيها طلب التأويل لمعاني نصوص الإثبات، فكان في هذه عندهم علم بمعقول، وتأويل لمنقول، ليس في الطريقة التي ظنها طريقة السلف، وكان فيه أيضاً رد على من يتمسك بمدلول النصوص، وهذا عنده من إحكام تلك الطريق.
ومذهب السلف عنده عدم النظر في فهم النصوص، لتعارض الاحتمالات، وهذا عنده أسلم، لأنه إذا كان اللفظ يحتمل عدة معان، فتفسيره ببعضها دون بعض فيه مخاطرة، وفي الإعراض عن ذلك سلامة من هذه المخاطرة.
فلو كان قد بين وتبين لهذا وأمثاله أن طريقة السلف إنما هي إثبات
ما دلت عليه النصوص من الصفات، وفهم ما دلت عليه، وتدبره وعقله، وإبطال طريقة النفاة، وبيان مخالفتها لصريح المعقول وصحيح المنقول- علم أن طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم، وأهدى إلى الطريق الأقوام، وأنها تتضمن تصديق الرسول فيما أخبر به، وفهم ذلك ومعرفته، وأن ذلك هو الذي يدل عليه صريح المعقول، ولا يناقض ذلك إلا ما هو باطل وكذب، وأن طريقة النفاة المنافية لما أخبر به الرسول طريقة باطلة شرعاً وعقلاً، وأن من جعل طريقة السلف عدم العلم بمعاني الآيات، وعدم إثبات ما تضمنته من الصفات، فقد قال غير الحق: إما عمداً وإما خطأً، كما أن من قال على الرسول: إنه لم يبعث بإثبات الصفات، بل بعث بقول النفاة، كان مفترياً عليه.
وهؤلاء النفاة هم كذابون: إما عمداً وإما خطأً: على الله وعلى رسوله، وعلى سلف الأمة وأئمتها، كما أنهم كذابون: إما عمداً وإما خطأً: على عقول الناس، وعلى ما نصبه الله تعالى من الأدلة العقلية، والبراهين اليقينية.
والكذب قرين الشرك، كما قرن بينهما في غير موضع، كقوله تعالى:{فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين} [الحج: 30-31] .
وقال تعالى: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين} [الأعراف: 152] .
وقال تعالى: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون * ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون} [القصص: 74-75] .
وتجد هؤلاء حائرين في مثل قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7]، حيث ظنوا أن المراد بالتأويل: صرف النصوص عن مقتضاها.
وطائفة تقول إن الراسخين في العلم يعلمون هذا التأويل، وهؤلاء يجوزون مثل هذه التأويلات، التي هي تأويلات الجهمية النفاة.
ومنهم من يوجبها تارة، ويجوزها تارة، وقد يحرمونها على بعض الناس، أو في بعض الأحوال لعارض، حتى أن الملاحدة من المتفلسفة والمتصوفة وأمثالهم قد يحرمون التأويلات، لا لأجل الإيمان والتصديق بمضمونها، بل لعلمهم بأنه ليس لها قانون مستقيم، وفي إظهارها إفساد الخلق، فيرون الإمساك عن ذلك لمصلحة، وإن كان حقاً في نفسه.
وهؤلاء قد يقولون: الرسل خاطبوا الخلق بما لا يدل على الحق، لأن مصلحة الخلق لا تتم إلا بذلك، بل لا تتم إلا بأن تخيلوا لهم في أنفسهم ما ليس موجوداً في الخارج لنوع من المصلحة، كما يخيل للنائم والصبي والقليل العقل ما لا وجود له، لنوع من المناسبة، لما له في ذلك من المصلحة.
وطائفة يقولون: هذا التأويل لا يعلمه إلا الله.
ثم من هؤلاء من يقول: تجرى على ظواهرها، ويتكلم في إبطال التأويلات بكل طريق.
ومن المعلوم أنه إذا كان لها تأويل يخالف ظاهرها، لم يحمل على ظاهره، وما حمل على ظاهره لم يكن له تأويل يخالف ذلك، فضلاً عن أن يقال: يعلمه الله أو غيره.
بل مثل هذا التأويل يقال فيه: كما قال تعال: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18] ، فإن كان منتفيا لا وجود له، لا يعلمه الله إلا منتفياً لا وجود له، لا يعلمه ثابتاً موجوداً.
وسبب هذا الاضطراب أن لفظ (التأويل) في عرف هؤلاء المتنازعين، ليس معناه معنى التأويل في التنزيل، بل ولا في عرف المتقدمين من مفسري القرآن فإن أولئك كان لفظ (التأويل) عندهم بمعنى التفسير، ومثل هذا التأويل يعلمه من يعلم تفسير القرآن.
ولهذا لما كان مجاهد إمام أهل التفسير، وكان قد سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن تفسير القرآن كله، وفسره له، كان يقول: إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل، أي التفسير المذكور.
وهذا هو الذي قصده ابن قتيبة وأمثاله، ممن يقولون: إن
الراسخين في العلم يعلمون التأويل، ومرادهم به التفسير، وهم يثبتون الصفات، لا يقولون بتأويل الجهمية النفاة، التي هي صرف النصوص عن مقتضاها ومدلولها ومعناها.
وأما لفظ (التأويل) في التنزيل فمعناه: الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب، وهي نفس الحقائق التي أخبر الله عنها، فتأويل ما أخبر به عن اليوم الآخر هو نفس ما يكون في اليوم الآخر، وتأويل ما أخبر به عن نفسه هو نفسه المقدسة الموصوفة بصفاته العلية.
وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله، ولهذا كان السلف يقولون: الاستواء معلوم والكيف مجهول، فيثبتون العلم بالاستواء وهو التأويل الذي بمعنى التفسير، وهو معرفة المراد بالكلام حتى يتدبر ويعقل ويفقه، ويقولون: الكيف مجهول، وهو التأويل الذي انفرد الله بعلمه، وهو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو.
وأما التأويل بمعنى: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، كتأويل من تأول: استوى، بمعنى استولى، ونحوه، فهذا عند السلف والأئمة- باطل لا حقيقة له، بل هو من باب تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وآياته.
فلا يقال في مثل هذا التأويل: لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، بل يقال فيه:{قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18] ، كتأويلات الجهمية والقرامطة الباطنية، كتأويل من تأول الصلوات الخمس: بمعرفة أسرارهم، والصيام، بكتمان أسرارهم، والحج: بزيارة شيوخهم، والإمام المبين: بعلي بن أبي طالب، وأئمة الكفر: بطلحة والزبير، والشجرة الملعونة في القرآن: ببني أمية، واللؤلؤ والمرجان: بالحسن والحسين، والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين: بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، والبقرة: بعائشة، وفرعون: بالقلب، والنجم والقمر والشمس: بالنفس والعقل، ونحو ذلك.
فهذه التأويلات من باب التحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في آيات الله، وهي من باب الكذب على الله وعلى رسوله وكتابه، ومثل هذه لا تجعل حقاً حتى يقال إن الله استأثر بعلمها، بل هي باطل، مثل شهادة الزور، وكفر الكفار يعلم الله أنها باطل، والله يعلم عباده بطلانها بالأسباب التي بها يعرف عباده: من نصب الأدلة وغيرها.
وأصل وقوع أهل الضلال في مثل هذا التحريف، الإعراض عن فهم كتاب الله تعالى، كما فهمه الصحابة والتابعون، ومعارضة ما دل عليه بما يناقضه، وهذا هو من أعظم المحادة لله ولرسول، لكن على وجه النفاق والخداع.
وهو حال الباطنية وأشباههم، ممن يتظاهر بالإسلام واتباع القرآن والرسالة، بل بموالاة أولياء الله تعالى من أهل بيت النبوة وغيرهم من الصالحين، وهو في الباطن من أعظم الناس مناقضة للرسول فيما أخبر به وما أمر به، لكنه يتكلم بألفاظ القرآن والحديث، ويضم إلى ذلك من المكذوبات ما لا يحصيه إلا الله، ثم يتأول ذلك من التأويلات بما يناسب ما أبطنه من الأمور المناقضة لخبر الله ورسوله، وأمر الله ورسوله، ويظهر تلك التأويلات لمستجيبيه بحسب ما يراه من قبولهم وموافقتهم له.
مثل أن يروا أن العالم كله مفعول ومصنوع لشيء يسميه العقل الأول، فجعله هو رب الكائنات، ومبدع الأرض والسموات، ولكنه لازم للواجب بنفسه، ومعلول له، وأنه يلزمه عقل ونفس وفلك، ثم يلزم ذلك العقل عقل ونفس وفلك، حتى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر، الذي أبدع بزعمه جميع ما تحت السماء من العناصر والحيوان والمعادن وغير ذلك، وهو الذي يفيض عنه العلم والنبوة والرسالة وغير ذلك في أنفس العباد، وعنه صدر القرآن والتوراة وغير ذلك.
ثم يريد أن يوفق بين هذا وبين ما أخبرت به الرسل فيقول: هذه العقول هي الملائكة التي أخبرت بها الأنبياء، وقد يقول عن هذا العقل الفعال: إنه جبريل، الذي ما هو على الغيب بضنين أي ببخيل، لأنه دائم الفيض بزعمه، لكن يحصل الفيض بحسب استعداد القوابل.
ومن المعلوم بالاضطرار لكل من تدبر ما أخبرت به الرسل من صفات الملائكة أن هذه العقول التي وصفها هؤلاء الفلاسفة الصابئة المشركون، ليست هي الملائكة فإنا نعلم بالاضطرار أنهم لم يجعلوا ملكاً واحداً أبدع جميع ما سوى الله تعالى، ولا ملكا أبدع جميع ما تحت السماء، ولا جعلوا الملائكة أرباباً ولا آلهة.
بل قد قال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} [آل عمران: 80] .
وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26]، إلى:{ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم} [الأنبياء: 29] ، ونحو ذلك من الآيات.
فغاية الملك أن يكون شافعاً عند الله، ولا يشفع إلا من بعد إذنه.
ومن المعلوم أن كفر هؤلاء أعظم من كفر النصارى، فإن النصارى يقرون بإله خلق جميع المخلوقات، لا يجعلون له معلولا خلق المخلوقات، لكن يقولون: إنه اتحد بالمسيح.
وأما هؤلاء فيثبتون عقولاً لا حقيقة لها، ثم يقولون إن كلاً منها أبدع الآخر وسائر العالم.
وتسميتهم للعقول بالملائكة باطل، ثم يستدل من يجمع بين كلامهم، وكلام الأنبياء، بحديث موضوع، نبه على وضعه أبو حاتم البستي، والعقيلي، والدارقطني، والخطيب، وابن الجوزي.
وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «أول ما خلق الله العقل، فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً أكرم علي منك، فبك آخذ وبك أعطي، وبك الثواب وعليك العقاب» .
ومع هذا فهو لفظه: لما خلق الله العقل، فهذا اللفظ يقتضي أنه خاطبه في أول أوقات خلقه، لا يقتضي أنه أول المخلوقات، بل هذا اللفظ يقتضي أنه خلق قبله غيره، فإنه قال له:«ما خلقت خلقاً أكرم علي منك» .
وإيضا فإنه وصف بالإقبال والإدبار، والعقل عندهم لا يقبل ولا يدبر.
وإيضا فإنه قال: بك آخذ وبك أعطي، وبك الثواب وعليك العقاب، وهؤلاء عندهم جميع الموجودات صادرة عنه: من العقول، والأفلاك، والأرض، والحيوان، والنبات، ونحو ذلك.
والأعراض من العلوم والإرادات، فقول القائل: بك آخذ وبك أعطي
…
إلى آخره، يقتضي أن به هذه الأعراض الأربعة، وعندهم