الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السمع عليه، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أولوه) .
ومن هنا زادت طائفة أخرى على ذلك، فادعوا أنهم يعلمون -إما بالكشف وإما بالعقل - الحقائق التي أخبر بها الرسول أكمل من علمه بها، بل ادعى بعضهم أن الأنبياء والرسل يستفيدون معرفة تلك الحقائق من مشكاة أحدهم، كما ادعاه صاحب الفصوص أن الأنبياء والرسل يستفيدون العلم بالله من مشكاة المسمى عنده بخاتم الأولياء، وادعى انه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الموحي به إلى الرسول.
ومعلوم أن هذه الأقوال من شر أقوال الكافرين بالرسول، لا المؤمنين به.
الوجه الرابع والثلاثون
أن الذين يعارضون الشرع بالعقل، ويقدمون رأيهم على ما أخبر به الرسول، ويقولون: إن العقل أصل للشرع، فلو قدمناه عليه للزم
القدح في أصل الشرع - إنما يصح منهم هذا الكلام إذا أقروا بصحة الشرع بدون المعارض، وذلك بأن يقروا بنبوة الرسول، وبأنه قال هذا الكلام، وبأنه أراد به كذا، وإلا فمع الشك في واحدة من هذه المقدمات، لا يكون معهم عن الرسول من الخبر ما يعلمون به تلك القضية المتنازع فيها بدون معارضة العقل، فكيف مع معارضة العقل، أما النبوة: فمن لم يعلم أن الرسول عالم بهذه القضية التي أخبر بها، وأنه معصوم أن يقول فيها غير الحق، لم يمكن أن يعلم حكمها بخبره، فمتى جوز أن يكون غير عالم مع خبره بها، يجوز عليه أن يخطئ فيما يخبر به عن الله واليوم الآخر أو أن يكذب، لم يستفد بخبره علماً، ومن كانت النبوة عنده مكتسبة، من جني نبي الفلاسفة، وأن خاصة النبي قوة ينال بها العلم، وقوة بتصرف بها في العلم، وقوة تجعل من المعقولات في نفسه خيالات ترى وتسمع، فتكون تلك الخيالات ملائكة الله وكلامه، كما يقول ابن سينا وأتباعه من المتفلسفة - لم يمكنه أن يجزم بأن الرسول عالم بما يقوله، معصوم أن يقول غير الحق، فكيف إذا كان يقول: إن الرسول قد يقول ما يعلم خلاف.
فهؤلاء يمتنع أن يستفيدوا بخبر الرسول علماً، فكيف يتكلمون في المعارضة؟
وكذلك من لم يعلم ثبوت الأخبار لم يتكلم في حصول العلم بموجبها،
وكذلك من قال: إن الدليل السمعي لا يعلم به مراد المتكلم، كما يقول الرازي ومتبعوه الذين يزعمون أن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين بمراد المتكلم، فهؤلاء ليس عندهم دليل شرعي يفيد العلم بما أخبر به الرسول، فكيف يعارضون ذلك المعقول.
وكذلك أيضا من عرف أن معقولاتهم التي يعارضون بها الشرع باطلة، امتنع أن يعارض بها دليلاً ظنياً عنده، فضلاً عن أن يعارض بها دليلا يقينياً عنده، ولهذا كان الذين صرحوا بتقديم الأدلة العقلية على الشرعية مطلقاً، كأبي حامد والرازي ومن تبعهم، ليس فيهم من يستفيد من الأنبياء علماً بما أخبروا به، إذا لم يكونوا مقرين بأن الرسول بلغ البلاغ المبين المعصوم، بل إيمانهم بالنبوة فيه ريب: إما لتجويز أن يقول خلاف ما يعلم، كما يقول ابن سينا وأمثاله، وإما لتجويز أن يكون لا عالماً بذلك، كما تقوله طائفة أخرى، وإما لأنه جائز في النبوة - لم يجزم بعد بأن النبي معصوم فيما يقوله، وأنه بلغ البلاغ المبين، فلا تجد أحداً ممن يقدم المعقول مطلقاً على خبر الرسول إلا وفي قلبه مرض في إيمانه بالرسول، فهذا محتاج أولاً إلى أن يعلم أن محمداً رسول الله الصادق المصدوق، الذي لا يقول على الله إلا الحق، وأنه بلغ البلاغ المبين، وأنه معصوم عن أن يقره الله على خطأ فيما بلغه وأخبر