الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعلوم أن من زعم أن العقل الصريح الذي يجب اتباعه، يناقض ما جاء به الرسل، وذلك هو سبيل الله، فقد بغى سبيل الله عوجاً، أي طلب له العوج، فإنه طلب أن يبين اعوجاج ذلك وميله عن الحق، وأن تلك السبيل الشرعية السمعية المروية عن الأنبياء عوجاً لا مستقيمة، وأن المستقيم هو السبيل التي ابتدعها من خالف سبيل الأنبياء.
ويوضح هذا.
الوجه الثالث والعشرون
وهو أن يقال: من المعلوم أن الله أخبر أنه أرسل رسله بالهدى والبيان، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، فقال تعالى:{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} [التوبة: 33]، وقال تعالى:{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} [الشورى: 52-53] .
وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد * الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} [إبراهيم: 1-2] .
إلى قوله: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [إبراهيم: 4] .
وقد قال تعالى: {فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} [النحل: 35] .
وقال: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} [العنكبوت: 18] .
وقال: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} [الأعراف: 157] .
قال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} [المائدة: 15-16] .
وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 144] .
وقال تعالى: {ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [يوسف: 111] .
وقال تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} [النحل: 89] .
وقال تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} [البقرة 2-5] .
ونظائر هذا في القرآن كثيرة.
وإذا كان كذلك فيقال: أمر الإيمان بالله واليوم الآخر: إما أن يكون الرسول تكلم فيه بما يدل على الحق، أو بما يدل على الباطل، أو لم يتكلم: لا بما يدل على حق، ولا بما يدل على باطل.
ومعلوم أنه إذا قدر في شخص من الأشخاص أنه لم يتكلم في أمر الإيمان بالله واليوم الآخر: لا بحق ولا بباطل، ولا هدى ولا ضلال، بل سكت عن ذلك، لم يكن قد هدى الناس، ولا أخرجهم من الظلمات إلى النور، ولا بين لهم، ولا كان معه ما يستضيء به السالك المستدل.
فإن قدر أن هذا الشخص تكلم بما يفهم منه نقيض الحق، وبما يدل على ضد الصواب، وكان مدلول كلامه في ذلك معلوم الفساد بصريح العقل- لكان هذا الشخص قد أضل بكلامه وما هدى، وكان مخرجا لمن اتبعه بكلامه من النور إلى الظلمات، كحال الطاغوت الذين قال الله فيهم:{والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} [البقرة: 257] .
ومن زعم أن ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة، قد عارضه صريح المعقول الذي يجب تقدمه عليه، فقد جعل الرسول شبيهاً بالشخص الثاني الذي أضل بكلامه من وجه، ويجعله بمنزلة من جعله كالساكت الذي لم يضل ولم يهد من وجه آخر.