الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثامن والثلاثون
قال: إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما بين للناس أصول إيمانهم، ولا عرفهم علماً يهتدون به، في أعظم أمور الدين، وأجل مقاصد الدعوة النبوية، وأجل ما خلق الخلق له، وأفضل ما أدركه الخلق وحصلوه وانتهوا إليه، بل إنما بين لهم الأمور العملية، فإذا كان كذلك فمن المعلوم أن من علمهم وبين لهم أشرف القسمين، وأعظم النوعين، كان ما أتاهم به أفضل مما أتاهم به من لم يبين إلا القسم المفضول والنوع المرجوح.
وحينئذ فمذهب النفاة للصفات ليس من أئمته أحد من خيار هذه الأمة وسابقيها، وإنما أئمتهم الكبار: القرامطة الباطنية من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم، ومن يوافق هؤلاء من ملاحدة الفلاسفة، وملاحدة المتصوفة القائلين بالوحدة والحلول والاتحاد، كابن سينا، والفارابي، وابن عربي، وابن سبعين، وأمثال هؤلاء.
ثم من امثل هؤلاء كأئمة الجهمية: مثل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وأبي الهذيل العلاف، وأبي إسحاق النظام،
وبشر المريسي، وثمامة بن أشرس، وأمثال هؤلاء، فيكون ما أتى به هؤلاء من العلم والهدى والمعرفة، أفضل وأشرف مما أتى به موسى ابن عمران، ومحمد بن عبد الله سيد ولد آدم، وأمثالهما من الرسل صلوات الله عليهم وسلامه، لأن هؤلاء عند النفاة الجهمية لم يبينوا أفضل العلم وأشرف المعرفة، وإنما بينها أولئك على قول النفاة.
ولازم هذا القول أن يكون عند النفاة الجهمية أولئك أفضل من الأنبياء والرسل في العلم بالله وبيان العلم بالله، وقد صرح أئمة هؤلاء بهذا، فابن عربي وأمثاله يقولون: إن الأنبياء والرسل يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء، وأن هذا الخاتم يأخذ العلم من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحي به إلى الرسول.
وابن سبعين يقول: إنه بين العلم الذي رمز إليه هرامس الدهور الأولية، ورامت إفادته الهداية النبوية.
فعلى قوله: إن الأنبياء راموا إفادته وما أفادوه.
وطائفة من المتفلسفة يقولون: إن الفيلسوف أفضل من النبي وأكمل منه، وهكذا ملاحدة الشيعة من الإسماعيلية ونحوهم، يقولون: إن أئمتهم كمحمد بن إسماعيل بن جعفر ونحوه، أفضل من موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين.
ثم إن هذا كثر في طوائف من جهال البربر والأكراد، والفرس والعرب، يعتقدون في شيخهم أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن شيوخه هؤلاء من يكون منافقاً زنديقاً.
ومن قال في أئمة الإسماعيلية وأمثالهم من الشيوخ المنافقين والفاسقين: إنه أفضل من الرسل، فإن هؤلاء شر من النصارى، فإن النصارى يزعمون أن الحواريين وأمثالهم أفضل من إبراهيم الخليل وموسى وداود، وغيرهم من الأنبياء والحواريون كانوا مؤمنين، فإذا كان من قال هذا من النصارى من أجهل الناس وأكفرهم، فمن فضل ملحداً من الملاحدة على أنبياء الله ورسله، كان كفره أعظم من كفر النصارى من هذا الوجه.
بل هؤلاء قد يكونون شراً ممن يفضل من النصارى على إبراهيم وموسى وداود وسليمان وغيرهم، كبولص وأمثاله، الذين يقال: إنهم ابتدعوا للنصارى ما ابتدعوه من الضلالات وأضلوهم، وأدخلوا في دين المسيح من دين المشركين والصائبين، ومن الروم وأمثالهم، ما أفسدوا به دين المسيح صلى الله عليه وسلم، وجعلوا النصارى على الضلالات التي فارقوا بها دين المسيح، حتى قال من قال من العلماء: إن النصارى صاروا على مذهب الروم المشركين، لا أن الروم صاروا على دين النصارى، فإن أولئك غيروا شريعة دين المسيح، مستبدلين بها ما استبدلوه من شرائع المشركين، وغايتهم أنهم ركبوا ديناً من دين الفلاسفة والصائبين والمشركين ودين النصارى، كما صانع ماني لما ركب ديناً من دين المجوس ودين النصارى.