الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون بغير الجزئيات الواقعة في الأعيان لا بالأمر الكلي.
قال وإن سلم أن الأمر يتعلق بالمعنى الكي المشترك، وهو المسمى بالبيع، فإذا أتى المأمور ببعض الجزئيات فقد أتى بما هو مسمى البيع المأمور به.
تعليق ابن تيمية
قلت: هذا الثاني صحيح، فإن الآتي ببعض المعينات قد أتى بما امر به، لكن الجمهور الذي يقولون: لا يصح بيعه بالغبن الفاحش، يقولون لم يدخل هذا البيع المعين في المسمى المطلق في عرف الناس، كما لم يدخل البيع بثمن مؤجل، وثمن محرم، ونحو ذلك.
وأما قوله إنه لم يؤمر بكلي وإنه لا معنى لا اشتراك الجزئيات في المعنى الكلي، وإلا مطابقة حد الكلي لحد جزئياته، فهذا إسراف في النفي، فإن الجزئيات تطابق حد بعضها بعضا وليس بعضها عاما مشتركا لسائرها.
وقوله، إيقاع المعنى الكلي في الأعيان غير متصور في نفسه
صحيح إذا أريد به أن يجعل ذلك المعنى الذي في نفسه كلياً هو نفسه موجوداً في الخارج، وهذا غير مراد، فإن ما في النفس صفة قائمة بها لا يكون في الخارج، وإنما المراد أن يوجد في الخارج ما يطابقه، بحيث يكون ذلك المعنى الكلي الذهني متناولاً له، كما يقال: فعلت ما في نفسي، كما قال تعالى {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} يوسف 68 فالحاجة التي في نفسه إنما في نفسه تصورها وقصدها، وقضاؤها له فعل ذلك المراد المتصور، وهو امره لهم بما امرهم به من الدخول من أبواب متفرقة، ومثل هذا كثير في كلام سائر الناس.
ومنه قول عمر بن الخطاب: زورت في نفسي مقالة أردت أن أقولها.
ويقال: كان في نفسي أن أحج وقد فعلت ما كان في نفسي.
والمقصود هنا أن الآمدي هنا متعرف بأن المعنى الكي لا تصور لوجوده في الأعيان وإلا كان موجوداً في جزئياته.
قال: يلزم من ذلك انحصار ما يصلح لا اشتراك كثيرين فيه مما لا يصلح له، وهو محال وهو كما قال فإنه إذا قال: إن المطلق جزء من المعين، والكلي موجود في الجزئي، فقد جعل الكي بعض الجزئي، وبعض الشيء ينحصر فيه.
ثم أنهم يقولون: هو جزء من هذا
المعين، وهذا المعين، وسائر الجزئيات، فيلزم انحصاره في كل جزئي من جزئياته، وانحصاره في واحد يمنع وجوده في غيره، كما يمتنع وجود الجزئي في جزئي آخر، فكيف يكون منحصراً في جزئي مع انحصاره في جزئي آخر، فإن هذا جمع بين النقيضين مرات متعددة، بل لا ينحصر كثرة.
فلو كان الآمدي ذكر هذا في هذا الموضع، لعلم بطلان هذه الحجة التي حررها لأتباع ابن سينا في كتابيه الكبيرين، ولم يبن علتها، ولعرف حلها ولم يقتصر على معارضتها.
وكذلك الرازي يحتج بمثل هذه كثيراً مع أنه ينقضها كثيراً، كما قال في ملخصه حكاية عن المتفلسفة: أما الكلي العقلي، فالمشهور أن الصورة الذهنية أي وجوده بما هو هو في الذهن فقط لا في الخارج قالوا في بيان ذلك إن الأمر الموصوف بالكلية موجود: إما في الذهن، وإما في الخارج، وإلا لكان عدماً صرفاً، ولو كان كذلك لاستحال أن يكون مشتركا فيه بين كثيرين، ومحال أن يكون موجوداً في الخارج، لأن كل موجود في الخارج فهو مشخص معين، ولا شيء من المشخص المعين بمشترك فيه بين كثيرين، ينتج لا شيء من الموجود في الخارج بمشترك فيه بين كثيرين، وكل كلي مشترك فيه بين
كثيرين، فلا شيء من الموجود في الخارج بكلي، ولما بطل كون الكي موجوداً في الخارج، تعين كونه موجوداً في الذهن فهذا الكلام الذي ذكره الرازي وحكاه عن الحكماء هنا، كلام صحيح.
ولو التزموا موجبه لم يقولوا: إن في الخارج شيئاً مشتركاً كلياً، ولا أن الإنسانية الكلية موجودة في الخارج، ولا أن الواجبين أو الموجودين إذا اشتركا في مسمى الوجود والوجوب، كان ذلك المشترك الكلي متحققا في الخارج، واحتاج حينئذ إلى ما به الامتياز.
وتناقض القوم أكثر من أن يمكن ذكره هنا، ومن تصور هذا المعنى علم بالاضطرار أن هذا الإنسان المعين، هو حيوان معين وجسم معين وناطق معين وأنه ليس فيه شيء كلي مطلق، مشترك بينه وبين غيره، ولا الكلي المطلق المشترك بين الأعيان جزء منه، ثابت في الخارج، ومن جعل المطلقات الكلية ثابتة في الخارج وجزءاً من العينات، وأثبت في المعينات أموراً مطلقة، فلا ريب أنه لم يتصور ما قال، أو هو فاسد العقل بأي عبارة عبر عن ذلك، مثل أن يقول: الماهية الكلية يعرض لها التعين، او هي معروضة التعين، أو هي غير مانعة من التعين، أو جعلوا الكلية عارضة للتعين، كقولهم: معروض الكلي في الخارج، فإنهم لما ظنوا أن في الخارج كلياً ومعيناً، صاروا تارة
يجعلون هذا عارضاً لذاك، وتارة يجعلون ذاك عارضا لهذا، ويقولون: الماهية يعرض لها أن تكون كلية وجزئية.
وحقيقة الأمر أن الماهية الكلية إنما تكون كذلك في الذهن وما في الذهن لا يوجد في الخارج إلا معيناً، ومعنى وجوده وجود ما يطابقه: مطابقة العلم للمعلوم، والاسم للمسمى، والإرادة للمراد، وإلا فعاقل يتصور ما يقول لا يقول: إن الكليات توجد في الخارج إلا إذا أراد به أن ما هو كلي في الأذهان يكون ثابتاً في الأعيان، لكن معيناً وهؤلاء ينكرون على من يقول: المعدوم شيء ثابت في الخارج.
وقوله وإن كان باطلاً فقولهم أفسد منه وإن كانا يشربان من عين واحدة، وهو اشتباه ما في الأذهان بما في الأعيان.
وكذلك الذين أثبتوا الأحوال في الخارج، وقالوا: هي لا موجودة ولا معدومة، شربوا أيضاً من هذه العين، وكذلك من ظن اتحاد العالم بالمعلوم، والمحب بالمحبوب، والعابد بالمعبود، كما وقع لأهل الاتحاد المعين قد شرب من هذه العين المرة المالحة أيضاً وكذلك من قال بالاتحاد المطلق تصور وجوداً مطلقاً في نفسه، فظن أنه في الخارج، فهؤلاء كلهم شربوا من عين الوهم والخيال، فظنوا أن ما يكون في وهمهم وخيالهم هو ثابت في الخارج.
هذا وهم ينكرون على أهل العقول السليمة والفطر المستقيمة إذا