الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجوب أمر سلبي لا ثبوتي فلا يتم الدليل حينئذ والثاني أن هذه الحجة منتقضة بوجود الله سبحانه مع وجود الممكنات فإنهما اتفقا في مسمى الوجود وامتاز كل منهما عن الآخر بتعينه فإما أن يكون المطلق مع المعين لازماً أو ملزوماً أو عارضاً أو معروضاً واعترض الرازي بإعتراض ثالث وهو أنه منع كون التعين وصفاً ثبوتياً كما منع كون الوجوب وصفاً ثبوتياً.
تعليق ابن تيمية
قلت أما إلزامهم لهم الوجود الممكن مع الواجب فهذا إلزام لازم لا محيد للفلاسفة عنه ولكن ليس فيه حل الشبهة واما منع كون الوجوب أمراً ثبوتياً فهو من نوع السفسطة فإن الوجود إذا كان ثبوتياً فوجوبه الذي هو توكده المانع من إمكان نقيضه كيف يكون عدمياً ومعلوم أن اسم الوجود هو بالواجب أحق منه بالممكن.
وأيضاً فإن ما ذكره من التقسيم وارد سواء قيل إن المفهوم ثبوتي أو سلبي فإنه إذا كان سلبياً مشتركاً امتنع أن يكون ملزوماً للمختص فإن المشترك سواء كان وجودياً أو عدمياً لا يستلزم المختص فإنه يقتضي أنه حيث وجد المشترك المطلق العام وجد كل واحد من أفراده الخاصة وامتنع أيضاً أن يكون لازماً للمختص إلا إذا كان الوجوب معلولاً ولازماً لغيره وهو قد ذكر إبطال هذا.
وقد اعترض الرازي باعتراض آخر على احد قوليه في أن الوجود زائد على الماهية بان الماهية تكون علة للوجود وذكر أنه لا محذور في أن
تكون الماهية إذا أخذت مطلقة لا بشرط وجود ولا عدم علة لوجود نفسها والماهية من حيث هي هي لا موجودة ولا معدومة.
قلت الحجة مدارها على أن المطلق المشترك الكلي موجود في الخارج وهذا هو الموضع الذي ضلت فيه عقول هؤلاء حيث اعتقدوا أن الأمور الموجودة المعينة اشتركت في الخارج في شيء وامتاز كل منها عن الآخر بشيء وهذا عين الغلط.
قلت والشخص المعين ليس له تعين غير هذا الشخص المعين لا ثبوتي ولا عدمي فإنه لم يكن مشاركاً لغيره في أمر خارجي حتى يحتاج تعينه وتميزه عنه إلى وصف آخر ثبوتي أو سلبي وقولهم في القاعدة الكلية إن الأشياء التي لها حد نوعي إنما تختلف بعلل أخرى وأنه إذا لم يكن مع الواحد منها القوة القابلة لتأثير العلل وهي المادة لم يتعين إلا أن يكون من حق نوعها أن توجد شخصاً واحداً فأما إذا كان يمكن في طبيعة نوعها أن تحمل على كثيرين فيعين كل واحد بعلة فلا يكون سوادان ولا بياضان في نفس الأمر إلا إذا كان الاختلاف بينهما في الموضوع وما يجري مجراه هو قول باطل وذلك أن الأشياء التي لها حد واحد نوعي لا وجود لها في الخارج مطلقة ولا عامة أصلاً وإنما وجودها كذلك في الذهن فالسبب الفاعل للواحد منها هو الفاعل لذاته ولصفاته وهو الفاعل لذلك الواحد المعين وليس هنا شيئان أحدهما لنوعها والآخر لتشخصها بل ولا وجودان أحدهما لنوعها
والآخر لتشخصها بل ولا وجودان أحدهما لنوعها والآخر لتشخصها بل ولا قابلان بل الموجود هو الأعيان المشهودة والفاعل إنما فعل تلك الأعيان لم يفعل أنواعاً مطلقة كلية وإن كانت تلك تتصور في العلم فالكلام في الوجود الخارجي.
وهذا مما يبين لك أن من قال المتفلسفة إنه سبحانه وتعالى يعلم الأشياء على وجه كلي لا جزئي فحقيقة قوله إنه لم يعلم شيئاً من الموجودات فإنه ليس في الموجودات إلا ما هو معين جزئي والكليات إنما تكون في العلم لا سيما وهم يقولون إنما علم الأشياء لأنه مبدؤها وسببها والعلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب ومن المعلوم أنه مبدع للأمور المعينة المشخصة الجزئية كالأفلاك المعينة والعقول المعينة وأول الصادرات عنه على أصلهم العقل الأول وهو معين فهل يكون من التناقض وفساد العقل في الإلهيات أعظم من هذا؟
وقولهم إنه إذا لم يكن مع الواحد منها القوة القابلة لتأثير العلل وهي المادة لم يتعين كقول القائل إذا لم يكن مع الواحد منها القوة القابلة وهي المادة لم توجد فإن وجودها هو بعينها لم يكن لها تحقق في الخارج غير وجودها المعين.
وقولهم فأما إذا كان يمكن في طبيعة نوعها أن تحمل على كثيرين فتعين كل واحد بعلة كقول القائل فموجود كل واحد بعلة ومعلوم أن الممكن وجوده بعلة سواء كان قد انحصر نوعه في شخصه كالشمس أو كان مما لم ينحصر نوعه في شخصه كالإنسان
فليس للمعين علتان إحداهما لنوعه والأخرى لشخصه بل العلة الموجبة لشخصه كافية في وجوده كوجود ما أنحصر نوعه في شخصه.
وقوله فلا يكون سوادان ولا بياضان في نفس الأمر إذا كان الاختلاف بينهما في الموضوع وما يجري مجراه كقول القائل لا يكون سوادان إلا إذا كان كل منهما قائماً في محل وكذلك السواد الواحد لا يوجد إلا في محل يقوم به وإذا قيل السوادان يفتقران إلى محلين وكذلك السواد الواحد فذلك لأجل كون السواد لا بد له من محل ولا يعقل تعدد السوادين بدون تعدد المحل كما لا يعقل وجوده بدون وجود المحل وما لا يفتقر إلى محل فتعدده لا يفتقر إلى محل كما أن واحده لا يفتقر إلى محل والتعين كالوحدة والتكثر كالتعدد وليس للعدد والوحدة في الخارج وجود غير المعدودات والمتوحدات وإنما وجود العدد المطلق والوحدة المطلقة والتعين المطلق في الأذهان لا في الأعيان كسائر المطلقات.
وعلى هذا التقدير فواجب المتعين ليس لتعينه علة ولا سبب كما أنه ليس لوجوده علة ولا سبب وليس هناك في الخارج تعين زائد على نفسه المعينة لا ثبوتي ولا سلبي حتى يقال إن ذلك
له علة وإن علته إما وجوب الوجود فلا يتعدد وإما أمر آخر فيكون وجوب الوجود معلولاً.
وإذا قدر واجباً وجود وقال القائل إنهما اشتركا في وجوب الوجود وامتاز كل منهما عن الآخر بتعينه.
قيل له اشتركا في وجوب الوجود المطلق أو شارك كل منهما الآخر فيما يخصه من وجوب وجوده فأي شيء قال في ذلك قيل له وكذلك التعين فإنهما اشتركا في التعين المطلق وامتاز كل منهما عن الآخر بتعينه الذي يخصه فإذا قدرت وجوباً مطلقاً فخذ معه تعيناً مطلقاً وإذا قدرت وجوباً معيناً فخذ معه تعيناً معيناً وإذا قلت التعين المطلق لا يكون إلا في الذهن لا في الخارج قيل لك والوجوب المطلق لا يكون إلا في الذهن لا في الخارج.
وحينئذ فقولك ما به الاشتراك يكون لازماً لما به الامتياز أو ملزوماً أو عارضاً أو معروضاً.
جوابه أن ليس في الخارج ما به الاشتراك وإنما في الخارج ما به الامتياز فقط وما جعلته مشتركاً هو نظير ما جعلته مميزاً يمكن فرض كل منهما مطلقاً ومعيناً.
فإذا قلت اشتركا في الوجوب وامتاز كل منهما عن الآخر بتعينه.
قيل لك اشتركا في وجوب مطلق كلي لا وجود له في الخارج كما
اشتركا في تعين مطلق كلي وماهية مطلقة كلية وكل منهما ممتاز عن الآخر بما هو موجود فهو ممتاز عنه بوجوده الذي يخصه وهو حقيقته التي تخصه وهو نفسه وذاته وماهيته التي تخصه فما اشتركا فيه من الأمر الكلي الذهني لا يكون في الخارج فضلاً عن أن يحتاج إلى مميز وما وجد في الخارج هو مميز عن غيره بنفسه المتناولة لذاته وصفاته المختصة به لا يحتاج إلى مميز آخر، وإن شابهه أو ماثله.
وإذا قيل: هو هو، فهو، باعتبار النوع، لا باعتبار الشخص، ومعنى ذلك أن الموجود في الخارج من هذا، هو مثل الموجود في الخارج من هذا.
فإذا قلت: هذان إنسانان، اشتركا في الإنسانية، وامتاز أحدهما عن الآخر بعينه أو بشخصه، أو ما قلت من العبارات التي تؤدي هذا المعنى، أمكن ان يقال: هذان الإنسانان اشتركا في أن كلا منهما له عين تخصه، وله شخص، ونحو ذلك، فاشتركا في التعين والتشخيص، وامتاز كل منهما عن الآخر بما يخصه من الإنسانية.
وحقيقة الأمر أن كلاً منهما ماثل الآخر ووافقه في أنه إنسان معين مشخص، وكذلك إذا قدرنا موجودين: واجباً وممكناً، أو موجودين: واجبين أو ممكنين، فهذا الموجود وافق هذا الموجود في الوجود المطلق المشترك، بمعنى انه شابهه في ذلك، فهذا موجود: أي ثابت متحقق في الخارج، وهذا موجود: أي ثابت متحقق في الخارج، وكل منهما يفارق الآخر في نفس وجوده الذي يختص به، وهو ذاته الموجودة في الخارج، وليس بينهما اشتراك إلا في الخارج، سواء كانا متماثلين: كالسوادين وحبتي الحنطة، أو كانا مختلفين: كالسواد مع البياض، والفرس مع الإنسان.
فإذا قيل: إن السواد والبياض، أو السوادين اشتركا في الوجود، فهو كقولنا: اشتركا في التحقيق والثبوت، وأن لكل واحد ماهية، ولا يقتضي هذا تماثلهما في شيء من الأشياء، فإن ما وجد في الخارج لكل منهما أمر يخصه، فإذا لم يكن الموجود في الخارج منهما متماثلاً، كالسواد مع البياض، لم يكونا متماثلين.
وكذلك إذا قدر واجبان، وقيل: اشتركا في الوجوب، وامتاز أحدهما عن الآخر بالتعين.
قيل: ما في الخارج ليس فيه اشتراك، وإنما اشتركا في وجوب
مطلق كلي، كما اشتركا في تعين مطلق كلي، وهذا الواجب المعين لم يشركه غيره في وجوبه المعين، كما لم يشركه في تعينه المعين، بل كل منهما حقيقته الموجودة في الخارج هي الشيء الموجود في الخارج، كما أن حقيقه الممكن المحدث الموجودة في الخارج هي نفس الموجود في الخارج، وليس في الخارج حقيقة سوى الشيء المعين الموجود، حتى يقال: إن الوجود عارض لها أو لازم، بل إن كان الشيء الموجود في الخارج من المحدثات، كان موجوداً تارة، ومعدوماً أخرى، والموجود هي حقيقته الثابتة في الخارج، والمعدوم تلك الحقيقة وهي مجعولة مفعولة مصنوعة، وأما الحقيقة المتصورة في الذهن، فتلك هي وجوده الذهني العلمي، وتلك تحصل بالأسباب المحصلة للعلم، كما تحصل الخارجة بالأسباب المحصلة للوجود، وما ثم إلا هذا أو هذا، فتقدير حقيقة لا في العلم ولا في الوجود، تقدير مالا حقيقة له، بل هو فرض ممتنع يتصوره الذهن، كما يتصور ما لا يمكن وجوده لا في العلم ولا في الخارج، فإن تصور مالا يمكن وجوده أعظم من تصورنا ما لا يوجد، وهو متصور من هذه الجهة العامة، حتى يحكم عليه بنفي التصور الخاص، ولولا تميزه في الذهن مجملاً، لما أمكن الحكم على أفراده بالامتناع.
ويبين هذا بالكلام على النظم الذي ذكره لهم الآمدي وجعله الغاية التي لا يرد عليها شيء، وهو قوله لو كان وجوب الوجود
مشتركاً بين شيئين فالشيئان إما متفقان من كل وجه، أو مختلفان من كل وجه أو متفقان من وجه دون وجه.
إلى قوله وإن اتفقا من وجه دون وجه، ومسمى واجب الوجود هو ما اشتركا فيه، فمسمى واجب الوجود يكون مشتركاً، فإما أن يتم تحقق مسمى واجب الوجود في كل واحد من الشيئين، بدون ما به التخصيص والتايز، أو لا يتم بدونه، والأول محال، وإلا كان الأمر المطلق المشترك مشخصا في العيان بدون ما به التخصيص، وهو محال والثاني يوجب افتقار مسمى واجب الوجود إلى أمر خارج عن المفهوم من اسمه فلا يكون واجبا بذاته.
قلت: فيقال لهم: قولكم إما أن يتم تحقيق مسمى واجب الوجود في كل واحد من الشيئين بدون ما به التخصيص، أتعنون بذلك المسمى المطلق الكلي الذي لا يوجد إلا في الذهن؟ أم تعنون به المسمى الثابت في الخارج؟
أما الأول فلا يوجد في الخارج: لا فيهما، ولا في أحدهما، كما لا يوجد الحيوان المطلق الكلي ثابتاً في الخارج: لا في هذا الحيوان ولا هذا الحيوان.
بل لا يوجد في الخارج إلا ما هو حيوان معين جزئي، وإنسان معين جزئي، وكذلك الإنسان المطلق الكلي، وكذلك سائر المطلقات
الكلية، كالحيوان المطلق، وهم يسلمون أنها لا توجد في الخارج كلية مطلقة، وإنما يظنون أنها توجد جزءاً من المعين، وهذا أيضاً غلط، بل لا توجد إلا معينة مشخصة، وليس في المعين المشخص ما هو مطلق، ولا في الجزئي ما هو كلي، فإن كون الكلي ينحصر في الجزئي.
والمطلق في المعين ممتنع.
والآمدي قد بين فساد هذا في غير موضع من كتبه مثل كلامه على الفرق بين المطلق والمقيد، والكلي والجزئي، وغير ذلك، وزيف ظن من يظن أن الكلي يكون جزءاً من المعين، وبين خطأ من يقول ذلك، كالرازي وغيره، فلو رجع إلى اصله الصحيح الذي ذكره في الكلي والجزئي، والمطلق والمعين لعلم فساد هذه الحجة، ولكن لفرط التباس أقوالهم، وما دخلها من الباطل الذي اشتبه عليهم وعلى غيرهم، تزلق أذهان كثير من الأذكياء في حججهم، ويدخلون في ضلالهم من غير تفطن لبيان فسادها كالرازي والآمدي ونحوهما: تارة يمنعون وجود الصور الذهنية حتى يمنعوا ثبوت الكلي في الذهن وتارة يجعلون ذلك ثابتاً في الخارج.
ففي هذا الموضع أثبت الآمدي المسمى المشترك الكلي في الخارج، وفي موضع آخر ينفيه مطلقاً كما قال في إحكامه لما أراد الرد على الرازي في الأمر بالماهية الكلية: هل يكون أمراً بشيء من جزئياتها ام