الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان أهل بيت ابن سينا من أتباع هؤلاء القرامطة، من المستجيبين للحاكم الذي كان بمصر.
قال ابن سينا: وبسبب ذلك دخلت في الفلسفة.
كما كان أصحاب رسائل إخوان الصفا من الموافقين لهم، وصنف الرسائل على طريقتهم في الزمان الذي بنيت فيه القاهرة في أثناء المائة الرابعة، وكان أمر المسلمين قد اضطرب ف يتلك المدة اضطراباً عظيماً.
كلام ابن سينا في الرسالة الأضحوية
والمقصود هنا أن هؤلاء الملاحدة يحتجون على النفاة بما وافقوهم عليه من نفي الصفات والإعراض عن دلالة الآيات، كما ذكر ذلك أبن سينا في الرسالة الأضحوية التي صنفها في المعاد لبعض الرؤساء الذين طلب تقربه إليهم ليعطوه مطلوبة منهم من الجاه والمال، وصرح بذلك في أول هذه الرسالة.
قال فيها لما ذكر حجة من أثبت معاد البدن، وان الداعي لهم إلى ذلك ما ورد به الشرع من بعث الأموات فقال: وأما أمر الشرع فينبغي أن يعلم فيه قانون واحد: وهو أن
الشرع والملة الآتية على نبي من الأنبياء يرام بها خطاب الجمهور كافة ثم من المعلوم الواضح أن التحقيق الذي ينبغي أن يرجع إليه في صحة التوحيد: من الإقرار بالصانع: موحداً مقدساً عن الكم، والكيف والأين، ومتى، والوضع، والتغير، حتى يصير الاعتقاد به أنه ذات واحدة، لا يمكن أن يكون لها شريك في النوع ولا داخلة فيه، ولا حيث تصح الإشارة إليه أنه هنا أو هناك: ممتنع إلقاؤه إلى الجمهور، ولو ألقي هذا على هذه الصورة إلى العرب العاربة أو العبرانيين الأجلاف، لتسارعوا إلى العناد، واتفقوا على أن الإيمان المدعو إليه إيمان بمعدوم أصلاً.
ولهذا ورد ما في التوراة تشبيهاً كله، ثم إنه لم يرد في الفرقان من الإشارة إلى
هذا الأمر الأهم شيء، ولا إلى صريح ما يحتاج إليه في التوحيد بيان مفصل، بل إلى بعضه على سبيل التشبيه في الظاهر، وبعضه جاء تنزيها مطلقاً عاماً جداً، لا تخصيص ولا تفسير له.
وأما الأخبار التشبيهية فأكثر من أن تحصى، ولكن لقوم أن لا يقبلوه، فإذا كان الأمر في التوحيد هذا، فكيف فيما هو بعده من الأمور الاعتقادية؟ ولبعض الناس أن يقولون: إن للعرب توسعاً في الكلام ومجازاً، وان الألفاظ التشبيهية مثل: اليد والوجه والإتيان في ظلل من الغمام والمجيء، والذهاب، والضحك، والحياء، والغضب صحيحة ولكن نحو الاستعمال وجهة العبارة يدل على استعمالها مستعارة مجازاً.
قال ويدل على استعمالها غير مجازية ولا مستعارة بل
محققة أن المواضع التي يوردونها حجة في أن العرب تستعمل هذه المعاني بالاستعارة والمجاز على غير معانيها الظاهرة، مواضع في مثلها يصلح أن تستعمل على غير هذا الوجه ولا يقع فيها تلبيس ولا تدليس وأما قوله {في ظلل من الغمام} البقرة 210 وقوله {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} الأنعام 158 على القسمة المذكورة، وما جرى مجراه، فليس تذهب الأوهام فيه البتة إلى أن العبارة مستعارة أو مجازية.
فإن كان أريد فيها ذلك إضماراً فقد رضي بوقوع الغلط والشبهة والاعتقاد المعوج بالإيمان بظاهرها تصريحا وأما قوله {يد الله فوق أيديهم} الفتح 10 وقوله {ما
فرطت في جنب الله} الزمر 56 فهو موضع الاستعارة والمجاز والتوسع في الكلام، ولا يشك في ذلك اثنان من فصحاء العرب ولا يلتبس على ذي معرفة في لغتهم كما يلتبس في تلك الأمثلة فإن هذه الأمثلة لا يقع شبهة في أنها مستعارة مجازية كذلك في تلك لا يقع شبهة في أنها ليست استعارية ولا مراداً فيها شيء غير الظاهر.
ثم ذهب أن هذه كلها موجودة على الاستعارة، فأين التوحيد؟ والعبارة المشيرة بالتصريح إلى التوحيد المحض الذي تدعو إليه حقيقة هذا الدين القيم المعترف بجلالته على لسان حكماء العالم قاطبة؟
وقد قال في ضمن كلامه إن الشريعة الجائية على لسان نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم جاءت أفضل ما يمكن أن تجئ عليه الشرائع وأكمله، ولهذا صلح أن تكون خاتمة الشرائع وآخر الملل.
قال: وأين الإشارة إلى الدقيق من المعاني المشيرة إلى علم التوحيد: مثل أنه عالم بالذات أو عالم بعلم قادر بالذات أو قادر بقدرة واحد الذات على كثرة الأوصاف أو قابل لكثرة تعالى عنها بوجه من الوجوه، متحيز الذات، أو منزهها عن الجهات؟ فإنه لا يخلو: إما أن تكون هذه المعاني واجباً والروية فيها فإن كان البحث عنها معفوا عنه، وغلط الاعتقاد الواقع فيها غير مؤاخذ به، فجل مذهب هؤلاء القوم المخاطبين بهذه الجملة تكلف، وعنه غنية وإن كان فرضاً محكما فواجب أن يكون مما صرح به في الشريعة وليس التصريح المعمى أو الملبس أو المقتصر
فيه بالإشارة والإيماء.
بل التصريح المستقصي فيه، والمنبه عليه: والموفي حق البيان والإيضاح والتفهيم والتعريف على معانيه، فإن المبرزين المنفقين أيامهم ولياليهم وساعات عمرهم على تمرين أذهانهم وتذكية أفهامهم، وترشيح نفوسهم، لسرعة الوقوف على المعاني الغامضة، يحتاجون في تفهم هذه ولعمري لو كلف الله رسولاً من الرسل أن يلقي حقائق هذه الأمور إلى الجمهور من العامة الغليظة طباعهم المتعلقة بالمحسوسات الصرفة أوهامهم، ثم سامه أن يتنجز منهم الإيمان والإجابة غير مهمل فيه، ثم سامه أن يتولى رياضة نفوس الناس قاطبة، حتى تستعد للوقوف عليها، لكلفه شططاً وأن يفعل ما ليس في قوة البشر اللهم إلا أن تدركهم خاصة إلهية، وقوة علوية وإلهام سماوي، فتكون
حينئذ وساطة الرسول مستغى عنها، وتبليغه غير محتاد إليه.
ثم هبك الكتاب العزيز جائياً على لغة العرب وعادة لسانهم في الاستعارة والمجاز، فما قولهم في الكتاب العبراني، وكله من أوله إلى آخره تشبيه صرف؟ وليس لقائل أن يقول: إن ذلك الكتاب محرف كله وأنى يحرف كلية كتاب منتشر في أمم لا يطاق تعديدهم، وبلادهم متنائية وأوهامهم متباينة منهم يهود ونصارى وهم أمتان متعاديتان؟ فظاهر من هذا كله أن الشرائع واردة بخطاب الجمهور بما يفهمون مقرباً مالا يفهمون إلى أوهامهم بالتمثيل والتشبيه ولو كان غير ذلك لما أغنت الشرائع البتة.
قال فكيف يكون ظاهر الشرائع حجة في هذا الباب يعني أمر المعاد واو فرضنا الأمور الأخروية روحانية غير مجسمة،
بعيدة عن إدراك بدائة الأذهان لحقيقتها.
لم يكن سبيل الشرائع في الدعوة إليها والتحذير عنها منبهاً بالدلالة عليها.
بل بالتعبير عنها بوجوه من التمثيلات المقربة إلى الإفهام.
فكيف يكون وجود شيء حجة على وجود شيء آخر.
لو لم يكن الشيء الآخر على الحالة المفروضة لكان الشيء الأول على حالته فهذا كله هو الكلام على تعريف من طلب أن يكون خاصا من الناس لا عاماً أن ظاهر الشرائع غير محتج به في مثل هذه الأبواب.
قلت فهذا كلام ابن سينا وهو ونحوه كلام أمثاله من القرامطة الباطنية مثل صاحب الأقاليد الملكوتية وأمثاله من الملاحدة والكلام على هذا من فنين:
أحدهما: بيان لزوم ما ألزمه لنفاة الصفاة الذين سموا نفيها توحيداً من الجهمية المعتزلة وغيرهم.
والثاني بيان بطلان كلامه وكلامهم الذي وافقوهم عليه.
أما الأول فإن هؤلاء وافقوه على نفي الصفات وأن التوحيد الحق هو توحيد الجهمية المتضمن أن الله لا علم له ولا قدرة ولا كلام ولا رحمة ولا يرى في الآخرة ولا هو فوق العالم فليس فوق العرش إله، ولا على السماوات رب ومحمد لم يعرج به إلى ربه.
والقرآن أحسن أحواله عندهم أن يكون مخلوقاً خلقه في غيره أن لم يكن فيضاً فاض على نفس الرسول، وأنه سبحانه لا ترفع اليدي إليه بالدعاء، ولم يعرج شيء إليه ولم ينزل شيء منه: لاملك ولا غيره ولا يقرب أحد إليه ولا يدنو منه شيء، ولا يتقرب هو من أحد، ولا يتجلى لشيء، وليس بينه وبين خلقه حجاب وأنه لا يحب ولا يبغض ولا يرض ولا يغضب، وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا مبايناً للعالم ولا حالاً فيه، وإنه لا يختص شيء من المخلوقات بكونه عنده، بل كل الخلق عنده بخلاف قوله تعالى {وله من في السماوات والأرض ومن عنده} الأنبياء 19.
وأنه إذا سمي حياً عالماً قادراً سميعاً بصيراً فهو حي بلا حياة عالم بلا علم، قادر بلا قدرة سميع بلا سمع بصير بلا بصر إلى أمثال هذه الأمور التي يسمي نفيها الجهمية توحيداً ويلقبون أنفسهم بأهل التوحيد، كما يلقب الجهمية من المعتزلة وغيرهم أنفسهم بذلك وكما لقب ابن
التومرت أصحابه بذلك إذ كان قوله في التوحيد قول نفاة الصفات جهم وابن سينا وأمثالهما.
ويقال إنه تلقى ذلك عن من يوجد في كلامه موافقة الفلاسفة تارة ومخالفتهم أخرى.
ولهذا رأيت لابن التومرت كتاباً ف بالتوحيد صرح فيه بنفي الصفات ولهذا لم يذكر في مرشدته شيئاً من إثبات الصفات، ولا أثبت الرؤية ولا قال إن القرآن كلام الله غير مخلوق ونحو ذلك من المسائل التي جرت عادة مثبتة الصفات بذكرها في عقائدهم المختصرة، ولهذا كان حقيقة قوله موافقاً لحقيقة قول ابن سبعين وأمثاله من القائلين بالوجود المطلق، موافقة لابن سينا وأمثاله من أهل الإلحاد، كما يقال إن أن التومرت ذكره في فوائده المشرقية إن الوجود مشترك بين الخالق والمخلوق فوجود الخالق يكون مجرداً ووجود المخلوق يكون مقيداً.
والمقصود أن هؤلاء لما سموا هذا النفي توحيداصوهي تسمية ابتدعها الجهمية النفاة لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا أحد من السلف والأئمة بل أهل الإثبات قد بينوا أن التوحيد لا يتم إلا بإثبات الصفات وعبادة الله وحده لا شريك له، كما ذكر الله ذلك في سورتي الإخلاص وعامة آيات القرآن فلما وافقه هؤلاء الجهمية من المعتزلة وغيرهم على نفي الصفات وأن هذا هو التوحيد الحق احتج عليهم بهذه المقدمة الدلية على أن الرسل لم يبينوا ما هو الحق في نفسه من معرفة توحيد الله تعالى ومعرفة اليوم الآخر ولم يذكروا ما هو الذي يصلح أو يجب على خاصة بني آدم وأولو الألباب منهم أن يفهموه ويعقلوه ويعلموه من هذا الباب، وأن الكتاب والسنة والإجماع لا يحتج بها في باب الإيمان بالله واليوم الآخر، لا في الخلق ولا البعث لا المبدأ ولا المعاد، وأن الكتب الإلهية غنما أفادت تخييلاً تنفع به العامة، لا تحقيقاً يفيد العلم والمعرفة وأن أعظم العلوم وأجلها وأشرفها وهو العلم بالله لم تبينه الرسل أصلاً ولم تنطق به ولم تهد إليه الخلق بل ما بينت لا معرفة الله ولا معرفة المعاد، لا ما هو الحق في الإيمان بالله، ولا ما هو الحق في الإيمان باليوم الآخر، بل ليس عندهم في كلام الله ورسوله من هذا الباب علم ينتفع به أولو الألباب، وإنما فيه تخييل وإبهام ينتفع به جهال العوام.
ولما كان هذا حقيقة قول الملاحدة القرامطة الباطنية صاروا يجعلون أحد رؤوسهم مثل الرسول أو أعظم من الرسول ويسوغون له نسخ
شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما زعموا أن محمد ابن إسماعيل بن جعفر نسخ شريعته.
وصار كل من هؤلاء يدعي النبوة والرسالة أو يريد أن يفصح بذلك لولا السيف كما فعل السهروردي المقتول فإنه كان يقول لا أموت حتى يقال لي: قم فأنذر وكان ابن سبعين يقول: لقد زرب أبن آمنة حيث قال: لا نبي بعدي ويقال إنه كان يتحرى غار حراء لينزل عليه فيه الوحي.
وابن عربي ادعى ما هو أعظم من النبوة عنده، وهو ختم الولاية.
وخاتم الأولياء عنده أفضل من خاتم الأنبياء في العلم بالله، وهو يقول إن جميع الأنبياء والرسل يستفيدون من مشكاة هذا الخاتم المدعي بمعرفة الله التي حقيقتها وحدة الوجود، وهي تعطيل الصانع سبحانه التي هي سر قول فرعون.
وأما أئمة القرامطة والإسماعلية كابن الصباح الذين تلقوا أركان الدعوة عن المستنصر أطول خلفائهم مدة، وفي زمنه كانت فتنة البساسيري وأمثاله، وأما سنان وأمثاله من الملاحدة فتظاهروا بإظهار الكفر بين أصحابهم وقالوا قد أبحنا لكم كل ما تشتهونه من فرج وشراب عنكم ونسخنا عنكم العبادات، فلا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة.
وهذه الحجة التي احتج بها هؤلاء الملاحدة على نفاة الصفات لإثبات إلحادهم هي من حجج أهل الإثبات عليهم لإثبات إيمانهم فإن الله سبحانه أخبر أنه {أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} التوبة: 33 وقال تعالى {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم} إبراهيم: 1.
وقال تعالى {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} المائدة: 15 -16، وقال تعالى {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض} الشورى: 52 - 53، وقال تعالى {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} البقرة: 1-2 وقال تعالى {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} النحل: 89 وقال تعالى {ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء} يوسف: 111 وقال تعالى {قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا} النساء: 174 وقال تعالى {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}
الأعراف: 157، وقال تعالى {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} العنكبوت: 18، وقال تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} النحل: 44، وقال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} المائدة: 3، وقال تعالى {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} التوبة:115.
وأمثال هذه النصوص التي تبين أن الرسول هدى الخلق وبين لهم، وانه أخرجهم من الظلمات إلى النور، لا أنه لبس عليهم وخيل، وكتم الحق فلم يبينه ولم يهد إليه، لا للخاصة ولا للعامة فإنه من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلم مع أحد بما يناقض ما أظهره للناس، ولا كان خواص أصحابه يعتقدون فيه نقيض ما أظهره للناس بل كل من كان به أخص وبحاله أعرف كان اعظم موافقة له وتصديقاً له على ما أظهره وبينه فلو كان الحق في الباطن خلاف ما أظهره للزم إما أن يكون جاهلاً به أو كاتماً له عن الخاصة والعامة، ومظهراً خلافه للخاصة والعامة.
وكل من كان عارفاً بسنته وسيرته علم أن ما يروى خلاف هذا فهو مختلق كذب مثل ما يذكره بعض الرافضة عن علي انه كان عنده علم خاص باطن يخالف هذا الظاهر.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة التي لا يتنازع أهل المعرفة في صحتها عن علي رضي الله عنه أنه لما قيل له هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً كتمه عن غيرنا إلا فهماً يؤتيه الله لعبد في كتابه وما في هذه الصحيفة وفيها عقول الديات وفكاك الأسير أن لا يقتل مسلم بكافر وفي لفظ في الصحيح هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة الحديث.
وقد اجمع أهل المعرفة بالمنقول على أن ما يروى عن علي وعن جعفر الصادق من هذه الأمور التي يدعيها الباطنية كذب مختلق ولهذا كانت ملاحدة الشيعة والصوفية يسبون إلحادهم إلى علي وهو بريء من ذلك فأهل البطاقة من أهل الإلحاد ينسبون ذلك إلى علي وكذلك باطنية الشيعة من الإسماعلية والنصيرية وكذلك جعفر الصادق نسبوا إليه من الكلام في المجوم واختلاج الأعضاء والتفاسير المحرفة وأنواع الباطل ما برأه الله منه، حتى رسائل إخوان الصفا زعم بعض رؤوسهم أنها كلامه وهذه إنما
فيها من حوادث الإسلام التي حدثت بعد المائة الثالثة مثل دخول النصارى بلاد الإسلام ونحو ذلك ما يبين إنها صنفت بعد جعفر بنحو مائتي سنة.
ومن هذا الباب ما ينقله آخرون عن عمر رضي الله عنه أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان كالزنجي بينهم، فهذا وأمثاله من الكذب المختلق باتفاق أهل المعرفة.
وملاحدة الزهاد والعباد وجهالهم يرون من هذه الأمور فنوناً مثل روايتهم أن أهل الصفة قاتلوا مع الكفار النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يكن النصر معه ليحتجوا بذلك على أن العارف يكون مع من غلب وإن كان كافراً ويروون أن أهل الصفة عرفهم الله تعالى بالسر الذي اوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم صبيحة المعراج الأباطيل لم يكونوا خبيرين بالكذب فإن الصفة إنما كانت بالمدينة والمعراج كان بمكة بالنص والإجماع وقد علم كل عالم يعلم سيرة النبي
صلى الله عليه وسلم بالاضطرار أن أهل الصفة كانوا كسائر المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم وانه لم يكن لأحد من الصحابة إلى الله طريق إلا متابعة رسوله وان أفضل الصحابة كان أقومهم بالمتابعة كأبي بكر وعمر وأبو بكر أفضل من عمر رضي الله عنهما وهو أفضل الصديقين.
وقد ثبت في الصحيحين انه قال إنه قد كان في الأمم قبلك محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر.
فعمر وإن كان محدثاً فالصديق الذي يأخذ من مشكاة النبوة أفضل منه واكمل منه لأن ما استقر مجيء الرسول به فهو معصوم لا يتطرق إليه الخطأ وما يلقي إلى المحدث يقع فيه خطأ يحتاج إلى تقويمه بنور النبوة ولهذا كان أبو بكر يقوم عمر يرى أشياء ثم يتبين له الحق بخلافها كما جرى له هذا في عدة مواطن.
وهذا وأمثاله مما يبين حاجة أفضل الخلق بعد الرسول واكملهم إلى الاهتداء بالرسول والتعلم منه ومعرفة الحق مما جاء به فكيف بمن يقول ليس في كلامه في معرفة الله واليوم الآخر علم ولا هدى ولا معرفة ينتفع بها أولو اللباب الذين هم دون عمر وأمثال عمر؟
وقد قال الله تعالى {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} النساء: 59.
وكيف يحكم بين الناس في مواطن الخلاف والنزاع كلام وخطاب ليس فيه علم ولا هدى ينتفع به أولو الألباب؟
كما زعم هؤلاء الملاحدة من الفلاسفة المشائين المتأخرين وأتباعهم أن الشرائع لا يحتج بها في مثل هذه الأبواب فما لا يحتج به كيف يحتج به الناس فيما اختلفوا فيه؟
وأي اختلاف أعظم من اختلافهم في اعظم الأمور وهي معرفة الله تعالى واليوم الآخر لا سيما ومن المعلوم أن الخلاف الحقيقي إنما يكون في الأمور العلمية والقضايا الخيرية التي لا تقبل النسخ والتغيير فأما العمليات التي تقبل النسخ والتغيير فأما العمليات التي تقبل النسخ فتلك تتنوع في الشريعة الواحدة فكيف بالشرائع المتنوعة؟
وما جاز تنوعه لم يكن الخلاف فيه له حقيقة فإنه إن كانا مشروعين في وقتين أو رسولين فكلاهما حق وإن كان الخلاف في المشروع منهما أيهما هو فهذا يعلم بالخبر المنقول عن الكتاب المنزل والكتاب المنزل هو نفس الأمر والنهي والخبر وفيه الشرع الذي لا يكون خلافه شرعا.
وحينئذ فما ذكره ابن سينا وأمثاله من أنه لم يرد في القرآن من الإشارة إلى توحيدهم شيء فكلام صحيح، وهذا دليل على أنه باطل لا حقيقة له، وأن من وافقهم عليه فهو جاهل ضال.
وكذلك ما ذكره من أن من المواضع ما لا يحتمل اللفظ فيها إلا معنى واحداً لا يحتمل ما يدعونه من الاستعارة والمجاز كما ذكر في قوله تعالى {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} البقرة: 21، وقال تعالى {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} الأنعام: 158 على القسمة المذكورة وانه ليس تذهب الأوهام فيه البتة إلى أن العبارة مستعارة أو مجازية فإن كان أريد بها ذلك إضماراً فقد رضي بوقوع الغلط والشبهة فهذا حجة على من نفى مضمون ذلك من نفاة الصفات وهو حجة عليه وعليهم جميعاً وموافقتهم له لا
تنفعه فإن ذلك حجة جدلية لا علمية إذ تسليمهم له ذلك لا يوجب على غيرهم أن يسلم ذلك له فإذا بين بالعقل الصريح ما يوافق النقل الصحيح دل ذلك على فساد قوله وقولهم جميعاً.
وكذلك قوله ثم هب أن هذه كلها موجودة على الاستعارة فأين التوحيد والدلالة بالتصريح على التوحيد المحض الذي تدعو إليه حقيقة هذا الدين القيم المعترف بجلالته على لسان الحكماء قاطبة؟ كلام صحيح لو كان ما قاله النفاة حقاً فإنه حينئذ على قولهم لا يكون التوحيد الحق قد يبين أصلاً وهذا التوحيد لينقاد لهم الجمهور في صلاح دنياهم.
وقد بينا في غير موضع توحيد ابن سينا وأمثاله وبينا أنه من أفسد الأقوال التي بصريح العقل فساده ولنا في ذلك مفرد مكتوب في غير هذا الموضع.
وأما قوله وأين الإشارة إلى الدقيق من المعاني المشيرة إلى علم التوحيد مثل انه عالم بالذات أو عالم بعلم أو قادر بالذات أو قادر بقدرة إلى آخره
فهو خطاب لمن وافقه على ضلاله وإلحاده حيث ظن أن التعطيل هو التوحيد وان الباري تعالى لا علم له ولا قدرة ولا صفات.
فأما من لم يوافقه على خطئه فإنه يعلم أن الكتاب بين دقائق التوحيد الحق الذي جاءت به السل ونزلت به الكتب على احسن وجه.
فإن الله تعالى أخبر عن صفاته وأسمائه بما لا يكاد يعد من آياته وذكر علمه في غير موضع.
كقوله تعالى {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} البقرة: 255.
وقوله تعالى {أنزله بعلمه} النساء: 166.
وقوله تعالى {وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} فصلت: 47 وغير ذلك.
وقد قال تعالى {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} الذاريات: 58.
وقال تعالى {والسماء بنيناها بأيد} الذاريات: 47، أي بقوة وقال تعالى:{أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} فصلت: 15
وفي الحديث الصحيح حديث الاستخارة اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك، فأي بيان لعلم الله وقدرته أبين من هذا؟
وأما قول القائل هنا هو عالم بالذات أو عالم بعلم فغن كان يظن أن الذات التي تكون إلا عالمة قادرة يمكن وجودها مجردة عن العلم والقدرة كما يقوله النفاة فهو كلام ضال متناقض فغن إثبات عالم بلا علم وقادر بلا قدرة، وحي بلا حياة وسميع بلا سمع وبصير بلا بصر مما يعلم فساده بالضرورة عقلاً وسمعاً.
وهذا بمنزلة متكلم بلا كلام ومريد بلا إرادة ومتحرك بلا حركة ومحب بلا محبة ومصل بلا صلاة وصائم بلا صيام وحاج بلا حج، وأبيض بلا بياض، وأسود بلا سواد، وحلو بلا حلاوة، ومر بلا مرارة، وطويل بلا طول، وقصير بلا قصر، ونحو ذلك من الألفاظ المشتقة: كاسم الفاعل، واسم الفعول، والصفة المعدولة عنهما.
فإن لم يكن هذا باطلاً في بدائه العقول عقلاً وسمعاً لم يكن لنا طريق إلى معرفة الحق من الباطل، ولهذا كان هؤلاء النفاة يعودون في آخر الأمر إلى السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات.
وغن كان معنى قوله هل هو عالم بالذات أو بعلم ان هنا ذاتاً مجردة موجودة بدون العلم وان العلم زائد عليها ن فهذا تصور فاسد فإن الذات المجردة عن العلم اللازم لها غنما تقدر في الأذهان، لا حقيقة لها في الأعيان.
ولفظ الذات يراد به الذات الموصوفة بالعلم وحينئذ فقولنا هل هو عالم بالذات أو بالعلم كلام واحد لأن لفظ الذات متضمن للعلم على هذا التفسير، فلا يكون قولنا أو بالعلم قسماً آخر.
ويراد بالذات المجردة عن العلم فهذه لا حقيقة لها إذا كانت الذات لاتكون إلا عالمة، كما أن ما لا يكون إلا حياً لا يمكن وجوده
منفكاً عن كونه حياً وما لا يكون إلا متحيزاً لا يمكن وجوده منفكاً عن التحيز فما لا يمكن وجوده إلا عالماً وقادراً ويمتنع وجوده غير عالم قادر كيف يكون تقديره غير عالم ولا قادر ممكناً في الخارج؟
ونفس العلم والقدرة هو نفس كونه عالماً قادراً على قول الجمهور، الذين ينفون أن تكون الأحوال زائدة في الخارج على الصفات ومن أثبت الأحوال زائدة على الصفات كالقاضي أبي بكر وأبي يعلى وأبي المعالى في أول قوليه فهؤلاء يقولون ثبوت الصفات يستلزم ثبوت الأحوال وإثبات الملزوم مع أن الصواب أن الأحوال كالكليات، لها وجود في الأذهان في الأعيان.
ومما يبين ذلك أن النزاع في كون الرب تعالى عالماً لذاته أو بالعلم أو قادراً لذاته أو بالقدرة كثير منه نزاع لفظي بل عامة المتنازعين فيه إذا حرر عليهم الكلام لم يتلخص بينهم نزاع وإنما يحصل النزاع بين مثبتة الأحوال ونفاتها فإن أهل الإثبات متفقون على أن علمه وقدرته من لوازم ذاته وانه لا يمكن وجوده غير عالم ولا قادر وينكرون وجود