الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان المقصود أولاً بيان تناقض من أعرض عن الأدلة السمعية الشرعية في الأصول الخبرية، كالصفات والنبوات والمعاد، وأنه من سلك طريقاً يتناول به علم هذه الأمور، غير الطريقة الشرعية النبوية، فإن قوله متناقض فاسد، وليس له قانون مستقيم يعتمد عليه، فكيف بمن عارضها بطريق تناقضها، يعتمد فيه على آراء متناقضة، يحسبها براهين عقلية ومشاهدات ومخاطبات ربانية؟ وهي خيالات فاسدة، وأوهام باطلة كما قال السهيلي: أعوذ بالله من قياس فلسفي، وخيال صوفي.
وأما بيان فساد ذلك من جهة الرسل والإيمان بهم فنقول:
الوجه السابع والثلاثون
أنا نعلم بالاضطرار من دين النبي صلى الله عليه وسلم، ودين أمته المؤمنين به، بطلان لوازم هذا القول، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم، بل نعلم الاضطرار أن من دينه أن لوازم هذا القول من أعظم الكفر والإلحاد، وذلك لأن لازم هذه المقالة وحقيقتها ومضمونها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون فيما أخبر به عن الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر: لا علم ولا هدى ولا كتاب منير، فلا يستفاد منه علم بذلك، ولا هدى يعرف به الحق من الباطل، ولا يكون الرسول قد هدى الناس ولا بلغهم بلاغاً بيناً ولا أخرجهم من الظلمات إلى النور، ولا هداهم إلى صراط العزيز الحميد.
ومعلوم أن كثيراً من خطاب القرآن، بل أكثره متعلق بهذه الباب، فإن الخطاب العلمي في القرآن أشرف من الخطاب العملي قدراً وصفة.
فإذا كان هذا الخطاب لا يستفيدون منه معرفةً، ولم يبين لهم الرسول مراده ومقصوده بهذا الخطاب، بل إنما يرجع أحدهم في معرفة الأمور التي ذكرها ووصفها وأخبرهم عنها إلى مجرد رأيه وذوقه، فإن وافق خبر الرسول ما عنده صدق بمفهوم ذلك ومقتضاه، وإلا أعرض عنه، كما يعرض المسلم عن الإسرائيليات المنقولة عن أهل الكتاب - كان هذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الرسول.
وهذا يعلمه كل من علم ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء كان مؤمناً أو كافراً، فإن كل من بلغته دعوة الرسول، وعرف ما كان يدعوا إليه، علم أنه لم يكن يدعو الناس إلى أن يعتقدوا فيه هذه العقيدة.
فالمقصود أنه يعلم بالاضطرار أن هؤلاء مناقضون لدعوة الرسول، وأن هذا يعرفه كل من عرف حال الرسول من مؤمن وكافر، ولوازم هذا القول أنواع كثيرة من الكفر والإلحاد، كما سننبه عليه إن شاء الله.