المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم مع أساليب القرآن   ‌ ‌محاضرة ألقيت في الرياض في - دراسات لأسلوب القرآن الكريم - جـ ٨

[محمد عبد الخالق عضيمة]

فهرس الكتاب

- ‌تصديربقلم: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي

- ‌محاضرة

- ‌تسكين المعرب من الأفعال والأسماء في الوصل في القراءات السبعية

- ‌لمحات عن دراسة الضمائر

- ‌ضمير الغائب

- ‌حركة هاء الغائب

- ‌ضمير الفصل

- ‌ضمير الشأن

- ‌إثبات ألف (أنا) وصلا

- ‌أتحاجوني. تأمروني

- ‌لمحات عن دراسة الأسماء الموصولة

- ‌دراسة الأسماء الموصولة

- ‌حذف اسم الموصول

- ‌آيات جوز فيها أبو حيان أن يكون الموصول الاسمي قد حذف منها

- ‌مواقع اسم الموصول من الإعراب

- ‌اسم الموصول مبتدأ

- ‌لمحات عن حذف المبتدأ والخبر

- ‌حذف المبتدأ

- ‌حذف المبتدأ بعد فاء الجزاء

- ‌حذف المبتدأ بعد ما الخبر صفة في المعنى للمبتدأ

- ‌حذف الخبر

- ‌لمحات عن دراسة (كان) وأخواتها

- ‌دراسة (كان) وأخواتها

- ‌(كان) الناقصة

- ‌كان بمعنى صار

- ‌(كان) الشانية

- ‌كان للاستمرار

- ‌لمحات عن دراسة أفعال المقاربة

- ‌دراسة أفعال المقاربة

- ‌نفي كاد

- ‌كاد في القرآن

- ‌عسى

- ‌عسى من الله إيجاب

- ‌عسى تامة

- ‌عسى محتملة للتمام والنقصان

- ‌اتصال الضمير بعسى

- ‌لمحات عن دراسة الفاعل

- ‌دراسة الفاعل

- ‌الفاعل ضمير يدل عليه السياق

- ‌فاعل أو مفعول

- ‌فاعل أو مبتدأ

- ‌لمحات عن دراسة نائب الفاعل

- ‌دراسة نائب الفاعل

- ‌الأفعال المبنية للمفعول

- ‌بناء الفعل الأجوف الثلاثي للمفعول

- ‌الأفعال التي قرئ فيها في السبع بالكسر وبالإشمام

- ‌بناء الفعل المضعف الثلاثية للمفعول

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم مع أساليب القرآن   ‌ ‌محاضرة ألقيت في الرياض في

بسم الله الرحمن الرحيم

مع أساليب القرآن

‌محاضرة

ألقيت في الرياض في 25 من المحرم سنة 1399: 25 من ديسمبر سنة 1978:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وخاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين.

رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. وبعد:

فمن خصائص النسج المحكم الدقيق الصنع أن يحتمل ما لا يحتمل غيره لهذا فخر الأعرابي بإحكام، نسج عبادته، وقوة احتمالها في قوله:

حوكت على نيرين إذ تحاك

تختبط الشوك ولا تشاك

والقرآن الكريم أحكم نسجه، وأتقن صنعه خالق الخلق وباري النسم، فلا عجب في أن نرى نظمه لا يهتز ولا يضطرب، وإن وقع فيه ما يجعل كلام البشر مضطربا متنافرًا وأضرب، لذلك مثلاً:

مثل علماء البلاغة لتنافر الكلمات بقول الشاعر:

وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر

التنافر في قوله: (وليس قرب قبر حرب قبر).

والذي جعله ثقيلا متنافرًا ما فيه من التكرير: ثلاث قافات، وأربعا باءات، وأربع راءات. لقد وقع في القرآن تكرير «أكثر مما وقع في البيت، ولم يضطرب نظمه، ولم تتنافر كلماته» .

تكررت الميم ثماني مرات متواليات متتابعات في جزء من الجملة في قوله تعالى: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك} [11: 8].

ص: 4

{أمم ممن معك} : فيها ثمان ميمات متواليات. الأصل: أمم من من معك. قلب تنوين {أمم} ميما، فهذه ثلاثة ميمات، ثم قلبت نون {من} ميما، فهذه خمسة ميمات، ثم قلبت نون {من} ميما، فهذه سبع ميمات، والميم الثامنة ميم {معك} .

قلب النون ميما واجتماع هذه الميمات متفق عليه من جميع القراء، قراء المتواتر والشواذ، لم يقرأ أحد بغير ذلك.

لم يعرض أحد من المفسرين لتعليل اجتماع هذه الميمات، وإنما الذي عرض له حواشي مغني اللبيب: الشمني والأمير:

في الشمني 2: 68: «قال ابن المنير: وهذا من الغريب أن تتكرر أمثال، ولا يفطن لذلك، ولا يحس اللسان منه بثقل، ولا السمع بنبو» .

في حاشية الأمير 2: 222: «وعدم مج السمع لمثل هذا من العجائب المختصة بالقرآن» .

لابن المنير حاشية على الكشاف، وليس فيها هذا الحديث، فالنقل عن ابن المنير من كتاب آخر له غير هذه الحاشية.

القرآن الكريم معجز بنظم أسلوبه، وبجرس ألفاظه، وأصوات كلماته.

أما بلاغة النظم في القرآن فيتعرفها أصحاب السليقة العربية، كما تعرفها الوليد بن المغيرة المخزومي: فقد روى أن الوليد قال لبني مخزوم: والله لقد سمعت من محمد آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن.

إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه. الكشاف 4:469.

أما إعجاز جرس ألفاظه، وأصوات كلماته فيحس بها من له أذن موسيقية، ولو

ص: 5

كان أعجميًا لا يعرف اللغة العربية.

في عصرنا، وفي أيمانا هذه فتاة أمريكية مسيحية، ثقافتها لا تتجاوز دراسة الموسيقى سمعت تلاوة القرآن الكريم من الإذاعات المختلفة، فشد انتباهها جرس ألفاظ القرآن، وأصوات كلماته، ودفعها ذلك إلى أن تتعلم اللغة العربية، حتى تستطيع قراءة القرآن، تعلمت اللغة العربية واستطاعت أن تقرأ القرآن، ولكنها لم تقنع بذلك، حضرت إلى القاهرة لتتعلم قراءة القرآن مع التجويد على يد شيخ من شيوخ القراءة، وهو الشيخ عامر: وقد تركتها في القاهرة، وأخبرني الشيخ عامر بأن فتاة أمريكية أخرى قد انضمت إليها.

وفيما قرأت: ضابط كندي من جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تأثر بقراءة الشيخ محمد رفعت رحمه الله. فحضر إلى مجلسه، واستمع لقراءته، ثم أعلن إسلامه. نما تأثر هؤلاء بجرس ألفاظ القرآن، وأصوات كلماته، من غير فقه لمعاني الألفاظ القرآنية، ولا وقوف على أسرار النظم في القرآن الكريم.

الناظر في القرآن، والمتتبع لأساليبه يلحظ التزامًا معينًا في بعض الأساليب، ويرى أنماطًا كثيرة في التصوير والتعبير، قد يعرف بعض أسرارها، ثم يخفى عليه الكثير من الأسرار.

لو تتبعنا استعمالات القرآن الكريم لحتى لوجدنا:

أ- حتى العاطفة لم تقع في القرآن.

ب- حتى الجارة للاسم الظاهر الصريح جاءت جارة للفظ (حين) نكرة في ستة مواضع:

1 -

ليسجننه حتى حين [12: 35]

2 -

فتربصوا به حتى حين [23: 25].

3 -

فذرهم في غمرتهم حتى حين [23: 54].

ص: 6

4 -

فتول عنهم حتى حين [37: 174].

5 -

وتول عنهم حتى حين [37: 179].

6 -

تمتعوا حتى حين [51: 43].

وجاءت جارة لاسم زمان أو مصدر ميمي في قوله تعالى:

سلام هي حتى مطلع الفجر [97: 5].

لم هذا الالتزام؟

أقول: الله أعلم بأسرار كتابه.

ج- حتى الابتدائية تقع بعدها الجملة الفعلية والجملة الاسمية، كقول امرئ القيس:

سريت بهم حتى تكل مطيهم

وحتى الجياد ما يقدن بأرسان

تكل مطيهم: جملة فعلية. الجياد ما يقدن بأرسان: جملة اسمية.

أما في القرآن الكريم فلم يقع بعد {حتى} الابتدائية إلا الجملة الفعلية التي فعلها ماض:

1 -

وأوذوا حتى أتاهم نصرنا [6: 34].

2 -

كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا [6: 148].

3 -

ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا [7: 95].

4 -

وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله [8: 48]

5 -

فما اختلفوا حتى جاءهم العلم [10: 93].

6 -

فما زالت تلك دعواهم، حتى جعلناهم حصدا خامدين [21: 15].

7 -

بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر [21: 44]

8 -

فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري [23: 110]

9 -

متعتهم وآباءهم حتى نسو الذكر [25: 18].

10 -

والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم [36: 37]

11 -

فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب [38: 32].

ص: 7

12 -

بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاء أمر الله [57: 14]

13 -

وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله [57: 14]

14 -

وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين [74: 46 - 47]

15 -

ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر [102: 1 - 2]

ولم يقع الفعل المضارع المرفوع بعد (حتى) الابتدائية إلا في قراءة نافع في قوله تعالى:

{حتى يقول الرسول} قرأ نافع برفع المضارع.

وجاءت (إذا) الشرطية بعد (حتى) الابتدائية في اثنين وأربعين موضوعًا.

الفراء لما عرض لقراءة نافع في كتابه (معاني القرآن) أطال الحديث عن (حتى) حتى أمل

شغل حديثها ست صفحات [1: 132 - 138]

وقد نقل عن الفراء أنه قال: أموت وفي نفسي شيء من حتى.

ويظهر أن هذا التطويل كان أثرًا من آثار ما يعتلج في نفس الفراء من (حتى).

ثم العاطفة

جاءت (ثم) العاطفة في مواضع كثيرة من القرآن: بلغت في إحصائي ثلاثين وثلثمائة موضع.

جاءت (ثم) في هذه المواضع كلها عاطفة للجملة على الجملة، والجار والمجرور على الجار والمجرور.

وللفعل على الفعل، ولم تقع في القرآن عاطفة اسما مفردًا على اسم مفرد لم هذا؟

أقول: الله أعلم بأسرار كتابه.

ص: 8

الفاء العاطفة

جاءت الفاء عاطفة مفردًا على مفرد، وجملة على جملة في القرآن. وكان عطفها للمفرد مقصورًا على عطف اسم الفاعل على اسم الفاعل، لم تتجاوز هذا كما في هذه المواضع:

1 -

والصافات صفا. فازاجرات زجرا. فالتاليات ذكرا [37: 1 - 3]

2 -

والذاريات ذروا. فالحاملات وقرا. فالجاريات يسرا. فالمقسمات أمرا [51: 1 - 4]

3 -

والسابحات سبحا فالسابقات سبقا. فالمدبرات أمرا [79: 3 - 5]

4 -

والمرسلات عرفا. فالعاصفات عصفا. والناشرات نشرا. فالفارقات فرقا. فالملقيات ذكرا

[77: 1 - 5]

5 -

والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا [100: 1 - 3]

6 -

لآكلون من شجر من زقوم. فمالئون منها البطون. فشاربون عليه من الحميم. فشاربون شرب الهيم [56: 52 - 55]

7 -

يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه [84: 6]

8 -

وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون [27: 35]

أما قوله تعالى:

وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب [4: 34]

فالصالحات مبتدأ خبره ما بعده. الجمل 1: 378.

لم لزمت الفاء في عطف المفرد عطف اسم الفاعل على اسم الفاعل، ولم تعطف غيره من الصفات أو من الأسماء؟

أقول: الله أعلم بأسرار كتابه.

ص: 9

توكيد أفعال الطلب

أفعال الأمر كثيرة جدًا في القرآن الكريم، أحصيت مواضعها، فبلغت 1848، ثمانية وأربعين وثمانمائة بعد الألف.

جاءت أفعال الأمر في هذه المواضع كلها غير مؤكدة بالنون في جميع القراءات العشرية المتواترة، وفي المشهور من الشواذ.

لماذا قال الله تعالى: {وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة} وكرر ذلك في اثنى عشر موضعًا، من غير توكيد للفعل بالنون، فلم يقل: وأقيمن الصلاة، وآتن الزكاة في موضع من المواضع.

هل يرجع ذلك إلى ثقف الفعل المؤكد بالنون؟

لو كان في الفعل المؤكد ثقل ما اجتمعت أفعال ستة مؤكدة في آية واحدة في قوله تعالى:

{ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} [4: 119].

توكيد أفعال الطلب قليل أو كثير

انفرد ابن هشام من بين النحويين في قوله: توكيد الطلب كثير المعنى (2: 23) في سيبويه: 1: 149: «فأما الأمر والنهي فإن شئت أدخلت فيه النون، وإن شئت لم تدخل» وكذلك قال عن بقية أفعال الطلب وقال المبرد في المقتضب (3: 12): «وإن شئت لم تأت بها فقلت: اضرب ولا تضرب» وانظر التسهيل لابن مالك: 216، الهمع (2: 78).

علام اعتمد ابن هشام في حكمه؟

لو احتكمنا إلى أسلوب القرآن لوجدنا توكيد الطلب فيه قليلاً، لا تتجاوز نسبته المئوية 1.6%

كل ما جاء من توكيد الطلب في القرآن كان في هذه المواضع:

ص: 10

أ- أكد المضارع بعد (لا) الناهية في 45 موضعًا، ومواضع (لا) الناهية تزيد عن 400 موضع.

ب- جاء المضارع مؤكدًا بالنون بعد (هل) الاستفهامية في قوله تعالى: فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ

[22: 15]

هذا هو كل ما جاء من توكيد المضارع في رواية حفص وفي غير رواية حفص اختلف في فعل واحد في موضعين:

أ- فلا تسألن ما ليس لك به علم [11: 46].

قرأ ابن عامر وابن كثير ونافع بتوكيد الفعل (تسألني) غيث النفع: 128، النشر (2: 289).

ب- إن ابتعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا [18: 70]

قرأ نافع وابن عامر بتوكيد الفعل غيث النفع: 157 الإتحاف 229 - 293 هذا هو كل ما أكد من المضارع في القراءات السبعية.

ومواضع أفعال الطلب في القرآن تقرب من ثلاث آلاف موضع. وبيانها:

1848 مواضع أفعال الأمر.

80 مواضع المضارع بعد لام الأمر.

102 مواضع المضارع المثبت بعد همزة الاستفهام.

40 مواضع المضارع المثبت بعد أي الاستفهامية.

20 مواضع المضارع المثبت بعد أنى الاستفهامية.

36 مواضع المضارع المثبت بعد (ما) الاستفهامية.

35 مواضع المضارع المثبت بعد (من) الاستفهامية.

50 مواضع المضارع المثبت بعد (هل) الاستفهامية.

30 مواضع المضارع المثبت بعد (كيف) الاستفهامية.

1 مواضع المضارع المثبت بعد (أين) الاستفهامية ولم يقع المضارع بعد (متى) ولا بعد (كم) الاستفهاميتين.

60 مواضع المضارع المثبت بعد أدوات العرض والتحضيض.

124 مواضع المضارع المثبت بعد لعل.

ص: 11

2 مواضع المضارع المثبت بعد ليت.

400 مواضع المضارع المثبت بعد (لا) الناهية.

2828

هل يكون توكيد الطلب كثيرًا في الشعر العربي؟

استقصيت مجموعة من دواوين العرب: مجموعة خمس دواوين، وهي: دواوين النابغة الذبياني. ديوان عروة بن الورد. ديوان علقمة بن عبدة ديوان حاتم الطائي. وكانت حصيلة هذا الاستقراء:

أ- ليس في ديوان عروة بن الورد، ولا في ديوان حاتم الطائي توكيد لفعل من أفعال الطلب.

ب- جاء توكيد المضارع بعد (لا) الناهية في موضعين من ديوان علقمة ص (5، 29).

ج- جاء توكيد المضارع بعد (لا) الناهية في ثمانية مواضع وموضع بعد هل من ديوان النابغة الذبياني: 13، 23، 37، 42، 51، 61، 63، 67.

أما شعر الفرزدق الذي مع هذه المجموعة فهو لا يمثل شعر الفرزدق شعر الفرزدق ديوانا ضخمًا نشره إسماعيل الصاوي، ولذلك لم أقرأه في هذه المجموعة.

وسأواصل - إن شاء الله - استقراء دواوين شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام. وما أظن أني سأقف على كثرة توكيد أفعال الطلب كما يزعم ابن هشام.

من هذا يتبين لنا أن توكيد أفعال الطلب قليل في هذه الدواوين، لم يتجاوز مواضع محصورة قليلة بعد (لا) الناهية. وتوكيد أفعال الطلب في القرآن إنما كان بعد (لا) الناهية في 45 موضعًا وفي موضع واحد بعد (هل) الاستفهامية.

ص: 12

الأفعال الثلاثية كثيرة جدًا في القرآن، مجردة ومزيدة.

أما الأفعال الرباعية فقد جاء منها فعل واحد في القرآن، على صورة واحدة في موضعين:

أ- أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور [100: 9]

ب- وإذا القبور بعثرت

[82: 4]

وبعض أفعال من مضاعف الرباعي، نحو: زلزل، وسوس.

ويرى الكوفيون أن نحو (زلزل) ثلاثي مزيد، لا رباعي مجرد.

كذلك الأسماء الثلاثية كثيرة جدًا في القرآن، مجردة ومزيدة.

أما الأسماء الرباعية فقد جاء منها في القرآن مثال جعفر: برزخ. خردل. سرمد. ومثال برثن. زخرف. سندس.

ومثال زبرج جاء بالتاء سلسلة. شرذمة، ولم يقع في القرآن من غير التاء. مثالان لهما نظير في القرآن، ومثالان لا نظير لهما في القرآن، والخامس بين بين.

الاسم الخماسي المجرد لم يقع في القرآن. قال أبو الفتح في الخصائص 1: 61: «ذوات الأربعة مستثقلة غير متمكنة تمكن الثلاثي. . . ثم لا شك فيما بعد من ثقل الخماسي وقوة الكلفة به» . أكثر أمثلة الخماسي من غريب اللغة سفرجل، جحمرش. جردحل. قذعمل.

الاسم الرباعي المزيد بحرفين غير المشتق جاء منه في القرآن ثلاثة ألفاظ:

العنكبوت: وقد كررت في آية واحدة في قوله تعالى:

كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت [29: 41]

ص: 13

وزمهرير، وقمطرير.

الاسم الخماسي المجرد لا يزاد عليه إلا حرف مد قبل الآخر، نحو:

حندريس. عضرفوط.

جاء في القرآن لفظان: زنجبيل. سلسبيل.

أما قرعبلانة فقال النحويون: انفرد بروايتها كتاب العين، وكل ما انفرد به كتاب العين لا يحتج به.

وهنا ظاهرة تستلفت النظر: الاسم الرباعي المزيد بحرفين، وكذلك الاسم الخماسي المزيد بحرف، وهذا غاية ما يصل إليه المزيد، قد اجتمع من النوعين أربعة ألفاظ في سورة واحدة، وهي سورة الإنسان:

1 -

إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا [76: 10]

2 -

لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا [76: 13]

3 -

ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا [76: 17]

4 -

عينا فيها تسمى سلسبيلا

[76: 18]

لم اجتمعت هذه الألفاظ الأربعة التي هي قمة الزيادة في سورة واحدة؟

ولم كان اجتماعها في سورة الإنسان دون غيرها من طوال المفصل أو قصاره؟

أقول: الله أعلم بأسرار كتابه.

اقتصرت في دراساتي القرآنية على تسجيل الظواهر اللغوية والنحوية من غير أن أعرض لها بتعليل لأمرين:

أ- التعليل يعتمد على الحدس والتخمين.

ب- يخفي علينا كثير من أسرار التنزيل.

ص: 14

النداء

1 -

لم يقع في القرآن نداء بغير (يا) وفي بعض القراءات تحتمل الهمزة أن تكون حرف نداء:

2 -

نادى الله ملائكته ورسله وأنبياءه بأسمائهم في القرآن:

1 -

يا آدم: جاء في خمسة مواضع: أربعة من الله، ونداء على لسان إبليس.

2 -

يا إبراهيم: جاء في أربعة مواضع: نداءان من الله، ونداء على لسان والده، وآخر على لسان قومه.

3 -

يا زكريا: نداء من الملائكة.

4 -

يا شعيب: جاء في ثلاثة مواضع على لسان قومه.

5 -

يا صالح: نداءان على لسان قومه.

6 -

يا عيسى: جاء في أربعة مواضع: ثلاثة من الله والرابع على لسان الحواريين.

7 -

يا لوط: نداءان على لسان قومه.

8 -

يا مالك: نداءان من المجرمين.

9 -

يا موسى: جاء في أربعة وعشرين موضعًا: أحد عشر من الله، وستة على لسان قومه، وثلاثة من فرعون، ونداءان من السحرة، ونداء من القبطي، ونداء من الناصح.

10 -

يا نوح: جاء في أربعة مواضع: اثنان من الله واثنان على لسان قومه.

11 -

يا هارون: نداء من موسى.

12 -

يا هود: نداء على لسان قومه.

13 -

يا يحيى: نداء من الله.

14 -

يوسف: نداء من العزيز وآخر من صاحبي السجين وحذف فيها حرف النداء.

ص: 15

القرآن الكريم نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس فيه (يا محمد).

وإنما ناداه الله تعالى بوصفه دون اسمه (يا أيها النبي. يا أيها الرسول. يا أيها المزمل. يا أيها المدثر).

وما ذاك إلا تكريم من الله عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا من الخصائص النبوية التي اختص بها الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

تكلم عن هذه القاضي عياض في الشفاء: 24 - 25، والبحر المحيط 1: 148 وتوقير الشخص بندائه بوصفه، لا باسمه من الآداب التي تركزت في طباع الناس إلى اليوم.

محمد عبد الخالق عضيمة

ص: 16